العمالة الوافدة في قلب الأزمة الصحية في الخليج

الأحد 26 أبريل 2020 10:02 م

سلط الفيروس التاجي "كوفيد-19" الضوء على الوضع المعقد الذي يواجه العمال المهاجرين في الخليج، ومع استمرار انتشار الفيروس في المنطقة، تضرر العمال الأجانب بشدة.

ومع انخفاض أسعار النفط، وحالات الإغلاق المستمرة، والمخاطر الصحية بسبب الوباء، من المرجح أن يتم التخلي عن عدد كبير من الموظفين الأجانب.

نتيجة لذلك، يمر اعتماد المنطقة الكبير على العمال المهاجرين بمرحلة انتقالية عميقة، ظهرت فيها فجوة متزايدة بين هؤلاء العمال والسكان المحليين.

ومنذ الطفرة النفطية، كانت العمالة المهاجرة تقدم خدمات متنوعة لمواطني الخليج، من الصيانة والبناء إلى بيع وتسليم البضائع.

وتسبب ذلك في تدفق العمال المهاجرين، الذين يشكلون ثلثي القوى العاملة في الخليج، فيما يشغل العمال ذوو الأجور المتدنية غالبية هذه الوظائف.

وبالرغم من أن معظمهم يأتون إلى دول الخليج بشكل قانوني، فإن الكثير منهم ينتهي بهم الأمر بالعمل بشكل غير قانوني، ويكسبون عيشهم من وظائف مختلفة، ويدفعون رسوما شهرية أو سنوية إلى "الكفيل".

وأصبحت مثل هذه الترتيبات منتشرة على نطاق واسع في المنطقة، ما أدى إلى ظهور "تجار التأشيرات".

وعلى مدى عقود، كان تجار التأشيرات موضوع نقاش كبير في صحف العديد من دول الخليج، مع تحدث مجلة "القبس" الكويتية حول هذه المسألة في وقت مبكر من عام 1989.

وفي جميع أنحاء الخليج، كانت الشخصيات والشبكات المؤثرة جزءا من هذه الظاهرة، نتيجة لذلك، لم تسفر محاولات معالجة وضع العمال المهاجرين على مر السنين عن تغيير كبير.

ولا تزال المشكلة تمثل تحديا في مكان آخر في الخليج، مع تهديد وزير العمل السعودي تجار التأشيرات بأنهم "سيُلقى بهم في السجن".

وفي البحرين، تم إدخال نظام التصاريح المرنة في عام 2017 لتحسين وضع العمال النهاريين وكبح التجاوزات التي يرتكبها تجار التأشيرات.

ومع ذلك، انتقد العديد من البحرينيين النظام، بحجة أنه سمح للعمال المهاجرين بالتنافس مع السكان المحليين من خلال توفير الخدمات بسعر أقل، بينما يصعب على الشركات صغيرة الحجم البقاء على قيد الحياة أو تأميم الوظائف.

ومع انتشار الفيروس التاجي في الخليج، يستمر ارتفاع عدد الإصابات بين العمال المهاجرين، وتظهر البيانات اليومية المرتبطة بـ"كوفيد-19" في جميع أنحاء منطقة الخليج حالات جديدة بين الأجانب والسكان المحليين.

وقد يكون التمييز مهما للتحليل الإحصائي، وقد يخفف أيضا من مخاوف السكان المحليين، ومع ذلك، فإنه يغذي عدم الثقة المتزايد بين العمال المهاجرين.

وتنتشر مقاطع لانتهاكات العمال لحظر التجول على وسائل التواصل الاجتماعي في الكويت والسعودية، علاوة على ذلك، أدت مقاطع فيديو تعرض الوضع المتردي للنظافة الشخصية في مجتمعات العمال إلى زيادة حدة القلق، ودفعت وزارة التجارة السعودية إلى الإعلان عن جهود استباقية لقمع الانتهاكات.

