لعبة شد الحبل في القرن الأفريقي وعواقبها

الأربعاء 15 أبريل 2020 08:34 ص

في 21 يناير/كانون الثاني، أعلن الرئيس التركي، "رجب طيب أردوغان" أن الصومال دعت أنقرة للتنقيب عن احتياطيات النفط قبالة شواطئها، مشيرا إلى تفوق تركيا في منطقة تتنازع فيها أطراف متعددة على الموانئ والموارد الطبيعية والقواعد العسكرية، وحيث سعت دول الخليج المتنافسة إلى الهيمنة الجيوسياسية.

ودائما ما تحدثت وسائل الإعلام الشعبية عن القوى الإقليمية والعالمية المنخرطة في "تنافس حديث على أفريقيا"، وواصلت الولايات المتحدة عملياتها العسكرية ضد "حركة الشباب" الصومالية المسلحة، بالرغم من فشلها في تحقيق تنمية اقتصادية طويلة المدى.

وفي الوقت نفسه، ساعد توسع الصين كقوة اقتصادية عالمية على ترسيخ نفسها باعتبارها أقوى فاعل جيوسياسي في القارة بأكملها، بما في ذلك امتلاكها علاقات أكبر بالقرن الأفريقي.

ومن بين أولئك الذين يسعون بشكل استباقي للهيمنة في القرن الأفريقي دولة الإمارات العربية المتحدة، وسعت أبوظبي بشكل مطرد إلى التأثير بشكل أكبر على "باب المندب" والبحر الأحمر، بينما شكلت منطقة استراتيجية مرتبطة باليمن.

وفي غضون ذلك، تعارض أبوظبي والرياض الوجود الإقليمي لأنقرة، وبالتالي تسعى إلى مواجهتها، ورفضت علاقاتها المتنامية مع بعض الحكومات على أنها مدفوعة بالطموحات "العثمانية الجديدة".

وبالرغم من ذلك، في سعيها لتحقيق نفوذ أكبر في شرق أفريقيا، ركزت تركيا في الغالب على تقديم الدعم الإنساني للحكومة المركزية في مقديشو.

ومنذ عام 2011، عندما قدمت المساعدة لضحايا المجاعة المروعة في الصومال، التي أودت بحياة أكثر من 250 ألف شخص، تبرعت بنحو مليار دولار أمريكي ف صورة مساعدات للبلاد.

وساعدت هذه الاستثمارات أنقرة على كسب تأييد في الصومال، ونمت قيمة حجم التجارة الثنائية من 144 مليون دولار أمريكي في عام 2017 إلى 206 مليون دولار أمريكي في الأشهر العشرة الأولى من عام 2019.

كما تدير الشركات التركية أيضا مطار مقديشو الدولي وميناء مقديشو، ومن الواضح أن العلاقات بين البلدين تتطور بسبب شعبية تركيا داخل الصومال.

وقال "عبدالحكيم عبدالله"، المحلل في المعهد الصومالي للسلام وحقوق الإنسان ومقره مقديشو: "تعتمد تركيا على الدبلوماسية والاستثمار الحقيقي، ولا تتدخل في سياسات البلاد، حتى إن سياسيي المعارضة يدعمون تركيا".

وأضاف أن "هذا التأثير الضخم الذي اكتسبته يجعلها عقبة رئيسية للإماراتيين، حيث يتمتع أردوغان بدعم كبير من الصوماليين وقادة الحكومة".

كما أقامت تركيا علاقات ودية في منطقة صوماليلاند (أرض الصومال) ذات الحكم الذاتي في الصومال، حيث تتابع وكالة التعاون والتنسيق التركية "تيكا" مشروع تنمية زراعية منذ يناير/كانون الثاني، وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، أنهت "تيكا" تجديد مدرسة رئيسية في أرض الصومال.

وفي غضون ذلك، تسلط الإمارات الضوء على المخاوف الإنسانية والاستقرار لتبرير جهودها السابقة لكسب النفوذ في شرق أفريقيا.

وقال وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية "أنور قرقاش"، في خطاب ألقاه: "هناك زخم جديد في المنطقة، وعلينا أن نغتنم هذه الفرصة بشكل جماعي لصياغة حلول مستدامة تخدم مصالح دول المنطقة وتلبي تطلعات شعوبها".

وأضاف: "نعتقد أن مثل هذه النماذج ستلعب في نهاية المطاف دورا مهما في دعم الاستقرار والتنمية في القرن الأفريقي".

ومع ذلك، استخدمت الإمارات هذه المخاوف الإنسانية كستار دخاني لطموحاتها الحقيقية، كما فعلت في أماكن أخرى في المنطقة، خاصة في اليمن وليبيا.

وبعد كل شيء، علقت الإمارات مساعداتها ومشاريعها الأمنية في الصومال في يونيو/حزيران 2018 حين رفضت مقديشو قطع العلاقات مع قطر واقتربت من تركيا، موضحة أن مساعدتها كانت في الغالب مدفوعة بالمصالح الجيوسياسية.

كما ضغطت السعودية على الصومال لإنهاء العلاقات مع قطر، وعرضت حتى مبلغ 80 مليون دولار أمريكي لأجل هذا الغرض.

وكذلك بنت قطر نفوذها بثبات في القرن الأفريقي من خلال تقديم مساعدات كبيرة لدول المنطقة، وكذلك البدء في بناء ميناء في "هوبيو" في الصومال في أغسطس/آب الماضي، لتعزيز سوقها وعلاقاتها التجارية في المنطقة.

ووصل الصراع على السلطة حتى إلى السودان بعد أن أطاحت ثورته بالديكتاتور السابق "عمر البشير" في أبريل/نيسان 2019.

