«نيويورك تايمز»: استياء سعودي من الولايات المتحدة بعد عصر من التبعية الطويلة

الثلاثاء 12 مايو 2015 01:05 ص

يرسل زعماء دول الخليج، بقيادة الملك «سلمان» رسائل علنية مكثفة تعبر عن الاستياء البالغ من إدارة الرئيس «باراك أوباما» بشأن سياساتها في المنطقة، حتى مع سعي الرئيس «أوباما» لطمأنتهم هذا الأسبوع من خلال اجتماعات كامب ديفيد.

ورغم تذمرهم من سياسات البيت الأبيض، وخاصة بشأن الاتفاق النووي الوشيك مع إيران، فإن السعودية وحلفاءها في الخليج يواجهون معضلة، فحتى مع قيامها / قيامهم بدور أكثر نشاطا في الدفاع عن نفسها/أنفسهم، لا يزال هناك اعتماد كلي تقريبا على واشنطن في قضايا الأمن.

«ويجب أن تتغير هذه التبعية وعليهم إدراك أن هذا يجب أن يتغير»، بحسب ما ذكرته الصحيفة عن «جان فرانسوا سيزنيك» أستاذ الاقتصاد السياسي الخليجي في كلية الدراسات الدولية المتقدمة في جامعة جونز هوبكنز.

ويقول محللون إن عقودا من التعاون ومليارات من الدولارات في صفقات الأسلحة جعلت الخليج يرتبط بعمق مع الولايات المتحدة وبريطانيا بشكل لا يمكن الفكاك منه سريعا وتحت أي ظرف. وتستضيف قطر أكبر قاعدة جوية للولايات المتحدة في المنطقة، كما تستضيف البحرين الأسطول الخامس للبحرية الأمريكية. كما إن جهودها الرامية لتحقيق شراكة عسكرية مع بعض الدول الإسلامية، مثل باكستان ومصر، لم تحقق نجاحا يذكر رغم عشرات المليارات من المساعدات.

وأضاف «سيزنك»: «تستخدم السعودية مقاتلات أمريكية الصنع في حملة القصف التي تقودها في اليمن الآن، ولكن قد يتوقف أي منها عن الطيران إذا رفضت الولايات المتحدة إرسال قطع غيار هذه الطائرات».

وقد دفع العديد من هذه المخاوف إلى تحولات في السياسة السعودية، ما جعل رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو» في إسرائيل إلى أن يتحدث عنها بكل صراحة. وتخشى العاصمتين من تركيز الرئيس أوباما على تحقيق اتفاق مع إيران، وهي بلد يعتبرونه معتدي عنيد، عمل على هز الالتزامات الراسخة بجذورها في الأرض من قبل واشنطن التي عززت النظام الإقليمي لفترة طويلة

وقد تسبب الشعور الخليجي بالإهمال من قبل واشنطن في أزمة ثقة، وتُوج هذا بإعلان الأحد أن الملك «سلمان» لن يحضر اجتماع هذا الأسبوع بعد أن قال البيت الأبيض إنه سيكون على رأس الحضور. وتحدث وزير الخارجية السعودي في واشنطن أمس الاثنين مؤكدا أن القرار غير مرتبط بأي خلاف بين البلدين.

وملك البحرين هو الآخر لن يحضر، وسيرسل ولي عهده بدلا منه. ومن بين ستة أعضاء في مجلس التعاون الخليجي، لن يحضر إلى  القمة سوى أمراء الكويت وقطر.

وأفادت الصحيفة أن مسؤولين أمريكيين يبذلون قصارى جهدهم للتهوين من الأمر، وتحدث «أوباما» مع الملك عبر الهاتف يوم الاثنين للتحضير للاجتماع، لكن استياء العاهل السعودي كان واضحا.

وقال «عبد الله الشمري»، محلل سياسي سعودي ودبلوماسي سابق، «إنها رسالة دبلوماسية تفيد أن المملكة العربية السعودية لا تتوقع أي شيء جديد من كامب ديفيد». وأضاف «يعلم الجميع أن المملكة العربية السعودية ليست راضية عن إدارة الرئيس أوباما، وخصوصا عندما يتعلق الأمر بالصفقة مع إيران وبرنامجها النووي».

وأردف «الشمري» متحدثا عن وجهة نظر عامة يراها الكل، وهي أن الحل للسعودية هو تقليل الاعتماد على الولايات المتحدة، وأن تزيد تعاونها مع قوى أخرى. «وبما أن الولايات المتحدة تحاول تقليل اعتمادها على النفط السعودي، يحاول السعوديون التخفيف قدر الإمكان من الاعتماد على التحالف الأمريكي».

لكنَ السعوديين لا يزالون يعتمدون بشكل كبير على الولايات المتحدة، وعلى بريطانيا وإن كان بشكل أقل، في كل فرع من فروع أجهزة أمنهم الداخلي والخارجي

وفي معرض حديثه عن حملة القصف ضد الحوثيين في اليمن بقيادة الرياض، كشف «بروس ريدل»، زميل في معهد بروكينجز، عن أن «سلاح الجو السعودي لا يمكن أن ينفذ مهمات يومية من دون مساعدة المدربين الأمريكيين وخبراء الصيانة وتدفق قطع الغيار والذخيرة».

وقال تقرير صدر مؤخرا عن خدمة أبحاث الكونجرس إن قرار السعودية تحديث وتوسيع قواتها الجوية بسرب من الطائرات الأمريكية المقاتلة من طراز «إف - 16» من شأنه أن يديم الاعتماد السعودي على قطع الغيار والتدريب المقدم من قبل المقاولين العسكريين والدفاعيين الأمريكيين.

