النازحون من الرمادي عرفوا أن مدينتهم ستسقط لكن سياسيو بغداد لم يعرفوا!

الأربعاء 3 يونيو 2015 03:06 ص

مع تمكّن تنظيم "داعش" من احتلال معظم محافظة الأنبار وقيامه برفع أعلامه فوق مباني الحكومة المحليّة بالرماديّ في 17/5/2015، انشغل العراقيّون بتبادل الإتّهامات في شأن مسؤوليّة هذا الإنهيار، وفي ظرف يحتاج إلى استخدام العقل وتوطيد الوحدة الوطنيّة، استعادت السياسة العراقيّة، على العكس، أجواء التّسقيط السياسيّ المتبادل، وأثناء ذلك، لم ينل الجانب الإنسانيّ من الأحداث والمتمثّل بقدوم عشرات الآلاف من نازحي الأنبار إلى بغداد، الاهتمام اّلذي يستحقّ.

وشكّل سقوط الرماديّ أحد المصائب، الّتي تلقّتها السلطات بحيرة وعدم دراية، رغم أنّ الحدث لم يكن مفاجئا، ففي 19/4/2014، نزح 114 الف بحسب بيان للأمم المتحدة من أهالي الرماديّ والمناطق المحيطة بها إلى بغداد، وكان موقف السلطات الحكوميّة محل استغراب، إذ طمأنتهم إلى عدم وجود خطر على بغداد، وانتقدت خروجهم منها، وأثارت الشكوك في شأنه.

ولكن بعد مرور شهر واحد على هذا النزوح، سقطت الرماديّ بالفعل في يدّ تنظيم "داعش"، وكان معظم سكّانها قد غادروها ليغادرها أثناء السقوط آلاف آخرون.

وفي هذا السّياق، قال الشيخ عارف الدليمي، وهو شخصية عشائرية مهمة من الرمادي وقد نزح من المدينة أيضا، لـ"المونيتور": "إنّ المعلومات الّتي كانت متوافرة لدى الأهالي، هي متوافرة بالضرورة لدى الأجهزة الأمنيّة، وتفيد بأنّ تنظيم داعش كان منذ شهرين ينقل مقاتلين وأسلحة إلى المناطق الّتي يسيطر عليها في القائم والثرثار ومحيط الفلّوجة، فضلا عن بلدات هيت وعانة وراوة والرّطبة".

وأضاف: "لقد وجّهت إلينا، ونحن نعبر نقطة بزيبز في الطريق إلى بغداد، إتّهامات بالتّعامل مع داعش، بيد أنّنا هربنا من الموت، الّذي ينتظرنا على يدّ داعشّ".

ورغم هذه الحقيقة، كانت الماكينة الإعلاميّة القريبة من السلطات تتحدّث بين 19 أبريل/نيسان و18 مايو/أيّار عن أمر مختلف تماما، إذ كانت تدّعي أنّ دخول النّازحين إلى بغداد هدفه إسقاط العاصمة، مستندة بالطبع إلى تصريحات القيادات الأمنيّة والسياسيّة الصادرة في 17 مايو/أيار الّتي ادّعت عدم وجود مبرّر لهذا النّزوح الهائل والمفاجئ، ووصفت نزوح اللاّجئين بمصطلح "حصان طروادة" السيء الصيت.

وتتمّة لهذه المخاوف والمواقف غير الكريمة، واجه النّازحون إجراءات معقّدة لدخول عاصمة بلادهم، ومن بينها ضرورة جلبهم لكفيل.

بينما منع محافظ بابل القريبة صادق مدلول السلطاني في 19 أبريل/نيسان دخول اللاّجئين إليها، ولاسيّما الشباب منهم.

وفي هذا الإطار، نقل النّاطق باسم وزارة الداخليّة العراقيّة العميد سعد معن لـ"المونيتور" صورة أخرى عن سلوك السلطة مع النّازحين، لافتا إلى أنّ وزارته فعلت ما في وسعها لاستقبال أكبر عدد من النّازحين، من دون أن تهمل الضرورات الأمنيّة في بغداد، وقال: "هناك الكثير من المبالغات في قضيّة الكفيل، فالأجهزة الأمنيّة العراقيّة تحاول العمل بالمتاح لاحتواء عشرات الآلاف من السكّان، وقد أصدرت الحكومة تعليمات مشدّدة للتّعامل الإنسانيّ مع موجات النّازحين وتوفير كلّ الحاجات الضروريّة لهم".

وما قاله النّاطق باسم وزارة الداخليّة لا ينفي حصول إجراءات أساءت إلى نازحي الأنبار، وخلّفت الكثير من ردود الفعل عندهم، وكانت مناسبة ليعتبرها زعيم تنظيم "داعش" أبو بكر البغدادي في كلمة صوتيّة بثّت في 16/5/2015 نموذجا لتعامل "الشيعة" مع "السنّة"، داعيا أهالي الأنبار إلى العودة لمنازلهم.

