«ستراتفور»: انفجار إعلامي عكسي للجهاديين ضد «الدولة الإسلامية»

الأحد 12 يوليو 2015 08:07 ص

شهد شهر رمضان الماضي إعلان الخلافة كما ظهر «أبو بكر البغدادي» المنتصر في مسجد الموصل العظيم وهو يعلن نفسه زعيما لجميع المسلمين في جميع أنحاء العالم. وفي رمضان هذا العام تغيرت الأمور بشكل كبير بالنسبة للمنظمة. ويحاول «البغدادي» البقاء بعيدا عن الأنظار بسبب حملة القصف التي يشنها التحالف على كل من العراق وسوريا، وفي الوقت ذاته فإن «الدولة الإسلامية» في موقف دفاعي استراتيجي، وتعاني من أزمة مالية بجانب معاناتها في الحفاظ على الأراضي التي احتلتها.

على الرغم من أن العديد غالبا ما يشير إلى تنظيم «الدولة الإسلامية» باعتبارها أغنى مجموعة إرهابية على الإطلاق، إلا إنهم فشلوا في فهم أن المنظمة هي في واقع الأمر تمرد أكثر منها جماعة إرهابية، وأن هذه الحرب التي تخوضها على عدة جبهات بجانب تحكمها في مدن كبيرة مثل الموصل  والرقة والرمادي، تتطلب كمية لا تصدق من المال والموارد والقوى العاملة. معدل حرق موارد «الدولة الإسلامية» أكبر بكثير من كونها مجموعة إرهابية حقيقية أو حتى تمرد صغير. وقد وضعت الضربات الجوية ضد قوات التحالف ومراكز تجميع النفط وناقلات النفط والمصافي المتنقلة عراقيل جدية في اقتصاد الدولة الإسلامية. وعلى الرغم من أن المجموعة كسبت إيرادات كبيرة من الضرائب والابتزاز والتهريب، إلا إن تلك المصادر للدخل، التي يتم الحصول عليها في الغالب من قواعد الناس الذين تحكمهم المجموعة، محدودة، وسوف تولد زيادة الاستياء ضدها كما يقومون بزيادتها.

وجلب شهر رمضان الجاري أيضا تحديا جديدا للدولة الإسلامية، عندما شن قطب جهادي من أولئك الأقطاب العابرة للحدود الوطنية حملة أيديولوجية واسعة النطاق لتقويض قاعدة دعم «الدولة الاسلامية». وقد لاقت هذه الجهود الأيديولوجية الإعجاب، على الأقل لهذا المحلل الأمريكي الذي في منتصف العمر. ومع ذلك؛ يبقى أن ينظر إلى ذلك ما إذا سيكون له أثر منشود على المانحين الجهاديين الأغنياء والمجندين الشباب.

النهضة أو الإحياء

وكانت أول انطلاقة أيدولوجية في شهر رمضان هذا العام متمثلة في الإصدار الثاني لمجلة «النهضة أو الإحياء» لتنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية. وكانت المجلة الصادرة في 92 صفحة «عدد خاص» يحتوي على مقابلة مطولة للناشر «حسان يوسف» أجراها مع «آدم غدن»، المعروف أيضا باسم «عزام الأمريكي»، وهو الذي يتحدث وهو المتحدث باسم المجموعة الأساسية لتنظيم القاعدة باللغة الإنجليزية، والذي قتلته غارة جوية أمريكية في باكستان في يناير/ كانون الثاني الماضي.

