خيارات معقدة لروسيا وتركيا بعد فشل مفاوضات أنقرة حول إدلب

الثلاثاء 11 فبراير 2020 05:22 م

مع إعلان أنقرة رسميا، الإثنين، فشل اجتماع الوفدين الروسي والتركي في الوصول إلى توافق حول الأوضاع في محافظة إدلب السورية، عادت أزمة إدلب إلى المربع صفر ليلوح مجددا شبح التصعيد والدخول في مواجهات عسكرية مباشرة بين الجيش والتركي ونظيره السوري المدعوم من روسيا، في ظل خيارات تزاداد صعوبة وتعقيدا على جميع الأطراف.

والإثنين، صرح وزير الخارجية التركي "مولود تشاووش أوغلو": "لو تم التوصل لاتفاق في الاجتماع الماضي مع الوفد الروسي حول إدلب، لما كانت هناك حاجة لاجتماع اليوم".

وأردف قائلا: "الرئيس رجب طيب أردوغان أكد مرارا لنظيره الروسي فلاديمير بوتين، أن تركيا ستتخذ تدابيرها حال استمر النظام السوري بهجماته، وكذلك أبلغت نظيري الروسي سيرجي لافروف بذلك".

وأضاف أن الجانب المهم بالنسبة لتركيا، هو وقف إطلاق النار في إدلب وإتاحة الفرصة لعودة النازحين إلى ديارهم، لافتا إلى استحالة الحديث عن المسار السياسي وتفعيل عمل لجنة صياغة الدستور في ظل استمرار هجمات النظام السوري وتهجير المدنيين وقتلهم.

 ولفت إلى احتمال عقد لقاء بين الرئيسين "أردوغان" و"بوتين" حال فشل اجتماع الوفدين في التوصل إلى اتفاق بشأن الأوضاع في إدلب.

  • علاقة غير متوازنة

وضع تقدم قوات النظام السوري في إدلب بدعم روسي، أنقرة أمام خيارات صعبة؛ حيث بدت في مظهر الضعيف أمام دمشق وموسكو.

وأرجعت الكاتبة التركية "أسلي آيدينتاسباس"، في مقال لها بصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، ما وصفته بعجز أنقرة عن إيجاد حل للتوتر في إدلب إلى علاقتها غير المتوازنة مع موسكو، والتوتر الكبير في علاقاتها مع الغرب.

وأضافت الكاتبة أن تعزيز العلاقات بين تركيا وروسيا بسبب الملف السوري أدي إلى عزل تركيا عن حلفائها الأوروبيين، بينما لم تحقق أنقرة التوازن الذي كان يرمي إليه "أردوغان" القَلِق من تنامي النفوذ الغربي.

ويري مراقبون أن إصرار دمشق وموسكو على استعادة المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في إدلب، إلى جانب هيمنة روسيا على الأجواء السورية، يجعل إقامة أي منطقة آمنة (كما ترغب أنقرة) أمرا مستحيلا من الناحية العملية، خاصة إذا تم ذلك دون مشاركة دولية أوسع.

في ضوء ذلك، يستبعد المراقبون أن تقدم تركيا في الوقت الراهن على شن عملية عسكرية في إدلب والمخاطرة بالدخول في مواجهة مباشرة مع روسيا وإيران والنظام السوري.

في ضوء ذلك، يرى الباحث السياسي المختص في الشأن التركي "منير نعيم" أنه لا يوجد في السياسة "عداء كامل أو صداقة مطلقة"، مضيفا أن تركيا يهمها في الأساس حماية مصالحها، ومن ثم أن يكون لها دور في رسم مستقبل سوريا.

 ويتابع "نعيم" القول إنه في حال تم التوصل إلى حل سياسي في سوريا يتطلب التقارب مع دمشق، فإن أنقرة لن تتردد في القيام بذلك.

ومع ذلك، يشير مراقبون إلى أن التوترات الأخيرة في إدلب ربما تدفع أنقرة لإعادة النظر في تحالفها الراهن مع موسكو وإعادة التوازن مجددا عبر تعزيز علاقاتها مع الولايات المتحدة والغرب.

  • خيارات روسيا

من ناحيتها، قد تضطر موسكو إلى السير في طريق الدعم الواضح لدمشق، وبالتالي تصعيد المواجهة مع أنقرة، لمحاولة إجبار القوات التركية على الانسحاب من إدلب، بما في ذلك استخدام الضغط الاقتصادي الذي تم اختباره خلال الأزمة في العلاقات الثنائية عامي 2015 و2016.

سيؤدي هذا بطبيعة الحال إلى تقليص تام للشراكة الروسية التركية في جميع المجالات، وسيؤدي إلى مراجعة لسياسة روسيا في الشرق الأوسط، التي يعد التعاون مع أنقرة أحد العناصر الرئيسية فيها .

