كيف مثلت صفقة القرن انقلابا في الاستراتيجية الإسرائيلية؟

الثلاثاء 4 فبراير 2020 08:58 م

لا تعد الخطة التي أصدرتها إدارة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" الأسبوع الماضي بشأن (إسرائيل) والفلسطينيين، كما تم الإشارة لها على نطاق واسع، خطة سلام على الإطلاق. وتنطوي خطط السلام الحقيقية على حلول وسط بين أطراف النزاع، وتكون مناسبة للتعديل من خلال مزيد من التفاوض بين تلك الأطراف، وتهدف إلى تلبية الحد الأدنى من متطلبات كلا الطرفين. لكن لم يكن هذا هو الحال مع اقتراح "ترامب"، الذي قاده مستشار الرئيس وصهره "جاريد كوشنر"، الذي أيد كل ما يريده واحد فقط من أطراف النزاع تقريبا، بينما تجاهل الطرف الآخر ومصالحه بشكل شبه كامل.

ومثلما من الخاطئ نسب الخطة إلى "السلام"، فإن مصطلح "الدولة" يعد أيضا تسمية غير دقيقة للكيان الفلسطيني الذي تصفه الخطة. وبدلا من ذلك، سيكون عبارة عن عدة "جيوب" متفرقة، ولن تتجاوز سلطته ما لدى السلطة الفلسطينية اليوم، ويبقى تحت نير القوة الغاشمة التي تحاصرها. وربما حتى لن يأتي هذا الكيان إلى حيز الوجود؛ لأنه يعتمد على تلبية الفلسطينيين لشروط عديدة يكاد يكون من المستحيل الوفاء بها، مع وجود (إسرائيل) خصما وقاضيا في نفس الوقت للقول فيما إذا كانت هذه الشروط قد تم تلبيتها أم لا. وللحصول على تشريح شامل للخطة بأكملها، يمكنك أيها القارئ مراجعة تحليلين لها من رئيس مشروع الولايات المتحدة للشرق الأوسط "دانيال ليفي".

وبالتالي، فإن الخطة لن تجلب السلام، لكنها تشكل خروجا ملحوظا بما فيه الكفاية عن السياسة الأمريكية السابقة بشأن القضية، فضلا عن طرح السؤال عن التغييرات التي سيتسبب بها طرح هذه الخطة. والجواب الأكثر مصداقية هو أن هذه الخطوة من قبل إدارة "ترامب" من المرجح أن تدق المسمار الأخير في نعش حل الدولتين. وسيكون هذا صحيحا بشكل خاص إذا شرعت حكومة "بنيامين نتنياهو" الإسرائيلية في ضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية المحتلة رسميا، وفق الضوء الأخضر الذي تمنحه الخطة لها.

ومع ذلك، فإن النظر إلى الخطة على أنها خروج عن السياسة السابقة، يجب أن يقترن بحقيقة، كما يذكرنا "ناثان ثرال" من مجموعة الأزمات الدولية، أن سياسات الإدارة الأمريكية السابقة المتعددة مهدت الطريق إلى ما وصل إليه الصراع اليوم. إذ فعلت ذلك عن طريق السماح لـ(إسرائيل) بأن تضم المزيد من الأراضي المحتلة من جانب واحد، بينما اكتفت بالشجب ردا على ذلك.

ومن أكثر السمات المتشابهة بين خطة "كوشنر" والمراحل السابقة من هذا الصراع، هو نمط حصول (إسرائيل) على منافع فورية مقابل الاعتراف الغامض بالطموحات الوطنية للفلسطينيين والتمسك بإمكانية تحقيق تلك التطلعات في وقت ما في المستقبل. وكانت ثمار جهود "جيمي كارتر" في كامب ديفيد عام 1978 تناسب هذا النمط. وتحتوي اتفاقيات "كامب ديفيد" على جزأين، أدى أحدهما مباشرة إلى معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، التي كانت حكومة "مناحيم بيجن" ترغب فيها بشكل خاص. وكان الجزء الآخر عبارة عن "إطار" سطحي للتعامل في المستقبل مع الأراضي الفلسطينية المحتلة، وكما هو الحال مع خطة "كوشنر"، تمت كتابته دون مشاركة فلسطينية. وفي الأشهر اللاحقة، نفذ "بيجن" جزء السلام المنفصل مع مصر، ولم يفعل شيئا أساسيا للتحرك نحو تقرير المصير في الأراضي الفلسطينية.

