«المونيتور»: هل ستقوم السعودية بإنقاذ حماس؟

الأحد 2 أغسطس 2015 07:08 ص

انتهى أخيرا إنكار قادة حماس وجود أيّ أزمة في علاقة تنظيمهم مع إيران، فالأمر بات رسميا. في مقابلة مع الجزيرة بتاريخ 24 يوليو/تموز، اعترف المسؤول البارز في حماس «موسى أبو مرزوق» بعبارات لا لبس فيها بأنّ إيران أوقفت الدعم العسكري والمدني الذي أمدّت المجموعة الفلسطينيّة به لسنوات.

بالإضافة إلى كميّة الأسلحة المدهشة التي كان يجري تهريبها إلى غزّة، كان الحرس الثوري الإيراني يقدّم المشورة، والمعلومات والتدريب لأعضاء في الجناح العسكري لحماس، محدّدًا بذلك طابع الحركة وأسلوب عملها لوقت طويل جدًا. بعبارات أخرى، إنّ حركة حماس التي كانت تتلقّى كميّة كبيرة من الأسلحة والمال، كانت ممثّلة إيران على حدود إسرائيل الجنوبيّة.

حتّى عندما اعتقد الأعضاء العمليّون في الحركة أنّه لا بدّ من توخّي الحذر الإضافي في العلاقات تجاه (إسرائيل)، تصرّف الجناح العسكري للتّنظيم، وهو كتائب «عز الدين القسام»، وكأنّه هيئة مستقلّة تتشابك مصالحها مع مصالح راعيها الإيراني. إنّ الموقف المعارض للرئيس «بشار الأسد» الذي اعتمده «خالد مشعل»، رئيس المكتب السياسي لحماس، بعد اندلاع الحرب الأهليّة السوريّة، أدّى إلى الانفصال عن طهران. لكن مع مرور السنوات، حافظت بعض الفصائل على العلاقات مع النظام الإيراني آملة في أن ترأب الصّدع بين الجانبين بطريقة ما، إلا أنّ ذلك بات الآن جزءًا من الماضي.

لم تنقطع العلاقات مع إيران ولم تتوقّف مساعدتها العسكريّة على الفور، فقد بقيت إحدى قنوات الاتّصال مفتوحة بين عضو الحركة البارز «محمود الزهار»، وإيران، أو «صديقتنا» كما كان يفضّل تسميتها؛ وقد تلقّى «الزهار» بعض المساعدة التي كانت تقدّم إليه كهبة شخصيّة. أمّا «اسماعيل هنية»، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، فكان أكثر حذرًا. فبراير/شباط 2012، قام بزيارة إيران أمام استياء «حمد بن خليفة آل ثاني»، أمير دولة قطر الذي كان قد دعم الحركة لفترة وجيزة.

بدورهم، حافظ قادة الجناح العسكري – «أحمد الجعبري»، الذي قتله جيش الدفاع الإسرائيلي في بداية عمليّة عمود السّحاب في العام 2012، وقائد كتائب عزّ الدّين القسام «محمد الضّيف» – على علاقاتهم مع إيران، فهم علموا أنّ الكفاح للبقاء عند حسن ظنّ إيران هو ما سيمكّنهم من الحفاظ على قوّتهم العسكريّة وعلى مكانتهم الرفيعة ضمن الحركة، كما علموا تمامًا أنّ المساعدة التي تقدّمها طهران لا بديل عنها. جرت عدّة محاولات العام الماضي لتنظيم جلسة مصالحة بين مشعل والمسؤولين في طهران، لكنّها باءت بالفشل.

لم يكن أمام «مشعل» أيّ خيار سوى اتّخاذ قرار مصيري بالنسبة إلى حركته – التقارب مع السعوديّة. وهذا قد يحوّل حماس من حركة يحكمها جناحها العسكري ويوجّهها، الأمر الذي أدّى غالبًا إلى مواجهات مع إسرائيل، إلى حركة يهيمن عليها مرّة أخرى جناحها السياسي. لن يحدث ذلك بين ليلة وضحاها، لكنّ تداعيات وجود حماس تحت الرعاية السعوديّة أمر يجب عدم الاستهانة به.

لن تخصَّص الأموال السعوديّة التي سيتمّ تحويلها إلى الحركة لأهداف التسلّح، فكما جرت العادة، لطالما جرى تقديم الدعم السعودي بشكل مساعدة إنسانيّة إلى الدول العربيّة التي تعيش محنة معيّنة. والأمر عينه ينطبق على سكّان غزّة. من المرجّح جدًا أنّه في الترتيبات بين إسرائيل والسعودية في ما يتعلق بالأزمة النوويّة مع إيران، نصّت إحدى القواعد الصّارمة التي عرضها الملك «سلمان بن عبد العزيز آل سعود» على «مشعل»، على أن يجري استعمال أموال المملكة بشكل حصري لإعادة تأهيل غزّة والتخفيف من محنة سكّانها.

