ستراتفور: هشاشة البنية التحتية السعودية تغري إيران باستهدافها

السبت 21 سبتمبر 2019 03:37 م

لطالما هددت إيران أنها إذا لم تعد قادرة على تصدير نفطها بسبب العقوبات الأمريكية، فلن يتمكن أحد آخر من ذلك.

وأعادت هجمات 14 سبتمبر/أيلول على مجمعي النفط في بقيق وخريص، التابعين لشركة النفط الوطنية العربية السعودية "أرامكو"، والهجمات السابقة على قطاع النفط السعودي، إثارة المخاوف طويلة الأمد من الهجمات الإيرانية على البنية التحتية السعودية الحرجة. ومن الواضح أن إيران اتخذت القرار الاستراتيجي بتصعيد هجماتها ضد أهداف صناعة النفط في المنطقة ردا على ضغوط العقوبات الأمريكية، وخروج واشنطن من الاتفاق النووي الإيراني العام الماضي.

وأدت الهجمات على بقيق وخريص إلى تغيير جذري في حسابات المملكة العربية السعودية بشأن إيران. وفي حين يشن وكلاء إيران من الحوثيين في اليمن هجمات على طول الحدود الجنوبية الغربية للمملكة منذ أعوام، فإن استعداد إيران وقدرتها على ضرب المملكة وبقية العالم مباشرة عبر الإضرار بإنتاج النفط السعودي قد أجبرا الرياض على الانتباه لاحتمالية تعرضها لهجمات على جبهات أخرى خاصة إذا استمرت العقوبات ضد إيران.

ويعد التحدي الذي تواجهه المملكة هو محاولة حماية عدد كبير من الأهداف الحاسمة في جميع أنحاء أراضيها الكبيرة. ولسوء الحظ، بالنسبة للمملكة، فإن مليارات الدولارات التي تنفقها سنويا على الدفاع، بما في ذلك مبلغ 51 مليار دولار مخصصة للإنفاق العسكري في عام 2019، لن يمكنها ببساطة حماية جميع منشآت البنية التحتية السعودية من الضربات الإيرانية المحتملة.

يد إيران الطولى

مع إدراكها لضعفها العسكري التقليدي مقارنة بالولايات المتحدة وحلفائها، ركزت طهران بشكل كبير على بناء قوات غير متماثلة قد تمنحها ميزة في النزاع مع خصومها المسلحين بشكل أفضل. وتحتل الطائرات دون طيار المسلحة والصواريخ الباليستية مكانة بارزة في الاستراتيحية الإيرانية، حيث تسعى طهران للاستفادة من موقعها الاستراتيجي على مضيق هرمز، وقربها من البنية التحتية الحيوية لمنافسيها الإقليميين.

وتتألف منظومة الصواريخ الإيرانية في الأصل من صواريخ باليستية غير دقيقة إلى حد كبير، لكنها أصبحت الآن دقيقة بشكل متزايد، وتتنوع أنواعها وميزاتها الجوية؛ ما جعل مواجهتها تحديا كبيرا للدول المجاورة. وخلال العقد الماضي، كرست إيران موارد كثيرة لتحسين قدراتها الصاروخية، وتضمن ذلك إدخال أعداد كبيرة من صواريخ كروز في ترسانتها، وتطوير المزيد من الطائرات دون طيار، والعمل على استبدال صواريخها الباليستية غير الدقيقة سابقا بنسخ أكثر دقة. وتمتلك إيران الآن بعض الصواريخ القادرة على ضرب أي مكان في السعودية، رغم أن معظم صواريخها الدقيقة لها نطاقات قصيرة نوعا ما. ومع ذلك، يمكن لهذه الصواريخ الوصول إلى جميع منشآت النفط الرئيسية في المملكة تقريبا، حيث يقع معظمها على الخليج العربي أو بالقرب منه.

وفي مواجهة هذا التهديد، بنى السعوديون - نظريا - قوة دفاع جوي ضخمة تضم عددا كبيرا من أنظمة الدفاع الجوي الحديثة.

وتضم قوات الدفاع الجوي الملكي في السعودية نحو 50 ألف فرد، وهي مجهزة إلى حد كبير بأنظمة دفاع جوي أمريكية الصنع مثل نظام صواريخ "باتريوت" أرض جو.

ومنظومة "باتريوت" هي الدعامة الأساسية للدفاع الجوي السعودي ضد الصواريخ، ولدى المملكة 6 مجموعات منها تضم نحو 200 قاذفة. وقام السعوديون بتحديث هذه الأنظمة بشكل مطرد، وحصلوا على صواريخ باتريوت "باك-3" الأكثر تطورا في يوليو/تموز 2015.

وتؤكد شركة "ريثيون"، الشركة الأمريكية الرئيسية التي تنتج صواريخ باتريوت، أن النظام اعترض أكثر من 100 صاروخ باليستي أطلقه الحوثيون من اليمن منذ عام 2015.