وبعد مرور 15 عاما، وفي ظل حكومة إسرائيلية مختلفة، خلقت اتفاقيات "أوسلو" أخيرا نوعا من السلطة الفلسطينية المؤقتة التي ذكرها إطار "كامب ديفيد"، لكنها أبقت على تقرير المصير الفلسطيني كاملا في صورة طموح فقط، يتحقق ظاهريا في وقت ما في المستقبل. واليوم، تعيد خطة "كوشنر"، حتى مع تحول تصور الدولة بشكل غير متوقع إلى بعض الجيوب والأراضي الصحراوية المقتطعة، صيغة المصالح الفلسطينية كشيء لا يمكن تحقيقه الآن، ولكن بدلا من ذلك يجب أن تبقى كحلم لبعض الوقت البعيد.

  • استراتيجية الأحلام

وتبقى الخطة مجرد استراتيجية لتقرير مصير الفلسطينيين على الطريق إلى أرض الأحلام؛ حيث تظل أي خطط تتعلق بالواقع السياسي غامضة، خاصة عندما لا يتم الكشف عن مثل هذه الخطط على الإطلاق. وهذا هو السبب في أن خطة "كوشنر" تم تأخير الإعلان عن تفاصيلها بشكل ملفت لفترة طويلة. وبالتأكيد لم يستغرق الأمر 3 أعوام لوضعها. وهذا هو السبب أيضا في أن إدارة "ترامب" قدمت وعدا بالتنمية الاقتصادية، التي، على الرغم من كل الشروط، ربما لن تتحقق أبدا، قبل قول أي شيء عن المصطلحات السياسية.

وفي منتصف عام 2019، في الوقت الذي كان فيه "كوشنر" يبيع المقترحات الاقتصادية في مؤتمر في البحرين، كتبت ما يلي عن الاستراتيجية الكامنة وراء خطته التي لم يكن قد تم الكشف عنها بالكامل بعد:

"في غضون ذلك، قد تخدم خطة كوشنر الغرض الرئيسي لمؤلفيها، وأغراض حكومة نتنياهو، من خلال الاستمرار دائما في مرحلة العمل على الخطة وعدم الوصول إلى نقطة نهاية. فهناك دائما سبب ما لإبقاء الأرض الموعود بها للفلسطينيين بعيدة المنال، مثل أن هناك الكثير من الإرهاب، أو انقسام زائد في القيادة الفلسطينية، أو أي شيء آخر، كمبررات يمكن استخدامها أيضا لتأجيل الكشف عن خطة كوشنر إلى أجل غير مسمى. ومع عدم الوصول إلى نقطة نهاية مطلقا، تتجنب (إسرائيل) ردود الفعل على الإخضاع القبيح الدائم والرسمي لأمة أخرى".

ويعكس القرار في نهاية المطاف بإزاحة الستار عن الخطة بشكل كامل الضرورات السياسية لـ2 من القادة الذين تكثفت مشاكلهم في الأشهر الـ7 منذ مؤتمر البحرين، وهما "ترامب"، الذي يواجه محاولة عزله، و"نتنياهو"، الذي تم اتهامه بالفساد. وشعر كلا الزعيمين، اللذين يتجهان نحو معركة لإعادة الانتخاب في وقت لاحق من هذا العام، بالحاجة المتزايدة لتعزيز الدعم والحماس لدى القواعد السياسية لكل منهما. وكان لتلبية تلك الحاجة أسبقية على استراتيجية إبقاء اللعبة مستمرة إلى أجل غير مسمى بالنسبة للقضية الفلسطينية.

ولقد أزعج هذا القرار أولئك، مثل الأشخاص في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، الذين يهتمون بالموقف السياسي لأي زعيم أمريكي أو إسرائيلي أكثر من اهتمامهم بحماية (إسرائيل) من الانتقاد بسبب حرمان الفلسطينيين من حقوقهم. وفي العام الماضي، جادل المدير التنفيذي للمعهد، "روبرت ساتلوف"، بأن خطة "كوشنر" يجب ألا ترى النور، ليس بسبب الظلم أو الضعف المتأصل في الخطة، بل بسبب ردود الفعل السلبية المتوقعة عليها. والآن وقد شهدت الخطة ضوء النهار، يناشد زملاء "ساتلوف"، "دينيس روس" و"ديفيد ماكوفسكي"، حكومة "نتنياهو"، ألا تقوم بضم جزء كبير من الضفة الغربية وفق ما تدعو إليه الخطة. وكتب "روس" و"ماكوفسكي": "ليس لدى (إسرائيل) مصلحة بتخلي الفلسطينيين عن حلمهم في الدولة والتطلع بدلا من ذلك إلى أن يصبحوا مواطنين إسرائيليين لهم الحق في التصويت".