لذا يبدو أنّ هذا التّحالف الجديد قد يُضعف الجناح العسكري لحماس، ما سينتزع مكانته تدريجيًا. وعلى الأرجح ألا يتمّ توجيه الدفق النقدي الذي ستقدّمه السعوديّة للحركة عبر «الضيف» أو أيّ شخص آخر في الجناح العسكري، بل إلى أعضاء الحركة المدنيّين. يُعتبَر «أبو مرزوق»، الذي أسّس المكتب السياسي للحركة، حذقًا في الشّؤون الماليّة وهو يتمتّع بالتالي بكافة المؤهّلات اللّازمة ليصبح «وزير الماليّة» في حماس. سيجري إذًا التّحكّم في عمليّة نقل الأموال إلى الجناح العسكري وقياسها.

وفي ما يتعلّق بالعلاقات مع (إسرائيل)، من البديهي أن تسود آراء الراعي الجديد لحماس، أي الملك السعودي. يفضّل الملك الامتناع عن المغامرات العسكريّة غير الضّروريّة ضدّ (إسرائيل) أو التحدّيات التي قد تسبّب إحراجًا لبلاده أمام الولايات المتّحدة. وقعت حماس في فخّ العسل وسيتعيّن عليها أن تتصرّف بناء على ذلك. وإنّ أولئك الذين أرادوا أن تتخلّى الحركة عن الإرهاب تطلّعوا إلى مثل هذا الموقف بالتّحديد. إذا تصرّف التنظيم الفلسطيني بما يتماشى مع معايير السّلوك التي يحدّدها السعوديّون، سيتمكّن من شقّ طريقه خارج ضائقاته الماليّة التي قد تؤدّي إلى انهياره ما إذا تصرّف عكس ذلك. أمّا إذا اختار السير على الدرب الخاطئ، فسيجري قطع حبل النجاة المالي الممدود إليه.

مع ذلك، لا يزال من السّابق لأوانه رسم صورة كاملة لحماس في السنوات القادمة، بما أنّ الحركة تحوّلت إلى هيئة يتصرّف فيها كلّ بحسب هواه. وفي السنتين المنصرمتين، أنشأت الحركة مقرًا جديدًا في تركيا يديره «صالح العاروري». كيف سيتصرّف «العمدة من اسطنبول»، كما يُعرَف؟ من المستبعد جدًا أن ينصاع للمكتب السياسي، ففي العام الماضي، أثبت «العاروري» أنّه يعمل بشكل مستقلّ، ولا يتلقّى الأوامر من الحركة، ويقود نضالاً مسلّحًا لا مساومة فيه ضدّ (إسرائيل) والسلطة الفلسطينيّة.

هناك طبعًا أمر مهمّ آخر نجهله: كيف سيؤثّر التقارب بين حماس والسعوديّة على السّلطة الفلسطينيّة والرئيس «محمود عباس»؟ تجدر الإشارة إلى أنّ التوترات بين حماس والسّلطة الفلسطينيّة بشكل عام، وحركة فتح بشكل خاصّ، التي تتمتّع بدورها بالدعم السعودي، بلغت مستويات جديدة في الأشهر الأخيرة. وإنّ تبادل الاتّهامات الجاري بين الطّرفين، بالإضافة إلى موجة الاعتقالات التي استهدفت ناشطين في حماس في الضّفّة الغربية، جعلا العلاقات بين الحركتين توشك على الانفجار. هل سيكون إذًا للسّعوديّة تأثير مهدّئ على الطّرفين؟

طوال فترة وجودها، واجهت حماس قرارات دراماتيكيّة بدّلت كلاً من طبيعتها وسلوكها، وهي اليوم تجد نفسها مجدّدًا أمام إحدى نقاط التحوّل هذه. فعلى ما يبدو إنّ التعاون مع السعوديّة هو الخطوة الوحيدة القادرة على إنقاذها من الانهيار بعد أن أُغلِقت في وجهها جميع الأبواب الأخرى. بعد حوالي تسع سنوات على الحصار الخانق الذي فُرِضَ على غزّة، وثلاث حروب دامية مع (إسرائيل) وشعب معوز يبلغ عدده 1.8 ملايين نسمة، ما من خيار أمام حماس سوى استخلاص بعض العبر من أخطائها السّابقة، وتعلّم درسها وتغيير سياستها.

  كلمات مفتاحية

السعودية حماس القسام مشعل إيران زيارة مشعل الملك سلمان إسرائيل غزة

توقف الدعم الإيراني لـ«حماس» و«الجهاد» .. هل هو من نتائج الاتفاق النووي؟

عن زيارة وفد حماس للسعودية

«عشقي»: السعودية ملتزمة بدعم «حماس» سياسيا واقتصاديا

«مشعل»: زيارتي للسعودية «خطوة في الطريق الصحيح»

«مشعل» في السعودية: صفحة جديدة في العلاقات

موقع: إطلاق سراح معتقلي «حماس» بالسعودية عقب لقاء الملك «سلمان» و«خالد مشعل»

مصدر بـ«حماس»: لقاء «مشعل» مع «لافروف» تناول 3 ملفات حول غزة

وكيل داخلية غزة: استحداث «جهاز المخابرات العامة» أمر طبيعي

هـل تعــود الـرعــاية السـعــودية لـ«حمــاس»؟