تركيا تخاطر بالغوص في «مستنقع العنف» في غياب «أوغلان»

الأربعاء 12 أغسطس 2015 02:08 ص

يبدو أن الرجل الوحيد الذي قد يسهم في إخماد موجة تصاعد العنف في معقل الأكراد في جنوب شرق تركيا يزداد عجزا في سجنه بجزيرة معزولة، في الوقت الذي أصبحت عملية السلام التي بدأت قبل ثلاثة أعوام على شفا الانهيار، بحسب رويترز.

فقد كان «عبد الله أوغلان» - الذي رفع حزبه (العمال الكردستاني) السلاح في وجه الدولة التركية عام 1984 - الطرف الرئيسي الذي تعاملت معه أنقره في محادثات بدأها الرئيس «رجب طيب أردوغان» عام 2012 في محاولة لإنهاء التمرد المسلح.

غير أن صوته لم يعد مسموعا وسط قصف الطائرات الحربية التركية لمعسكرات حزب العمال الكردستاني» في شمال العراق وتصعيد المسلحين الأكراد هجماتهم على جنود الجيش والشرطة في تركيا، الأمر الذي أفسد وقف إطلاق النار الذي دعا إليه أوغلان» في مارس/ اذار عام 2013.

ومنعت الدولة ساسة المعارضة المؤيدين للأكراد - الذين عملوا كوسطاء في المحادثات - من زيارة زعيم حزب العمال الكردستاني» المسجون بجزيرة إمرالي في بحر مرمرة وذلك منذ ما قبل الانتخابات البرلمانية التي جرت في يونيو/ حزيران الماضي.

ويقول مسؤولون حكوميون كبار إن تعهدات «أوغلان» خلال عملية السلام لم تتحقق وأبرزها انسحاب مقاتلي حزب العمال» من قواعدهم في شمال العراق وإن أوغلان» ليس له دور يلعبه إلى أن تتحقق تلك الوعود.

وقال «أردوغان» في احتفال عسكري يوم الثلاثاء «كفاحنا سيستمر حتى لا يبقى إرهابي واحد في بلادنا وحتى تصب الخرسانة على أسلحتهم» .

ويمثل ذلك تحولا كبيرا في نبرة الحديث عن الأيام الأولى لعملية السلام التي روج لها «أردوغان بشعارات منها «أوقفوا النزيف فلا نريد بكاء الأمهات».

وأثارت الوعود غير المنجزة وتنامي قوة المعارضة السياسية الكردية غضب القوميين وأرغمته على إعادة حساباته.

وتصاعد العنف وسقط 26 فردا على الأقل من قوات الأمن قتلى منذ 20 يوليو/ تموز الماضي.

ويوم الاثنين الماضي، أطلق مسلحون أكراد النار على طائرة هليكوبتر عسكرية وقتلوا جنديا وهاجموا عربة مدرعة للشرطة بمتفجرات مزروعة على أحد الطرق فقتلوا 4 ضباط.

وأعلن حزب «العمال الكردستاني» مسؤوليته عن تفجير سيارة ملغومة في مركز للشرطة باسطنبول في اليوم نفسه.

وقال «جاريت جنكينز» الكاتب والباحث المخضرم في قضايا الأكراد بتركيا «إذا خرج الأمر عن السيطرة فلن تتمكن الدولة التركية ولا حزب العمال الكردستاني من إعادته إلى القمقم. وهذا‭ ‬هو مصدر الخوف».

وعود لم تتحقق

قال «أردوغان» - الذي تحدى غضب القوميين بإطلاق المفاوضات مع حزب العمال قبل ثلاثة أعوام - إن عملية السلام أصبحت مستحيلة غير أن الأمر لم يصل به إلى حد إعلان انتهائها.

وفي بيان صدر يوم الاثنين، دعت جماعة تمثل غطاء سياسيا لحزب «العمال» إلى التعجيل باستئناف المحادثات بين الدولة و«أوغلان»، لكنها اشترطت الإفراج عن المسجونين السياسيين ودعم وقف إطلاق النار. ومن المستبعد فيما يبدو أن تنفذ أنقره هذين الشرطين.

وقال مسؤول حكومي رفيع مطلع على مساعي السلام إن «أوغلان» طرف في عملية السلام، لكن يتعين على حزب العمال الكردستاني» وحزب الشعوب الديمقراطي» الذي يمثل المعارضة المؤيدة للأكراد تحقيق وعودهما من أجل السماح له بالتدخل.

وأضاف «الجماعة لم تفعل ما أراده أوغلان».

وكان حزب «الشعوب الديمقراطي» قام بدور الوسيط في مساعي السلام وعقد اجتماعات بموافقة الدولة مع «أوغلان» وأرسل وفودا للتحدث مع مقاتلي حزب «العمال الكردستاني» في جبال قنديل بشمال العراق.

وكانت تلك الزيارات هي الوسيلة الوحيدة المعروفة لاتصال الزعيم المسجون بمقاتليه.