وأضاف التقرير أن الولايات المتحدة تشارك أيضا في تدريب الجيش وتحديث الحرس الوطني السعوديين، كما إن المستشارين الأمريكيين الذين تدفع رواتبهم الحكومة السعودية هم «جزءا لا يتجزأ من قطاعات الصناعة والطاقة والمكاتب البحرية والأمن الإلكتروني داخل الحكومة السعودية».

وتربط السعودية والولايات المتحدة وبريطانيا علاقات استخبارية وثيقة، فقد اجتمع كبار المسؤولين من الدول الثلاث في كثير من الأحيان وتبادلوا المعلومات.

وبالإضافة إلى ذلك؛ فقد أشار «بروس ريدل» إلى أن عقود الطائرات المقاتلة ،والتي تشمل اتفاقات صيانة وقطع الغيار وتحديث البرمجيات، يمكن أن تستمر لسنوات، كما أنها تحكم قبضتها على عمليات حفظ الأمن في هذه البلدان لفترات بعيدة، ما يعني مصائر مشتركة في المستقبل.

وفقا لتقديرات الدكتور «سيزنيك»، من مدرسة الدراسات الدولية المتقدمة،فإن المملكة العربية السعودية أنفقت حوالي 500 مليار دولار لبناء جيشها خلال السنوات العشرين الماضية، ونحو ثلاثة أرباع من هذه الأموال ذهبت إلى الولايات المتحدة وحدها، وعلق بقوله: «وهذه مبالغ ضخمة للغاية».

وتعيش دول الخليج حالة من القلق في ظل الترجيحات بتوقيع الرئيس «أوباما» صفقة نووية مع إيران، ما يجعله يتغاضى عن السلوك الإيراني في المنطقة، ولا سيما التمكين لها لدى حلفائها وأتباعها في العراق وسوريا ولبنان واليمن.

وتخشى دول الخليج أيضا من أن أي تخفيف في العقوبات قد ينتج عنه اتفاق سيعطي إيران المزيد من المال لتمويل وكلائها.

وقال «سامي الفرج»، المحلل الكويتي ومستشار مجلس التعاون الخليجي، إننا «نفترض السيناريو الأسوأ، وهو أن إيران سوف تستمر في تطبيق نفس سياستها الخارجية من حيث السعي وراء مزيد من التدخل والنفوذ الذي معه سوف تشعر إيران أنه نتيجة لوجود هذا الاتفاق. لقد تركتنا الولايات المتحدة اليوم في إحساس من الوحدة».

وهناك بعض من دول الخليج بذلت جهودا لتنويع تحالفاتها.

ووقعت قطر مؤخرا صفقة أسلحة بمليارات الدولارات مع فرنسا، ويقال إن هناك صفقات مماثلة مع دول أخرى في الطريق. كما أعرب قادة الخليج عن تقديرهم للنهج المتشدد الذي تنتهجه فرنسا باستمرار في المحادثات النووية الايرانية، ما جعلهم يوجهون دعوة للرئيس «فرانسوا هولاند» لحضور اجتماع الأسبوع الأخير لمجلس التعاون الخليجي، ما يجعله أول رئيس دولة من خارج الحلف يشارك في مثل هذا الاجتماع.

ورأى «ريدل» أنه في الوقت الذي يمكن فيه أن تنتقل قطر بسرعة بما تملكه من جيش صغير نسبيا لإبرام صفقات أسلحة جديدة، فإن الأمر بالنسبة للسعودية سيستغرق وقتا أطول لدمج معدات عسكرية من موردين آخرين.

ومع ذلك، فإن المملكة العربية السعودية تطلب المساعدة من الدول الاسلامية مثل باكستان في حملة اليمن. ولكن على الرغم من تمويل البرنامج النووي الباكستاني وتقديم المساعدات الأخرى على مر السنين، أصاب السعوديون صدمة نتيجة رفض البرلمان الباكستاني بالإجماع إرسال قوات.

كما رفضت مصر إرسال أي قوة برية، رغم ما قدمته لها السعودية من مليارات الدولارات في صورة مساعدات في السنوات الأخيرة، ما كان سببا في بقاء حكومتها واقفة على قدميها.

وفي ظل هذا الرفض بالمشاركة من الحلفاء، يبدو أن دول الخليج عليها أن تخوض عملية طويلة من تعلم الاعتماد على النفس والبحث عن حلفاء آخرين.

وأضاف «سيزنك»: «هم دائما يريدون الولايات المتحدة كحامي وراعي، لكنهم يدركون أيضا أن عليهم الوقوف على قدميهم».

  كلمات مفتاحية

السعودية الولايات المتحدة قمة كامب ديفيد العلاقات السعودية الأمريكية الملك سلمان

الملك «سلمان» يبدي أسفه للغياب عن «كامب ديفيد» ومراقبون: مؤشر لعدم الترحيب بالاتفاق النووي

«واشنطن بوست»: غياب الملك «سلمان» عن كامب ديفيد يمثل صفعة مفاجئة لـ«جون كيري»

مخاوف الخليج التي لا يفهمها «أوباما» .. لماذا قررت السعودية الاعتماد على نفسها؟

«ذي إيكونوميست»: «أوباما» يقلب أوضاع حلفائه في دول الخليج

جدول أعمال كامب ديفيد: تأييد دول مجلس التعاون للصفقة مع إيران باهظ التكلفة

تنحي الولايات المتحدة جانبا سيكون ثمنه باهظا