بينما كان اللقاء في الظاهر تعريف بسيرة «غدن»، فإن «يوسف» كان قادرا على صياغة هذا الواقع بذكاء إلى مقالة تضرب «الدولة الإسلامية». وعلى سبيل المثال؛ اقتبس «يوسف» حديث «غدن» عن تفاعلات تنظيم القاعدة مع «أبو مصعب الزرقاوي». وفي الوقت الذي ناقش فيه «غدن» صراعات تنظيم القاعدة مع «الزرقاوي»، وأكد أنه كان مؤيدا قويا للوحدة الجهادية وأنه لا ينبغي أن يكون مسؤولا عن «الانحراف» عن أولئك الذين يدعون أن أتباعه اليوم. وتضمنت المقابلة العديد من الاتهامات القاسية للدولة الإسلامية، مثل:

- إعلان أن المسلمين يمكن أن يكونوا خارج حظيرة الإسلام ليست مسألة تافهة أو شيء يمكن ألا يؤخذ على محمل الجد.

- سفك الدم، والحصول على الثروة، وانتهاك حقوق المسلمين ليست مسألة تافهة أو شيء يمكن ألا يؤخذ على محمل الجد.

- عندما تقومون بتعريف أنفسكم بأنكم «الدولة الإسلامية»، فأنتم مسؤولون في كون إجراءاتكم وسلوككم  تشويه لصورة نظام الحكم الإسلامي في نظر الأمة والعالم.

- الجهل بالشريعة والتفسير الخاطئ للنصوص الإسلامية.

ومن المثير للاهتمام أن العديد من الحجج الموجهة ضد «الدولة الإسلامية» تستخدم اللغة التي لم تكن مستخدمة أو مفضلة لــ«عزام الأمريكي» المولود في كاليفورنيا، على وجه التحديد، المصطلحات التي كانت خارجة عن مستواه التعليمي ومعجمه اليومي العادي. وهذا يدل على الأرجح أن هذه الأقسام تم إدراجها في وقت لاحق من قبل «يوسف»، الذي يبدو أن على مستوى عال من التعليم والثقافة، كما أنه تلقى تعليما جيدا. وتستخدم كتابة «يوسف» اللغة الانجليزية الأمريكية الاصطلاحية المتقدمة، ولن تكون مفاجأة أن نعلم أنه كان قد حصل على درجة متقدمة من جامعة أمريكية، وربما حتى من مدرسة إيفي ليج. أما غدن، فعلى النقيض من ذلك، لم يحضر أبدا الجامعة، وفي الوقت الذي يسعى فيه في كثير من الأحيان لإطلاق تصريحات علنية بأساليب متطورة، فإن جهوده كانت شفافة وواضحة، وجاءت استخداماته كما لو كانت غير طبيعية أو مألوفة أو متناسبة معه.

وفيما يخص «يوسف»، توضح المجلة أن تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية لديه داعية بليغ من المرجح أنه يحتفظ بالاتصالات في الولايات المتحدة. وهو بالتأكيد مفكر أعمق بكثير من شخصيات مثل «غدن». وسوف يكون «يوسف» وفقا لذلك الرقم المهم الذي تتم ملاحظته وتتبعه.

مجلة الرسالة

وتم إطلاق الهجوم الإيديولوجي الرئيسي الثاني ضد «الدولة الإسلامية» تحت مظلة مجلة الرسالة، وهي مجلة جديدة باللغة الإنجليزية من إنتاج جبهة النصرة. مجلة الرسالة، واضحة المعنى باللغة العربية بلا شك، تعني أن هناك هدفا صريحا معلنا من وراء المجلة، هذا الهدف يتمثل في تحرير «عقول المسلمين من بعض المفاهيم الخاطئة والشكوك التي يروج لها الكفار والمنافقون والجماعات المنحرفة الحالية التي تعيش بين ظهرانينا، ويهدفون إلى تشويه وتدمير الرسالة الواضحة والنقية من الإسلام وفريضة الجهاد في سبيل الله».

