بوليتيكو: رد إيران على مقتل سليماني قادم

الأربعاء 15 يناير 2020 11:30 م

منذ حوالي عامين، ألقى "قاسم سليماني" خطابا في حفل أقيم في طهران بمناسبة مرور 10 أعوام على اغتيال "عماد مغنية"، القائد الأعلى لـ"حزب الله" الذي تم قتله في انفجار سيارة ملغومة في قلب دمشق، وهو هجوم نفذته وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية بدعم من (إسرائيل). وأثناء وقوفه أمام صورة ضخمة لـ"مغنية"، خاطب "سليماني" جمهورا من كبار المسؤولين الإيرانيين، فضلا عن ممثلي الميليشيات الإيرانية بالوكالة في العراق ولبنان وفلسطين وسوريا واليمن.

وأشاد "سليماني" بـ"مغنية" باعتباره "الأسطورة" المسؤولة عن جميع إنجازات ما يسمى بمحور المقاومة الإيراني، الذي شمل، وفقا لـ"سليماني" بناء قدرات "حزب الله" وحركة المقاومة الإسلامية "حماس" حتى أصبحت تشكل تهديدا هائلا لـ(إسرائيل)، وقتل 241 من أفراد الخدمة الأمريكية عام 1983 في قصف لثكنات مشاة البحرية الأمريكية في بيروت. وقال للحشد: "يعلم العدو أن عقوبة دم عماد ليست بإطلاق صاروخ أو عملية اغتيال مضادة. بل عقوبة دم عماد هي القضاء على الكيان الصهيوني تماما".

وبعد مقتل "سليماني" في غارة جوية أمريكية هذا الشهر، يجدر بنا أن نتذكر كلمات الرجل. وشكل "سليماني" و"مغنية"، وزعيم حزب الله الحالي "حسن نصرالله"، 3 رجال نفذوا استراتيجية إيران في الشرق الأوسط تحت قيادة المرشد الأعلى "علي خامنئي".

لذا فمن الصعب المبالغة في تقدير حجم الضربة التي أحدثها مقتل "سليماني". وانصب التركيز في الأيام التي تلت اغتياله على الاندفاع الملحوظ في قرار "دونالد ترامب"، والانتقام الإيراني المنتظر، الذي اقتصر حتى الآن على إطلاق 22 صاروخا على قاعدتين أمريكيتين في العراق، دون وقوع خسائر بشرية، والمظاهر العلنية للحزن على "سليماني" في إيران، والآثار المترتبة على الأمن القومي.

ولكن كما هو الحال بالنسبة لمقتل"مغنية"، على حد تعبير "سليماني" نفسه، فإن الرد على مقتل الجنرال الإيراني لن يقتصر على هجوم صاروخي وحيد أو خطوة مضادة، بل سيشمل الرد خطوات لم تفعلها إيران بعد.

ولننظر إلى قضية "مغنية"، في صيف عام 2012، قتل مهاجم انتحاري من "حزب الله" اللبناني 5 سياح إسرائيليين وسائق في هجوم داخل منتجع بلغاري. ويشتبه المسؤولون الأمريكيون والإسرائيليون في أن العملية، التي وقعت بعد مقتل "مغنية" بـ4 أعوام، كانت انتقاما لمقتل قائد "حزب الله"، وكذلك لاغتيال العلماء النوويين الإيرانيين، الذين ألقت طهران باللوم في اغتيالهم على (إسرائيل).

وقال "نصر الله" خلال خطاب بثه في مراسم تأبين "سليماني" في جميع أنحاء وادي البقاع اللبناني وجنوب لبنان: "لقد تلقيت العديد من الرسائل من الإخوة في المقاومة تطلب الإذن للقيام بعمليات استشهادية للانتقام لوفاة سليماني". وتابع أن الانتقام سيكون معركة "طويلة".

