أبو عزرائيل «الحشد الشعبي» العراقي قريبا في سوريا؟

السبت 11 يوليو 2015 10:07 ص

كان لافتا في الماضي القريب من الأيام، حديث المقاتل «النجم» في صفوف «الحشد الشعبي» العراقي «أيوب آل ربيع» (أبو عزرائيل)، عن أن جماعته تخطط للتوجه الى سوريا لقتال تنظيم «الدولة الإٍسلامية». الحديث هذا، وان كان صادرا عن مقاتل «غير عادي» في إحدى الميليشيات المكونة «للحشد»، لكنه يفرض في القراءة الأولية بطبيعة الحال اعتبار المسألة مجرد إفراط في الحماسة، وإطلاق لتصريحات شعبوية من دون رقابة سياسية أو حتى قيادية مباشرة ومتزنة.

إلا أن «النجومية الفلكية» التي يتمتع بها الشاب في الشارع وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، إضافة الى علاقته الوطيدة بقائد «كتائب الإمام علي» حجي شبل، وتحوله مع الوقت الى أحد أهم مواد الدعاية المضادة التي تستثمر في مواجهة «الدولة الإسلامية»، تفرض في القراءة المتأنية دراسة الموضوع جديا.

فهذه العناصر، بعد إضافة بعض الخيوط المحيطة بالموضوع، كخطة العمل الإيرانية ـ السورية ـ العراقية، وكذلك حديث الأمين العام لـ«منظمة بدر» وقائد «الحشد» أيضا هادي العامري في مقابلة مع قناة «فرنسا 24»، إن جماعته ستطارد تنظيم «الدولة» حتى في سوريا إذا كان هناك خطر على العراق، تظهر في القاع أرضية خصبة لإمكانية تنفيذ «تمدد» من هذا القبيل.

الدعم العراقي للنظام السوري في مواجهة التنظيمات المسلحة ليس فعلا منعزلا عن الواقعية التي فرضتها الحرب الأهلية السورية، فكما كان للمعارضة المسلحة، شاكلة خاصة ووجوه محددة، فرضت طبيعة التحالف والنشاط، كذا كان الحال في المعسكر النظامي. فـ«الحشد الشعبي» ذاته، نشط في سوريا، التي كانت بالمعنى التقني والتنظيمي المهد الأساس «لقيامته» وإعادة تصديره، وإن اختلفت التسميات.

فمع بداية العام 2012، تقاطر شبان عراقيون من تنظيمات مختلفة كـ«عصائب أهل الحق» و«التيار الصدري» و«كتائب حزب الله» العراقي إلى الأراضي السورية، وهناك اجتمعوا في ظل قيادة فصيل عسكري موحد سمّي «لواء ابو الفضل العباس»، وإن كان للأمر في البداية تظهير مختلف على شاكلة التظهير الأول لدخول «حزب الله» اللبناني الى المعترك السوري، من قبيل الدفاع عن المقدسات وخاصة مقام السيدة زينب في دمشق.

إلا أن اللواء العراقي هذا، نشط لاحقا في مختلف محاور القتال في دمشق وريفها، وكان القوة الأساسية الداعمة لـ«حزب الله» خاصة في معارك الغوطة الشرقية العام 2013 في مواجهة «جبهة النصرة» و«جيش الإسلام».

«الحشد الشعبي» العراقي في سوريا شهد عملية إعداد وصقل كانت أساسية في تحويل عناصره الى مقاتلين مجهزين لخوض غمار الحروب الأهلية غير النظامية، وكذلك في إدارة العمليات النظامية، وهي التوليفة الجديدة التي ابتدعها السوريون بالتعاون مع «حزب الله» اللبناني، لتمكين عناصر الحزب من خوض معارك تقليدية وقيادة كتائب مدرعة بكامل تجهيزاتها.

وقد انعكس الأمر إيجابا على العناصر العراقية التي كانت تفتقد التدريب المناسب، وهذا ظهر في المواجهات «المحدودة» بين «جيش المهدي» التابع لرجل الدين مقتدى الصدر والأميركيين خلال معركة النجف العام 2004، وبهذا، ضمن المعترك السوري عملية إعادة تصدير ناجحة للحشد، أضيفت الى فتوى «الجهاد الكفائي» التي أطلقتها المرجعية الدينية في النجف في مواجهة تقدم تنظيم «الدولة»، لإنتاج «الحشد» على شاكلته الحالية.

