الملا «عمر».. نهاية غامضة لمقاتل عاش في عزلة

الخميس 30 يوليو 2015 08:07 ص

الملا «عمر» زعيم حركة «طالبان» الأفغانية الذي تم الإعلان عن وفاته الأربعاء، واحد من أكثر الرجال المطلوبين في العالم على مدى أكثر من عقد وكان أيضا من بين أكثرهم قدرة على الإفلات من الاعتقال.

وفي تقرير لرويترز حول زعيم «طالبان» الراحل، ذكرت أنه لا توجد صور واضحة للرجل طويل القامة ذي العين الواحدة ولم يقابله من الأجانب سوى نفر قليل. وحتى حين حكمت جماعته المتشددة أفغانستان لم يعرف عنه أحد سوى القليل.

وقالت الحكومة الأفغانية الأربعاء إن لديها ما يكفي من معلومات موثوقة لتأكيد وفاة الملا «عمر» في أبريل/ نيسان 2013 في باكستان المجاورة. ولم تقدم أي أدلة أخرى.

ونقلت وسائل إعلام باكستانية عن وزير سابق في حكومة الحركة قوله إن الملا «عمر» توفي منذ سنتين وأربعة أشهر، بعد إصابته بالسل الرئوي، ودفن قرب الحدود داخل أفغانستان بحضور نجله الملا «يعقوب». وقال البيت الابيض ان المعلومات عن وفاة الملا تتصف بـ «الصدقية».

وقال الوزير «الطالباني» السابق الذي طلب عدم ذكر اسمه، إن قيادة الحركة ارتأت ألا تعلن خبر الوفاة في حينه، نظراً إلى الأوضاع في أفغانستان آنذاك، في خضم المعركة مع القوات الأجنبية، وأيضاً في ظل محاولات لشق الصف من جانب من وصفهم بـ«أعداء الإمارة الإسلامية» (نظام طالبان)، بحسب صحيفة «الحياة اللندنية».

وأطيح بـ«عمر» وحكومة «طالبان» في أواخر عام 2001، بفعل القصف الجوي الأمريكي أساسا بعدما رفض تسليم زعيم تنظيم القاعدة «أسامة بن لادن» عقب هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001.

وقال أتباع له إنه قام في وقت لاحق بتنسيق مقاومة «طالبان» للحكومة في كابول وللقوات التي يقودها حلف شمال الأطلسي (الناتو) في أفغانستان.

لكن تناثرت الشائعات عن وفاته في أوساط المسلحين ودوائر المخابرات الإقليمية في السنوات القليلة الماضي وحتى إن كان حيا خلال تلك الفترة فإن دوره القيادي المباشر في «طالبان» بدا محدودا، وفقا لرويترز.

واليوم بات مقاتلو «طالبان» في موضع الهجوم في مواجهة قوات الأمن الأفغانية التي تبذل جهودا مضنية لفرض سيطرتها بعد انسحاب معظم قوات حلف شمال الأطلسي في العام الماضي.

واستولت «طالبان» على عدد من المناطق واجتاحت عشرات القرى في المناطق الشمالية بينما يقتل آلاف المدنيين والجنود وقوات الشرطة كل عام جراء أعمال العنف.

ومع ذلك فإن الحركة منقسمة بشدة وتواجه خطرا خارجيا جديدا يتمثل في الفصائل المنشقة التي تدين بالولاء لتنظيم «الدولة الإسلامية» وتهاجم طالبان نفسها.

المحادثات أم القتال؟

مني الملا «عمر» بانتكاسة مؤثرة عندما ألقي القبض على الملا «عبد الغني برادار» الرجل الثاني بحركة «طالبان» في مدينة كراتشي الباكستانية في أوائل عام 2010 في عملية مشتركة بين وكالة المخابرات المركزية الأمريكية والمخابرات الباكستانية.

وقال مسؤولون أمريكيون إن «برادار» أدلى بمعلومات مفيدة حول عمليات الحركة في أفغانستان.

وكان «برادار» وهو أحد المقربين من عمر القائد الميداني الرئيسي المسؤول عن قيادة الحملة ضد الولايات المتحدة وقوات حلف شمال الأطلسي والذي يخطط لتنفيذ تفجيرات انتحارية وهجمات رئيسية أخرى.

