تحليل: صبر المصريين على وعود السيسي بكبح الغلاء نفد

الأحد 29 سبتمبر 2019 07:36 م

بينما يقول خبراء الاقتصاد والمال إن الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" نجح في تحسين مؤشرات الاقتصاد، فإنه في الوقت ذاته فشل في وقف تدهور مستوى المعيشة.

ويبدو صبر المصريين من وعوده الكثيرة بكبح الغلاء والفساد على وشك النفاد، فهل يتعلم الدرس ويبدأ بالاستجابة للمطالب المحقة؟

ولا يجادل كثيرون من الخبراء الماليين في أن غالبية الإصلاحات الاقتصادية التي شهدتها مصر في عهد الرئيس "عبدالفتاح السيسي" كانت ضرورية وفي الاتجاه الصحيح، كما لا يختلف كثيرون ومن ضمنهم صندوق النقد الدولي بأن هذه الإصلاحات حققت نجاحات متعددة، لعل من أهمها القضاء على السوق السوداء بعد تعويم الجنيه في خريف 2016.

كما ارتفعت معدلات النمو بنسب زادت على 5% خلال العامين الماضيين وحُشدت استثمارات ضخمة تؤهله لتحقيق نسبة نمو بحدود 8% خلال السنوات الثلاث القادمة.

ويقول خبراء إن الخطوة الأكثر جرأة تمثلت في البدء في رفع الدعم العشوائي لاستهلاك سلع أساسية كالخبز والكهرباء والبنزين وغيرها.

ومن المعروف أن مثل هذا الدعم يستفيد منه أصحاب الملايين مثلهم مثل أي فقير أو عاطل عن العمل، كما أنه يهدر الموارد الوطنية ويدمر عملية إنتاج السلع الوطنية التي ينبغي أن تحظى بالدعم بدلا من تقديمه لاستهلاك السلع المستوردة.

فشل في منع الاحتجاج

لكن كل تلك الأرقام والإحصاءات الرسمية لم تنجح في منع اندلاع احتجاجات شعبية جديدة في القاهرة ومدن مصرية أخرى لأول مرة منذ عام 2013.

وقد وصل الأمر بها إلى حد المطالبة برحيل "السيسي" عن الحكم.

السؤال الذي يطرح نفسه هنا لماذا وصل الأمر إلى هذا الحد؟

عندما بدأ الرئيس "السيسي" وحكومته الإصلاحات طلب من المصريين الصبر للحصول على ثمارها، وعلى الرغم من مرور 5 سنوات عليها، فإن المستوى المعيشي لغالبية المصريين يسير من سيئ إلى أسوأ.

لعل أبرز مؤشرات تلك المعاناة، ارتفاع نسبة الفقر لتطال أكثر من ثلثي المصريين، وزاد من تفاقم الوضع التضخم الذي ضاعف الأسعار وتقلص القوة الشرائية للعملة بنسبة تزيد على 100%، إضافة إلى استمرار ارتفاع نسبة البطالة في صفوف الشباب.

أما عشرات المليارات من الدولارات التي جمعها للاستثمار فلم يتم توظيفها من أجل تشغيلهم، وإنما وبشكل أساسي لإقامة مشاريع قومية ضخمة على غرار العاصمة الجديدة واستخراج الغاز والنفط وتوسيع قناة السويس.

كل هذا راكم الإحباط والغضب من السياسات الاقتصادية للحكومة.

الفساد قصم ظهر المصريين

أما الأمر الذي لم يستطع الناس تحمله على ما يبدو فهو الفساد المستشري في صفوف النخبة الحاكمة والتي أعلن "السيسي" نفسه الحرب عليها أكثر من مرة.

ومن أشهر التهم التي استجاب لها الشارع المصري تلك التي وجهها قبل أسابيع قليلة الفنان والمقاول "محمد علي" إلى الرئيس وزوجته وقيادات في القوات المسلحة.

وحسب المقاول الذي عمل 15 سنة مع قيادات في الجيش، فإن عائلة الرئيس والقيادات تبني القصور في وقت يدعو فيه "السيسي" المصريين إلى التقشف والصبر على تدهور مستوى معيشتهم ناهيك عن تشديد آلة القمع وتكميم الأفواه.

