في اليمن.. لا تعطوا الأولوية لفظائع جانب دون جانب آخر

الاثنين 13 يوليو 2015 12:07 م

مرت 4 شهور ولا تزال الحرب في اليمن مشتعلة بشدة وفي أوجها. وفي جميع أنحاء البلاد، كانت حصيلة القتلى والجرحى تربو على 19 ألف شخص نتيجة لأعمال العنف، كما ارتفع عدد النازحين إلى أكثر من 1.2 مليون نسمة.

وتستمر هذه الأرقام في الارتفاع بمعدل ينذر بالخطر ويحول الأمر إلى كارثة إنسانية. هذه الدولة، اليمن، التي مزقها العنف وقطع أوصالها مليئة بالضحايا الذين يُنظر إليهم بشكل غير عادل، وتتم معاملتهم بشكل لا يليق من جميع الأطراف المتحاربة.

وتتم معاملة المواطنين في الجزء الجنوبي من اليمن بشكل لا يليق على الإطلاق، خاصة من قبل مليشيات حركة الحوثي والقوات الموالية للرئيس السابق المخلوع «علي عبد الله صالح»، منذ أن بدأوا قصف منزل الرئيس «عبده ربه منصور هادي» ومطار عدن يوم 19 مارس/أذار الماضي (قبل بدء الغارات الجوية التي تقودها السعودية).

وبعد أن فر «هادي» من البلاد، بدأت قوات الحوثيين/ «صالح» استهداف الناس في الجنوب بشكل منهجي؛ بحجة أنهم تابعون لتنظيم القاعدة، ثم ما لبثوا أن حولوا دعايتهم إلى الزعم بأنهم يقاتلون تنظيم «الدولة الإسلامية» في اليمن أو ما يعرف باسم «داعش».

وقللت كل هذه الشعارات من صورة الجنوبيين في أعين قوات الحوثيين/ «صالح». وفي الوقت نفسه، يبرع الحوثيون في نقل صورة عبر وسائل الإعلام المحلية والدولية تؤكد كيف أن التحالف الذي تقوده السعودية يقتل الناس في شمال اليمن، بينما هناك حالة من غض الطرف عن الفظائع التي يرتكبونها في الجنوب.

وبالنسبة للحوثيين، فإن ضحايا الغارات الجوية السعودية هم الضحايا الوحيدون الجديرون بتسليط الضوء عليهم. وفي الوقت نفسه، فإن المقاومين في الجنوب يتعاملون وينظرون إلى الضحايا كشيء تافه، لماذا؟ ربما لأن العداء قد وصل إلى نقطة لا رجعة فيها. ومن المدهش عزل هذه المواقف تماما عن أي مبدأ أخلاقي.

لقد كان الشعب اليمني الضحية الكبرى للحوثيين بمحاولة الانقلاب ضد الرئيس «هادي» في سبتمبر/أيلول من العام الماضي. وقد شن الحوثيون حملة شرسة ضد المعارضين، بالإضافة إلى «هادي» نفسه، منذ تمددهم من صعدة إلى صنعاء في يوليو/تموز من العام الماضي.

وعلى وجه التحديد، فإنه منذ سبتمبر/ أيلول عام 2014، كانت هناك عشرات، إن لم يكن المئات، من الناشطين والصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان في جميع أنحاء اليمن تعرضوا للمضايقات والخطف والتعذيب، بعضهم طُبق عليه الإعدام، من قبل مليشيات الحوثي في تطهير دموي خاص بهم.

ومن دون إعطاء أي مبرر لحملة الغارات الجوية التي تقودها السعودية، والتي بدأت بمباركة من الرئيس اليمني «هادي»، جاءت الضربات الجوية كرد فعل على عنف الحوثيين القائم بالفعل. وفي 26 مارس/أذار، تشكل التحالف الذي تقوده السعودية من 11 دولة عربية، في حين وقفت 11 دول عربية أخرى تشاهد في صمت. وكان هدف التحالف استعادة شرعية الرئيس «هادي»، ما أظهر أن «هادي» هو الضحية الوحيدة التي تستحق أن تحنو عليها الرياض وتمد لها يد العون.

ولكن هل هي الضربات حقا وسيلة فعالة لحل هذه المشكلة؟ بالطبع لا، الأهم من ذلك أنها أدت إلى نتيجة معروفة للجميع، ألا وهي الكارثة. ومع استمرار قوات التحالف التي تقودها السعودية بالادعاء أنها فقط تحارب ضد نقاط عسكرية، فإن حجم الدمار الذي حدث جراء الغارات الجوية يروي لنا قصة أخرى، وهي أن المواطن اليمني ليس على أجندة الاهتمام بقدر ما لاقت شرعية «هادي» من اهتمام.