«الحشد» العراقي بشاكلته الحالية، لم يكن منعزلا على الإطلاق عن الأحداث الجارية في سوريا. وهو منذ خروج غالبية عناصره من دمشق خلال العام الماضي، وتحولهم الى الجبهات العراقية الداخلية، حافظ على مستوى متدن من المساهمة العسكرية في الداخل السوري، من خلال بضع مئات من المقاتلين الموزعين على جبهات مختلفة، خاصة في مدينة حلب، إضافة الى بعض التوغلات السريعة التي ينفذها الحشد في مناطق حدودية، كان آخرها خلال مواجهات منطقة الجزيرة نهاية حزيران وبداية تموز الحالي، وبالتحديد في السيطرة على منطقة غويران الشرقية والغربية في مدينة الحسكة التي كانت بمثابة الخط الأخير المانع لسقوطها بيد تنظيم «الدولة».

إيران صاحبة الأيادي الظاهرة والخفية في المناطق الحامية في الإقليم، ليست منعزلة على الإطلاق عن طبيعة الحراك هذا. وهي وان كانت في الأساس تجهد في سبيل تقوية الدولة المركزية في سوريا من خلال دعمها ماديا وعسكريا بشكل متواصل، وإن كانت أيضا من أنصار نظرية المعركة التقليدية، والحفاظ على البنية النظامية للقوات السورية المسلحة، منعا لتكرار الواقع العراقي ما بعد حل الجيش عقب الاحتلال الأميركي، ولان الجمهورية الإسلامية ذاتها تعرف مدى نجاعة الجيوش النظامية وكثافة نيرانها في تكبيد «غير النظاميين» خسائر فادحة، انطلاقا من تجربتها في الحرب «الشعبية» المضادة ضد القوات العراقية في ثمانينيات القرن الماضي.

فقد حاولت إيران مرارا وتكرارا طوال السنوات الماضية التركيز على توسيع القاعدة البشرية للجيش السوري من خلال إعداد «اللجان الشعبية» وتحضيرها للانضمام لاحقا إلى صفوف الحرس الجمهوري والفرق الميكانيكية وفرق المشاة.

لكن الوقائع السريعة والأحداث الميدانية المتسارعة كانت تفرض حلولا «ترقيعية» أكثر راديكالية، كاستخدام الميليشيات المناطقية من خلال عمليات تعبئة تختلف عناوينها بين طائفي ومذهبي وعرقي، إضافة إلى «كتائب البعث» صاحبة الأيديولوجيا القومية.

وربما في هذا السياق يظهر السبب في التضارب أو الحرج الذي أصاب الآلة الإعلامية التابعة لـ«حزب الله» اللبناني في تعاطيها التدريجي غير الناجح مع الأحداث السورية في بداياتها، خاصة من ناحية الخطابة السياسية التي بررت الدخول في المعركة وعلى مراحل، بطريقة واكبت سرعة الحدث الميداني، لكنها أظهرت ارتباكا وارتجالا في التظهير.

لأن الذي جرى هو عمليات تدخل سريعة لتغطية تحركات الجيش السوري في الأماكن المفتوحة، ودعمه في معارك الأنفاق في ريف دمشق وأحياء حمص، إضافة لسد الفجوات التي تركتها القوات السورية المنسحبة في جبهات كثيرة. فخطة العمل كانت أمرا مختلفا عن واقع الحدث. وبينما كانت الفكرة الأساس تعزيز الايرانيين وحلفائهم في «حزب الله» لقدرات القوات العسكرية النظامية السورية، جاءت المحصلة «تفريخاً» لكيانات عسكرية على شاكلة ما حصل خلال الحرب الأهلية اللبنانية.

ولأن الحدث السوري ليس فعلا أحاديا، والقادر والمبادر فيه لا يمكن أن يكون طرفا واحدا، أصبحت واقعية «الحلفاء» تسير نحو نوع مستجد من الحروب الأهلية، والقائم على نظريتين أساسيتين، دمج القوات، وعبور الحدود. وكان البعد الأول ناجحا وحاسما في العديد من الجبهات التي تقدمت فيها المعارضة السورية المسلحة، حيث تمكنت من جمع عشرات الألوية والفصائل في كيان عسكري موحد، وكذلك الامر في قيام «الدولة الإسلامية» التي اندمجت فيها تنظيمات عسكرية متنوعة، من «القاعدة» الى «جيش محمد» و «الجيش الإسلامي» وبعض فصائل «البعث» العراقي و «الطريقة النقشبندية».