ولكن في العديد من الحالات، فشلت أنظمة صواريخ باتريوت في اعتراض أهدافها، إما بسبب ضعف خبرة الطاقم السعودي، أو بسبب عطل المعدات. وبرهن الصراع في اليمن أن وجود قوة دفاع جوي مجهزة تجهيزا جيدا نسبيا لا يعد كافيا للدفاع ضد هجمات الصواريخ المستمرة وهجمات الطائرات دون طيار. ويمكن للعدد الكبير من الصواريخ القادمة أن تطغى على قدرات بطاريات الصواريه الدفاعية، وهذا هو السبب أن الهجوم الجوي الأخير على بقيق وخريص، الذي شمل أكثر من 20 طائرة دون طيار وصواريخ كروز، قد أثبت فعاليته.

ومما يضاعف من حدة المشكلة بالنسبة للرياض، أن الأنظمة الأخرى، مثل نظام الدفاع الصاروخي "ثاد"، الذي طلبته المملكة، تم إعدادها بشكل كبير لضرب الصواريخ الباليستية والأهداف المرتفعة. ولا يعد أي من نظامي "باتريوت" و"ثاد" مثاليين ضد الأهداف المنخفضة مثل صواريخ كروز وبعض أنواع الطائرات دون طيار الانتحارية، التي تم استخدامها في هجمات 14 سبتمبر/أيلول.

ومما يعقد الأمور بالنسبة للرياض هو حقيقة أن الدفاعات الجوية السعودية تمتلك مساحة جغرافية كبيرة نسبيا يجب حمايتها. وأخيرا، تركز معظم الدفاعات الجوية السعودية حاليا على التغلب على التهديدات الجوية والصاروخية القادمة من اليمن. وتعني هذه الاعتبارات مجتمعة أن الدفاعات الجوية السعودية لديها نقاط ضعف كبيرة أمام الهجمات الصاروخية والجوية الكبيرة التي تشنها إيران، سواء تم إطلاقها مباشرة من إيران أو عبر العراق.

البنية التحتية الحرجة

وحتى الآن، استهدفت الهجمات ضد المملكة الأكثر ارتباطا بإيران، أي التي لم يشنها الحوثيون، المنشآت النفطية في المملكة. ومن المحتمل أن يظل هذا هو رد إيران المفضل على العقوبات الأمريكية على صادراتها النفطية، رغم أنها قد تتجه إلى محطات تحلية المياه وغيرها من الأهداف الصناعية الأخرى، أو حتى المطارات حال تطور الصراع.

ومن شأن ضرب مرافق المعالجة المركزية في المملكة ومحطات التصدير ومصافي التكرير أن يلحق ضررا أكبر بإنتاج النفط في المملكة. وقد تعرض كل من بقيق وخريص، وهما أهم مرفقين للمعالجة المركزية للنفط في المملكة، للهجمات لأنهما يمثلان نقطة حرجة في قطاع النفط السعودي. ويمر إنتاج النفط الخام السعودي عادة عبر محطات لفصل الغاز عن النفط، قبل أن يتم تمريره على منشآت المعالجة المركزية حيث تقوم أبراج تثبيت النفط الخام بإزالة كبريتيد الهيدروجين المتطاير، وبعدها يتم إرسال النفط المعالج إلى المحطات لأجل التصدير.

ويعد كل من بقيق وخريص من أهم منشآت المعالجة المركزية في المملكة. ووفقا للمسؤولين السعوديين، كانت منشآت بقيق تعالج قرابة 4.9 مليون برميل يوميا من النفط الخام القادم من اثنين من أكبر حقول النفط السعودية، "الغوار" و"الشيبة"، وكذلك بعض الحقول الأصغر، لكنه الآن يعالج مليوني برميل يوميا فقط بعد الهجوم.

وقبل الهجوم، كانت منشآة خريص تعالج نحو 800 ألف برميل من النفط الخام من حقل خريص النفطي، الذي تبلغ طاقته 1.45 مليون برميل في اليوم، ومن الحقول الأصغر، لكن قدرته انخفضت بشكل ملحوظ بعد الهجوم.

وتأمل الرياض في أن تستعيد معظم طاقتها الإنتاجية في وقت لاحق من هذا الشهر، وأن تستعيد كامل قدرتها بحلول نهاية نوفمبر/تشرين الثاني. وبغض النظر عما إذا كانت المملكة ستحقق هذه الأهداف، فإنها ستستمر في إعادة بناء 5 أبراج تثبيت على الأقل في بقيق، وإجراء إصلاحات أخرى في خريص، وإلى أن يتم الانتهاء من هذه الإصلاحات، سوف تترقب المملكة إمكانية حدوث هجمات أخرى.

