المؤسسة العسكرية المصرية والبنك الدولي

الاثنين 29 يونيو 2015 03:06 ص

تدَّعي خطابات البنك الدولي وكذلك الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، حرصهما على الدفع باتجاه تنمية القطاع الخاص وعلى دوره الأبرز في العملية، وذلك من خلال فرض السياسات التي تتلاءم والسوق الحرة والقوانين والتشريعات اللازمة من أجل ذلك. إلَّا أنَّ ما هو حاصل، غَير ذلك تماماً.

يعدُّ الجيش المصري من أبرز الفاعلين المؤثرين في الاقتصاد المصري والمالكين فيه، وهو موقع في تنامٍ مستمر منذ عقود. إلَّا أن ذلك غائب تماماً عن "أدبيات التنمية" وعن خطاب البنك الدولي الخاص بمصر. وقد استمع الرئيس المصري الذي كان وزيراً للدفاع، لخطاب المديرة المنتدبة للبنك الدولي، السيدة إندراواتي في المؤتمر الاقتصادي في شرم الشيخ (13/3/2015) الذي لم يتضمن أي ذكر لدور المؤسسة العسكرية في السياسة والاقتصاد المصريين.

والمؤتمر عقد من أجل جلب الاستثمار والتخطيط للاقتصاد المصري مستقبلاً. الوكالة الأميركية للتنمية الدولية هي ذاتها تابعة "للدولة" الاميركية وتعمل مع القطاع العام في مصر. وهي من خلال وجودها وعملها مع هذا القطاع إنَّما تكرس وتعزز ثروته وسلطته في الاقتصاد المصري. وهذا يتناقض مع ما ترغب الوكالة باستئصاله، أي وجود الدولة في الاقتصاد.

سر التناقض البادي

ومن الممكن رؤية دور الوكالة الأميركية التي تعمل بالشراكة مع البنك وصندوق النقد الدوليين في مجال التنمية الدولية، في دعم الزراعة والصناعة.. الأميركيتين، من خلال تفحّص ما تمَّ إنفاقه من إجمالي المساعدات الأميركية لمصر، منذُ بدأت عملها هناك في 1974 وحتى 1989، والبالغ 15 مليار دولار: كل مليم تقريباً من هذا المبلغ خصص من الناحية الفعلية للشركات الأميركية التي يتم عبرها استيراد المعدات والخبرات والمهارات التي يوصي بها البنك الدولي.

والاتفاقات تلك (التي وصلت إلى 15 مليار دولار من المساعدات في تلك السنوات الـ15) لا تغطي سوى نحو نصف المساعدات الأميركية لمصر في تلك الفترة. وقد تألف النصف الآخر من مساعدات اقتصادية للجيش المصري. لن يستطيع المتتبع لخطاب البنك الدولي أن يجد أي أثر لهذه العلاقات المتشابكة ما بين المؤسسات الدولية والمؤسسة العسكرية المصرية.

وهذه المؤسسات الدولية تدَّعي أنّها تمثل مركز الخبرة والعقلانية الغربية، وأنها غير متورطة في الساحة السياسية المصرية. ولكنها الآن، وبعد أكثر من ثلاثين عاماً، تعود مرة أخرى في شرم الشيخ لتوصي بالسياسات التنموية نفسها الموصى بها على مدى العقود الماضية، والتي لم تؤدِ سوى لحالة من الفساد المستشري والفقر المدقع في أنحاء البلاد كافة. ولن يذكر البنك الدولي ولا أي مؤسسة دولية أخرى أنَّها كانت جزءاً من المشكلة.

تمتد أنشطة الجيش المصري العسكرية إلى مشاريع في قطاعات مختلفة، من النقل البحري إلى النفط والغاز والطاقة المتجددة.. وتصنف مشاريعه بـ "التعاونية"، حيث تضم شركاء من تكتلات الخليج، فضلاً عن الشركات متعددة الجنسيات، الغربية والآسيوية. ويستغل كبار الضباط نفوذهم وامتيازاتهم السياسية التي تمكنهم من الوصول إلى القطاعات الاقتصادية الجاذبة للمستثمرين الأجانب أصحاب التدفقات المالية الكبيرة والى اتفاقيات نقل التكنولوجيا التي تدعمها الميزانية العامة.