وفي الوقت الحالي، قبل الرد على مقتل "سليماني"، فإن الحفاظ على النفس والبقاء في السلطة يتطلب ضبط النفس. كما أسفر الهجوم الذي أودى بحياة "سليماني" عن مقتل "أبو مهدي المهندس"، الذي قاد أكبر الميليشيات العراقية الـ7 الرئيسية العاملة لصالح إيران في البلاد، وفقا لما قاله "هشام الهاشمي"، وهو محلل أمني في بغداد بالمعهد الأوروبي للسلام.

ومما يزيد من تعقيد قدرة إيران على الانتقام حقيقة أن معظم العراقيين، بما في ذلك إخوانهم الشيعة، يكرهونها، وهو ما يظهر في الانتقادات الأخيرة لإيران في بغداد وجنوب العراق.

ويلقي الشيعة العراقيون باللوم على إيران والميليشيات والأحزاب المرتبطة بها في قتل أكثر من 500 متظاهر في العراق منذ أكتوبر/تشرين الأول، ويرون أن هذه الجهات الفاعلة ذاتها هي التي تقف وراء الكثير من الفساد ونهب موارد البلاد التي أعاقت قدرة العراق على تقديم الخدمات والفرص الاقتصادية لمواطنيه. وسوف تقيد العقوبات الاقتصادية المتزايدة التي فرضتها إدارة "ترامب" على إيران وحلفائها في العراق مجال المناورة.

وتوجد ديناميات مماثلة في لبنان، موطن "حزب الله"، أقوى قوة إقليمية لإيران. و"حزب الله"، الذي كان محبوبا كحركة مقاومة حررت جنوب لبنان من الاحتلال الإسرائيلي عام 2000، يُنظر إليه الآن على أنه جزء لا يتجزأ من الطبقة السياسية الفاسدة والطائفية التي دفعت البلاد إلى حافة الانهيار الاقتصادي. حتى أن سكان المدن يشكل الشيعة غالبيتها في جنوب لبنان، مثل "النبطية" و"صور"، التي تعتبر معاقل دعم لـ"حزب الله"، انضموا إلى باقي اللبنانيين في الاحتجاجات المستمرة منذ شهور.

وأصبح المزاج السائد الآن هو أعطني المال وسأخرج إلى الشوارع وأهتف ضد أمريكا وأؤيد أيا من مقترحاتك غير المنطقية. وقال "علي الأمين" وهو صحفي وسياسي من بين أكثر الشيعة اللبنانيين المعارضين لـ"حزب الله" صراحة، في إشارة إلى الحزب: "أنت لا تريد إعطائي أموالا، لكن لا تزال تريد مني الخروج ضد أمريكا".

وبالنظر إلى هذه القيود على قدرات إيران على المدى القصير، فمن المرجح أن تركز على تقييم تأثير مقتل "سليماني"، وسد الثغرات ومواطن الضعف في جهاز الاستخبارات والأمن، وإعادة تقييم استراتيجيتها ونهجها، وتبسيط عملياتها في جميع أنحاء المنطقة. وسوف تغتنم طهران الفرصة لتسعى إلى التقارب مع العرب السنة في المنطقة، الذين تفاقم عداؤهم تجاه إيران بعد أن تعاونت مع رئيس النظام السوري "بشار الأسد" لسحق انتفاضة سوريا، التي بدأت عام 2011 وغلب عليها في المقام الأول السنة في البلاد.

وبمرور الوقت، ستواجه الولايات المتحدة و(إسرائيل) وحلفاؤها، وجميع الذين يُنظر إليهم على أنهم يضرون باستراتيجية إيران الإقليمية، خطر الانتقام، في شكل عمليات وأفعال سرية، على الأرجح، يكون من الصعب تتبعها وإلقاء اللوم فيها على طهران. وستعود طهران، بطريقة ما، إلى الأساسيات، مثل التفجيرات والاغتيالات والأساليب الشبحية المنسوبة منذ فترة طويلة إلى "مغنية".

