فورين أفيرز: وصم الإخوان بالإرهاب يقوض مصداقية التصنيفات الأمريكية

السبت 18 مايو 2019 02:05 م

أواخر أبريل/نيسان، أعلن الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" أنه سيسعى لتصنيف جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية أجنبية. وجاء هذا الإعلان في أعقاب زيارة قام بها الرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي" إلى البيت الأبيض، وهو أحد المستبدين المفضلين لدى "ترامب" والعدو الأول للإخوان المسلمين. وقام "ترامب" سلفا بتوجيه وزارة الخارجية للنظر في تصنيف جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية عام 2017، لكنها قررت أن المتطلبات القانونية غير كافية لتصنيف الجماعة منظمة إرهابية أجنبية؛ لأنها ليست منظمة وحدوية، وليس لديها نمط ثابت من العنف.

ولم يتغير الإخوان منذ ذلك الحين. ويتم جمع العديد من الجماعات المرتبطة بالجماعة الأم في مصر بشكل فضفاض تحت اسمها، لكنها لا تشترك في قيادة مركزية، ولا يجمعها الكثير من المبادئ غير التفاني الواسع والولاء للإسلام. وتشمل الفروع الوطنية لجماعة الإخوان المسلمين منظمات متنوعة مثل حزب "حركة النهضة"، أحد أعمدة الديمقراطية في تونس، وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في غزة، التي صنفتها الولايات المتحدة بالفعل منظمة إرهابية. لكن ما تغير هو البيت الأبيض. فقد غادر معظم أعضاء إدارة "ترامب" الذين اعترضوا على هذه الخطوة في السابق، بما في ذلك وزير الخارجية السابق "ريكس تيلرسون"، وتم استبدالهم بآخرين لا يقولون "لا"، مما سمح لـ"ترامب" بتجاهل المعايير القانونية والتاريخية لتصنيف المجموعات المختلفة كمنظمات إرهابية أجنبية.

ونظرا لأن هذه الخطوة مصممة في النهاية لتكون ميزة لـ"السيسي"، فقد ينتهي الأمر باستهداف "ترامب" جماعة الإخوان المسلمين المصرية، الفرع الأصلي والأكثر شهرة. وتأسست جماعة الإخوان المصرية عام 1928 على يد "حسن البنا"، ولعبت دورا حاسما في المعارضة الفعلية لسلسلة من الحكام المصريين. ورغم حظرها رسميا منذ عقود، ظل تأثيرها في المجتمع المصري واسع الانتشار. وفي السبعينيات من القرن الماضي، أعلنت جماعة الإخوان المسلمين تخليها عن العنف، وحافظت على هذا الالتزام منذ ذلك الحين. ولهذا السبب، من غير المرجح أن يصمد تصنيف الجماعة كمنظمة إرهابية إذا تم الطعن عليه أمام المحكمة.

وتركز الكثير من النقاش حول اقتراح "ترامب" على التداعيات المحتملة للتصنيف على المنظمات المرتبطة بالإخوان وأعضائها. فحتى لو صنفت واشنطن جماعة الإخوان المصرية فقط، فإن هذه الخطوة ستصنف مئات الآلاف من الناس على أنهم إرهابيون. وستوفر الولايات المتحدة غطاء لحكومة "السيسي" لتوسيع نطاق الحملة الوحشية الجارية بالفعل. ويتم سجن قيادات الإخوان في مصر أو إجبارهم إلى المنفى، ويعيش العديد من أعضاء الجماعة في خوف من الاعتقال على أيدي مخابرات "السيسي". ومن شأن تصنيف جماعة الإخوان منظمة إرهابية أن يعزز استبعاد أعضائها من السياسة التقليدية، الأمر الذي من شأنه أن يحفز التطرف وانتشار الجماعات المنشقة العنيفة.

وفي الولايات المتحدة، قام اليمين السياسي منذ فترة طويلة بتشويه جماعة الإخوان المسلمين، ويمكنه استخدام التصنيف الجديد لاستهداف مجموعة من الجماعات التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها وتربطها صلات بالإخوان المسلمين، مثل "مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية" (كير). ومما لا شك فيه أن التصنيف سيتم اعتباره تأكيدا لنظريات المؤامرة المختلفة حول جماعة الإخوان، مثل تلك التي تصورها على أنها القلب النابض للتطرف الإسلامي؛ ما سيغذي "الإسلاموفوبيا" في الولايات المتحدة.

