أزمة الجزيرة الإنجليزية.. هل التحالف القطري التركي مهدد بالفعل؟

السبت 9 نوفمبر 2019 11:46 م

في 4 نوفمبر/تشرين الثاني، نشرت صحيفة "ديلي صباح"، وهي صحيفة يومية ناطقة باللغة الإنجليزية مؤيدة للحكومة في تركيا، مقالة افتتاحية قاتمة بعنوان: "الجزيرة الإنجليزية.. تهديد للتحالف التركي القطري".

وقامت قناة "الجزيرة الإنجليزية" بانتقاد توغل تركيا العسكري الأخير في شمال سوريا، المعروف باسم عملية "نبع السلام"، ومن ثم فقد عرّضت مستقبل التحالف التركي القطري للخطر.

ولإنقاذ هذا التحالف، طالبت الافتتاحية التركية الشبكة "بتطهير نفسها من جميع الأفراد الذين يسعون إلى تسميم هذا التحالف وراء ستار الصحافة المستقلة". وفي تهديد واضح، قالت هيئة تحرير الصحيفة أنه إذا لم يتم اتخاذ أي إجراء، فلن يكون لدى تركيا "أي سبب لدعم الدوحة".

وبالنظر إلى العلاقة الوثيقة بين الحكومة التركية وصحيفة "ديلي صباح"، وسيطرتها على البيئة الإعلامية الأوسع في تركيا، من غير المرجح أن تكون مثل هذه الافتتاحية الغاضبة، التي تهدد قطر، الدولة العربية الوحيدة في الشرق الأوسط التي لا تزال حليفة لتركيا، بشكل مباشر قد تم نشرها دون ضوء أخضر من مكتب الرئيس التركي.

ومع ذلك، ما زال من السابق لأوانه القول بأن التحالف التركي القطري يواجه تهديدا وجوديا. وليست المشكلة مستعصية، ولدى قطر أسباب قوية لعدم تقويض علاقاتها مع تركيا، وقد استثمرت البلاد بكثافة بالفعل في الاقتصاد التركي، وهي تحتاج إلى تركيا لموازنة قوتها أمام جيرانها الأكبر، المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.

ربيع الدوحة وأنقرة

وعندما اندلع الربيع العربي في نهاية عام 2010، لم يكن يتخيل كثيرون مدى القوة التي سيكون علبها التحالف التركي القطري في الأعوام التالية. وفي إشارة إلى قوة الحلف، عندما اندلعت الأزمة الدبلوماسية القطرية في يونيو/حزيران 2017، حين وقفت الإمارة الصغيرة وحدها أمام تحالف الحصار الرباعي، السعودية والإمارات ومصر والبحرين، اتخذت تركيا موقفا قويا مؤيدا لقطر. وأرسلت أنقرة الكثير من الإمدادات الغذائية، ونشرت قوات لها في قطر، محطمةً بذلك أي أمل لديها لاستعادة علاقاتها المتوترة بالفعل مع السعودية والإمارات.

وحاولت قطر رد الجميل، حيث استثمرت بكثافة في الاقتصاد التركي، بما في ذلك صناعة الدفاع الاستراتيجية، وهرعت إلى مساعدة أنقرة خلال أزمة العملة الحادة في صيف عام 2018.

إذن ما الخطأ الذي حدث؟ لطالما انتقدت تركيا الشراكة الأمريكية مع المجموعة الكردية السورية المعروفة باسم "وحدات حماية الشعب" في الحرب ضد تنظيم "الدولة الإسلامية".

وتعتبر أنقرة أن وحدات حماية الشعب هي الفرع السوري من حزب العمال الكردستاني، الذي كان في صراع مع الدولة التركية منذ عقود، وبالتالي يشكل تهديدا أمنيا.

وأصبحت تركيا تشعر بقلق متزايد منذ أواخر عام 2015 من أن تتلقى "وحدات حماية الشعب" أسلحة ثقيلة وتدريبات من الولايات المتحدة، بعد أن اكتسبت شرعية وشعبية واسعة النطاق في واشنطن والعواصم الأوروبية وحتى في موسكو. لكن مخاوف تركيا، التي عبرت عنها مرارا وتكرارا على أعلى المستويات وفي مجموعة متنوعة من المنصات، تم تجاهلها إلى حد كبير.

وكما غطت وسائل الإعلام على نطاق واسع، تلقت تركيا الضوء الأخضر من الرئيس "دونالد ترامب" في 6 أكتوبر/تشرين الأول، وأطلقت عملية عسكرية مخطط لها منذ فترة طويلة في شمال سوريا، في 9 أكتوبر/تشرين الأول.

وأوقفت تركيا عملها بعد 9 أيام، ليس بسبب المقاومة العسكرية من قبل "وحدات حماية الشعب"، ولكن بسبب الضجة الدولية التي أثارها التوغل.