وفي الكويت، أعلن وزير المالية أنه سيتم حجز بعض محلات البقالة في حي به عدد كبير من العمال الأجانب للمواطنين فقط، وأصبحت حالات التمييز هذه واحدة من أولى علامات الانقسام بين مجتمع المهاجرين والسكان المحليين.

وأوقفت بعض متاجر البقالة العمال المهاجرين من تعبئة البضائع للعملاء، حيث تم استبدالهم بمتطوعين كويتيين، وكان العديد من العمال النهاريين محصورين في أماكن إقامتهم وغير قادرين على كسب الرزق، ما جعل وضعهم مروعا بشكل خاص في ظل حظر التجول.

وفي عُمان، خلق العدد الكبير من الإصابات بين العمال المهاجرين، خاصة في مناطق مثل "ميناء مطرح" في العاصمة مسقط، جوا من الخوف.

ويُنظر إلى العمال المهاجرين غير القادرين على العمل بسبب حظر التجول على أنهم تهديد أمني محتمل يجب معالجته من خلال تقليل أعدادهم.

وقارن آخرون تدفق العمال المهاجرين بـ"السرطان"، بحجة أن عدم وجود لوائح حكومية صارمة هو السبب، نتيجة لذلك، حث وزير الصحة العماني المواطنين على عدم الخوض في الجانب القانوني من الأزمة، موضحا أن الخدمات الصحية ستقدم للجميع.

وتعتمد كل من قطر والإمارات على العمال المهاجرين، حيث يوجد أعلى عدد للعمال مقابل الفرد في المنطقة، وفي كلا البلدين، تلعب العمالة الأجنبية دورا مهما في المشاريع والأحداث التنموية الكبيرة، بما في ذلك كأس العالم 2022 ومعرض دبي، وقد تم تأجيل الأخير حتى عام 2021 بسبب فيروس "كورونا".

وفي قطر، يعيش العمال المهاجرون في قطاع صناعي تم إغلاقه إلى حد كبير بسبب ارتفاع عدد حالات الإصابة بالفيروس بين العمال.

ومن ناحية أخرى، زادت المخاوف المتعلقة بالعمال المهاجرين خارج قطاع البناء، الذين هم على اتصال مباشر مع السكان القطريين.

وكما هو الحال في بقية دول الخليج، ارتفعت الدعوات للقضاء على انتهاكات العمال ومحاسبة الكفلاء.

وفي السعودية، تقع غالبية حالات العدوى بين العمال المهاجرين، ويتم استخدام المدارس لتوفير أماكن إقامة مؤقتة لهم.

ونشأ تحدٍ خاص في الأجزاء الغربية من البلاد، ويرجع ذلك جزئيا إلى دورها التاريخي كنقطة دخول للحجاج من جميع أنحاء العالم.

وكانت المدن والأحياء التي تضم أعداد كبيرة من المهاجرين هي الأولى التي فرضت حظر التجول.

وساهم النقاش المتعلق بالعمالة المهاجرة في استمرار النقاش حول إعادة تعريف مسؤولية الشركات أثناء الوباء، ومنذ بدايتها، تعرضت الشركات والتجار لتدقيق ونقد مكثف من الجمهور لعدم مساعدتهم الحكومة خلال الأزمة.

والآن، تعيد قضية العمال المهاجرين توجيه اللوم مرة أخرى إلى الشركات والتجار، وفي السعودية، تستهدف الانتقادات أصحاب العمل والكفلاء الذين يتم اعتبارهم مسؤولين عن تدهور أوضاع العمال المهاجرين.

ويجادل البعض بأن على الدولة ألا تحول المدارس إلى مساكن، وأن يتحمل الكفلاء المسؤولية الكاملة عن عمالهم.

كما قام خبراء من الخليج بدور نشط في فحص مدى تأثير أزمة المهاجرين على الهيكل الاقتصادي والاجتماعي في المنطقة.

