كيف تؤثر صدمة أسعار النفط على العالم؟

الأحد 15 مارس 2020 02:34 م

يمر العالم مرة أخرى بصدمة نفطية.

وانخفضت الأسعار، التي كانت في اتجاه هبوطي بالفعل، بنسبة 30% في أقل من أسبوع، ليصل إجمالي الانخفاض إلى ما يقرب من 50% منذ ارتفاعها في أوائل يناير/كانون الثاني. ويمكن للمستهلكين بالطبع أن يتفاءلوا مع توقع انخفاض أسعار البنزين، لكن القصة أكثر تعقيدا من ذلك.

وليس النفط مجرد سلعة بين بائع ومشتري، الأمر كبير، ليس فقط للاقتصاد العالمي، ولكن بالنسبة للجيوسياسة ومستقبل النقل والجهود المبذولة للتخفيف من تغير المناخ، خاصة إذا دخل العالم في فترة طويلة من النفط الرخيص.

ماذا حدث؟

انهارت أسعار النفط بسبب التأثيرات الرئيسية المعروفة بين العرض والطلب.

وانخفض الطلب على النفط الخام في جميع أنحاء العالم بسبب وباء "كورونا"، خاصة في الصين. وتسبب إغلاق الملايين من المصانع، وقطع سلاسل التوريد، في الحد من عمليات النقل في الداخل والخارج لتراجع التجارة. وجدير بالذكر أن الصين هي أكبر مستورد للنفط في العالم وأنها محرك رئيسي للطلب العالمي.

وبعدها أدى التراجع العالمي في الطلب من وسائل النقل، والسفر الجوي من بينها، إلى تآكل الطلب بشكل أكبر.

ومن ناحية العرض، تحولت الشراكة غير المستقرة بين "أوبك" وروسيا إلى طلاق عنيف. وتسبب الصراع في حرب على حصص سوق النفط في العالم.

وكانت "أوبك" قد اجتمعت مع روسيا للمرة الأولى عام 2016 لخفض الإنتاج ورفع الأسعار لمواجهة سيل النفط الصخري الجديد في الولايات المتحدة، وإلى حد ما نجحت في رفع الأسعار، بالرغم من التقلبات.

لكن في اجتماع تم عقده في 6 مارس/آذار، اقترح السعوديون خفضا آخر لمواجهة تراجع الطلب نتيجة تأثير فيروس كورونا على الاقتصاد. وقالت روسيا إنها سترفع الإنتاج بدلا من ذلك، ورد السعوديون بقولهم إنهم سيفعلون ذلك أيضا. وبعد بضعة أيام، قالت الإمارات إنها ستعزز أيضا الإنتاج إلى مستويات قياسية مع تسريع خطط زيادة الطاقة الإنتاجية.

وتبدو دوافع روسيا واضحة. فهي تعاني تحت وطأة العقوبات بسبب استيلائها على "شبه جزيرة القرم". وفي حين سيطرت روسيا على مستوى إنتاجها نسبيا لأعوام في إطار اتفاقها مع السعودية، فقد سمح ذلك لمنتجي الصخر الزيتي الأمريكي بالحصول على حصة في السوق على حساب الشركات الروسية.

ولا يوجد شك أيضا في أن شركات النفط الأمريكية معرضة للخطر في الوقت الحالي. فقد عملت كثيرا بأرباح محدودة، وما زالت غارقة في الديون. ومع انخفاض الطلب، من شأن الضغط الهبوطي الإضافي على الأسعار أن يجلب ألما حقيقيا لـ "سهول تكساس"، و"داكوتا الشمالية" و"أوهايو". ومع ذلك، من المتوقع أن يتجاوز المنتجون الأمريكيون هذه الأزمة كما فعلوا من قبل، من خلال الاندماج، وإيجاد طرق لخفض التكاليف، وزيادة الكفاءة والابتكار.

فيضان النفط

ومن المحتمل أن تكون حسابات روسيا دقيقة في إمكانية كسب حصة في السوق ضد الشركات الصخرية من خلال تعزيز الإنتاج، لكنها على الأرجح لم تضع في حسابها الرد السعودي الإماراتي. وقال المسؤولون الروس إن الشركات يمكنها على الأرجح رفع الإنتاج بنحو 200 ألف إلى 300 ألف برميل يوميا على المدى القصير، مع مطالبة الكرملين بـ500 ألف برميل يوميا في وقت لاحق من عام 2020.

وتشير تقديرات إلى أنه يمكن للسعوديين والإماراتيين معا تعزيز التدفقات بما يصل إلى 3.5 مليون برميل يوميا، أي ربما 10 أضعاف حجم ما يرغب به الروس، خلال الفترة المتبقية من هذا العام، مع نحو مليوني برميل على المدى القصير.