وتقع معظم منشآت المعالجة المركزية المهمة الأخرى في المملكة أقرب إلى الخليج العربي، وتعالج بشكل أساسي الحقول البحرية في البلاد؛ ما يجعلها في متناول الصواريخ والطائرات الإيرانية. ويعالج مصنع "السفانية"، على الخليج العربي، النفط المنتج في حقل "السفانية" البحري، وهو أكبر حقل نفط في العالم، بطاقة إنتاجية تبلغ 1.3 مليون برميل في اليوم. وتفعل محطة "منيفة" نفس الشيء في حقل "منيفة" البحري، الذي تبلغ طاقته الإنتاجية 900 ألف برميل في اليوم.

وبالمثل، تعالج محطة "القطيف" النفط الخام من حقلي "القطيف" و"أبو سعفة" في البلاد، اللذين تبلغ طاقتهما الإنتاجية 500 ألف برميل و320 ألف برميل على التوالي. وتقوم منشآت معالجة "تناجيب" بمعالجة النفط من حقل "المرجان" البحري، الذي قد ينتج 600 ألف برميل يوميا. وتشمل المرافق الرئيسية الأخرى لمعالجة النفط والغاز مصنع "بري" للغاز، ومصنع "الجبيل"، ومرفق "الجعيمة"، والمرافق المستهدفة سابقا في حقل "الشيبة" النفطي. وفي حين تلعب جميع هذه المنشآت دورا مهما في قطاع الطاقة في المملكة، تبقى هناك منشأة واحدة فقط لها دور حيوي مثل "بقيق" و "خريص"، وهي المنشآت البرية في حقل نفط "السفانية"، وهذا بسبب الحجم الهائل لإنتاج النفط في الحقل.

وتعد محطات التصدير نوعا آخر من المنشآت النفطية التي قد يعني استهدافها تعطيل كمية كبيرة من إنتاج النفط في المملكة. وتعد أهم محطات التصدير في المملكة، وربما الأكثر إغراء للاستهداف من قبل إيران، هي مطاري "رأس تنورة" و"رأس الجعيمة" في مدينة رأس تنورة الساحلية، التي يمكنها تصدير نحو 3.4 مليون برميل يوميا، و3.1 مليون برميل يوميا، على التوالي. وتقع محطة التصدير الرئيسية الأخرى في المملكة في ينبع على البحر الأحمر في نهاية خط الأنابيب "شرق - غرب"، وهو خط الأنابيب الأكثر أهمية في المملكة، والذي يمكنه إرسال 5 ملايين برميل من النفط الخام من شرق المملكة إلى البحر الأحمر للتصدير في ينبع وغيرها من الموانئ الأصغر، وسبق أن تعرض هذا الخط لهجوم في وقت سابق من هذا العام.

وإذا قامت إيران بتوسيع نطاق أهدافها في قطاعي النفط والغاز في المملكة، يمكنها استهداف مصافي النفط السعودية ومصانع البتروكيماويات في البحر الأحمر. ويشمل ذلك 3 من أكبر مصافي التكرير في البلاد، وهي مصفاة "أرامكو"، التي تملكها شركة "أرامكو" السعودية، وتبلغ طاقتها 550 ألف برميل يوميا، ومصفاة "أرامكو المشتركة"، وهي مصفاة ذات طاقة إجمالية تبلغ 400 ألف برميل يوميا وتقع في "الجبيل"، إضافة لمصفاة أخرى في الجبيل تبلغ طاقتها 310 آلاف برميل يوميا.

وفي حين تبقى الهجمات خارج قطاع النفط والغاز والبتروكيماويات أقل احتمالا، يمكن لإيران، إذا رغبت في ذلك، أن تضرب الموانئ الرئيسية، مثل ميناء "الملك عبدالعزيز" في الدمام، وميناء "الملك فهد" الصناعي في الجبيل. كما يمكن أن تستهدف محطات تحلية المياه، التي تمتلك المملكة 31 منها، وتوفر نحو نصف مياه الشرب في البلاد. وتشمل هذه الأهداف المحتملة أكبر محطة لتحلية المياه في العالم في "رأس الخير" على البحر الأحمر، التي تعمل على تحلية أكثر من مليون متر مكعب من المياه يوميا.

وقد تكون المطارات السعودية أهدافا محتملة أيضا، على الرغم من أن ذلك يزيد من خطر وقوع إصابات بين المدنيين والأجانب. لكن هذه المخاطر لم تمنع سابقا الحوثيين، حلفاء إيران، من استهداف المطارات جنوب غربي المملكة، لكن إيران تجنبت حتى الآن الهجمات التي قد تؤدي إلى خسائر كبيرة في الأرواح.

المصدر | ستراتفور

  كلمات مفتاحية

المواجهة السعودية الإيرانية مشاريع البنية التحتية هجمات أرامكو

ظريف: السعودية غير مقتنعة بتورط إيران في هجمات أرامكو

قائد الحرس الثوري يتوعد مهاجمي إيران.. ماذا قال؟

مستشارة سابقة لنتنياهو تدعو السعودية وإسرائيل لمهاجمة إيران

روحاني: لا أحد يجرؤ على شن حرب على إيران

ستراتفور: هل تهاجم إيران البنية التحتية للنفط السعودي مجددا؟