ويقول الخبير الاقتصادي "عمر الشهابي" إن دول الخليج لا تحتاج فقط إلى تغيير نظام الكفالة لإدارة وتنظيم تدفق العمل في الخليج بشكل أفضل، بل يجب عليها أيضا أن تلعب دورا نشطا في إنشاء مؤسسة مركزية تابعة للدولة لرصد وضع العمالة الوافدة بدلا من تركهم معتمدين على كفلائهم وأصحاب العمل.

علاوة على ذلك، يرى "الشهابي" أن دول الخليج تحتاج إلى أن تقرر أولا نوع سوق العمل الذي تريده، سواء كانت تعتمد على العمال المهاجرين، أو إذا كانت ستعتمد بشكل متزايد على المواطنين والمقيمين الدائمين.

وعلى وسائل الإعلام الاجتماعية والتقليدية على حد سواء، عادت المناقشات حول كيفية جعل القطاع الخاص أكثر جاذبية للسكان المحليين في ضوء أزمة الفيروس التاجي.

وبشكل أكثر تحديدا، في الكويت، قدم الأستاذ المساعد "عبدالعزيز الصقعبي" مبادرة لتعديل التركيبة السكانية للبلاد، واقترح عدة خطوات لمعالجة وضع المهاجرين.

وتشمل هذه الخطوات إدخال نظام الحصص، وبناء "مدن عمالية"، وخلق حلول تكنولوجية لخفض عدد العمال المهاجرين.

ويقترح "الصقعبي" اعتماد مدن العمل الإماراتية والنظام السعودي "إيجار"، الذي يربط أماكن الإيجار بتفاصيل سكانها على موقع إلكتروني واحد.

وتستخدم السلطات السعودية الآن نظام "إيجار" لتتبع العمال المهاجرين، ومنحت الكفلاء فرصة حتى نهاية أبريل/نيسان لإكمال تسجيل البيانات.

وعلى مدى عقود، شكّل العمال المهاجرون العمود الفقري للهياكل الاقتصادية والاجتماعية في الخليج. نتيجة لذلك، سيكون للفيروس التاجي، إلى جانب الأزمة الاقتصادية بسبب انخفاض أسعار النفط، تأثير مباشر على الشركات في الخليج، بما في ذلك العمالة الوافدة.

كما أطلقت الأزمة العنان لانتقادات واسعة للوضع الحالي في منطقة الخليج، التي تعتمد على عدد كبير من العمال المهاجرين.

ودعا الكثيرون إلى تغيير نمط الحياة في الخليج، بما في ذلك العمال الذين يملؤون أكياس البقالة وخزانات الغاز، ويوصلون الطلبات خارج المطاعم، ويغسلون السيارات، ويصنعون الشاي والقهوة في المكاتب.

ومن المرجح أن يكون هذا التحول صعبا، نظرا لأن الكثيرين في الخليج سيستمرون في الاعتماد على العمالة المنزلية لتوفير الراحة داخل منازلهم، حتى إذا تغير الوضع في المجال العام.

ومع ذلك، يمكن أن يؤدي الوباء إلى إعادة تقييم، وبالتالي يمنح الحكومات فرصة لمعالجة مشكلة طويلة الأمد في إطار مواجهة الأزمة الحالية.

المصدر | إيمان الحسين | معهد دول الخليج في واشنطن - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

فيروس كورونا تداعيات كورونا نظام الكفالة أزمة العمالة الوافدة

هل تستغل حكومات الخليج كورونا للتخلص من العمالة الزائدة؟

إعلامي سعودي يدعو إلى تسريح الوافدين بسبب كورونا (فيديو)

ستراتفور: تداعيات الهجرة العكسية للعمالة الوافدة في الخليج

طوابير العاطلين.. المصير المنتظر للعمال المصريين العائدين من الخليج

رغم "العنصرية وسوء المعاملة".. رغبة متزايدة من الأفارقة بالعمل في الخليج

دول الخليج تطلق شبكة طوارئ صحية لرصد أي تهديد وبائي