ومن المرجح أن يحدث التصنيف أضرارا خطيرة لسياسة مكافحة الإرهاب الأمريكية. فمنذ أن تم سنه في عام 1996، كان القانون الذي تقضي بموجبه الحكومة الفيدرالية في إدراج منظمة ما في قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية وأداة أساسية في مكافحة الجماعات الإرهابية. ويمنح القانون حكومة الولايات المتحدة سلطة فرض عقوبات مثل تجميد الأصول الإرهابية في الولايات المتحدة، والضغط على الدول الأخرى لتحذو حذوها. كما أنه يوفر الأساس لمحاكمة الأشخاص المنتمين لها لدعمهم الجماعات الإرهابية.

أداة قوية

ويوفر القانون أداوات قوية لتحجيم المنظمات الإرهابية. على سبيل المثال، فإن تجميد 7 ملايين دولار من أموال تنظيم القاعدة في البنوك الأمريكية، كما فعلت الولايات المتحدة منذ عام 1999، سبب للمجموعة انتكاسة كبيرة. وحاكمت الولايات المتحدة العشرات من الأشخاص بتهم الدعم المادي للإرهاب، بمن فيهم المقاتلين الأجانب المحتملين في تنظيم "الدولة الإسلامية"، الذين تم منعهم من السفر إلى العراق وسوريا بسبب التشريع. ومن بين الحالات البارزة حالة الليبي "أحمد أبو ختالة"، زعيم جماعة "أنصار الشريعة" في بنغازي، التي صنفتها وزارة الخارجية الأمريكية منظمة إرهابية بعد تورطها في مقتل السفير "كريستوفر ستيفنز"، و3 أمريكيين آخرين، في بنغازي عام 2012. وألقت القوات الخاصة الأمريكية القبض على "أبو ختالة" عام 2014، وتم اتهامه بمجموعة من الجرائم، بما في ذلك القتل. وفي نهاية المطاف، لم يتمكن الادعاء من التمسك بمعظم التهم، لأنه كان يفتقر إلى أدلة على وجود "أبو ختالة" أثناء الهجوم. لكنه تمت إدانته بتهمة الدعم المادي، ويقضي الآن عقوبة بالسجن لمدة 22 عاما.

وقبل كل شيء، تحد سلطة نظام التصنيفات من قدرة الولايات المتحدة على حشد الدعم من الحكومات والمنظمات الدولية الأخرى. وعندما تطلق واشنطن تصنيفا محكما لجماعة مرتبطة بتنظيم القاعدة على سبيل المثال، تحذو الأمم المتحدة حذوها دائما، وتدرج المجموعة ضمن نظام الجزاءات المفروضة على تنظيم القاعدة. ويلزم هذا النظام جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، ويعني هذا أنها جميعا تكون مطالبة بتجميد أصول مجموعات أو أفراد معينين، ومنعهم من السفر، وضمان عدم تمكنهم من الحصول على الأسلحة. وأرسى النظام الأمريكي الأسس لدول أخرى أصغر لإدارة التهديدات الإرهابية داخل حدودها. وفي عام 2008، صنفت وزارة الخارجية حركة "راجا سليمان" المتمركزة في الفلبين منظمة إرهابية أجنبية، وهي جماعة متمردة لها صلات بجبهة "مورو" الإسلامية الانفصالية، التي تشن حملة مستمرة منذ عقود ضد حكومة مانيلا. كما نجحت في الضغط على الأمم المتحدة لإدراج المجموعة في نظامها من العقوبات. وإذا لم تكن الولايات المتحدة اتخذت هذه الخطوات، لم تكن حكومة الفلبين أن تمتلك الأساس لمتابعة مبادرات إنفاذ القانون ومكافحة الإرهاب التي أضعفت المجموعة وهزمتها في نهاية المطاف عام 2009.