وفي سلسلة من التصريحات التي كان يطلقها «عمر» منذ عام 2008 سعى الرجل للتحدث بلهجة غلبت عليها لغة التصالح وطلب من المقاتلين الكف عن قطع رؤوس المتهمين بالتجسس لصالح الولايات المتحدة وكان يصر على أن حكومة «طالبان» لا يمكن أن تكون تهديدا عالميا.

وقال «عمر» في أحد البيانات المنسوبة له «نريد علاقات مشروعة مع دول العالم ونحن لا نشكل تهديدا لأحد».

وكانت إستراتيجية «طالبان» تستهدف إضعاف رغبة القادة والمواطنين في الغرب في الإبقاء على قواتهم في أفغانستان، فضلا عن معاناتهم من استمرار سقوط الضحايا.

ودعا الرئيس الأفغاني السابق «حامد كرزاي» للسلام مع «طالبان» حين كان يتولى السلطة وجعل خليفته الرئيس الحالي «أشرف عبد الغني» المفاوضات مع المتمردين أولوية.

وأجريت الجولة الأولى الافتتاحية من المحادثات في باكستان في وقت سابق هذا الشهر لكن لم يعرف موقف «عمر» من المحادثات.

وقد يشكل الإعلان عن وفاته انتكاسة للعملية الهشة إذ يرجح أن تتفاقم الانقسامات داخل حركة «طالبان» حول المشاركة في المفاوضات من عدمه بسبب الصراع على خلافة الزعيم الراحل.

عزلة مع «بن لادن»

ولد الملا «عمر» عام 1959 أو1960 في قرية صغيرة بالقرب من قندهار لعائلة من الفلاحين الفقراء وفقد والده عندما كان صغيرا وتحمل مسؤولية إعالة أسرته.

وحينما كبر وطالت لحيته أصبح الملا أو رجل الدين الأبرز في قريته وفتح مدرسة دينية تابعة له قبل أن ينضم للمجاهدين الذين كانوا يقاتلون الحكومة المدعومة من السوفيت من عام 1989 إلى عام 1992.

وأصيب الملا «عمر» أربع مرات وفقد عينه اليمنى عندما أصيب بشظية في وجهه.

ولا يوجد سوى عدد قليل من الصور الغامضة لـ«عمر» فقد حظرت طالبان التصوير والتلفزيون والموسيقى.

ووصف أحد الأجانب القليلين الذين قابلوه الهيئة المتواضعة التي كان عليها. وظهر «عمر» حافي القدمين ويرتدي ثيابا قصيرة تصل إلى أسفل ركبتيه.

وبدأ نجم الملا «عمر» في الصعود مع تزايد الإحباط من الحروب بين فصائل المجاهدين الذين هزموا الروس قبل أن يقاتلوا بعضهم البعض منذ عام 1992.

وتتردد رواية على ألسنة الناس تقول إن الملا «عمر» جمع في عام 1994 حوالي 30 من طالبان (أي الطلبة الذين يدرسون علوم الدين) بعدما سمع عن تعرض فتاتين مراهقتين للاغتصاب على يد أحد قادة المجاهدين.

وباستخدام 16 بندقية هاجمت المجموعة قاعدة وحررت الفتاتين ووفقا لهذه القصة شنقوا هذا القائد على فوهة دبابة.

وقال «عمر» لصحفي باكستاني «كنا نقاتل مسلمين مضوا في الطريق الخطأ. كيف كان لنا أن نلوذ بالصمت بينما كنا ترى جرائم ترتكب ضد النساء والفقراء؟».

ومع تزايد شهرة حركته عثر «عمر» على مجندين متعطشين للانضمام له في المدارس الدينية على طول الحدود الباكستانية.

وقال «أحمد راشد» مؤلف كتاب (طالبان) الذي حقق مبيعات ضخمة «بدأ كرجل دين بسيط من البشتون بدون أي رؤية للعالم أو رؤية لدولة أفغانية مستقبلية».

وأضاف "بدأ وهو غير راغب في سلطة الدولة ولكنه كان يريد فقط أن يخلص أفغانستان من أمراء الحرب ... وقد وضع رؤيته للعالم بمساعدة أسامة بن لادن».

في نوفمبر/ تشرين الثاني 1994 استولت حركة «طالبان على قندهار ثاني كبرى مدن أفغانستان وأصبح واضحا أن حملته حظيت بدعم باكستان.

وفي أوائل عام 1995 اجتاح المقاتلون الشبان الشمال وبحلول نهاية العام باتت مدينة هرات بغرب البلاد في أيديهم.

واستغرق الأمر عاما آخر للاستيلاء على كابول وحتى يتحقق ذلك لجأ «عمر» إلى إشارة مدهشة، بحسب رويترز.

