ظل الخلافة: مخاوف من تمدد نفوذ «الدولة الإسلامية» في دول آسيا

الأربعاء 1 يوليو 2015 11:07 ص

عندما أعلن «أبو بكر البغدادي» استعادة فكرة الخلافة الإسلامية في مثل هذا الشهر الجاري من العام الماضي، لم تُسمع الدعوة إلى القتال من أجل دولته الإسلامية وبنائها في قلب الأرض العربية المنهارة فحسب، وإنما كان لها صدى أيضا في المجتمعات الإسلامية اليائسة، مثل تلك الموجودة في الصين والفلبين وأستراليا.

ويعيش أكثر من نصف مسلمي العالم في آسيا. ولذلك، فإن صعود تيار عنيف من الجهاد الإسلامي الواثق بنفسه يتبنى التهديد والإكراه سوف يحوّل المنطقة إلى اضطراب لا مفر منه ولا نجاة من عواقبه. ونجحت مجموعات الجهاديين الموجودة من قبل في كسب مزيد من الجرأة بفعل نجاح تنظيم «الدولة الإسلامية» في تأسيس مناطق سيطرته في العراق وسوريا والدفاع عنها. وفي الوقت الراهن تشعر حكومات في قارة أسيا بالقلق من حقيقة اتجاه بعض الشباب نحو التطرف بسبب دعاية «الدولة الإسلامية»، ويتشجعون على السفر إلى مناطق الخلافة أو يجعلونها مصدر إلهام لهم لتنفيذ عمليات دموية داخل بلادهم. ومن بين الآلاف من الآسيويين الذين قاتلوا مع «الدولة الإسلامية» كان هناك العديد ممن سيعودون إلى الوطن، حاملين معهم الإيديولوجية والشبكات والمعرفة الخاصة بالإرهاب الإجرامي المميت.

وربما الخطر يتمثل أكثر ما يكون في دول مثل أفغانستان وباكستان؛ لأن هذين البلدين ممزقين بطبيعة الحال بسبب الإرهاب والتمرد على حد سواء. لكن ثمة سبب للشعور بالقلق أيضا في الجمهوريات السوفياتية السابقة المتوترة في آسيا الوسطى؛ حيث يشكل الإسلام السياسي بديلا عن الأنظمة السلطوية البغيضة، وهناك ما يقدر بحوالي من 2000 إلى 4000 آلاف شخص من بين عشرين ألف مقاتل أجنبي انضموا إلى مجموعة «الدولة الإسلامية».

وكانت الصين قد كافحت في السنوات القليلة الماضية من أجل اجتثاث النزعة التطرفية من بين صفوف الأقلية الإيجورية ذات الأغلبية المسلمة في المنطقة الغربية مترامية الأطراف في تشينجيانج، وألقت باللوم على الجهاد العالمي. ويقدر أن 300 من الصينيين الأيجوريين قد سافروا إلى العراق وسوريا. لكنه يبدو أن الإجراءات المضادة التي اتخذتها الصين عملت فقط على شحذ مشاعر الاستياء والضجر مما يعتبره الإيجور قمعا استعماريا تمارسه بحقهم الدولة الصينية والأغلبية الإثنية من «الهان».

وحتى في جنوب شرق آسيا، حيث تبدو أعداد المجندين في «الدولة الإسلامية» متواضعة تماما (حوالي 500 إندونيسي و100 فلبيني و50 ماليزيا وحفنة من السنغافوريين)، فإن السؤال الآن متعلق بكيفية أن الإستجابة للدولة الإسلامية تنطوي على تداعيات سياسية. ففي الفلبين، على سبيل المثال، يتعرض السلام القائم بين الحكومة والثوار المسلمين على جزيرة مينديناو للتهديد من جانب المجموعات المتطرفة التي أعلنت ولائها لمجموعة «الدولة الإسلامية». وحتى في ماليزيا الديمقراطية، فإن مجرد طرح مشروع تشريع جديد معاد للإرهاب في أبريل/نيسان الماضي، والذي يشتمل على نصوص تبيح الاعتقال من دون محاكمة، لم يثر غضب الإسلاميين وحسب، وإنما أيضا طائفة من الساسة المعارضين. ويرى العديدون فيه ذريعة لاستعادة السلطات التي كان قد منحها قانون الأمن الداخلي في الحقبة الكولونيالية، والذي أسيء استخدامه في أوقات معينة لأغراض سياسية، وتم إلغاؤه في عام 2012 فقط.

