التاريخ السري لتحالف (إسرائيل) مع ديكتاتورية شاه إيران

الاثنين 1 يوليو 2019 05:07 ص

يصادف هذا العام الذكرى الأربعين للثورة الإسلامية في إيران، التي سيطر فيها "الخميني" على البلاد، وأسقط ملكية الشاه المطلقة. وأطاحت الجماهير الإيرانية، التي كانت تشهد تغيرات أيديولوجية مختلفة في ذلك الوقت، بنظام الشاه الفاسد والقمعي.

وكتب الكثيرون على مر السنين عن علاقات (إسرائيل) مع الشاه "محمد رضا بهلوي" وديكتاتوريته، لكن عندما سمحت رقابة الجيش الإسرائيلي والمسؤولين السياسيين والأمنيين في (إسرائيل)، تم الكشف عن معلومات جديدة ووثائق سرية من تلك الفترة لعامة الناس.

في الآونة الأخيرة، تم رفع السرية عن ملفات وزارة الخارجية المتعلقة بالعلاقات مع إيران، ويمكن العثور عليها الآن في أرشيف الدولة الإسرائيلي. وتشمل هذه أكثر من 10 آلاف صفحة من عام 1953 وحتى عام 1979، والتي كانت تخضع للرقابة الشديدة.

وتعرض الوثائق صورة لعلاقات (إسرائيل) الواسعة والاستثنائية مع دولة أجنبية، ولا تعد هذه العلاقات استثنائية فقط لأنها كانت مع دولة إسلامية، لكن لأن العلاقة مع دكتاتورية الشاه كانت استراتيجية ومحورية لـ(إسرائيل) من الزوايا الأمنية الاقتصادية والسياسية، بينما كانت علاقات (إسرائيل) مع العديد من الدول الأخرى في ذلك الوقت مقتصرة بشكل رئيسي على مبيعات الأسلحة مقابل التصويت في المنتديات الدولية.

على سبيل المثال، اشترت (إسرائيل) جزءا كبيرا من نفطها -وفي بعض السنوات كل نفطها- من نظام الشاه، بينما استخدمت إيران (إسرائيل) كوسيط لبيع نفطها إلى دول ثالثة. وكان التحالف حول النفط يتطلب أن تضمن (إسرائيل) والشاه سلامة طرق الشحن. وعزز هذا الأمر شراكتهما ضد المحاولات المتكررة التي قام بها الرئيس المصري الراحل "جمال عبدالناصر" (تولى الرئاسة بين عامي 1954 و1970) لتشجيع التحالفات الأيديولوجية والعسكرية في جميع أنحاء الشرق الأوسط، التي كانت معادية لإيران و(إسرائيل)، وخاصة في دول الخليج وشبه الجزيرة العربية.

كانت الشركات الإسرائيلية الخاصة والمملوكة للدولة تعمل على نطاق واسع في إيران من شركات المنسوجات والزراعة والأجهزة الكهربائية والمياه والأسمدة والبناء والطيران والشحن والغاز والإطارات. وفي بعض السنوات، كانت إيران واحدة من الوجهات الرئيسية للصادرات الإسرائيلية وفي الوقت نفسه، تمتعت الأكاديميات الإسرائيلية أيضا بتعاون مكثف نسبيا مع الأكاديميين في إيران.

اعتراف غير رسمي

اعترفت إيران بحكم الأمر الواقع بـ(إسرائيل) في مارس/أذار 1950، لكن في ظل الضغوط الداخلية من قبل أولئك الذين عارضوا (إسرائيل) وسياسات الشاه المؤيدة للغرب والمؤيدة لأمريكا وكذلك الضغوط الخارجية من قبل الدول العربية، تجنبت إيران الاعتراف بـ(إسرائيل) رسميا.