ويلخص هذا البيان الاستراتيجية الإسرائيلية طويلة الأمد، التي أصبحت أيضا استراتيجية لإدارة "ترامب"، التي تتمثل في رسالة مفادها أن لا تدع الفلسطينيين يحصلون على دولة، ولكن أبقِ على حلمهم بالحصول على واحدة دائما. وهي طريقة لجعلهم يقبلون وضعهم الحالي معتقدين أنه مؤقت، وأنه لا يزال بإمكانهم أن يدركوا حلمهم إذا لم يظهروا غضبا كبيرا بشأن الوضع الراهن غير المرضي.

  • الحقيقة مقابل الأحلام

لكن الأحلام لا يمكنها إلا أن تدعم الموقف حتى الآن، خاصة عندما ينطلق الحلم ضد القبح الكامل المتمثل في إخضاع دولة ما لأمة أخرى. ولن تختفي القومية الفلسطينية ببساطة. ولن يتم شراؤها ببعض إغراءات لامعة حول التنمية الاقتصادية. ولن يتخلى العرب الآخرون عن تأييدها، كما يتضح من الموقف الثابت بشأن الموضوع الذي عبر عنه الملك السعودي "سلمان بن عبدالعزيز" مرارا وتكرارا. وبغض النظر عن ما يتم القيام به في الأعوام المقبلة من خلال أي شيء يتم تمريره للقيادة الفلسطينية، سيستمر "الإرهابيون"، وغيرهم من المتطرفين، في استغلال الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي لم يتم حله لأغراضهم الخاصة.

ولا يزال هناك عنصر آخر في الاستراتيجية الإسرائيلية، التي تقوم عليها خطة "كوشنر" أيضا، وهو استخدام الرفض الفلسطيني المحتوم للخطة كفرصة لإضافة أسطورة أخرى إلى الأساطير المتعلقة بالفلسطينيين، وليس (إسرائيل)؛ حيث تُوجه إليهم دائما أصابع الاتهام بأنهم هم المسؤولون عن الفرص الضائعة من أجل السلام. وكثير من الذين لا يعرفون التاريخ الطويل المأساوي لهذا الصراع سيواصلون تصديق الأساطير. أما أولئك الذين هم على دراية بهذا التاريخ، فإنهم يعرفون أنها مجرد خرافات. وللإشارة إلى فصل واحد فقط من هذا التاريخ، عندما كان الجانبان، منذ 19 عاما، على وشك الوصول إلى اتفاق سلام شامل، كان الإسرائيليون، وليس الفلسطينيون، هم من ابتعدوا عن طاولة المفاوضات، ولم يعودوا أبدا.

وأيا كانت القوة المتبقية للأساطير، فمن خلال جعل الموت الواضح لحل الدولتين أكثر وضوحا، فستشجع خطة "كوشنر" الناس، داخل فلسطين وخارجها، على التفكير والتصرف بشكل أقل فيما يتعلق بدولتين، ليقوموا بالتركيز بشكل أكبر على الدفاع عن حقوق العرب الفلسطينيين داخل دولة ثنائية القومية. وسيجعل هذا التحول تجنب المقارنات بين النسخة الإسرائيلية من الفصل العنصري والنسخة السابقة من جنوب أفريقيا أكثر صعوبة، ما قد يجلب أنواع الضغوط الدولية التي ساعدت في إنهاء الظلم في تلك الأخيرة.

المصدر | باول بيلار/ريسبونسيبل ستيت كرافت - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

صفقة القرن دونالد ترامب الاستراتيجية الإسرائيلية

أرخبيل منزوع السلاح.. هكذا تبدو الدولة الفلسطينية وفق صفقة القرن

فورين أفيرز: هكذا قتلت خطة ترامب أي مساحة للتفاوض

جيوبوليتكال فيوتشرز: الرفض الفلسطيني لصفقة القرن يعيق خطط التطبيع