وتناضل الحكومات في كل مكان مع حسبة مستحيلة: إذا أساءت تقدير التهديد، فإنها تعرض شعوبها للهجمات الإرهابية. وإذا بالغت في تقديرها، فإن ردود أفعالها شديدة الوطأة قد تقوي قضية الإرهابيين أكثر.

وازدادت المخاوف إزاء تصاعد نفوذ «الدولة الإسلامية» حتى في البلدان المسالمة البعيدة عن جبهات المعارك الرئيسية التي تدور في مناطق مختلفة من العالم. وفي مؤتمر إقليمي حول «التصدي للتطرف العنيف»، والذي عقد في سيدني هذا الشهر، انتقد رئيس الوزراء الأسترالي «توني أبوت»، «سعي الدولة الإسلامية الغريب إلى الهيمنة العالمية». كما نعى كون «مجسات ثقافة الموت امتدت حتى إلى هنا»، مستحضرا عملية الحصار الدموي لمقهى في «سيدني» في يناير/كانون الثاني الماضي، والتي نفذها ما بدا أنه شخص مختل عقليا ومتعاطف مع مجموعة «الدولة الإسلامية». كما ذكر أن بضع عشرات من الأستراليين انضموا إلى «الدولة الإسلامية» أو جبهة النصرة، المنافس السوري للدولة الإسلامية والتابع لتنظيم القاعدة.

ومما يثير الجدل أن أستراليا تخطط لتجريد المواطنين الذين يسعون لجنسية مزدوجة، والذين يتردد عنهم أنهم «إرهابيون» من جوازات سفرهم الأسترالية.

قبل أيام قليلة من حديث أبوت، كان «لي هسين لونغ»، رئيس وزراء سنغافورة،  قد خصص جزءا من كلمته الرئيسية أمام «حوار شانغري-لا»، المنتدى الأمني السنوي، للحديث عن مشكلة «الدولة الإسلامية». وقد تركز الحديث العام على تمدد الصين في بحر الصين الجنوبي، لكن كثيرا من حديث القاعات الخلفية كان يدور حول التهديد الجهادي الذي تشكله مختلف الحركات الجهادية في العالم. وكان أكثر ما يبعث على الصدمة هو تقييم «هسين لونغ» المنطقي، والذي قدر أن هذا الكفاح سيستمر لأجيال. وبالنظر إلى الأمام 50 عاما، اقترح أن الاستراتيجية الجهادية ستؤول إلى الفشل، أو على الأقل «ستضعف قبضتها على خيال الأرواح المتعبة». لكنه لاحظ أن الشيوعية السوفياتية «وهي تاريخ آخر شهد نهاية مغلقة» قد استدام 70 عاما قبل انهياره. ولم تكن الشيوعية، رغم كل ادعاءاتها بامتلاك الحقيقة المطلقة، عقيدة متجذرة في أحد الأديان.