وقد يخلق هذا أيضا واقعا جديدا في سوريا، وقد تستفيد الولايات المتحدة من التوترات الروسية التركية في النهاية لدق إسفين بين روسيا وتركيا، وقد توفر مرة أخرى للجانب التركي الفرصة لإجراء عملية جديدة شرق الفرات على سبيل المثال، في اتجاه كوباني أو الرقة أو منبج.

وإذا فتحت واشنطن المجال الجوي للقوات الجوية التركية، فإن المجموعة المحدودة لقوات النظام في هذه المنطقة جنبا إلى جنب مع الشرطة العسكرية الروسية لن يكون لها فرصة تذكر في كبح تقدم القوات التركية والجيش السوري الحر المدعوم من تركيا.

وأوضحت أنقرة بالفعل أن الأحداث في إدلب قد تؤثر على التعاون الروسي التركي في شمال شرق سوريا عندما ألغت مشاركتها في الدورية المشتركة القادمة بين البلدين، وبدورها أرسلت الولايات المتحدة أيضا إشارة دعم لتركيا؛ حيث أدانت تصرفات روسيا في سوريا.

الخيار الثاني بالنسبة لموسكو هو اتخاذ موقف متشدد إزاء دمشق؛ لتجبر النظام السوري على التماشي مع مصالحها؛ حيث يعتبر الحفاظ على التعاون الاستراتيجي بين روسيا وتركيا وتطويره مسألة ذات أولوية بالنسبة للسياسة الخارجية الروسية.

في هذا الصدد، سيكون من الضروري التوصل إلى اتفاقات جديدة مع أنقرة بشأن إدلب على غرار اتفاقات سوتشي، بما في ذلك فتح طرق "M4/M5" في إدلب وإقامة دوريات روسية تركية مشتركة على طولها، مماثلة لتلك التي عقدت شرق نهر الفرات، وإجبار النظام على الانسحاب من المناطق التي احتلها مؤخرا.

  • البحث عن التوافق

ورغم أن كلا الزعيمين اعتاد إظهار قدر كبير من التشبث بالرأي، اعتاد "بوتين" و"أردوغان" أن يفسحا الطريق لبعضهما البعض حين تعارضت مصالحهما في أكثر من مناسبة.

ووفقا لتقرير نشرته وكالة "بلومبرج" الأمريكية، فإن "بوتين" يقوم بإفساح الطريق لـ"أردوغان" هذه المرة؛ حيث لم يقدم الكرملين أي انتقادات تذكر، عندما أطلق "أردوغان" جيشه لقتل العشرات من القوات السورية المدعومة من روسيا تأثرا للجنود الأتراك الذين قتلهم النظام السوري في إدلب.

وترى "بلومبرج" أن "بوتين"، المحب للسيطرة، ربما يهدف من وراء الالتزام بالتريث، أن يطيل أمد لعبة زواج المصلحة بينه وبين تركيا؛ حيث تعمل روسيا جاهدة لإقناع "أردوغان" بمبيعات أسلحة وصفقات للطاقة لدق إسفين بين أنقرة وواشنطن.

وذكرت الوكالة الأمريكية أن "بوتين" يقوم بالتنسيق مع "أردوغان" في النزاعات بسوريا وليبيا -رغم اختلاف مصالح البلدين- بهدف دعم صورته كوسيط في النزاعات في الشرق الأوسط وشرق المتوسط في ظل تراجع النفوذ الأمريكي بالمنطقة.

وفى هذا الصدد، قال المستشار السابق للكرملين "جليب بافلوفسكي": "من الصعب على بوتين العمل مع أردوغان الذي يزعجه بشدة، لكن بوتين لا يملك أي خيار آخر… روسيا لا تستطيع العمل في الشرق الأوسط إذا دخلت في خلاف مع تركيا؛ ففي هذه الحالة ستواجه مشكلات كبيرة".

ورغم الخلافات المعقدة والتباعد الكبير في مواقف البلدين إلا أن الرغبة التركية في تجنب أي صدام حقيقي مع روسيا ورغبة موسكو أيضاً في عدم خسارة أنقرة قد تدفع الطرفين للبحث عن حلول استثنائية.

ربما تظهر تلك الحلول الاستثنائية على شكل تعديل على تفاهمات سوتشي والخروج بصيغة جديدة تلبي جزءا من مطالب البلدين وتأجيل حسم مصير إدلب حتى إشعار آخر.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

معركة إدلب مصير إدلب تسوية إدلب محافظة إدلب سقوط إدلب تركيا إدلب عملية إدلب

روسيا تدعو تركيا للكف عن إصدار بيانات استفزازية حول سوريا

أمريكا تؤيد تحركات تركيا بإدلب وتستبعد تراجعها عن إس-400

منى البكور.. سورية ترصد مشاهد الدمار في إدلب