وحتى بدون أي من هذه الزيادات، كان هناك بالفعل وفرة من النفط على مستوى العالم. ووفقا لتقرير سوق النفط الصادر عن وكالة الطاقة الدولية لشهر مارس/آذار 2020، فإن انخفاض الطلب وارتفاع إنتاج النفط الصخري كان سيجعل السوق العالمية تعاني من زيادة في العرض بأكثر من 3 ملايين برميل يوميا، ما لم تقم "أوبك" بإجراء تخفيضات كبيرة. ويبدو هذا الفائض متواضعا الآن مقارنة بما يبدو أن يصل إليه الأمر خلال العام.

آثار عالمية واسعة وعميقة

وقد لا يعيد التاريخ نفسه، لكنه يوفر ما يمكن القياس عليه. وفي عام 1986، فتح السعوديون صنابير الإنتاج لمواجهة ارتفاع الإنتاج في بحر الشمالي. وكانت النتيجة حقبة من النفط الرخيص التي استمرت حتى أجبر ارتفاع الطلب الصيني الأسعار على الارتفاع بدءا من عام 2004.

وخلال هذه الحقبة من انخفاض أسعار النفط، لم يكن لدى الولايات المتحدة سوى القليل من مصادر الطاقة البديلة. وشهدت هذه الفترة نموا في واردات النفط إلى الولايات المتحدة بعد أن شرعت في تدخلات عسكرية واسعة في الشرق الأوسط.

لكن هل يمكن أن يحدث كل هذا مرة أخرى؟ غالبا لا. وسيجلب عصر الأسعار المنخفضة للغاية، (أقل من 40 دولارا للبرميل كما هو الحال الآن) سلبيات جديدة أكثر إثارة للقلق.

ولنسرد بعض الآثار المحتملة كما يلي:

  • أضرار اقتصادية كبيرة في البلدان المنتجة للنفط خارج "أوبك" وروسيا، بما في ذلك الأرجنتين والبرازيل وغانا وساحل العاج وماليزيا وإندونيسيا وأذربيجان وكازاخستان.

  • اضطراب اقتصادي كبير وربما اجتماعي في دول ذات ديمقراطيات هشة، مثل العراق والجزائر ونيجيريا والجابون. وهنا تكون العراق مصدر قلق خاص، بالنظر إلى معاناتها في فترة انتقالية بين الحرب والتمرد.

  • قد يحوّل الوقود الكربوني الرخيص للغاية مصنعي المركبات بعيدا عن الاقتصاد في استهلاك الوقود وتطوير الكفاءة، بما في ذلك الاستخدامات غير المتعلقة بالنقل.

  • يمكن أن يصبح الوقود الرخيص عقبة محتملة أمام التحول الكامل إلى السيارات الكهربائية، الذي يمر الآن بفترة حرجة، حيث يقوم كبار مصنعي السيارات والشاحنات بإخراج خطوط كاملة من السيارات الكهربائية حتى عام 2025.

  • انخفاض كبير في قيمة المواد البلاستيكية القابلة لإعادة التدوير؛ حيث يصبح تصنيع البلاستيك الجديد أرخص من تكلفة إعادة التدوير.

  • تراجع سياسة الحكومات للمضي قدما في العمل على خفض الانبعاثات، وما يترتب على ذلك من تأثيرات سلبية على المناخ العالمي.

  • قد يصبح النفط منخفض السعر جذابا بشكل خاص للدول الأقل نموا لاستخدامه في النقل وتوليد الطاقة والتدفئة.

الغاز الرخيص ليس كل شيء

ولم تنته الصدمة الحالية بعد حتى كتابة هذه السطور، وقد تحدث المزيد من التغييرات الكبيرة. وما يمكن قوله  أن آثار وجود كمية ضخمة من النفط الرخيص متنوعة، ولكن ليس من المرجح أن تكون مفيدة.

نعم، ستكون هناك بعض الامتيازات للمستهلكين إذا كانت أسعار الوقود عند مستويات منخفضة لفترة أطول من بضعة أشهر.

لكن النفط الرخيص ليس صديقا للعالم. وهناك أسباب كثيرة للابتعاد عن الاعتماد على النفط في مجال الطاقة. وستكون مثل هذه الخطوة مهمة ضخمة، في الظروف الحالية ولن يساعدها عصر آخر يكون فيه النفط في متناول اليد أكثر من المياه المعبأة في زجاجات.

المصدر | سكوت مونتجومري - ذا كونفرزيشن - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

هبوط أسعار النفط حرب النفط النفط الصخري

حرب النفط بين روسيا والسعودية.. خطوة غير محسوبة من بن سلمان

تحليل: الرياض تطلق النار على نفسها وعلى الأشقاء في سوق النفط

النفط في أكبر تراجع أسبوعي منذ 2008 بسبب كورونا وخطط الإنناج

دول الخليج تخفض سعر الريبو مع اتساع تفشي كورونا