وفي الواقع، كان "سليماني" نفسه يروج لهذه الجهود في حفل تأبين "مغنية"، وفي مقابلة تلفزيونية نادرة في أكتوبر/تشرين الأول. قال "سليماني" إنها تقنية تعتمد على "الظهور كالسيف، والاختفاء مثل الشبح". ويبدو الأمر كما لو أنه كان يوجه جنوده إلى الطريق الذي سيتعين عليهم اتباعها بعد موته.

وخلال رثاء "سليماني"، تعهد "نصرالله" بالانتقام لمقتل رفيقه من خلال إخراج القوات الأمريكية من المنطقة وإعادتهم إلى أمريكا "في توابيت"، مرددا التعهد الذي تعهد به "سليماني" عام 2018 للانتقام لـ"مغنية" من خلال "القضاء" على (إسرائيل).

ولن يخجل "حزب الله" من القيام بعمليات ضد الولايات المتحدة وحلفائها، بل وربما يلجأ إلى حملة الاغتيالات والتفجيرات التي تحول إليها في لبنان ابتداء من عام 2005، عندما شعر بالحصار واضطر للدفاع عن وجوده.

وفي مكان آخر، بعد المصالحة مع "حماس" بعد خلاف الجانبين حول دعم إيران لـ"الأسد"، يمكن لطهران اللجوء إلى المجموعة لتصعيد المواجهة مع (إسرائيل) في غزة. وفي سوريا، ستسعى كل من إيران و"حزب الله" إلى الحفاظ على وجودهما ونفوذهما، فـ"الأسد" يعرف أن بقاءه يتوقف على رعايته من قبل إيران وروسيا، وفي غضون ذلك، ترى طهران سوريا ثاني أهم بلد في محور مقاومتها، بعد إيران نفسها.

وفي العراق، قال لي "الهاشمي" إن "الميليشيات الموالية لإيران" في العراق "لديها ما يكفي من الإمكانات والخبرة لتصعيد الوضع وتنفيذ ضربات مؤلمة للولايات المتحدة". وقال إنه التركيز سيكون هناك أيضا على حشد فرق الاغتيالات وشن عمليات خاصة أخرى، بدلا من شن هجمات تقليدية ضد القوات الأمريكية.

وفي مقابلة تلفزيونية في شهر أكتوبر/تشرين الأول، روى "سليماني" باعتزاز كيف سافر في عام 2006 عبر الطرق الوعرة للوصول إلى بيروت من دمشق خلال الحرب الصيفية التي استمرت 33 يوما بين (إسرائيل) و"حزب الله"، وكيف أشرف هو و"مغنية" و"نصر الله" على قيادة الصراع من مركز في الضواحي الجنوبية للعاصمة اللبنانية. وقال إن المفجرين الإسرائيليين كانوا يسقطون المباني من حولهم، وأنهم نجوا من خلال التنقل وتفجير طائرات الاستطلاع الإسرائيلية.

وألمح "سليماني" في نفس المقابلة إلى أنه حتى لو كان الثلاثي قد مات، فإن جيلا كاملا قد أعده لمواصلة القتال في حرب "غير متماثلة"، وأكد أنه لا توجد جبهات تقليدية. وأضاف "سليماني": "يجب على العدو أن يتعامل مع مجال واسع وذكي من الألغام الأرضية".

المصدر | سام داغر- ذا بوليتيكو - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مقتل سليماني المليشيات الشيعية العلاقات الإيرانية الأمريكية

%52 من الأمريكيين يرون اغتيال سليماني تقويضا لأمنهم

ستراتفور: إسرائيل تدفع أمريكا لأخذ زمام المبادرة ضد إيران

إنتليجنس: نفوذ الحرس الثوري الإيراني مهدد وخامنئي قد يرحل

ستراتفور: دول الخليج تستعد لتجدد المواجهة بين إيران وأمريكا

"ترامب" يكشف تفاصيل متابعته "دقيقة بدقيقة" اغتيال سليماني

تركي الفيصل: مقتل سليماني لن يوقف إيران

ما بعد الجنرال.. تداعيات مقتل سليماني على سياسة إيران الداخلية