من إيران للسعودية.. كيف ترى القوى الإقليمية الانتفاضة اللبنانية؟

السبت 2 نوفمبر 2019 01:31 م

مع تنامي حجم الاحتجاجات المناهضة للحكومة في لبنان وزيادة نطاقها، يتزايد الشعور بالقلق لدى النخبة الحاكمة في البلاد. وبسبب الغضب الشديد من الوضع المالي المتدهور، يبدو أن الغضب واسع النطاق الذي ترسخت جذوره في جميع أنحاء لبنان وصل إلى النقطة التي يبدو فيها أن أي قرار حكومي يتم اعتباره إما وعدا ناقصا أو حلا سطحيا يهدد فقط بإضافة المزيد من الوقود إلى النار. وترك هذا بدوره لقادة بيروت أدوات قليلة لاستعادة الثقة مع المواطنين، باستثناء نوع الإصلاحات السياسية الشاملة التي يطالب بها الشارع الآن.

ويواجه المتظاهرون معركة شاقة في تحقيق أهدافهم الطموحة المتمثلة في التغيير الهيكلي؛ حيث باءت المحاولات السابقة لسن إصلاحات سياسية صغيرة في لبنان بالفشل إلى حد كبير. لكن بالنظر إلى شدة المظاهرات وزخمها، فهناك احتمال أن تتحول الاضطرابات إلى حركة سياسية كاملة تعمل على تغيير الحكومة اللبنانية بشكل ملموس مع مرور الوقت. وفي الواقع، فإن احتمال إجراء انتخابات مبكرة يبقى قيد المناقشة بالفعل. وإذا تمت الانتخابات في ظل المناخ السياسي الحالي، فقد تهدد بالقضاء على نفوذ كل من احتك بالنظام السياسي المعقد في لبنان، بما يشمل رعاة البلد الإقليميين منذ زمن طويل، إيران والسعودية.

  • المعارك السياسية بالوكالة

ولطالما كان يُنظر إلى لبنان على أنه مسرح قيم يمكن للدول الأكثر قوة والأكثر ثراءً في المنطقة أن تمارس فيه معركتها السياسية بالوكالة، بما في ذلك إيران والسعودية وتركيا و(إسرائيل) بدرجة أقل. ولكل دولة من هذه الدول سجل حافل في استغلال الانقسامات الطائفية في لبنان لتحقيق مكاسب خاصة بها. ومع ذلك، تحتفظ إيران حاليا بأكبر قدر من النفوذ في لبنان من خلال وكيلها السياسي القوي "حزب الله".

وصعد "حزب الله" لأول مرة في لبنان في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي بصفته راعيا للشيعة، الذين تم تهميشهم دائما قبل ذلك الوقت عن الاتفاقات المتعاقبة لمشاركة السلطة بين السنة والمسيحيين. وتركت الاشتباكات العنيفة، التي اندلعت كجزء من الأزمة السياسية في لبنان عام 2008، "حزب الله" باعتباره الفصيل المسلح المهيمن في هذا البلد العربي، وهو وضع يحتفظ به حتى اليوم.

من جانبها، دعمت السعودية رئيس الوزراء "سعد الحريري"، الذي يملك استثمارات وممتلكات في المملكة، وحلفاءه السنة في لبنان، كوسيلة لتوجيه نفوذها في البلاد ومواجهة القوة الشيعية المدعومة من إيران، المتمثلة في "حزب الله" و"حركة أمل". لكن تورط المملكة في لبنان، ودعمها لحكومة "الحريري"، انحسر وتراجع؛ بسبب تراجع ثقتها في أن هؤلاء الوكلاء يمكنهم أخذ مكان "حزب الله" في السلطة. وفي الأعوام الأخيرة، ضعف النفوذ السياسي للمملكة في لبنان، ويرجع ذلك جزئيا إلى رؤية بيروت للرياض بوصفها الطرف الأكثر تدخلا في شؤونها، خاصة بعد اعتقال "الحريري" واستقالته شبه القسرية من داخل الرياض عام 2017. ونتيجة لذلك؛ تراجع موطئ قدم السعودية السياسي في لبنان في الوقت الذي عزز فيه "حزب الله" قبضته.

  • صندوق باندورا

لكن قرار السعودية بالابتعاد عن السياسة اللبنانية إلى حد كبير قد يكون الآن في صالحها، وسط موجة الاحتجاجات الجماهيرية التي سيطرت على لبنان في الأسابيع الأخيرة. وكانت تدابير التقشف والضرائب المقترحة، التي تهدف إلى مساعدة بيروت على التخفيف من حدة الأزمة المالية، هي السبب والشرارة الأولية للاحتجاجات التي اندلعت في 18 أكتوبر/تشرين الأول. لكن في الأيام التي تلت ذلك، تطورت المسيرات إلى حملة أكبر بكثير لمكافحة الفساد ضد النخبة الحاكمة في لبنان. وفي محاولة يائسة وغير ناجحة لتهدئة الاضطرابات، اقترحت بيروت إصلاحات وفوائد اقتصادية جديدة. بيد أن المتظاهرين نظروا على نطاق واسع إلى هذه الخطوة على أنها قليلة جدا ومتأخرة جدا، واستمروا في التدفق إلى الشوارع للتعبير عن قائمة المظالم والمطالب المتزايدة.