وذكر المصدر ذاته أنه «حصل على عباءة مقدسة يقال إنها كانت عباءة النبي محمد» من ضريح في قندهار حيث كانت متروكة في الظلام لمدة 60 عاما. وظهر الرجل على سطح مبنى وهو يرتدي العباءة وسط تهليل الملالي المبتهجين الذين تجمعوا في الأسفل».

وكانت النتيجة الاتفاق على إعلان الجهاد ضد الرئيس «برهان الدين رباني».

وسقطت كابول في يد «طالبان يوم 26 سبتمبر/ أيلول عام 1996.

وبعد 5 سنوات وتحت وطأة قصف القنابل الأمريكية، تركت «طالبان» كابول تحت جنح الظلام في الساعات الأولى من صباح يوم 13 نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2001 .

وكان الملا «عمر» يحث جنوده على القتال حتى آخر نقطة دم في الأيام الأخيرة من حكم «طالبان» التي اتسمت بالتشدد.

لكن كلماته ذهبت أدراج الرياح مع ضراوة القصف الأمريكي الذي كسر إرادة مقاتلي «طالبان» في إتباع تعليمات أميرهم الملا «عمر».

وخلال الفترة التي أمضاها في السلطة نادرا ما غادر الملا «عمر» مقره في ضواحي قندهار. ووفقا لما هو مسجل لم يقابل الملا «عمر» من غير المسلمين سوى الممثل الخاص للأمم المتحدة لأفغانستان في أكتوبر/ تشرين الأول 1998 والسفير الصيني لدى باكستان.

خلافة الملا «عمر»

وفيما أكدت الاستخبارات الأفغانية أمس، أنها تحققت من الوفاة، أعلنت «طالبان» أنها بصدد إصدار بيان في هذا الشأن، لا بد أن يحسم قضية خلافة الملا «عمر» إذا تأكدت وفاته، خصوصاً أن قيادات «طالبانية» تداعت إلى عقد اجتماع لـ«شورى» الحركة قبل نهاية الأسبوع ليتزامن ذلك مع موعد الجولة الثانية من الحوار بين ممثلي «طالبان» والحكومة الأفغانية.

ونقل تقرير عن عضو في «شورى طالبان» إن أعضاءها سيناقشون مسألة خلافة الملا «عمر».

ويطرح مسؤولون في «طالبان» اسم الملا «منصور أختر» الذي تولى قيادة الحركة ميدانياً وهو يمثل جناح «الصقور» الرافض للحوار مع الحكومة الأفغانية، وتمكن من مغادرة الأراضي الباكستانية قبل فترة وجيزة بعد تعهد إسلام آباد لكابول بإحضار وفد من «طالبان» للحوار.

وأصدر «أختر» أوامر لكل قيادات «طالبان» بالخروج من الأراضي الباكستانية خشية وقوعها تحت تأثير الاستخبارات الباكستانية ودفعها إلى القبول بتسوية مع كابول.

 

 

 

  كلمات مفتاحية

طالبان الملا عمر

الرئاسة الأفغانية والمخابرات تؤكدان وفاة الملا «عمر» والبيت الأبيض يعتبره خبرا موثوقا

زعيم «طالبان»: المحادثات مع كابول شرعية

«طالبان» ضد خلافة «البغدادي»: «الدولة الإسلامية» محكوم عليها بالفناء في أفغانستان

لأول مرة .. «طالبان» تنشر السيرة الذاتية لـ«الملا عمر» المختفي منذ 2001

استئناف محادثات السلام بين واشنطن وحركة طالبان في الدوحة بوساطة قطرية

«فيسك»: «أمير الأحياء» الملا «عمر» يموت للمرة الرابعة

الملا «منصور» يخلف «عمر» في زعامة «طالبان»

مراسل «الجزيرة» عن لقائه بالملا «عمر»: شخصيته كانت تمثل «الرجولة» بأسمى معانيها

زعيم طالبان الجديد «أختر منصور» يدعو الى الوحدة في صفوف حركته

«أحرار الشام» في سوريا تنعي زعيم طالبان الراحل

عائلة الملا «عمر» ترفض مبايعة الملا «منصور» زعيما لطالبان

«ستراتفور»: في أفغانستان .. طالبان منقسمة لكنها لا تزال فاعلة

نجل «الملا عمر» يحسم الجدل حول وفاة والده: السبب «فيروس سي»