وينشر المقاول موضوع الجدل الحاد تهمه في فيديوهات على وسائل التواصل الاجتماعي من مقر إقامته في إسبانيا التي هرب إليها بعد خلافات مع أرباب عمله بسبب "ظلم مالي لحق بها لتمنعهم عن دفع أتعاب متبقية له بقيمة 15 مليون دولار" حسب أكثر من مصدر إعلامي.

ورغم أنه حق المصريين التظاهر من أجل تحسين مستوى معيشتهم ووضع حد للقمع والفساد وتكميم الأفواه بحقهم، فإن مراقبين يرون أن المطالبة بإزاحة الرئيس دفعة واحدة، هو مطلب غير واقعي لا من وجهة النظر السياسية وحسب، بل والاقتصادية كذلك.

يشير المراقبون إلى أن مطلبا كهذا سيؤدي إلى الفوضى في ظل غياب بديل أفضل من خلال معارضة ليبرالية منظمة ولديها برنامج إصلاح اقتصادي واجتماعي يقوم على التعددية.

أضف إلى ذلك أن زعزعة الاستقرار تؤدي إلى فشل أية محاولات تهدف إلى تنمية تساعد على تحسين أحوال الناس وضمان حرياتهم وكرامتهم.

على سبيل المثال، فإن الاحتجاجات الأخيرة أدت إلى خسارة البورصة المصرية لحوالي بليوني دولار خلال أقل من يومين أواخر الأسبوع الماضي، وكلما طال أمدها سيكون لذلك المزيد من الآثار السلبية على الاستثمار والإنتاج في مختلف القطاعات.

بمقدور "السيسي" وحكومته التباهي بتحسن مؤشرات الاقتصاد الكلي، لكنهم في الوقت ذاته لا يستطيعون القول إن ذلك أدى حتى الآن إلى تحسين مستوى معيشة المصريين وأجورهم وقوتهم الشرائية.

كما أن الضمانات لتغيير الوضع نحو الأفضل في ظل غياب التعددية الاقتصادية والسياسية والشفافية وتشديد قبضة الأمن على الحريات الأساسية ضعيفة أو غير متوفرة.

خطوات عاجلة

لذلك يجب على القيادة المصرية التوقف عن القمع والاعتقالات ضد المحتجين والإسراع في تغيير آليات توزيع الدخل والثروات لصالح الغالبية الفقيرة، بدلا من تراكم الثروة لدى قلة غنية تتبادل المصالح مع النخبة الحاكمة كما هو عليه الحال في عهد الرؤساء السابقين.

أما الخطوة الأهم التي ينبغي على القيادة المذكورة القيام بها فتتمثل في فتح الباب أمام تعددية حزبية ونقابية وإعلامية تقوم على فصل السلطات التشريعية والتنفيذية وعلى قوانين تضمن تكافؤ الفرص لجميع المصريين بشكل فعلي وليس بالقول والشعارات فقط.

وإذا لم يتم ذلك فإن الوصول إلى تعددية اقتصادية تقوم على المبادرة الفردية المبدعة يبقى مستحيل المنال.

وإذا ما توجه "السيسي" وقيادته نحو التعددية فإن على الجميع وفي المقدمة دول الاتحاد الأوروبي تقديم الدعم، لأن استقرار مصر وازدهارها الاقتصادي حيوي لاستقرار حوض المتوسط وأوروبا، ففي بلاد النيل هذه يعيش نحو 100 مليون نسمة، وإذا ما تدهور الوضع باتجاه الفوضى وانهيار الاقتصاد والعملة فإن ذلك سيعني أيضا اللجوء والهجرة.

وإذا ما قرر فقط عشر المصريين الرحيل فإن ذلك سيعني 10 ملايين لاجئ ومهاجر باتجاه القارة العجوز وباقي أنحاء المعمورة.

وهذا أمر لا يتمنى أحد حدوثه ولنا في تجارب الحرب والخراب الكارثية في ليبيا وسوريا واليمن وقبلها العراق عبرة.

المصدر | دويتش فيللا + الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

عبدالفتاح السيسي غلاء الأسعار موجة الغلاء

إعلامي مصري: نشر فيديوهات محمد علي تؤدي للإعدام

120 مثقفا مصريا يستنكرون اعتقال شاعرة وروائي

السيسي للمصريين: اطمئنوا .. أنا فهمتكم

السيسي يبرر الغلاء وتراجع الجنيه بالزيادة السكانية

على أنغام تسلم الأيادي.. "رقصة الفقر" تتصدر التريند في مصر