مراسل «الجزيرة» عن لقائه بالملا «عمر»: شخصيته كانت تمثل «الرجولة» بأسمى معانيها

السبت 1 أغسطس 2015 10:08 ص

تحدث «تيسير علوني»، مراسل قناة «الجزيرة» وأحد الصحفيين القلائل الذين تمكنوا من لقاء الملا «عمر»، في حوار مع «هافينغتون بوست عربي» عن تجربته وانطباعاته الشخصية عن الملا «محمد عمر» القائد التاريخي لـ«حركة طالبان» والذى أعلن عن وفاته أول أمس الخميس.

ونشأ «محمد عمر»، المولود عام 1960، بحسب السيرة المتداولة عنه، في جنوب غرب أفغانستان في عائلة فلاحين فقراء متحدرة من فرع «غيلزاي» من البشتون الذين يعيشون على الحدود بين جنوب أفغانستان وباكستان.

في نهاية السبعينات انضم إلى القتال ضد القوات السوفييتية التي غزت أفغانستان العام 1979.

في بداية التسعينات، وبعد انسحاب القوات السوفييتية، أصبح الملا «عمر» الزعيم الديني للقرية وجمع الإسلاميين الشباب الذين جذبتهم مآثره العسكرية، فكانت المجموعة التي ولدت منها حركة جديدة باسم «طالبان»، بتدريب ودعم من قبل ضباط الجيش الباكستاني.

واعتقل «علوني» عام 2003 من قبل السلطات الإسبانية بتهمة إساءة استخدام موقعه كصحفي للقيام بمقابلة صحفية مع «أسامة بن لادن»، وتم الإفراج عنه بكفالة لأسباب صحية بعد حوالي شهر من اعتقاله.

وفي 2005 تم الحكم عليه من قبل المحكمة الإسبانية بالسجن لمدة 7 سنوات بتهمة التعاون مع خلايا إرهابية وإجراء المقابلات والاتصال مع منظمة «القاعدة».

وصف الملا «عمر»

ووصف «علوني» الملا «عمر» قائلا: «طويل القامة، أميل الى النحافة، بلحية سوداء كثة تخللتها شعرات بيضاء وشارب محفوف، حنطي البشرة، وكان يرتدي ثوبا افغانيا تقليديا يظهر عليه القدم بلون رمادي داكن، وأظنني لمحت رقعة أو إصلاحا في بعض جوانبه، ويلف رأسه بعمامة سوداء مما يلبسه طلبة العلم في أفغانستان، هيبة الرجل منعتني من إمعان النظر في هيئته وملامحه إلا حين جلس في الزاوية اليمنى من صدر القاعة وكانت جلستي على يساره وبذلك لم أكن أرى عينه اليمنى التي فقدها أثناء الجهاد ضد النظام الشيوعي».

وعن انطباعه الشخصي عن الملا «عمر» قال: «أول ما لاحظته هو هيبة الرجل بين أتباعه وذلك من خلال طريقتهم في الحديث والتعامل معه، فقد شعرت في حضرته بأنني أمام حاكم حقيقي ورجل دولة رغم أن مظهره يتميز ببساطته الشديدة وربما كان أقل الحاضرين أناقة لكن حضوره طغى على الجلسة تماما».

الإجراءات الأمنية للقاء الملا «عمر»

وعن الإجراءات الأمنية لمقابلة الملا «عمر» قال «علوني» «لم تكن هناك إجراءات خارجة عن المألوف وفي حالتي كنت أرافق مجموعة من رجال الدولة لذلك لم نخضع ولو لتفتيش بسيط لكن ما رواه لي الأفغان هو أن بابه كان مفتوحا للقاءات خاصة مع العلماء ومع مسؤولين في الدولة وهناك لقاءات مع مواطنين عاديين يحضرون مجلسه في ساعات معينة ربما لمجرد السلام عليه، وكان لا يتغيب عن المناسبات العامة مثل صلاة الجمعة وصلاة العيدين، ويخرج بجولات في المدينة وما حولها بسيارة يقودها بنفسه وربما رافقه بعض المسؤولين بسيارة أخرى او سيارتين وإذا حكم وقت الصلاة يؤديها في أي مسجد يصادفه على الطريق».

تأثير وفاته على إدارة شؤون الحركة

وقال «علوني»: «إذا صحت الأخبار التي تقول إنه توفي منذ سنتين نستنتج أن الحركة كانت تدير شؤونها وشؤون المناطق المحررة وشؤون الحرب من دونه، وصمود حركة طالبان ومقاومتها للاحتلال الأمريكي طيلة هذه الفترة كان يحتاج إلى قيادة متماسكة وتنظيم محكم وهذه لن تعدم رجالا وقادة كبار سيتمكنون من قيادتها إذا حافظوا على المنهج نفسه خصوصا فيما يتعلق بوحدة الصف الداخلي بالإضافة إلى أن هذه الإنجازات تدل على وجود آليات معينة للعمل وأستغرب إذا كانت تخلو من آلية لاختيار القائد المناسب».

