الخبز المعلق.. عادة عثمانية للتكافل تحولت لمشاريع ذكية

الأربعاء 27 نوفمبر 2019 09:28 م

طوّر الأتراك عادة عثمانية قديمة، كانت تُعنى بتقديم الخبز المجاني للفقراء، فباتت اليوم تشمل أكثر من حاجة ينتظرها غير المقتدرين في المجتمع.

تقليد "askıda ekmek" أو "الخبز المعلق"، كان في الماضي يتمثل بشراء أهل الخير خبزا أكثر من حاجتهم ويعلقونه في الأفران ليأتي الفقراء وذوو الحاجة ويأخذون منه.

وبحسب تقرير لموقع شبكة "بي بي سي" البريطانية، بات التقليد يشمل اليوم أشكالا جديدة لمساعدة المحتاجين، ولا سيما الطلاب.

"الخبز المعلق" تاريخيا

على الرغم من وجود تقاليد متشابهة وأكثر حداثة في بلدان أخرى، مثل تقليد القهوة المعلقة في إيطاليا، فإن الخبز المعلق يرتبط ارتباطا وثيقا بالثقافة والدين الإسلامي في تركيا، لكن ليس من المعروف بدقة تاريخ بدايته.

ويقول أستاذ التاريخ في كلية "ميدلبري" في فيرمونت بالولايات المتحدة، "فيبيه أرمانيوس"، والذي يركز في أبحاثه على العلاقات الإسلامية المسيحية في الشرق الأوسط وتاريخ الطعام، إن الخبز المعلق "عادة متجذرة في العصر العثماني وترتبط بمفهوم الزكاة، أحد أركان الإسلام الخمسة".

ويضيف أن في أحاديث النبي "محمد صلى الله عليه وسلم"، "يرد الحديث عن الخبز بوصفه نعمة أرسلها الله، وإذا سقطت قطعة خبز على الأرض بطريق الخطأ، فيجب التقاطها فورا ووضعها في مكان أعلى. بعض الناس يُقبّلونها قبل القيام بذلك لإظهار احترامهم".

استخدم السلاطين العثمانيون هذا الاحترام للخبز لإضفاء الشرعية على حكمهم وكسب الولاء؛ إذ كان يُعتقد أن الناس إذا أكلوا جيدا يكونون أقل احتمالا للقيام بثورات، ولذلك كان يتم التشديد على أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل الخبز، وفقا لـ"أرمانيوس".

كما قام منظمو الأسواق الذين يطلق عليهم "المحتسب"، بمراقبة بيع الخبز للتحكم في السعر وضمان عدم استخدام مواد رخيصة بدلا من الدقيق.

وشجع العثمانيون من يستطيعون تحمل تكاليف توفير الخبز للمحتاجين، فيما كان التقليد عند تنفيذ التزامات الزكاة، ألا يشعر الفقراء بالحرج من خلال عدم الكشف عن هوياتهم لمن يعطون الزكاة والعكس صحيح.

وقد تحقق ذلك من خلال ما يعرف بحجر الصدقة "sadaka taşı" وهو عبارة عن حجر رخامي كبير بارتفاع قد يصل إلى مترين، يوضع في رأس كل شارع، وحي، وأمام الجوامع، وكان الأغنياء يضعون ما تجود به أنفسهم من أموال في الفتحة العليا للحجر، وفي المساء يأتي الفقراء والمحتاجون ليأخذوا مقدار حاجتهم من هذه الصدقات، دون أن يرى أي من المتصدقين أو المحتاجين الآخر.

الإنترنت يؤدي المهمة اليوم

استبدل الأتراك بعد ما أخذوه عن أجدادهم، بمواقع الإنترنت لحساب الزكاة، والتي تديرها مؤسسات خيرية تعتمد على التبرعات لمساعدة المحتاجين.

كما طرح الخبز المعلق على الإنترنت أيضا، على موقع "yemek.com"، وهو موقع تركي شهير يشتمل على وصفات يومية، ويطلب من القراء ترشيح متاجر الأحياء التي تروج للخبز المعلق، تحت شعار "دعونا نساعد الأشخاص الذين يعيشون في الشوارع ولا يستطيعون شراء الخبز".

تقدم هذه الخطوات التكنولوجية، جاءت بفضل "أوغوزهان جانيم" الذي فكر في طرق لتوسيع هذا التقليد من أجل الوصول إلى المزيد من الناس.

حيث عرف "جانيم" أن هناك مساعدات حكومية محدودة لطلاب الجامعات في تركيا، وأنه لم يكن هناك ما يكفي من المنح الدراسية ومنح الطعام. 

أنشأ "جانيم" مؤسسة اجتماعية تسمى "Askidanevar" وتعني "ماذا يوجد في المعلّق؟"، وهي الأولى في تركيا التي تجمع بين تقليد الخبز المعلق ومنصات التواصل الاجتماعي، وتعمل باختصار على ربط طلاب الجامعات المحتاجين بالشركات التي ترغب في دعمهم.

أراد المؤسس "جانيم" أن تتاح للشباب الذين يراهم مستقبل تركيا، الفرصة لقراءة الشعر والانخراط في الفنون، وأن يصبحوا أشخاصا متكاملين يتمتعون بخبرة جيدة.

ويعتقد أنهم بهذه الطريقة، لن ينجحوا فقط في دراساتهم، بل سيطورونها ويساهمون أكثر في المجتمع التركي والعالم، من خلال ثقافة المشاركة.

ويخفي المشروع هوية المحتاجين، في مسعى للاحتفاظ بروح تقليد الخبز المعلق، فبعد تسجيل الطلاب في الموقع، يمكنهم النقرا على زر "Take" للحصول على رمز لاستخدامه في وجبة مجانية من مجموعة من المطاعم المشاركة.

وبنقرة أخرى، يحصلون على فرصة لتلقي الكتب والمجلات وتذاكر المسرح والحفلات الموسيقية وغيرها، أما الشركات المساهمة فتترك تفاصيل ومعلومات عن ما تقدمه تحت زر "Give". 

وينتفع من المشروع حاليا، نحو 150 ألف طالب، يستخدمون نحو 500 كوبون من الطعام يتم التبرع بها كل شهر، حيث قدمت المؤسسة منذ إنشائها  قبل 7 سنوات، مساعدات لنحو نصف مليون شخص، غالبيتهم من إسطنبول وأنقرة وإزمير.

المصدر | الخليج الجديد + بي بي سي

  كلمات مفتاحية

صدقة الصدقة صدقة جارية

متى ينبغي الزكاة عن ذهب المرأة المسلمة؟

إفتاء الأزهر ترد على حكم إعطاء المرأة زكاة مالها لزوجها