كان للشاه تمثيل "سري" في تل أبيب ابتداء من عام 1961، وكان لـ(إسرائيل) تمثيل دائم في طهران أصبح في وقت ما سفارة تضم ملحقين عسكريين. ونظرا للطبيعة الحساسة للاتفاقية، امتنع الممثلون الإسرائيليون في إيران عموما عن إجراء علاقات مع نظام الشاه من خلال البيروقراطيين في وزارة الخارجية والوزارات الحكومية الأخرى. وبدلا من ذلك، نفذوا أعمالهم عبر دائرة ضيقة من السياسيين الموالين للشاه، فضلا عن الرتب العليا لمؤسسة الدفاع الإيرانية. وفي بعض الأحيان كانت تلك العلاقات تُجرى مباشرة مع الشاه نفسه ووزير الديوان الملكي.

على مر السنين، حاولت (إسرائيل) إخفاء تورطها في أعمال الأجهزة الأمنية والقمع الذي مارسه الشاه، إلا أن الجمهور الإيراني كان على علم جيد بمساعدات (إسرائيل) للنظام، وعلى وجه الخصوص علاقات (إسرائيل) الوثيقة مع جهاز الأمن التابع للشاه (السافاك)، الذي كان مسؤولا عن الاضطهاد السياسي والتعذيب وقتل المعارضين السياسيين.

وبالنظر إلى اتساع العلاقات بين البلدين، سنركز على الوثائق المتعلقة بالمساعدة الإسرائيلية للأجهزة الأمنية وعمليات القمع التي نفذها الشاه، الأمر الذي أدي في النهاية إلى سقوطه؛ حيث تشهد هذه الوثائق على عمق التورط الإسرائيلي، وأهمية هذه العلاقة الاستراتيجية بالنسبة لها، والخوف من عواقب سقوط الشاه، وهو القلق الذي أصبح واضحا في السنوات التي سبقت نهاية حكمه.

الاستقرار من خلال الاضطهاد

يتجلى الوعي الإسرائيلي بالسياسات القمعية للشاه في برقية أرسلتها السفارة الإسرائيلية في لندن في 22 أبريل/نيسان 1955؛ حيث تنقل البرقية حديث دبلوماسي إيراني يخبر محادثه الإسرائيلي بأن الحكومة الإيرانية تحظر الشيوعية في كل مكان، وأن الأمريكيين راضون عن هذه الأعمال.

وبعد ثمان سنوات، وتحديدا في 9 سبتمبر/أيلول 1963، كتب مدير قسم الشرق الأوسط بوزارة الخارجية الإسرائيلية أن المواكب الدينية التقليدية التي حدثت في ذلك الشهر تحولت إلى مظاهرات حاشدة ضد نظام الشاه، وأن الحكومة "فوجئت باستخدام المظاهرات الدينية للاحتجاج السياسي وقد انتشرت أعمال الشغب في عدد من المدن حيث استخدمت الحكومة القوة القصوى لقمع التظاهرات، وأعلنت رسميا مقتل 86 شخصا وإصابة 193 آخرين. وقد مرت الأيام القليلة التي تلت ذلك بهدوء وسيطر النظام على الوضع في كل من طهران وجوارها".

وادعى المسؤول الإسرائيلي أن "الهتافات المعادية لإسرائيل من جانب المتظاهرين كانت تشكل جزءا صغيرا من جميع الشعارات، وفي الوقت نفسه اختفت تماما النغمة المعادية لليهود"، ولاحظ أيضا أن "أي محاولة لتقديم العلاقات الإسرائيلية الفارسية كسبب للأحداث تعد غير دقيقة".

ووفقًا لتقرير صدر في 3 يناير/كانون الثاني 1964 أعده "زفي دووريل" رئيس البعثة الإسرائيلية في طهران: "لا يزال الاستقرار الداخلي وحكم الشاه الحصري متواصلين مع استمرار قمع المعارضين الدينيين وغيرهم من قبل النظام، إضافة إلى ذلك يستمر ما يعتبره النظام موسم انتخابات ناجح، دون أي اضطراب كبير حيث تستمر عملية تفكك الجبهة الوطنية التي تعارض الشاه".