ويتخذ الاتحاد الأوروبي العديد من قرارات تصنيفاته للجماعات الإرهابية على أساس قرارات الولايات المتحدة. وفي 2013، بعد جهود ضغط متضافرة من قبل الولايات المتحدة، اعتبر الاتحاد الأوروبي الجناح العسكري لـ"حزب الله" منظمة إرهابية. ولم تكن هذه الخطوة سوى نجاحا جزئيا؛ حيث صنفت الولايات المتحدة الحزب بأكمله منظمة إرهابية، وتأمل أن يقوم الاتحاد الأوروبي بنفس الشيء، لكنه لا يزال إنجازا مهما يحد من قدرة "حزب الله" على جمع الأموال وشراء العتاد في أوروبا. وتضفي قوة النظام الأمريكي شرعية على تصنيفات الاتحاد الأوروبي. على سبيل المثال، في عام 2018، خسرت "حماس" دعوى قضائية اعترضت فيها على تصنيفها منظمة إرهابية لدى الاتحاد الأوروبي؛ لأن محكمة العدل الأوروبية وجدت أن نظام الولايات المتحدة، الذي يدرج "حماس" أيضا في قائمته للمنظمات الإرهابية، كان ذا مصداقية، وأنه وفر الإجراءات القانونية الواجبة.

تراجع المصداقية

أما إذا تابعت إدارة "ترامب" إجراءاتها لتصنيف جماعة الإخوان المسلمين وإدراجها في قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية، فسوف تؤدي إلى تآكل قوة ومصداقية التصنيفات الأمريكية. وقد ترى بلدان أخرى أن هذه الخطوة غير منطقية، وربما تقوض تصنيفات الاتحاد الأوروبي الحالية التي تعتمد على الجهود الأمريكية. وتضررت القيادة الأمريكية العالمية لمكافحة الإرهاب بالفعل بقرار إدارة "ترامب" تصنيف فيلق "الحرس الثوري الإسلامي الإيراني" منظمة إرهابية أجنبية الشهر الماضي، وهي المرة الأولى التي يتم فيها تطبيق أداة قانونية مصممة للتعامل مع الجهات الفاعلة غير الحكومية على جزء من دولة معادية. وأضعفت هذه الخطوة مصداقية الولايات المتحدة، عبر إظهار أن الإدارة مستعدة لاختراق القواعد القانونية من أجل تهديد أعدائها. ومن شأن تصنيف جماعة الإخوان المسلمين كذلك أن يسرع من فقدان النفوذ الأمريكي.

ويعد الركن الأساسي الذي يستند إليه نظام التصنيفات الإرهابية هو العقوبات. وتعمل العقوبات بشكل أفضل عندما تكون مبنية على حجج قوية تستخدمها الدول الأخرى لتبرير اتباع الولايات المتحدة. وتفقد العقوبات قيمتها عندما تبدو أشبه بعبارات الخطابات الرئاسية، أو عندما تكون مصممة لأجل استرضاء حكام آخرين. وقد أضرت العقوبات الأمريكية الجديدة على إيران بالفعل بشرعية العقوبات الأمريكية، وخلقت استياءً بين شركاء الولايات المتحدة التقليديين. وسيكون من الخطأ إضعاف نظام التصنيفات، وبالتالي زيادة احتمالية ألا تدعم البلدان الأخرى العقوبات الأمريكية.

لقد خسرت التنظيمات الإرهابية إلى حد كبير، لكنها لا تزال تشكل تهديدا خطيرا. ومع ذلك، كانت سياسة الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب ناجحة بشكل ملحوظ، وهي حقيقة محجوبة من قبل السياسيين والمعلقين الذين يروجون للخوف، وكان نظام الإدراج في قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية، والعقوبات المرتبطة به، سببا مهما وراء ذلك. ويعد إفساد هذا النظام فكرة سيئة.

المصدر | فورين أفيرز

  كلمات مفتاحية

سيناتور أمريكي: قوى بالدولة العميقة تعرقل تصنيف الإخوان إرهابية

الإخوان وبايدن.. انفراجة منتظرة مشوبة بالحذر من سيناريو أوباما

مجددا.. الشيوخ الأمريكي يبحث إدراج الإخوان على قائمة الإرهاب

من جديد.. الشيوخ الأمريكي يبحث تصنيف الإخوان منظمة إرهابية