وتدعم السعودية والإمارات المجلس العسكري الانتقالي السوداني الذي جاء بعد الثورة، في إطار جهودهما الإقليمية المناهضة للثورة وتوجيه السودان بعيدا عن الدوحة وأنقرة.

وفي البداية، عززت أزمة الخليج عام 2017 نفوذ كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وسحبت العديد من الدول الأفريقية، بما في ذلك إريتريا، سفراءها في قطر، حيث هدفت الرياض وأبوظبي إلى عزل الدوحة عن العالم.

ومع ذلك، فإن الخلاف مع الصومال، التي تقع في موقع استراتيجي على ساحل البحر الأحمر، أضر بهذه التطلعات الجيوسياسية.

وبعد أن اكتسبت علاقات أكبر مع إثيوبيا وإريتريا بعد أن أمطرتهما بالمساعدات، ركزت الإمارات، والسعودية كذلك، على أرض الصومال، وقدمت دعما كبيرا لحكومتها المستقلة.

وفي عام 2016، حصلت الشركة الإماراتية "موانئ دبي العالمية" على إذن لبناء ميناء في مدينة بربرة في أرض الصومال.

وكانت العلاقات الإماراتية مع إثيوبيا حاسمة هنا، حيث اتفقت أبوظبي وأديس أبابا على تحويل أرض الصومال إلى "مركز تجاري رئيسي" في فبراير/شباط 2018.

واعترفت الرياض أيضا بجواز سفر صوماليلاند، ما يظهر تركيز البلدين المتجدد على منطقة الحكم الذاتي.

ومع ذلك، أصبحت الصومال شوكة في خصر الإمارات منذ أن توترت العلاقات، وفي أبريل/نيسان 2018، أوقفت مقديشو طائرة إماراتية تغادر البلاد بعد أن رفض المسؤولون الإماراتيون الذين كانوا يغادرون بونتلاند (أرض البنط) تفتيش حقائبهم.

وقبل أيام من ذلك، استولت الصومال على عدة أكياس من النقود تبلغ قيمتها نحو 10 ملايين دولار أمريكي من طائرة قادمة من أبوظبي إلى مقديشو.

كما وصفت الصومال خطط الإمارات لبناء قاعدة عسكرية في بربرة بأنها "انتهاك واضح للقانون الدولي".

واتبعت أبوظبي استراتيجية "فرق تسد" لإضعاف قبضة مقديشو على مناطق الحكم الذاتي، ومثل دعمها للمجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي في اليمن ضد الحكومة، فإن دعمها لمناطق الحكم الذاتي الصومالية في أرض الصومال وأرض البنط يهدف إلى تأمين النفوذ في شبه الجزيرة الصومالية قبل القوى الدولية الأخرى.

وقال "عبدالله": "لقد لجأوا إلى شخصيات معارضة صومالية ورؤساء دول انفصالية ورئيس أرض الصومال. إنهم يستخدمون أموالهم لزعزعة استقرار الصومال لتسهيل التدخل في سياسات البلاد".

وذكر تقرير مجموعة الأزمات الدولية، في يوليو/تموز 2019، أن الإمارات "من غير المرجح أن ترحب بمفاوضات يتم فيها الضغط على أرض الصومال لإعطاء سلطة اتخاذ القرار لمقديشو بشأن القضايا التي تؤثر على مصالحها".

وبالرغم من التداعيات الأمنية الواضحة لإذكاء الانقسامات في الصومال، حيث لا تزال مقديشو تتصارع مع جماعة الشباب المسلحة، فإن أبوظبي، وبدرجة أقل الرياض، تسعى فقط إلى إعطاء الأولوية لأهدافها الجيوسياسية.

لكن الإمارات واجهت أيضا انتكاسات في أرض الصومال، وفي 4 مارس/آذار، أعلنت تعليقها لتشييد قاعدة عسكرية في أرض الصومال.

وبالرغم من أن الإمارات قالت إن هذا كان قرارها، لكن أرض الصومال نفسها ربما أوقفت البناء، ما يشير إلى بعض التوترات وراء الكواليس حول محاولات أبوظبي لكسب نفوذ أكبر.

وأعلن رئيس أرض الصومال "موسى بيحي عبدي"، في سبتمبر/أيلول الماضي، أن القاعدة العسكرية الإماراتية سيتم تحويلها إلى مطار مدني.

وعلى ما يبدو، فشلت أبوظبي في تأمين السيطرة وإنشاء حكومة موالية لها في أرض الصومال بعد خسارتها أصولها في المنطقة.

كما فقدت الإمارات نفوذا إقليميا إضافيا في سبتمبر/أيلول 2018، بعد تأميم جيبوتي لميناء "دوراليه"، الذي كانت أبوظبي من قبل مساهما مهما فيه.

ومقارنة بالسعودية والإمارات، الأكثر قدرة على المنافسة والتسلط، ركزت تركيا وقطر على المساعدة وبناء العلاقات الاقتصادية إقليميا.

وكانت المنافسة المستمرة في النهاية بمثابة دفعة للطرفين لملء الفراغ الذي أحدثته الرياض وأبوظبي حين سحبتا الدعم عن مقديشو.

المصدر | جوناثان هارفي | إنسايد أرابيا - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

القرن الأفريقي مدينة بربرة أرض الصومال بونتلاند مضيق باب المندب

شبيجل: حرب ضروس خفية بين الدوحة وأبوظبي بالقرن الأفريقي

حقيقة النفوذ الإيراني في القرن الأفريقي

شكري يؤكد لنظيره الإريتري دعم مصر لاستقرار الوضع بالقرن الأفريقي