ويتميز الجيش المصري بقدرته على جذب شركاء الاستثمار الأجنبي بشكل فعال، لأن جزءاً كبيراً من القطاعات الاقتصادية التي يسيطر عليها بشكلٍ قوي، هي أيضاً تلك التي لديها إمكانيات للربح عالية وتوفر مداخيل جدية للمستثمرين، كما أن الجيش يضمنها، كقطاعات النقل البحري والجوي والنفط والغاز، والمشاريع البيئية الصناعية، كمعالجة مياه الصرف الصحي وتوليد الطاقة المتجددة...

وقد واصل الجيش المصري شراكته بنشاط مع شركات الخارج في كل هذه القطاعات، وفي إطار الشراكة بين القطاعين العام والخاص في المقام الأول، وهي آلية لاقتصاديات التنمية تلبي أيضاً قيود مخططي السياسات النيوليبرالية.

فقد سهَّل اجتماع كل من الضخ الكبير لرأسالمال من البنوك المملوكة للدولة، إلى جانب قروض المؤسسات الدولية كالبنك الدولي، وتكثيف الخصخصة في أثناء رئاسة أحمد نظيف لمجلس الوزراء، في الجهود التي يبذلها الجيش لإقامة مشاريع مشتركة مع الشركات الأجنبية متعددة الجنسيات، وتلك الخليجية.

النخبة المحلية

علاقة الجيش المصري مع المؤسسات الدولية هي نفسها ما تقيمه هذه المؤسسات مع كل نخب دول العالم الثالث، وهي علاقة "الكومبرادور"، أي استفادة تلك الفئة في الدول النامية من حالة التبعية والهيمنة الغربية عبر علاقتها مع الرأسمالية العالمية. وهكذا يحدد ما يقال وما لا يقال، ويمتنع خطاب المؤسسات الدولية عن الإتيان على ذكر هذه الأمور، بل يصير ذلك جزءاً من رقابة ذاتية على الذين يكتبون ويصيغون وينتجون، فتراقب خطاباتهم وعباراتهم ويدقق فيها. 

ينتج من هذه المراقبة والتدقيق إعادة إنتاج الخطاب لذاته وإعادة إنتاج المشكلة في مصر (وسواها)، وإبقاؤها ضمن القوالب التي يحددها البنك الدولي وخطاب التنمية فيه. أي أنَّها تقدَّم كمشكلة تقنية لدولة صحراوية تتركز فيها الكثافة السكانية في منطقة حوض النيل، ولذا فهي بحاجة إلى أمرين:

الأول أدوات تقنية يتم استيرادها من الغرب،

والثاني إدارة جيدة (تكنوقراط)...

هكذا يحدث تغييب كامل لمشكلات الفساد والتبعيَّة والهيمنة، وما ينجم عنها من فقر وتخلّف يقوم خطاب البنك الدولي بالتركيز عليهما كـ "حقيقة عملية على الأرض"، قائلا إنَّ مصر تعاني من التخلف، بينما المشكلة ليست في "تخلف" طرف عن الآخر، بل في هيمنة طرف على الآخر، في وجود مجموعات من الصفوة المهيمنة التي تتناغم مصالحها واهتماماتها مع مصالح واهتمامات الصفوة في دول المركز، والتي تعمل على توفير كلُّ السبل التي من شأنها أن تساعد دول المركز على الإبقاء على السيطرة الاقتصادية والسياسية على دول الأطراف.

ويجري إهمال حقيقة أنَّ التخلف والتقدم لا يمثِّلان ظاهرتين منفصلتين بل متلازمتين. ولا يمكن لخطاب البنك الدولي وأشباهه أن يكون في أي حال من الأحوال جزءاً من عملية تدعيم اقتصاد قوي لمصر، وعملية التنمية فيها وفي سواها من البلدان "المتخلفة" يجب أن تأخذ مساراً مختلفاً تماماً عن المسار "الدولي" للتنمية.

  كلمات مفتاحية

مصر الاقتصاد المصري البنك الدولي الجيش المصري التنمية المؤسسة العسكرية المصرية

بنك كويتي ينتظر موافقة «المركزي المصري» لشراء 98.5% من بنك «بيريوس»

أول مصري عربي يتولى مهامه كنائب لرئيس البنك الدولي مطلع 2016

البنك الدولي يتوقع برنامج سندات جديد للشرق الأوسط وشمال أفريقيا بحلول الربيع

مصر .. الفساد العاري في ملف الأراضي

مصر توقف التراخيص الجديدة للمدارس الدولية بعد فتح الجيش أولى مدارسه