كما أن الشاه، طبقا للتقارير الإسرائيلية، كان يعتمد بشدة على حزبه الحاكم، لكنه في ذات الوقت يعزز شكلا من أشكال المعارضة. ووفقا لمسح أجراه قسم الشرق الأوسط بوزارة الخارجية في 25 نوفمبر/تشرين الثاني 1964، فإنه بدلا من الحفاظ على نظام الدولة الواحدة الذي يحكمه الحزب الحاكم "إيران نوفين"، أيد الشاه استمرار وجود "حزب الشعب" كحزب معارضة وهمي؛ لأنه يصبغ الحياة البرلمانية في إيران بطابع أكثر ديمقراطية.

خنق المقاومة

وفي اجتماع عُقد في 19 ديسمبر/كانون الأول عام 1964 بين وزير الخارجية الإسرائيلي "أبا إيبان" ووزير الخارجية الإيراني "عباس أرام"، أشاد الأخير بالعلاقات بين (إسرائيل) وإيران، وقال إنه لا توجد دولة أخرى لها علاقات قريبة جدا مع إيران مثل (إسرائيل). وفي الوقت نفسه، فضل الإيرانيون الحفاظ على العلاقة هادئة؛ حيث قدم "مائير عزرا"، الممثل الإسرائيلي في طهران، تقريرا في رسالة بعث بها في 5 مايو/أيار 1965 عن اجتماع عقده مع وزير الخارجية، اشتكى فيه "أرام" من الطبيعة العلنية لأنشطة (إسرائيل) في البلاد، قائلا إن ذلك قد يضر بعلاقات إيران مع الدول العربية.

وقد أجاب الممثل الإسرائيلي الوزير قائلا إن "مصلحة إسرائيل العامة في الشرق الأوسط تقتضي وجود إيران ذات سيادة ومزدهرة برئاسة الشاه، الذي يعتبر صديقا لإسرائيل... لا نعتقد أن العرب سيصبحون أصدقاء لطهران رغم كل الجهود الإيرانية، إن صداقتنا تلزمنا بأن نلفت انتباه إيران إلى ما نعرفه عن الجهود العربية لتقويض المصالح الإيرانية الأكثر حيوية".

كانت (إسرائيل) على علم بالقمع القاتل للمعارضة الإيرانية؛ حيث أبلغ "ديفيد ترجمان" الذي كان جزءا من البعثة الإسرائيلية في إيران في 27 يناير/كانون الثاني 1966 أن قادة حزب "توده" الشيوعي حُكم عليهم بالإعدام غيابيا، كجزء من اتجاه أكبر يتمثل في محاكمة أعضاء المعارضة. وبعد بضعة أشهر، في 21 يوليو/تموز، ذكر "ترجمان" أن الشاه وأرفع المستويات في الحكومة كانوا واثقين من أنه "لا يوجد خطر داخلي يمثله المعارضون اليساريون، وأن قوات الأمن يمكن أن تخنق أي مقاومة أو حركة سرية".

لم يكن لدى "ترجمان" شك في طبيعة النظام. وفي استطلاع أُجرى في 8 مارس/أذار 1967، بالتزامن مع إصلاحات الشاه لحماية الأسرة كتب "ترجمان": "يجب أن نعترف بأن القانون الجديد هو مثال تقليدي على فوائد نظام الاستبداد المستنير".

لم يمنع كل هذا (إسرائيل) من رؤية إيران كمسألة جوهرية. وفي استطلاع أعد في 23 فبراير/شباط 1966، كتب مدير قسم الشرق الأوسط بوزارة الخارجية الإسرائيلية "مردخاي غازيت" أنه "في بعض النواحي، تعد العلاقات الإيرانية الإسرائيلية هي نوع من التحالف السري غير المكتوب الذي يعطي إسرائيل مجموعة من المزايا في مجالات الاقتصاد والأمن ومناهضة الناصرية (نسبة إلى الرئيس المصري آنذاك جمال عبدالناصر)".

