مهمة أمريكية سرية لعلاج «الملك عبدالعزيز» وراء توطيد علاقة واشنطن بالرياض

الثلاثاء 9 يونيو 2015 07:06 ص

لم تكن العلاقات السعودية الأمريكية وليدة اللحظة، لكنها مرت بمراحل من الاضطرابات والاختلافات حتى ارتبطت الدولتان ببعضهما ارتباطا وثيقا قبل ستة عقود، حين أرسل الرئيس الأمريكي آنذاك «هاري ترومان» طبيبه الشخصي لعلاج العاهل السعودي «عبدالعزيز آل سعود» من التهاب المفاصل المزمن الذي يعاني من آلامه على نحو متزايد».

ففي فبراير/شباط عام 1950، أرسل السفير الأمريكي لدى السعودية طلبا غير متوقع وغير معتاد إلى وزارة الخارجية الأمريكية، جاء فيه: «جلالته يطلب مساعدتنا في الحصول على خدمات فورية لأخصائي بارز يمكنه أن يتوجه برفقة أحد المساعدين إلى السعودية لفحصه وعلاجه من التهاب المفاصل المزمن الذي يعاني من آلامه على نحو متزايد وأصابه بالوهن».

جاء هذا الطلب في فترة اتسمت فيها العلاقات الأمريكية السعودية بـ«التعقيد». فقد كانت الولايات المتحدة تستأجر مطار الظهران، لكن عددا كبيرا من السعوديين وعلى رأسهم رجال الدين الأكثر تحفظا كانوا يرفضون أي وجود عسكري أمريكي في بلادهم.

وكان الملك «عبد العزيز آل سعود» نفسه لا يزال متحفظا إزاء اعتراف أمريكا بدولة (إسرائيل). وكانت هناك مفاوضات جارية بشأن كيفية تقسيم أرباح شركة «أرامكو» النفطية التي تشارك في ملكيتها شركات سعودية وأمريكية.

صاحب نفوذ

وكان الملك زعيما قويا وصاحب نفوذ ونجح في توحيد المملكة العربية السعودية، لكنه كان طاعنا في السن، وتسببت آلام القدم وتورمها جراء التهاب المفاصل في تقييد حركته بشكل كبير وجعلته يستخدم كرسيا متحركا.

وحينما شاهده الأمريكيون بالفعل، وصفه أحدهم قائلا إنه «حينما يتحرك كان القريبون منه يسمعون صرير عظامه».

وأرسلت وزارة الدفاع الأمريكية اثنين من الأخصائيين وعددا من العسكريين السابقين بالإضافة إلى فنيي أجهزة طبية. لكن الرئيس «ترومان» أضاف إليهم طبيبه الشخصي العميد «والاس اتش غراهام» للانضمام إلى هذه الرحلة لعلاج الملك.

وأبلغ وزير الخارجية الأمريكي السابق «دين اتشيسون» السفارة الأمريكية في جدة بأن الرئيس الأمريكي يريد من الجنرال «غراهام» «رعاية صديقه العظيم والرائع» قاصدا ملك السعودية وأن يرأس الفريق الطبي لوزارة الدفاع، وذلك في برقية كانت سرية آنذاك وموجودة الآن ضمن ملفات الأرشيف الوطني الأمريكي.

انطلاق رحلة العلاج

وانطلقت المهمة من واشنطن في 15 أبريل/نيسان عام 1950، وكانت صغيرة وسرية. 

وأرسلت الحكومة السعودية برقية طارئة إلى سفيرها في واشنطن لمطالبة «ترومان» «بعدم السماح بإبلاغ نبأ سفر الفريق الطبي إلى هنا سواء عبر الصحافة أو الإذاعة»، خشية من انتشار الشائعات حول مرض الملك وتنازله عن العرش.

وبعد رحلة استمرت ثلاثة أيام، وصلت هذه المجموعة إلى السعودية، والتقى أفرادها بالملك، الذي «كان يتطلع لوصول هؤلاء الأطباء بفارغ الصبر وبحماس شديد»، بحسب وصف هايورد هيل الذي كان يعمل مستشارا لدى السفارة الأمريكية آنذاك.