وبالنسبة لأولئك الذين فروا من العنف وأصبحوا لاجئين في شواطئ الصومال وجيبوتي وأماكن أخرى، كانوا يعاملون على أنهم ضحايا غير جديرين بالاهتمام على العديد من المستويات. وتظهر العشرات من روايات اللاجئين اليمنيين كيف تعرضوا لسوء المعاملة وعدم الاحترام. وتراكم الشباب اليمني على أبواب الحدود السعودية ليعاني ظروفا قاسية. تم إرسال قريبتي إلى اليمن بعد أن تمكنت بأعجوبة من الفرار إلى السودان. وكان هناك قريب آخر عالق في مخيم لاجئين في السودان لعدة أيام يتعرضون فيه لسوء المعاملة، ويشهد هذا المخيم وغيره الكثير من الانتهاكات ضد حقوق الإنسان لهؤلاء اللاجئين. وبأعجوبة، نجح قريبي في دخول إثيوبيا. وبالنسبة لجميع اليمنيين الفارين من العنف، فإن ما يخبأه المستقبل لهم غير مؤكد تماما. ويجب أن يكون واضحا رغم ذلك: أن أي دولة تغلق أبوابها ضد هروب البشر من الموت فإنها ترتكب في النهاية شكلا آخر من أشكال العنف.

وتنذر كل هذه المعاناة بوقوع كارثة إنسانية غير مسبوقة. ففي اليمن، يواجه الملايين خطر المجاعة بسبب المساعدات الغذائية التي باتت لا تصل إليهم. ويتحدث الناس على أرض الواقع كيف أن قوات الحوثيين/«صالح» في عدن تستخدم الغذاء والدواء في شكل أسلحة حرب، فكما يقول الصحفي «إيونا كريج»: «شاهدتهم وهم يمنعون حمولات من الدقيق من دخول المدينة».

والأسوأ من ذلك، أنه في حين أن أكثر من 15 مليون شخص في حاجة إلى الرعاية الصحية الأساسية، فإن هناك عدد لا يحصى من الجرحى يموتون؛ لأن المستشفيات تغلق أبوابها بسبب نقص الوقود. ونتيجة للتعطل الكلي جراء الحرب لكافة الخدمات الأساسية، فإن هناك ما يقدر بنحو 20.4 مليون شخص في اليمن في حاجة إلى الماء الصالح للشرب. وقد زاد معدل انتشار أمراض مثل الإسهال وتعالت نسبة الإصابة بالكوليرا والملاريا. وقالت منظمة الصحة العالمية الشهر الماضي إن أكثر من ثلاثة آلاف حالة تعاني من حمى الضنك وردت تقارير بشأنها في اليمن منذ مارس/أذار، مشيرة إلى أن الرقم الفعلي قد يكون أعلى من ذلك بكثير.

وفي حين أن معاناة اليمنيين مستمرة، كان هناك تحرك تضامني عالمي متواضع يحاول تحدي الهيمنة السعودية على وسائل الإعلام. وعلى الرغم من أن الزخم ليس من ذلك النوع المثير للإعجاب، إنه في الواقع الجانب الوحيد من هذه الحرب الذي يجعل اليمنيين يواصلون إيمانهم بالشعور المشترك للإنسانية.

ورغم ذلك، فإني أحث الجميع على إظهار التعاطف مع معاناة اليمنيين، ليس فقط بإدانة الفظائع التي يرتكبها التحالف الذي تقوده السعودية، ولكن أيضا بإدانة الأعمال الوحشية التي ارتكبتها وترتكبها قوات صالح والحوثيين. لا تعطون أولوية لأعمال وحشية يقترفها جانب، بينما هناك جانب لا يتحدث أحد عن أعماله الوحشية. ينبغي إدانة العنف الذي ترتكبه جميع الأطراف. وبالنسبة لأولئك المتضامنين مع الشعب اليمني، فلابد لهم أن يعرفوا ويعلنوا أن جميع الضحايا جديريين بالسلام والاستقرار.

وتثمن اليمن جميع إجراءات التضامن العالمية، ولكن ما يحتاجه اليمن بشدة هو العمل المضني من قبل المجتمع الدولي لإحداث تأثير على أطراف النزاع. فمنذ بداية الحرب، كان هناك صمت يخيم على المجتمع الدولي فلم يسمع اليمنيون صوته. وقد حان الوقت لكسر هذا الصمت.

وفي غضون ذلك، يتحمل جميع الأطراف الذين يساهمون في تعميق الكارثة الإنسانية في اليمن المسؤولية عن الأفعال التي قد تصل إلى جرائم ضد الإنسانية.

  كلمات مفتاحية

اليمن الحوثيين السعودية الأزمة الإنسانية

«الأمم المتحدة» تعلن حاجتها لـ1.6 مليار دولار لمواجهة «كارثة وشيكة» في اليمن

«لوموند»: الأزمة الإنسانية في اليمن وراء التغير المفاجئ في موقف السعودية

«سي إن إن»: المساعدات اليمنية نقطة في بحر الاحتياجات الإنسانية المطلوبة

«ستراتفور»: اليمن يتجه نحو الانفصال والأزمة الإنسانية تزداد تفاقما

اليونيسف: نحو 15 مليون يمني بحاجة لمساعدات إنسانية .. والأطفال هم الأكثر تضررا