وأضاف "جازيت" أن (إسرائيل) تشارك في "تجديد طائرات سلاح الجو الإيراني وطائرات الطيران المدني بمقابل كبير... وقد تم توظيف خبراء إسرائيليين في الدعاية الفارسية المناهضة لـ(عبدالناصر). وهناك تعاون استخباراتي وثيق للغاية بين جيشي البلاد يكفل الاستفادة الكاملة من الأراضي الإيرانية. كما أن الملحقين الإسرائيليين على اتصال يومي مع هيئة الأركان العامة الإيرانية، وهذا في الواقع أنتج عمليات شراء إيرانية لبعض أنظمة التسليح التي يتم إنتاجها في إسرائيل".

لا تفصل الوثائق المنشورة مضمون الشراكة بين (إسرائيل) وجهاز "السافاك" سيء الصيت، ومع ذلك فإن الوثائق تشمل الحديث عن التعاون العسكري. على سبيل المثال، وفقا لبرقية صدرت في 4 يناير/كانون الثاني 1967، طلب رئيس الوزراء الإيراني من الملحق العسكري الإسرائيلي في طهران، العقيد "يعقوب نمرودي"، تنسيق تدريب رئيس حراسه الشخصيين. وفي محادثة جرت بعد شهر مع "مائير عزرا"، الممثل الإسرائيلي في طهران، أخبر رئيس الوزراء "عزرا" أنه "أمر قائد الدرك بشراء مدافع رشاشة من طراز عوزي، إسرائيلية الصنع، واعتمد الميزانية اللازمة للقيام بذلك".

بعد ذلك بشهرين، في 13 أبريل/نيسان، تحدث رئيس الأركان آنذاك "إسحاق رابين" مع الشاه، الذي كان مهتمًا بالطائرات والدبابات الإسرائيلية، وكان على دراية بما يجري، وخاصة على المستوى الأمني والعسكري للتعاون الإسرائيلي الإيراني.

وجاء في رسالة للسفير الإسرائيلي في طهران "زفي دوريل" في 29 أغسطس/آب 1967 ما يلي: "لقد أنشأنا شراكة وثيقة وودية وعملية بين جيش الدفاع الإسرائيلي والأجهزة الأمنية في إيران، مع تنفيذ مشترك للبرامج والبعثات ذات الأهمية الوطنية، وزيارات متبادلة مستمرة لرؤساء القوات المسلحة وكبار المسؤولين فيها".

وأضاف: "لقد تم حل العديد من المشكلات الأمنية الحيوية لإسرائيل بالتعاون الوثيق مع الإيرانيين. إن الملحق العسكري معترف به من قبل هيئة الأركان العامة ووزارة الخارجية الإيرانية، ويحتفظ بعلاقات واسعة مع الجيش الإيراني ويتعامل مع قائمة مثيرة للإعجاب من القضايا ذات الأهمية الوطنية ويتمتع باهتمام خاص من قبل الدوائر العسكرية الإيرانية. وأجرى الطرفان مفاوضات متقدمة بشأن شراء المنتجات الإسرائيلية الصنع بقيمة ملايين الدولارات، وقد التقى رؤساء الأركان والأجهزة الأمنية مع الشاه عدة مرات... وينظر الجيش الإيراني إلى الجيش الإسرائيلي والأجهزة الأمنية كحلفاء وشركاء في إجراء الاتصالات والمسائل المهنية؟. ويعد العقيد (نمرودي)، الملحق في جيش الدفاع الإسرائيلي، بطلا في أوساط الجيش الإيراني".

الشاه في الصحافة الإسرائيلية

وجاء في برقية مؤرخة في 27 ديسمبر/كانون الأول 1967 (من غير الواضح من الذي قام بإرسالها): "لقد تم قبول الوجود الإسرائيلي البارز من قبل الجمهور الإيراني كحقيقة لا يمكن إلغاؤها. لا تعتبر إيران الأنظمة العربية الثورية مصدر القومية العربية المتطرفة فحسب، ولكن أيضا كتهديد للنظام الملكي. وهذا مريح ومشجع ليس فقط للعلاقات الحميمة بين أجهزتنا الأمنية وتلك التابعة لإيران، لكن أيضا في المجال الدبلوماسي في العواصم الغربية، وخاصة في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وحتى في التنسيق والتعاون بالشرق الأوسط".