وتركز المجلة على «المنافقين والمنحرفين» في صفوف «الدولة الإسلامية»، وتصفهم دائما بـ«دولة البغدادي» وليست دولة الخلافة أو الدولة الإسلامية. وتنتقد المجلة مرارا وتكرارا «الدولة الإسلامية» لنشر الفتن ومهاجمة جبهة النصرة/ تنظيم القاعدة في سوريا، في الوقت الذي تعتبر فيه المجلة أن الأخيرين هم حملة راية الجهاد الحقيقي. إنها تنتقد أيضا «الدولة الإسلامية» لتقسيم ومهاجمة الزملاء الجهاديين في اليمن والقوقاز وأفغانستان وليبيا. «لقد أعلنوا الخلافة بالسيف، الذي يقسم الأمة، وليس الخلافة التي تجمع الأمة معا».

وكونها من نتاج «جبهة النصرة» في سوريا، فإن مجلة الرسالة تحتوي بشكل طبيعي على عدة مقالات من تأليف كبار قادة تنظيم جبهة النصرة؛ مثل تأبين قائد تنظيم القاعدة السابق في شبه الجزيرة العربية «ناصر الوحيشي»، والذي كتبه زعيم تنظيم جبهة النصرة «أبو محمد الجولاني». كما تحتوي المجلة على مقالات من عدد من الشخصيات الأخرى المثيرة للاهتمام، بما في ذلك جهاديات إناث هاجرن  إلى سوريا من المملكة المتحدة وجهادي أمريكي يدعى «أبو حذيفة الأمريكي». وهناك أيضا مقال آخر كتبها «القارئ إكرام»، المعروف بأنه المرجعية الدينية العليا لحركة طالبان.

وتكرس المجلة قدرا كبيرا من المساحة لدحض الفكر والأعمال التي يقوم بها تنظيم «الدولة الإسلامية»، ويجادل بأن «الدولة الإسلامية» لا يمكن أن تكون الخلافة الشرعية حيث إن «البغدادي» لم يتشاور مع قادة الحركة الجهادية العالمية قبل إعلان نفسه خليفة. وهناك مقال بعنوان «عام مر على إعلان الخلافة» أشار على وجه التحديد أن الخلافة لم يستعيدها أحد، واستشهد بحديث من صحيح البخاري ينص على أنه في حالة مبايعة شخص، ليصبح خليفة للمسلمين، من دون مشاورة غيرهم من المسلمين، فيتعين على المسلمين أن لا يعلنوا الولاء لهم، ويُقتل من بايع ومن كانت له البيعة. كما تنتقد المقالة أيضا أنصار الدولة الإسلامية من الشباب لتصديق أشياء منشورة على وسائل الإعلام الاجتماعي متعلقة بآراء رجال الدين الجهاديين المرموقين، مثل «أبو قتادة» و«أبو محمد المقدسي»، بل إن الانتقاد وُجه لمجرد التعامل مع هؤلاء العلماء بالاحتقار وعدم الاحترام.

وجاء موضوع عدم احترام الجهاديين القدامى في السن، وحتى التطاول عليهم في مواد أخرى، بما في ذلك مقابلة مع مسلمين شيشانيين جهاديين، ومقال «للقارئ إكرام» بعنوان «هذا هو تنظيم القاعدة أم أنهم قد نسوا».

ويظهر «إكرام» كثيرا، ولا سيما في مواجهة الحجج والبراهين والآراء الصادرة عن تنظيم «الدولة الإسلامية» مرارا وتكرارا، والتي تقول بأن رموزا مثل «أيمن الظواهري» وقيادات القاعدة الحالية قد انحرفوا عن الطريق الذي رسمه «أسامة بن لادن». ويلاحظ «إكرام» أنه على عكس قادة «الدولة الإسلامية»، بأنه عرف وعاصر «بن لادن»، فضلا عن غيره من قادة تنظيم القاعدة، ولاحظ أساليبه ومعتقدات في ظروف مناسبة وتحت ضغط أيضا. وبناء على هذه المعرفة المباشرة، يؤكد أن «بن لادن» وغيره من قادة تنظيم القاعدة كانا سيدينون «الدولة الإسلامية» لمهاجمة الجهاديين الآخرين، والقتل العشوائي للنساء والأطفال من غير المسلمين، وقتل النساء والأطفال المسلمين. كما وبخهم أيضا لكونهم متعطشين للدماء، ويستخدمون أساليب مخادعة، ومنقسمين فيما بينهم، ومفرطين في توزيع تهم التكفير عن طريق تسرعهم لتكفير هذا أو ذاك دون تفكير.