فيما شكلت عملية عبور الحدود وعدم الالتزام بالخطوط الجيوسياسية أساسا في نجاحات تنظيم «الدولة» في إدارة الجبهتين السورية والعراقية وتوزيع مواردها وتنسيق عملياتها. بينما كان الامر مفيدا «للنصرة» في استغلال ما وراء الحدود وبالتحديد في تركيا، لإيجاد معقل حصين وغرفة تحكم بعيدة عن يد النظام السوري في عمليات ريف اللاذقية تحديدا.

على الجانب الآخر، بدأت تتجلى ملامح خطة عمل إيرانية ـ سورية ـ عراقية مشتركة تقوم على النظريتين. فعملية التوسع وتخطي الحدود لن تكون الأولى بالنسبة للحلف هذا. ولذلك فإن لتحقيق أي تقدم كبير في مواجهة تنظيم «الدولة» في العراق مردودا سوريا واحدا، وهو التوغل في الأرض السورية، والعمل خاصة في المناطق القريبة من الصحراء العراقية في الجزيرة (الحسكة والرقة ودير الزور وربما درعا لاحقا)، على أن يتم الأمر بضوء أخضر من التحالف الأميركي ـ الغربي، مع فرض «الحشد» نفسه كقوة أمر واقع وحيدة قادرة على مواجهة الإرهاب.

وعلى المنوال ذاته تتواصل التحضيرات لتوسيع آلية «الدمج» من خلال إطلاق عملية تعبئة في مختلف الاراضي السورية لتشكيل «حشد شعبي» سوري، على أن ينشط بالتوازي مع قوات «الدفاع الشعبي» والجيش النظامي، فيما تتواصل عملية «الشرعنة الدستورية» للحشد الشعبي في العراق، لجعله بديلا للجيش العراقي كامل العضوية والهوية الوطنية. وبذلك تستطيع إيران مع حلفائها ادارة الحرب بطريقة أفضل، خاصة أن قدرة «الممانعة المسلحة» في إدارة الجبهات وتحديدا عمليات «تنسيق النيران» تعد أفضل بكثير من قدرات الطرف الآخر.

لا شك بأن لهذا السيناريو ارتباطا مباشرا بطبيعة الأحلاف الإقليمية والمؤثرات الدولية، وفي مقدمها الاتفاق النهائي بين إيران والغرب وتحديدا في الجانب السياسي، برغم أن الترجيح الأكثر منطقية هو تقبل جميع الأطراف للخلافات الإقليمية القائمة واستمرار التعاطي معها على ذات القواعد القائمة اليوم، بمعزل عن عملية إعادة هيكلة العلاقات الاقتصادية مع طهران ودمجها مجددا بالسوق الدولية. لكن الأمر أيضا سيفرض واقعا يعزز عملية الانسلاخ المجتمعي القائمة حاليا.

فالنجاح في وجه الإرهاب، قد لا يكون دوما نصرا أبيضَ وبسلاح نظيف، حيث تتجه «الأغلبية» في ظل المتغيرات هذه نحو النزعات الأساسية التي كونت خلفيتها العقائدية.

  كلمات مفتاحية

العراق الميليشيات أبو عزرائيل الحشد الشعبي سوريا حزب الله جبهة النصرة الدولة الإسلامية

إيران تبني قوة في العراق لا تستطيع بغداد السيطرة عليها

من يحكم العراق .. «العبادي» أم «العامري»؟

«قاسم سليماني» يسبق الأميركيين إلى تكريت

ذي ديلي بيست: إيران تصعب مهمة أمريكا في العراق .. و«سليماني» يشرف على عمليات تطهير طائفي

”مجزرة ديالى“ .. ميليشيات شيعية تواصل التطهير الطائفي تحت غطاء الحرب على «الدولة الإسلامية»

ميليشيات الحشد الشعبي.. القتل والإرهاب