ومع ذلك، رغم العلاقات الوثيقة، لم يحب نظام الشاه على وجه الخصوص أن يتم الإعلان عن هذه العلاقات؛ حيث اعترضت الدائرة الداخلية للشاه مرارا وتكرارا على تقارير وسائل الإعلام الإسرائيلية حول العلاقة بين البلدين، وكذلك تغطية نزوات العائلة المالكة. على سبيل المثال، في أغسطس/آب 1967، احتجت وزارة الخارجية الإيرانية على مقالة نُشرت في "لايشا"، وهي مجلة إسرائيلية تختص بنمط حياة النساء، عن عائلة الشاه، على الرغم من أن المندوب الإسرائيلي في طهران أوضح أنها "مجلة لا أهمية لها ولا سيما أن قراءها هم الفتيات في سن المراهقة".

وفقًا لبرقية بتاريخ 13 سبتمبر/أيلول 1967، بحثت وزارة الخارجية الإسرائيلية في إمكانية الاستئناف أمام النائب العام لبدء إجراءات جنائية ضد مجلة "لايشا" واشتراط الحصول على اعتماد من رقابة الجيش الإسرائيلي قبل نشر أي شيء عن عائلة الشاه.

ووفقًا لبرقية أرسلها السفير "عزرا" في أغسطس/آب 1972 إلى المدير العام لوزارة الدفاع، فإن المفاوضات حول شراء الطائرات الناقلة الإسرائيلية من قبل ديكتاتورية الشاه كانت تتقدم؛ حيث كشف تقرير أعدته وزارة الخارجية عن صادرات (إسرائيل) الدفاعية إلى إيران في 29 أكتوبر/تشرين الأول من ذلك العام أن شركة "آي إم آي سيستمز" الإسرائيلية باعت ما قيمته 20.9 مليون دولار من المعدات إلى إيران بين عامي 1968 و1972. كما باعت صناعة الطيران الإسرائيلية معدات بقيمة 1.3 مليون دولار، فيما باعت "سولتام" معدات ومدافع هاون بقيمة 16.9 مليون دولار، وباعت شركة "تاديران" أسلحة بقيمة 11.3 مليون دولار، وأقامت مصنعا لأجهزة الراديو في إيران؛ وباعت وزارة الدفاع الإسرائيلية نفسها معدات بقيمة 700 ألف دولار إلى طهران.

جبهة متحدة ضد الشيوعية

وذكرت رسالة مؤرخة بـ28 يونيو/حزيران 1973: "في الآونة الأخيرة، زاد المسؤولون الإسرائيليون نشاطهم في إيران بما في ذلك: وحدات إنتاج تابعة لجيش الدفاع الإسرائيلي ووزارة الدفاع، وصناعة الطيران، وشركتي "تاديران" و"موتورولا"، وغيرهم ممن يحاولون بيع خدماتهم ومنتجاتهم إلى الجيش الإيراني، ووزارة الدفاع الإيرانية والوكالات الحكومية المماثلة".

وشملت هذه الخدمات مجالات متعددة بداية من توريد المنتجات العسكرية والإلكترونيات التي تصنعها المصانع في (إسرائيل)، إلى تصدير أنظمة وتجميعها على الفور، وخدمات التدريب، وبناء وتجميع وصيانة المنشآت على الأرض من خلال المقاولين.