واتهم مقال بعنوان «حلب تحت النار» كتبه «أبو حذيفة المالكي» صراحة تنظيم «الدولة الإسلامية» بمساعدة إدارة الرئيس السوري «بشار الأسد» من خلال مهاجمة جبهة النصرة والجماعات الجهادية الأخرى في شمال مدينة حلب. وهذا يجبر الجهاديين الآخرين على التحول بعيدا عن هجومهم على الموالين في حلب للتصدي لأي هجوم من «الدولة الإسلامية».

تغيير الموقف جذريا بخصوص «الدولة الإسلامية»

بدأ عدد من الأعضاء والمتعاطفين مع تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية باستخدام وسائل الإعلام الاجتماعي على نحو أكثر قوة. فقد قاموا بشن حملة على موقع التواصل الاجتماعي تويتر هذا الأسبوع منتقدين «أبو بلال الحربي»، زعيم «الدولة الإسلامية» في اليمن، حيث كالوا إليه اتهامات بالخيانة. وأصدر تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي بيانا الأسبوع الجاري ينتقد تصرفات تنظيم «الدولة الإسلامية» في الدولة الواقعة في شمال إفريقيا وعلى ساحل المتوسط؛ ليبيا. والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن الآن بعد قراءة ذلك: هل مثل هذه الجهود بإمكانها أن تحرز تقدما كبيرا ضد قوي طاغوت وسائل الإعلام الاجتماعية الذي تركن إليه «الدولة الإسلامية»؟ والجواب، في الواقع، يشير إلى أن هذا لا يبدو واضحا بصورة كافية.

لقد وجدت بعض الحجج الدامغة ضد أيديولوجية «الدولة الإسلامية» والممارسات أثناء قراءة هذه المواد. ولكن سواء أكان المجندين الجهاديين المحتملين والمانحين الجهاديين الأغنياء سوف يأخذون وقتا لقراءتها ومن ثم دراستها والتعامل معها، أو ما إذا كانت سيستمرون في الاستفادة من أشرطة الفيديو للدولة الإسلامية الدرامية ومشاركات وسائل الإعلام الاجتماعية، وهو ما ننتظر رؤيته.

ربما سوف يأخذ بعض الجهاديين الأكثر نضجا والممولين الأجانب وقتا طويلا، في واقع الأمر، لقراءة هذه المجلات والحجج المعقولة المطروحة فيها ودراستها بروية ثم استيعابها. لكن بالنسبة لكثير من المجندين الصغار، فإن إغراء الفوضى الدموية، وعبيد الجنس اليزيدي ربما تجعل منهم أقوياء للغاية بالنسبة لحجج القاعدة ليتغلبوا عليها ويدحضوها.

 

  كلمات مفتاحية

الدولة الإسلامية تنظيم القاعدة جبهة النصرة الحرب الإعلامية

«إف بي آي»: «الدولة الإسلامية» شيطان يجلس على أكتاف مؤيديه يحثّهم على القتل

خبراء: «الدولة الإسلامية» يشكل «تهديدا وجوديا» لـ«القاعدة»

ظل الخلافة: مخاوف من تمدد نفوذ «الدولة الإسلامية» في دول آسيا

«طالبان» تواجه حنق «الدولة الإسلامية».. الطفل الجديد على مائدة المسلحين

ما بين غلافي مجلة القاعدة «إنسباير»

تقرير: أعداد الألمانيات الملتحقات بتنظيم «الدولة الإسلامية» في ازدياد