وتحت ضغط من الكونجرس الأمريكي، هدد الرئيس "ترامب"، الذي أعطى الضوء الأخضر الأولي للعملية، هدد تركيا بفرض عقوبات اقتصادية مدمرة. وقد فرض بالفعل بعض العقوبات على أنقرة، على الرغم من أنها لم تكن قاسية مثل تلك التي طالب بها الكونغرس الأمريكي.

وبالإضافة إلى ذلك، توقف عدد من الدول الأوروبية، إضافة إلى كندا، عن بيع الأسلحة إلى تركيا. ونظرا لاقتصادها الهش بالفعل، لم تستطع تركيا ببساطة تجاهل هذه التهديدات، وبالتالي خضعت للضغوط الدولية، وأوقفت عملها بعد أن توصلت أولا إلى اتفاق مع الولايات المتحدة ثم روسيا لإعلان وقف إطلاق النار.

دعم غير كاف

وخلال عملية "نبع السلام"، برزت قطر كواحدة من الدول القليلة التي دعمت التوغل العسكري لتركيا في شمال سوريا. ومباشرةً، بعد أن بدأت تركيا العملية، أعلن "تميم بن حمد آل ثاني"، أمير البلاد، دعم قطر لتركيا في مكالمة هاتفية مع الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان".

كما أعرب وزير خارجية قطر، "محمد بن عبد الرحمن آل ثاني"، عن دعمه للعملية، حتى أنه أعلن أن وحدات حماية الشعب فرع من حزب العمال الكردستاني، الذي وصفه بأنه "جماعة إرهابية سرية". وهكذا، تحدت قطر الجامعة العربية، التي أدانت العملية العسكرية التركية ووصفتها بأنها "غزو لأراض دولة عربية وعدوان على سيادتها".

ومع ذلك، لم يكن دعم قطر العلني كافيا لتركيا. ولم تدرك القيادة القطرية أن تركيا لم تكن تقوم بعملية عسكرية فحسب، بل كانت تواجه أيضا أزمة علاقات عامة دولية كبرى، ربما كانت الأسوأ في تاريخها.

وفي جميع وسائل الإعلام الدولية الرائدة، فإن من تم دعمه بقوة لم يكن تركيا عضو الناتو، بل القوات الكردية. وتم تصوير قرار "ترامب" بمنح الضوء الأخضر للعملية التركية على نطاق واسع على أنه خيانة للأكراد، وأنه تحرك من شأنه أن يسرع من عودة ظهور تنظيم "الدولة الإسلامية"، بينما تم اتهام تركيا بتنفيذ عمليات تطهير عرقي ضد الأكراد وإساءة معاملة الاجئين السوريين.

ونظرا للصلة القوية التي طورتها تركيا مع قطر، توقعت أنقرة من الدوحة تعبئة قوتها الإعلامية لتوفير الدعم، وخاصة قناة "الجزيرة الإنجليزية"، التي كان يمكنها التعبير عن مخاوف تركيا المشروعة ونقلها إلى المجتمع الدولي الناطق باللغة الإنجليزية.

ولكن هذا لم يحدث. وبدلا من ذلك، وفقا لمقال صحيفة "ديلي صباح"، نشرت قناة الجزيرة الإنجليزية "دعاية معادية لتركيا. وتحت ذريعة الصحافة المستقلة والموضوعية، استسلمت الشبكة للتحيز والأخبار المزيفة لتصوير الإرهابيين المعروفين والهاربين من القانون على أنهم ناشطون مضطهدون".

ومع ذلك، من الصعب تصديق أن القيادة القطرية كانت تشجع "الجزيرة الإنجليزية" على تغطية العملية العسكرية التركية بهذه الطريقة. ففي حين أن لدى القيادة القطرية خطوطا حمراء معينة، وبالطبع فإن "الجزيرة الإنجليزية" حريصة على عدم عبورها، إلا أن مشاعر تركيا لم تكن من بينها.

وفي الواقع، بدا أن افتتاحية صحيفة "ديلي صباح" تدرك ذلك، فلم تتهم القيادة القطرية مباشرةً، بل "مجموعة صغيرة من الناس" داخل الشبكة، وطالبت بطردهم.

وبالنظر إلى الأهمية الاستراتيجية لتركيا بالنسبة لقطر، لن يكون مفاجئا إذا اتخذت القيادة القطرية بعض الإجراءات التصالحية لمعالجة المخاوف التركية. لكن يبقى أن نرى مدى هذه التدابير، إن وجدت.

المصدر | بيرول باسكان - معهد الشرق الأوسط

  كلمات مفتاحية

العلاقات القطرية التركية شبكة الجزيرة عملية نبع السلام

لوب لوج: "نبع السلام" عززت العلاقات الوثيقة بين قطر وتركيا

للسنة الرابعة على التوالي.. الجزيرة الإنجليزية تتوج بجائزة قناة العام