وتلقت الشرطة الإيرانية تدريبا على تشغيل معدات الاتصالات في شركة موتورولا في (إسرائيل)، لكن وفقا لبرقية أرسلها أحد أفراد البعثة الإسرائيلية في إيران في 2 يوليو/تموز 1975 إلى وكالة التعاون الدولي للتنمية بوزارة الخارجية الإسرائيلية، طلب الإيرانيون "تلقي التدريب الكامل في مرافق الشرطة الإسرائيلية". وأوصت البعثة بقبول الطلب، وأخبرت وزارة الخارجية في النهاية أن "الشرطة الإسرائيلية توافق على قبول الدورة التدريبية لضباط الاتصال الإيرانيين تحت إشرافها ومسؤوليتها"، وأن الجزء النظري من الدورة سيشمل "جولات إلى مرافق الشرطة".

كانت هذه العلاقات موجودة على أعلى مستوى، واجتمعت رئيسة الوزراء الإسرائيلية "غولدا مائير" مع الشاه عام 1972، وقالت في تقرير لها بتاريخ 19 مايو/أيار إن الشاه "يعتقد أن العلاقات والتعاون بين الدول التي تقف ضد الشيوعية يجب تعزيزها بما يشمل بلاد فارس وإسرائيل وتركيا وإثيوبيا". وبعد ذلك بعامين عندما استقالت "مائير" وجاء "إسحاق رابين"، زار رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد إيران أيضا. ووفقا لبرقية بتاريخ 8 ديسمبر/كانون الأول 1974، التقى "رابين" رئيس جهاز الأمن الإيراني.

بداية النهاية

خلال هذه الفترة، بدأت (إسرائيل) تؤمن بالنظام الإيراني أصبح غير مستقر. وفي تقرير أعدته وزارة الخارجية الإسرائيلية في 11 سبتمبر/أيلول 1972، بعد فترة وجيزة من زيارة "مائير" لطهران، لوحظ أن "الاضطرابات الاجتماعية تتجلى بين الطلاب والمثقفين، ويتم الحفاظ على استقرار النظام من خلال الشرطة". وبعد 4 سنوات في يونيو/حزيران 1976، أدركت (إسرائيل) بالفعل أن الشاه كان في ورطة.

وذكرت برقية أرسلها في ذلك الوقت السفير الإسرائيلي "أوري لوبراني" أن سياسة الشاه التحررية والتي شملت سحب صلاحيات من "السافاك" أدت إلى "استفادة العناصر الانتهازية التي كانت حتى خاملة حتى وقت قريب من هذه السياسة والبدء في التعبير عن معارضة للنظام". وأجبر هذا الأمر الشاه على إعادة بعض السلطة لـ"السافاك" في محاولة للسيطرة على الوضع.

وأضاف السفير "لوبراني" أن "شعور الكثيرين في إيران اليوم هو أن وضع الشاه بدأ يهتز بسرعة، وهي عملية لا يمكن عكسها، وستؤدي في النهاية إلى هزيمته وحدوث تغيير جذري في شكل الحكومة في إيران. من الصعب للغاية تقديم تقدير موقف وتقييمي الشخصي، الذي لا يعتمد على أي بيانات موضوعية، هو أن هذا سيحدث في أكثر أو أقل من 5 سنوات. لا توجد إجابة على سؤال حول من سيحل محل النظام الحالي، لكن من المنطقي أن نفترض أن الملكية ستنتهي، وأن الضباط العسكريين سيستولون على السلطة في المرحلة الأولى على الأقل والسؤال الكبير هو من سيقودهم وما الاتجاه الذي سيأخذوه".

بالنسبة لعواقب ذلك على (إسرائيل)، كتب السفير "لوبراني" أن "الآثار المترتبة على تقويض حكم الشاه ستكون خطيرة، ويُنظر إلى نظام الشاه الحالي باعتباره الأكثر إيجابية لإسرائيل في إيران. إن أي تغيير في هذه الحكومة سيكون، على أفضل تقدير، على حساب علاقاتنا مع هذا البلد".

وقال "لوبراني" أيضا إن (إسرائيل) امتلكت أنشطة واسعة في إيران في ذلك الوقت، بما في ذلك "العلاقات المرتبطة بإمدادات النفط من إيران والمشاريع المتعلقة بالأمن".