وفي أواخر يوليو/ تموز الماضي، حث «أردوغان» البرلمان على رفع الحصانة عن الساسة الذين تربطهم صلات بالمسلحين في خطوة استهدفت فيما يبدو حزب «الشعوب الديمقراطي» انتقاما مما حققه في انتخابات يونيو/ حزيران الماضي التي فاز فيها بنسبة 13 % من أصوات الناخبين ودخوله البرلمان للمرة الأولى مما تسبب في حرمان الحزب الحاكم من أغلبيته.

يوم السبت الماضي، حث زعيم حزب «الشعوب» «صلاح الدين دمرداش» محامي حقوق الإنسان السابق - الذي خاض الانتخابات ببرنامج تقدمي تجاوز جذور الحزب المترسخة في القومية الكردية - حزب «العمال الكردستاني» على «رفع أصبعه عن الزناد» .

وقال إن إحياء مساعي السلام يتوقف على إحياء قدرة «أوغلان» على التفاوض.

وكان تدخل «أوغلان» ساهم في إخماد موجة عنف سابقة أسفرت عن سقوط عشرات القتلى في العام الماضي، عندما احتج الأكراد على امتناع تركيا عن مساعدة أشقائهم الأكراد في سوريا في الدفاع عن مدينة كوباني في مواجهة حصار فرضه عليها تنظيم «الدولة الإسلامية».

ورغم أن «أوغلان» مازال الزعيم المعترف به بين المقاتلين الأساسيين في حزب العمال الكردستاني» فقد أدت سنوات العزلة إلى تآكل نفوذه في الشؤون اليومية.

وظلت القيادة الميدانية لحزب «العمال» أكثر تشددا فيما يتعلق بعملية السلام، بينما برز دور جماعات شبابية تنظر بقدر أقل من الاحترام لسلطة «أوغلان» ومن المعتقد أن هذه الجماعات تقف وراء جانب كبير من العنف الأخير.

وقال «جوناثان فريدمان» محلل شؤون تركيا لدى «ستروتس فريدبرغ» وهي شركة لاستشارات المخاطر العالمية إن «أجهزة الأمن التركية عزلت أوغلان. ونتيجة لذلك لم يتمكن من التمتع بنفوذ كبير خلال تفجر الصراع الأخير».

أهـداف حـضـرية

رغم أنه لا مصلحة لأي من الطرفين في العودة إلى الحرب الشاملة، فلا توجد أيضا حوافز كبيرة تحملهما على قبول هدنة فورية.

فقد بلغ غضب الشبان الأكراد مع تجدد العنف مبلغا يجعل التراجع الآن ضربا من إراقة ماء الوجه. أما «أردوغان» ففي ذهنه طموحات سياسية.

ومن المحتمل أن تواجه تركيا انتخابات أخرى خلال الخريف إذا عجز حزب «العدالة والتنمية» الذي أسسه «أردوغان» عن تشكيل ائتلاف حكومي بعد أن خسر أغلبيته البرلمانية.

ومن المحتمل أن يثير استمرار العنف مشاعر قومية تأييدا لحزب «العدالة والتنمية» ويذكر الناخبين غير الأكراد الذين أيد بعضهم حزب «الشعوب الديمقراطي» بالعنف في جانب التيار القومي الكردي.

وقال «إبراهيم كالين» المتحدث باسم «أردوغان» في مقال بصحيفة «صباح» اليومية المؤيدة للحكومة يوم 4 أغسطس/  آب «من الواضح الآن أن حزب الشعوب الديمقراطي... لا يمكنه اتباع سياسية مستقلة عن حزب العمال الكردستاني».

وفي مقابلة مع رويترز، اتهم «دمرداش» حزب «العدالة والتنمية» الشهر الماضي بجر تركيا إلى الحرب، انتقاما لأدائه الضعيف في الانتخابات ونفت الحكومة بشدة صحة هذا الاتهام.

وتقول الحكومة إن الحملة العسكرية على حزب «العمال الكردستاني» رد على تصاعد الهجمات على قوات الأمن.

وقال الكاتب والمحلل «جنكينز» إن «أردوغان يقامر مقامرة كبرى» محذرا من أن حزب «العمال الكردستاني» قد يشن هجمات على نحو متزايد في مراكز حضرية خارج الجنوب الشرقي، الذي يتركز فيه الأكراد مثل التفجير الذي وقع في اسطنبول يوم الاثنين أو يفقد السيطرة على الشباب الكردي الغاضب تماما.

وأضاف هذا الاستياء قد يتفجر في 100 مكان أو 1000 مكان مختلف وهذا أخطر كثيرا من عودة تمرد حزب «العمال الكردستاني» .

  كلمات مفتاحية

تركيا أوغلان العمال الكردستاني

صراع القوى بين «الشعوب الديمقراطي» و«العمال الكردستاني» و«أوغلان»

«أردوغان» و«أوغلو»: لا سلام مع الأكراد مالم يتخذ الشعوب الديمقراطي موقفا من الإرهاب

«حزب العمال الكردستاني»: الهدنة مع أنقرة فقدت أي معنى لها

صحفي تركي: عضو بـ«العمال الكردستاني» اعترف أن حزبه وراء تفجير ديار بكر

«أوجلان» يجدد دعوته للأكراد لإنهاء تمردهم ضد تركيا

لماذا سيخسر حزب العمال الكردستاني هذه الجولة أيضاً؟