شخصية الملا «عمر»

وتحدث «علوني» عن شخصية الملا «عمر» قائلا: «من متابعتي لمسيرته منذ تولى زمام الأمور في أفغانستان إلى حين وفاته رأيت أن شخصيته تجمع بين أمور عديدة، فالأفغان يتميزون بأنهم شعب صعب المراس ومتمرد بطبيعته بسبب توزعهم على الأرياف والبوادي والجبال ولكونه تمكن من قيادة شعب بهذه الخصائص وفرض النظام عليه فهو زعيم قوي بكل معنى الكلمة، طبعا هو لم يدرس السياسة في مناهج المدارس الدينية لكنه تعلمها بسرعة واستفاد من أخطائه ومن خلال متابعتي رأيت أن حركة طالبان في عام ١٩٩٤ هي غيرها في الأعوام الأخيرة، وشهدت تطورا لافتا في تعاملها مع الداخل والخارج».

وأضاف «ويمكنني القول أنه أصبح سياسيا بارعا تمكن من توظيف إنجازات المقاومة الأفغانية بطريقة فذة جعلت الأمريكيين يستنجدون ويتوسلون التفاوض معه بأية طريقة ويفتتحون له مكتبا للاتصال السياسي في قطر بهدف البقاء على تواصل معه من أجل التوصل إلى سحب قواتهم من أفغانستان بطريقة تنقذ ماء وجوههم أمام الشعب الأمريكي».

وتابع «لا أعرف إن كان وصف رجل الدين ينطبق على الملا محمد عمر لأنه أصلا كان طالب علم لم تسمح له ظروف الجهاد والحروب المستمرة بإكمال دراسته، وفي النهاية أرى أن شخصية الملا عمر جمعت أفضل مافي خصائص الأفغاني الأصيل إلى جانب كونه رجل مبادئ، ومعلوم أنه من الصعب جدا الجمع بين المبادئ وممارسة السياسة في عالم اليوم، وأوضح مثال على ذلك هو رفضه تسليم أسامة بن لادن ومن معه من العرب إلى حكوماتهم مع أنه يعرف تماما أن ذلك الرفض سيكلفه غاليا، وقد حصل، ومع ذلك لم يأبه الرجل، فهل هذا شخص عادي».

مميزاته والصفة الأبرز في شخصيته

وعن الصفة المميزة  للملا «عمر» قال «قد يكون الحديث أفضل لو تناولنا الصفة الأبرز في شخصيته، لأن صفاته الإيجابية كثيرة، ومن خلال تجربتي أستطيع القول أن شخصيته كانت تمثل «الرجولة» بأسمى معانيها».

وأكد «علوني»، «من خلال تحرياتي المهنية التي شملت شخصيات كثيرة من القريبين من الملا محمد عمر وبعض أكثر المقربين من أسامة بن لادن، يمكنني أن أؤكد أن الملا محمد عمر لم يكن يعلم مسبقا بنوايا بن لادن في تنفيذ عمليات الحادي عشر من سبتمبر 2001».

يمكنني أن أؤكد أيضا، أنه «بعد انتشار تصريحات بن لادن عن نيته في ضرب الأمريكيين، حصلت جفوة بين الرجلين خلال الشهور التي سبقت الحادي عشر من سبتمبر، وبعد حصول تلك العمليات، وبعد أن أصبحت الحرب الامريكية وشيكة، تقرر أن يلتقي الرجلان في مقر الملا عمر مساء يوم السابع من أكتوبر ٢٠٠١ وفعلا توجه بن لادن إلى المقر وقبل وصوله بمسافة بسيطة بدأ القصف الأمريكي للمقر (وهي أول غارة جوية أمريكية في سياق الحرب على أفغانستان) فغير بن لادن وجهته، وكان الملا محمد عمر في المقر لكنه نجا من القصف بأعجوبة وقتل بعض حراس المقر».

  كلمات مفتاحية

أفغانستان الملا محمد عمر بن لادن 11 سبتمبر 2001

«فيسك»: «أمير الأحياء» الملا «عمر» يموت للمرة الرابعة

الملا «عمر».. نهاية غامضة لمقاتل عاش في عزلة

الرئاسة الأفغانية والمخابرات تؤكدان وفاة الملا «عمر» والبيت الأبيض يعتبره خبرا موثوقا

زعيم طالبان الجديد «أختر منصور» يدعو الى الوحدة في صفوف حركته

عائلة الملا «عمر» ترفض مبايعة الملا «منصور» زعيما لطالبان

مصر.. إدارة سجن طرة تتعنت في علاج صحفي «الجزيرة»