مع مرور الوقت، أصبحت (إسرائيل) تشعر بقلق متزايد إزاء مصير النظام. بعد ذلك بعامين، في 14 أغسطس/آب 1978 ، أرسل "لوبراني" برقية إلى وزارة الخارجية رسم خلالها صورة قاتمة لمستقبل الشاه، وقد التقى السفير مع نائب رئيس الشرطة الإيراني الذي أبلغ "لوبراني" أنه "على المدى القصير لا يتوقع حدوث صعوبات في الحفاظ على القانون والنظام، ويعتقد أن النظام قادر على التعامل مع أي محاولة للتمرد". من ناحية أخرى، كان يعتقد أن هذا الموقف لا يمكن أن يستمر إلى أجل غير مسمى، وأنه إذا لم تتخذ الحكومة إجراءً بعيد المدى لتغيير نظام الحكم وأولوياته، فإن النظام الحالي سينهار".

وقال المسؤول الشرطي إن الشاه لم يكن على علم بوضعه الحقيقي، كما انتقد رئيس "السافاك"؛ لـ"عدم إدخال تغييرات على النظام الذي أغضب الناس لسنوات". وادعى أن النظام ارتكب خطأً عندما استخدم الجيش في القمع.

الأمل الأخير

بعد شهر ونصف، في 28 سبتمبر/أيلول، أبلغ "لوبراني" وزارة الخارجية أنه قابل الشاه في ضوء المظاهرات الضخمة التي سعت إلى الإطاحة بنظامه؛ حيث كرر الشاه مزاعمه بأن الشيوعيين كانوا مسؤولين عن المظاهرات.

لخص "لوبراني" الاجتماع قائلا: "لدي انطباع صعب عن الرجل. إنه ليس الرجل الذي كنا نعرفه، لقد كان بعيدا عن الواقع. ليس هناك شك في أن الرجل قد مر بكابوس لم يتعاف منه بعد، إنه مليء بالرهبة وغير متأكد من المستقبل، والجانب الأكثر إثارة للقلق هو الشعور بأنه يبدو أنه تصالح مع مصيره، دون رغبة قوية في تغيير الأمور. أعتقد أنني وجدت الشاه يمر بلحظة من الكآبة".

لم تكن (إسرائيل) تريد أن تفقد معقلها في إيران تحت أي ظرف من الظروف وإذا تمت إقالة الشاه، فقد كانت (إسرائيل) تأمل أن يحل محله نظام عسكري. وفي برقية تعود إلى 30 ديسمبر/ أيلول 1978، كتبت مديرة دائرة الشرق الأوسط بوزارة الخارجية "يائيل فريد" أن الخيار الأفضل لدولة (إسرائيل) هو "إنشاء نظام عسكري سواء عبر انقلاب عسكري أو بالتوافق مع الشاه".

في 4 يناير/كانون الثاني 1979، وفي محاولة أخيرة لإحلال الهدوء في شوارع البلاد، عين الشاه "شهبور بختيار" رئيسا للوزراء، لكن (إسرائيل) لم تكن لديها أوهام بشأن قدرته على الحكم. بعد 4 أيام، أرسلت "يائيل" برقية إلى البعثات الإسرائيلية في جميع أنحاء العالم قائلة إن حكومة "بختيار" ليس لديها أي دعم شعبي وتواجه خطر الانهيار.

كتبت "يائيل" أن الشاه و"بختيار" توصلا إلى تفاهم حول أن يذهب الشاه في "عطلة"، لكن بقيت مسألة "من سيقرر عودته واحتمال أن يؤدي ذلك إلى أزمات في المستقبل، فلا يزال الشاه يرمز إلى وحدة إيران، ولا شك أن ولاء الجيش له، حتى اليوم وعلى الرغم من بعض الانشقاقات".