ومن الواضح أنّ نازحي الأنبار لم يستجيبوا لدعوة البغدادي، مثلما لم يستجب قبل ذلك مئات الآلاف من نازحي صلاح الدين والموصل وديالى، مفضّلين العيش كنازحين في ظروف صعبة تحت ظلّ حكومة بغداد أو حكومة إقليم كردستان، على العيش تحت ظلّ "داعش".

وفي سياق أزمات استقبال النّازحين، برز نموذجان في التّعامل معهم:

الأوّل هو الّذي انتهجته حكومة إقليم كردستان، الّتي كانت قد فرضت نظام الكفيل على العرب منذ العام 2006 عندما اصبح الوضع الامني في اقليم كوردستان عرضة لخروقات امنية، ولكنّها أمام موجة نزوح الموصل في يونيو/حزيران من عام 2014 رفعت ذلك النظام، واحتوت النّازحين، ووفرت ما يمكن توفيره من المساعدة لهم. وكان لهذا الموقف أثر عميق على تلطيف العلاقات الاجتماعيّة، الّتي كانت متوتّرة بين السنّة والأكراد طوال سنوات.

أمّا النموذج الثاني فهو ما انتهجته بغداد إزاء النّازحين، ولا سيّما نازحي الأنبار، المليء بالتشنّج والشكوك والخوف، وضيّعت معه فرصة تحقيق تقدّم إجتماعيّ حاسم في ملف الخلافات السنيّة - الشيعيّة عبر كسب النّازحين.

والحديث هنا يشير نسبيّاً إلى الموقف الرسميّ للحكومة، الّتي فتحت في النهاية أبواب بغداد أمام النّازحين، ويرتبط ويتأكّد بمواقف الفعاليّات الإجتماعيّة والنخب والأحزاب ووسائل الإعلام والقوى الأمنيّة. فبدل أن تحوّل هذه القوى لجوء أهالي الأنبار إلى أحضان عاصمتهم مناسبة لتكريس العمل الموحّد في محاربة "داعش"، واصلت العزف على أنغام التفرقة الطائفيّة، الّتي قدّمت خدمات مجانيّة إلى "داعش".

ومنذ النّزوح الكبير الأوّل لأهالي الرماديّ في التّاسع عشر من أبريل/نيسان الماضي، مارست القيادة السياسيّة أخطاء مترابطة، فهي لم تقرأ الأسباب الحقيقيّة لهذا النّزوح فقط، بل شكّكت بالغرائز السياسيّة للنّازحين ومعرفتهم بما يدور حولهم، ثمّ قلّلت من يقظتها هي وسرعة تدابيرها في مواجهة "داعش"، الّذي استطاع في النهاية اكتساح المدينة.

وواصلت القيادة قراءتها الخاطئة في عدم تحقيق احتواء إنسانيّ ووطنيّ للنّازحين، ومن خلال ذلك كان يمكن أن تحسّن العلاقات المتدهورة بين السنّة والشيعة. إنّ فرصاً حقيقيّة ضاعت حتّى الآن على مستوى توطيد الوحدة الوطنيّة لمواجهة العدوان الإرهابيّ، ورغم الأخطاء السّابقة، هناك اليوم إجماع عراقيّ جديد على ضرورة تحرير الأنبار من براثن التّنظيم الإرهابيّ.

ولا شكّ في أنّ هذا الإجماع يشكّل مناسبة جديدة لاستثمار كلّ الطاقات لتحقيق هذا الهدف، وذلك بالإبتعاد عن سياسة الشدّ والتّرويج الطائفيّين، واقتراب الجيش والقوى الأمنيّة و"الحشد الشعبيّ" من آمال سكّان الأنبار، وأن يتمّ تدريب وتجهيز في شكل سريع وحدات عسكريّة من النّازحين أنفسهم لتكون في صدارة المحرّرين.

  كلمات مفتاحية

العراق النازحون الرمادي بغداد الكفيل

وزارة الهجرة: أكثر من 3 مليون نازح عراقي جراء المعارك مع «الدولة الإسلامية»

العراق يبدأ عملية عسكرية لتحرير الأنبار وواشنطن تؤكد التزامها بدعم الحكومة

«بايدن» يشيد بشجاعة القوات العراقية بعد انتقاد «كارتر» لانسحابها في الرمادي

«كيري» يتعهد بقلب الأوضاع ضد «الدولة الإسلامية» بعد سيطرته على الرمادي

«البنتاغون» يعد بمساعدة القوات العراقية في استرجاع الرمادي من تنظيم «الدولة الإسلامية»