روسيا والعرب.. العلاقات مع اليمن نموذجا

الأربعاء 17 يونيو 2015 02:06 ص

مرت العلاقات الروسية اليمنية بمراحل طويلة، وكانت رافعتها الأقدم تتمثَّل في علاقة روسيا السوفييتية باليمن الشمالي أيام المملكة المتوكلية اليمنية في عهد الإمام الراحل أحمد حميد الدين، ثم تواصلت تباعاً لتصبح العلاقة السوفييتية بشطري اليمن مؤشرا مهماً في دبلوماسية دولتي الشمال والجنوب السابقتين على الوحدة اليمنية في مايو 1990م.

الفرق بين علاقة الاتحاد السوفييتي بدولة شمال اليمن (الجمهورية العربية اليمنية) ودولة جنوب اليمن (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية).. أن العلاقة مع الجنوب كانت أكثر سعة وشمولاً، فاليمن الجنوبي سار على درب التماهي الشامل مع المشروع اليساري الدولي، من خلال التحولات التي ترافقت مع الجبهة القومية.. تلك التي استلمت البلد بعد رحيل البريطانيين، وكانت في جوهرها فرعاً لحركة القوميين العرب، لكن تياراً يسارياً عاتياً تبلور في دواخلها، حتى أن اليسار تمكَّن من استبعاد خط القوميين العرب، لتبقى الجبهة القومية النموذج المؤسسي الأكثر فولكلورية لمشروع اليسار العربي آنئذٍ.. ثم يتم التحول لاحقاً إلى الحزب الاشتراكي اليمني الذي قاد مسيرة الجنوب، وأصبح لاحقاً شريكاً في تحقيق الوحدة بين شمال وجنوب اليمن.

عندما تمت الوحدة اليمنية في عام 1990م كان الاتحاد السوفييتي يتداعى مع مشروع الانهيار الحر تحت وطأة الغورباتشوفية الحالمة بعالم متعدد ومتوازن، وكانت القيادة السوفييتية ترى في تحقيق الوحدة اليمنية اتساقاً مع أدبيات الحزب الاشتراكي اليمني وعموم الحركة السياسية اليمنية، وكانت القيادة السوفييتية في أُفق ما، مكلومة مما حدث في13 يناير لعام 1986 بعدن.

المحطة الشمالية في علاقة الاتحاد السوفييتي باليمن اتسمت بحضور نسبي في المؤسسة العسكرية، والجيش تحديداً، لكن ذلك الحضور توازى مع علاقات استثنائية لليمن الشمالي بالمملكة العربية السعودية، وحضور موازٍ لمصادر سلاح متنوع. 

لم يكن الأمر كذلك في الجنوب، فقد تحولت العسكرية الجنوبية بكاملها إلى العقيدة القتالية، والتجهيز الكامل للنموذج السوفييتي، كما أصبحت العلاقات بين الاتحاد السوفييتي وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ذات طابع خاص، وصلت في ذروتها إلى اعتماد اليمن الجنوبي كعضو مراقب في مجلس التعاون الاقتصادي الشامل للدول الاشتراكية (الكوميكون)، وذلك في عام 1979م.

المنعطف الأكثر أهمية وخطورة في العلاقات السوفييتية اليمنية الجنوبية ترافق مع أحداث يناير لعام 1986م، والتي حرصت القيادة السوفييتية في عهد بريجنيف على تلافيها قدر المستطاع، لكنها فوجئت بالحدث الزلزالي، فكانت خيبة الأمل والشعور بالحرج الدبلوماسي والسياسي واضحاً لدى القيادة السوفييتية، والتي عملت لاحقاً على لملمة الأمور وإعادة الأوضاع إلى سويتها بعد مذبحة متفلتة بين رفاق الحزب الواحد والنموذج الأوحد.