وأصبح تيار "المستقبل" الذي يقوده "الحريري"، و"حزب الله" الممثل الرئيسي للشيعة، وكذلك "الحركة الوطنية الحرة" أكبر الممثلين المسيحيين في البلاد، رموزا للفساد وهدفا لسهام المحتجين. وبينما تستمر المشاعر العامة الغاضبة، إلى جانب الأرقام المالية الكئيبة في البلاد، فإن الموقف السياسي لـ"حزب الله"، وبالتالي إيران، قد يعاني شأنه شأن بقية قادة الطوائف في لبنان. وفي الوقت نفسه، أعاقت العقوبات الأمريكية قدرة إيران على دعم قاعدتها الشيعية في لبنان ماليا. ويعني هذا النقص في التمويل، إلى جانب المناخ السياسي السام، أن الوكيل الرئيسي لإيران في البلاد سيضطر إلى تعديل موقفه السياسي في البلاد إذا استمرت الاضطرابات وأدت إلى تغيير سياسي.

  • نافذة الفرص

وبدورها، ستستفيد السعودية من الانخفاض المحتمل في النفوذ الشعبي لـ"حزب الله". لكن الرياض ليست القوة الإقليمية الوحيدة التي ستشعر بالارتياح لتشويه النفوذ السياسي الإيراني في لبنان. إذ خاضت (إسرائيل)، على سبيل المثال، حروبا عديدة مع "حزب الله". وعلى مر السنين، دفع تورط إيران المتزايد في لبنان (إسرائيل) إلى تعميق حملتها ضد الحلفاء والأصول الإيرانية الإقليمية. وإذا أدت الاضطرابات الحالية إلى تحول دراماتيكي آخر في التوازن السياسي في لبنان، فهناك فرصة لـ(إسرائيل) كي تعيد النظر من جديد في نهجها تجاه البلاد، تماما كما فعلت في أعقاب الاضطرابات السياسية السابقة في بيروت عامي 1982 و2006.

وفي مواجهة النفوذ الشيعي المدعوم من إيران، سعت تركيا أيضا إلى التأثير على السياسة السنية في لبنان، لكنها فشلت إلى حد كبير في جمع الدعم السياسي والاقتصادي والأمني ​​اللازم للقيام بذلك. إلا أن الوجود الإيراني الأضعف في البلاد قد يمنح تركيا فرصة جديدة لتعزيز وجودها.

وفي الواقع، قد يكون احتمال الاستفادة من ضعف النفوذ السياسي لإيران سببا كبيرا لأن يبدو أعداء إيران في الخليج العربي، وتحديدا السعودية والإمارات، غير تواقين للمساعدة في إنقاذ لبنان من ضائقتة المالية. وتتمتع الرياض، على وجه الخصوص، بسجل حافل في كبح الدعم عندما تعتقد أن "حزب الله" سيستفيد منه. وفي عام 2016، على سبيل المثال، نقلت الرياض فجأة 5 مليارات دولار من المساعدات الأمنية المخصصة للبنان إلى السودان بدلا من ذلك، مشيرة إلى المخاوف بشأن نفوذ "حزب الله" وإيران المتزايد في لبنان.

وبالنسبة لـ"الحريري" والرئيس "ميشال عون"، فإن هذا النقص في التمويل من دول الخليج هو سيف ذو حدين. فمن ناحية، يمكن لخطة إنقاذ نقدية أن تفعل المعجزات بالنسبة للحكومة اللبنانية المثقلة بالديون. لكن من ناحية أخرى، فإن عدم وجود دعم سعودي أو إماراتي علني يساعد في إبعاد بيروت عن روايات التدخل الجيوسياسي والفساد التي يهتف بها المحتجون حاليا في الشوارع.

ولا تزال الاضطرابات الحالية في لبنان قضية داخلية حتى الآن. ولن يظهر هذا التأثير الجيوسياسي الأوسع للاضطرابات اللبنانية إلا إذا أدى عدم الاستقرار الحالي إلى تعديل سياسي فعلي، سواء كان ذلك باستقالة الحكومة الحالية والذهاب لانتخابات جديدة، أو حدوث تعديل في ميزان القوة الطائفية، أو في الحد الأقصى، حدوث إعادة هيكلة أساسية لكيفية عمل الحكومة اللبنانية.

وبالنظر إلى المشاعر المعادية للنخبة التي تختمر في لبنان، فهناك احتمال أن تؤدي الاضطرابات الحالية إلى ظهور حركة غير طائفية ترفض النفوذ الخارجي في السياسة اللبنانية بالكامل. وستكون مثل هذه النتيجة بالطبع سيناريو غير مرغوب بالنسبة إلى جميع اللاعبين الإقليميين في لبنان، بما في ذلك إيران والسعودية. وفي الواقع، مع الكثير من عدم اليقين، توجد سيناريوهات واحتمالات لا حصر لها قد تستمر في الأسابيع المقبلة. لكن نظرا لأن إيران قامت ببناء أكبر نفوذ سياسي في البلاد على مر السنين، فإنها ستكون الخاسر الأكبر مقارنة بغيرها في حالة استمرار الاحتجاجات، وحال كبرت كرة الثلج في نهاية المطاف لتحقق إصلاحا سياسيا حقيقيا. وفي غضون ذلك، من المرجح أن يقوم خصوم إيران الإقليميون بالتحوط في رهاناتهم، والاستمرار في المشاهدة، على أمل أن يمنح أي شكل يتخذه النظام السياسي اللبناني بعد ذلك مكانة أقل لـ"حزب الله".

المصدر | ستراتفور

  كلمات مفتاحية

احتجاجات لبنان انتفاضة لبنان مظاهرات لبنان

أمريكا تعلق مساعدات أمنية للبنان بـ105 ملايين دولار

الطفيلي يهاجم خامنئي ويتهمه بقتل متظاهري لبنان والعراق

متحديا الخليج.. لبنان يستقبل رئيس برلمان إيران

سياسية لبنانية تفضل إيران عن السعودية.. وأمراء يهاجمونها