وفي سنغافورة المترفة التي تعيش حياة رغدة، يوصف مسلمو الملايو هناك بالأقلية المندمجة بشكل جيد إلى حد كبير. لكن البلد كان مع ذلك هدفا لمجموعة «الجماعة الإسلامية»؛ المجموعة الجهادية الإقليمية التي تعهد زعيمها الروحي «أبو بكر بصير»، والذي كان مرتبطا ذات مرة بتنظيم القاعدة، بالولاء لتنظيم «الدولة الإسلامية». وقد خططت «الجماعة الإسلامية»، المدانة بارتكاب أعمال إرهابية في إندونيسيا، بالتخطيط لتفجيرات في سنغافورة بعد وقت قليل من هجمات 11 سبتمبر/أيلول في الولايات المتحدة. وحتى في سنغافورة، يتخرج متطرفون عن طريق الإنترنت، فقد اعتقلت السلطات هناك فتى يبلغ من العمر 17 عاما، والذي تحول إلى متطرف بواسطة الإنترنت. كما اعتقلت طالبا يبلغ من العمر 19 عاما كان يخطط للانضمام إلى «الدولة الإسلامية»، وإذا فشل في ذلك فكان يخطط للقيام باغتيال قادة حكوميين في الوطن.

وتدرك سنغافورة أنها بلد ثري مليء بالأهداف الجذابة للإرهابيين، وأنها «نقطة حمراء صغيرة» محاطة بإندونيسيا وماليزيا اللتين تضمان مسلمين في الجزء الضخم منهما. وكان تنظيم «الدولة الإسلامية» قد قال إنه يريد تأسيس ولاية تابعة للخلافة في جنوب شرق آسيا. وعلق السيد «هسين لونغ» على ذلك بسخرية، فقال: «إنهم يحلمون». لكنه أعرب عن قلقه من إمكانية إقامة «الدولة الإسلامية» قاعدة لنفسها في فضاء ما غير خاضع للسيطرة في المنطقة.

ما الذي يرونه في «الدولة الإسلامية»؟

الصعوبة عالمية وتوجد في كل مكان، الجهود المبذولة لقتال التطرف تجعل من الحكومات التي تقف وراء هذه الجهود هدفا بشكل متزايد.

وتسهم كل من أستراليا وسنغافورة في الائتلاف الذي يقاتل «الدولة الإسلامية» في الشرق الأوسط. كما أصبحت الحكومات في كل العالم أكثر خيفة على المستوى الداخلي؛ حيث أخذت في تصعيد إجراءات «نزع التطرف» عبر العمل مع المسلمين المعتدلين للتصدي للدعاية الجهادية. لكن تلك ليست مهمة سهلة على الإطلاق. فالدعاية، وخاصة الاستخدام الذكي والمخادع للإنترنت ووسائل الإعلام الاجتماعي، هي موطن قوة «الدولة الإسلامية».

وكما قال كل من السيد «هسين لونغ وأبوت»، فإن القبول الذي تلقاه الدولة الإسلامية لدى «الأرواح المتعبة» يبقى أمرا غير قابلا للفهم عند قادة الدول الناهضة اقتصاديا حديثا. وسوف يكون من الصعوبة بمكان جمع حجج جيدة ضد وجهة نظر لا يفهمها المرء في الأساس.

  كلمات مفتاحية

الدولة الإسلامية آسيا الصين أستراليا

«ديبكا»: «الذئب الوحيد» تكتيك «الدولة الإسلامية» الجديد الذي حيّر مخابرات العالم

أستراليا تتحقق من مقتل اثنين من رعاياها التحقا بـ«الدولة الإسلامية»

«طالبان» ضد خلافة «البغدادي»: «الدولة الإسلامية» محكوم عليها بالفناء في أفغانستان

«ذي إيكونومست»: «دولة الخلافة» بحاجة إلى المزيد من الأموال لإقامتها

أستراليا لا ترحب بعودة مواطنيها المنضمين لـ«الدولة الإسلامية» دون محاكمة

«الدولة الإسلامية» لا يكسب ولا يخسر على الرغم من هجمات سيناء وغيرها التي يتبناها

«ستراتفور»: انفجار إعلامي عكسي للجهاديين ضد «الدولة الإسلامية»

واشنطن تزعم: التحالف استعاد ربع إمبراطورية «الدولة الإسلامية» في عام

المغرب: أستاذ جامعي ولاعب بالمنتخب الوطني يلتحقان بـ«الدولة الإسلامية»