لم يمر وقت طويل على أحداث يناير في عدن إلا وبدأت تباشير «البيريسترويكا»الجورباتشوفية، والتي كان لها أثرها المباشر على الجدل الداخلي في الحزب الاشتراكي اليمني بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، وقد تبلور هذ الجدل في اعتبار غياب التعددية داخل الحزب سبباً لما آلت إليه الأوضاع في عدن، وهكذا انبرى نفر من القيادات الاشتراكية الشجاعة في طرح موضوع التعددية الداخلية في الحزب الاشتراكي اليمني، وبالمقابل كانت قيادة شمال اليمن برئاسة البراغماتي الشعبوي الرئيس السابق علي عبدالله صالح تتأهب للانقضاض على تجربة الجنوب، وهذا ما حدث عملياً تحت راية الوحدة.. تلك التي تمَّ التوقيع عليها بكل حسن النية من جانب الحزب الاشتراكي اليمني في 22 مايو/أيار لعام 1990م، وكانت نتيجتها المباشرة سلسلة الاغتيالات المنهجية لقيادات الحزب الاشتراكي وقامات الحداثة والتنوير.. ثم شن الحرب السافرة على الجنوب في عام 1994م وتعميم نموذج الجمهورية العربية اليمنية بكامل المفاسد المعروفة التي ما زالت تعيد إنتاج خرائبها إلى يومنا هذا.

خلال الفترة من عام 1990 وحتى 1994م انحل الاتحاد السوفييتي، وغرقت روسيا الجديدة في تبعات نظام المُتطيِّر الكبير يلتسين، وغابت روسيا عن مشهد الفعل الدولي المُبادر، وفقدت حضورها التقليدي في اليمن شمالاً وجنوباً، وتأرجحت الدبلوماسية الروسية بين الماضي والحاضر اليماني، ولم تشهد الحالة اليمنية إسهاماً روسياً فاعلاً خلال العقود الثلاثة الماضية، لكن روسيا عادت مجدداً لتسجل رأياً وموقفاً تبلور مؤخراً في مجلس الأمن الدولي وأروقة الأمم المتحدة.

قراءة المُتغير في الموقف الروسي تجاه الحالة اليمنية يتطلب قراءة موازية لفتوة بوتين القيصرية، والخلافات الأمريكية الروسية، والتماس المتفجر بين روسيا وحلف شمال الأطلسي على خطوط جورجيا وأوكرانيا وسوريا، بل وعموم منطقة «أوراسيا».

الثابت هنا أن روسيا تستقرئ كامل المستجدات السياسية اللاحقة على الربيع العربي من خلال عدسة مُحدَّبة.. ترى فيها الموقف الأمريكي الأوروبي الأطلسي فحسب، وتتموضع تماماً في الطرف المقابل لهما، حتى وإن تقمصت روسيا صورة «الثعلب الناسك» الذي يلهج بخطاب خير، ويفعل عكس ذلك تماماً، وقد رأينا مثل هذه الحالة بالغة الفداحة في الحالتين السورية واليمنية.. في الحالة الأُولى يدافع نظام بوتين عن نظام يشارك في تدمير شعبه، وفي الثانية بتبني خطاب الكهنوت السياسي للحوثيين ومناصرهم الأكثر فساداً في العالم.

  كلمات مفتاحية

روسيا الربيع العربي اليمن العلاقات الخليجية الروسية أمريكا

«محمد بن سلمان» يبحث مع الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» الأوضاع في الشرق الأوسط

«كيري» يبحث مع «بوتين» عدة ملفات ويتوجه قريبا إلى بكين للتحضير لقمة أمريكية صينية

«سعود الفيصل»: روسيا تقترح حلولا وتنتقد المآسي وهي جزء من مشكلة سوريا

«لافروف» يبحث مع ممثلي مجلس التعاون الخليجي سبل حل الأزمة السورية

وفد من «الشورى السعودي» يزور روسيا لإقناعها بـ«عدالة» التحرك العربي فى اليمن