قدرت "يائيل" أنه إذا تولى "الخميني" وأنصاره السلطة، فإن العلاقات مع (إسرائيل) ستنتهي. ومع ذلك، أعربت عن أملها في أن يتولى الجيش السلطة وأن ترى إيران "شكلا آخر من أشكال الحكم مثل الحكومة الحالية أو أن يتولي الجيش السلطة. لم تتحقق آمال "يائيل"، وفي 16 يناير/كانون الثاني فر الشاه من إيران.

في 11 فبراير/شباط، أي بعد حوالي أسبوع من عودة "الخميني" من المنفى إلى إيران، قررت الحكومة الإسرائيلية إجلاء ممثليها الباقين في طهران، وخاصة السفير "يوسف هارملين"، بينما كانت تدرس في الوقت نفسه إمكانية ترك ممثل إسرائيلي حتى لا يتم قطع العلاقات بالكامل مع النظام الجديد.

سقوط النظام

ومع ذلك، كانت (إسرائيل) لا تزال متمسكة بالأمل في النظام الجديد. بعد 3 أيام، التقى وزير الخارجية "موشيه ديان" بالسفير الياباني في (إسرائيل). وأظهر تقرير أُرسل إلى السفارة الإسرائيلية في طوكيو أن "ديان" أخبر الدبلوماسي أن "المرحلة الحالية (في إيران) ليست نهائية وهي مرحلة انتقالية إلى فترة جديدة. هناك قلق من أن تأثير اليسار المتطرف سيزداد، وأنه بالإضافة إلى التغير الديني، فإن كره الأجانب سينتشر أيضا".

ومع ذلك، وفقا لما ذكره "ديان"، ستظل إيران بحاجة إلى الأجانب لتشغيل أسلحتها المتطورة، خاصة بعد مغادرة الأمريكيين. كما أعرب "ديان" عن قلقه إزاء مصير الجالية اليهودية في إيران؛ بحجة أنه "يجب على المرء أن يقلق بشأن تأثير الأحداث في إيران على بلدان أخرى في المنطقة مثل مصر والسعودية والأردن والسودان والمغرب".

في نفس اليوم، تحدث "ديان" مع وزير الدفاع الأمريكي "هارولد براون" الذي أبلغ الوزير الإسرائيلي أن "الولايات المتحدة لا تشعر بالذنب بشأن ما حدث للشاه؛ لأن الشاه فشل في تطوير طبقة إدارية وهو الذي يتحمل المسؤولية. وكان هناك أيضا مشكلة الفساد. لقد وصلت الثورة في إيران إلى الجماهير".

لكن إلى جانب المخاوف من فقدان "البؤرة الاستيطانية" الإسرائيلية في إيران، كان لدى (إسرائيل) مخاوف أخرى لا تقل خطورة: الخوف من أن الجماهير في الشرق الأوسط ستقلد الإيرانيين وتطيح بأنظمتها. ووفقا لمحضر اجتماع عقد في نفس اليوم الذي تحدث فيه "ديان" مع "براون"، قال "بنحاس إلياف" مدير البحوث السياسية في وزارة الخارجية إن القضية الخطيرة هي أن ما حدث في إيران يثبت أن الشارع والجماهير يمكن أن يسقطوا نظامًا مدججا بالدبابات وأحدث الأسلحة والقوات الجوية.

وقال "إلياف": "لقد نجحت الجماهير في الإطاحة بالنظام. هذا، في رأيي نذير خطر على جميع الأنظمة في المنطقة".

ولم تتحمّل (إسرائيل) والولايات المتحدة أبدا مسؤولية دعمهما المستمر للديكتاتورية ودعمهما للشاه في سحق اليسار والعناصر التقدمية في إيران؛ حيث كان سلوكهم فعالا في تأسيس دكتاتورية آيات الله.

المصدر | إيتاي ماك - لوب لوغ

  كلمات مفتاحية

ولي عهد إيران السابق يتنبأ بانهيار الجمهورية الإسلامية قريبا

وثائق سرية بريطانية: إسرائيل أول من تنبأ بسقوط شاه إيران

نجل شاه إيران رضا بهلوي يصل إسرائيل ويزور متحف الهولوكوست وحائط البراق (صور)