وبالرغم من مؤهلاته كطبيب، فإن وجود الجنرال «غراهام» في هذه الرحلة كان أيضا لتخفيف الاحتقان السياسي بين الجانبين، وهو الأمر الذي أشار إليه «غراهام» بنفسه في أول لقاء جمعه بالعاهل السعودي «عبد العزيز آل سعود».

وفي عام 1989، أبلغ «غراهام» أحد المؤرخين الشفهيين بأن الآلام التي كان يعاني منها العاهل السعودي «عبد العزيز آل سعود» كانت شديدة. وأن التهاب المفاصل أعاق العاهل السعودي الراحل «عبد العزيز آل سعود» عن أداء مسؤولياته وعرقل سفره خارج البلاد.

وأضاف: «كان يعاني من تخلخل في عظام مفاصل الركبة وكان يعاني من تخلخل وخشونة في الغضروف وتفتت في عظام الغضروف». وحث «غراهام» العاهل السعودي على السفر للولايات المتحدة لإجراء عملية جراحية، لكنه رفض.

وبالرغم من رفضه الخضوع للجراحة، فإن العلاج الذي كان يتلقاه الملك «عبد العزيز» خفف عنه بعض الألم، لدرجة أنه بدأ يستعيد بعض المسؤوليات في إدارة شؤون البلد كانت أوكلت سابقا لنجله، وبدأ يتخلى عن كرسي المقعدين الذي كان يستخدمه باستمرار والتجول «براحة كبيرة وركبتيه مستقيمتين تماما».

توطيد العلاقات

وذكر السفير «تشايلدز» لوزير الخارجية «اتشيسون» أن هذه المهمة نجحت في إيجاد «قدر كبير من المشاعر الطيبة»، ووطدت هذه الرحلة العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية. 

وفي أغسطس/آب من العام التالي، مرض العاهل السعودي مرة أخرى بسبب معاناته «بآلام شديد واضطرابات في الجزء الأسفل من البطن».

وفي مذكرة للرئيس «ترومان»، أوصى «اتشيسون» بشدة بأن يسافر الجنرال «غراهام» وطبيب آخر إلى السعودية على الفور.

وقال السفير «اتشيسون» إن إرسال الجنرال «غراهام» للسعودي لم يكن فقط «محل تقدير عميق» من جانب العاهل السعودي «عبد العزيز آل سعود»، لكنه كان عملا سياسيا فذ مهد الطريق أمام التوقيع الأخير لاتفاقية مبشرة للغاية بين الولايات المتحدة والسعودية.

وتمثل اتفاقية الدفاع المشترك أساس التعاون العسكري بين البلدين وهي ممتدة حتى اليوم بالرغم من فترات الاضطراب بين الحين والآخر.

وأقر الرئيس «ترومان» هذه المهمة، وخلال لقاء بين الجنرال «غراهام» والعديد من المتخصصين في الطب مع الرئيس «ترومان» في البيت الأبيض عام 1951 قبل أيام من المغادرة، توقف الرئيس «ترومان» وأدلى بتصريح لافت عن أهمية العاهل «عبد العزيز آل سعود» والمملكة للولايات المتحدة.

وكتب «غراهام» أن «الرئيس أبلغ المجموعة أنهم سيخرجون في مهمة هامة لرجل عظيم»، وأضاف الرئيس لهم «إنه صديقنا».

  كلمات مفتاحية

السعودية أمريكا الملك عبدالعزيز واشنطن الرياض العلاقات السعودية الأمريكية

70 عاما على اجتماع «روزفلت» و«عبد العزيز» .. الشراكة السعودية الأمريكية قادرة على البقاء

«فورين بولسي»: العلاقات السعودية الأمريكية لن تتغير في عهد الملك «سلمان»

مستقبل العلاقات السعودية الأمريكية وخطط التقارب بين واشنطن وطهران

السعودية وأمريكا .. من المؤسس إلى الحفيد

صورة تشرح علاقة الولايات المتحدة بالسعودية

الولايات المتحدة والسعودية: زواج بلا حب