أمريكان كونسرفاتيف: بذور الثورة في مصر.. يجب رفع الدعم عن الفرعون

الاثنين 27 أبريل 2020 06:05 م

على عكس ما أعلنه الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" من رغبة في انسحاب الولايات المتحدة من منطقة الشرق الأوسط وحروبها التي لا تنتهي، بقيت واشنطن متورطة في الخطر.

وتواجه القوات الأمريكية مجموعة متنوعة من الميليشيات في سوريا، وتستمر في احتلال العراق في الوقت الذي تطالب فيه بغداد القوات الأمريكية بالرحيل، وتساعد الإدارة الأمريكية السعودية في حربها الدموية في اليمن، وتهدد واشنطن بضرب إيران بعد أن شنت عليها حربا اقتصادية وحشية.

وبنفس القدر من التعقيد، تصر الإدارة على احتضان ودعم أكثر ديكتاتوريات المنطقة استبدادا، واتبعت واشنطن بشكل أساسي سياسة إقليمية مع حكام السعودية تتناقض تماما مع سياستها الداخلية القائمة على الحريات المدنية وقوة القانون، وتتناقض أيضا مع سياستها الخارجية التي من المفترض أن تهدف للسلام والاستقرار.

وتغض الإدارة الأمريكية الطرف عن انتهاكات السلطات في البحرين ضد الشيعة، وتستمر أموال دافعي الضرائب الأمريكيين تتدفق إلى جيب الفرعون المصري، الرئيس "عبدالفتاح السيسي"، الذي استولى على السلطة عبر انقلاب عسكري قبل 7 أعوام.

ووصل احترام الديكتاتور المصري لحقوق الإنسان نقطة غير مسبوقة من التلاشي، وتحدث تقرير جديد لـ"هيومن رايتس ووتش" عن أن الأطفال يتعرضون للمضايقات والانتهاكات داخل السجون المصرية.

وفي إطار القمع المنهجي الذي يمارسه النظام، اعتقلت الشرطة المصرية المئات من الأطفال وارتكبوا بحقهم جرائم التعذيب.

وشارك أعضاء النيابة والقضاة في هذه الجريمة عبر المحاكمات غير العادلة ومنح تلك الممارسات الصبغة الشرعية القانونية.

ولا يجب أن نتفاجأ بعمق القمع الذي وصل إليه النظام المصري، وبمساعدة النظام الملكي السعودي المستبد، نفذ "السيسي" انقلابا عسكريا، وسجن الرئيس المنتخب، واعتقل كبار أعضاء الحكومة والحزب الحاكم، وألقى القبض على المسؤولين الإعلاميين، وقتل المئات من داعمي ومؤيدي "محمد مرسي".

وشرع بعد ذلك في اعتقال أي شخص تجرأ على الاحتجاج أو الانتقاد أو المعارضة، أو حتى كان قريبا من شخص فعل أيا من ذلك.

ويقبع نحو 60 ألفا من المصريين خلف جدران السجون السميكة، فضلا عن الأحكام بالسجن لعشرات الأعوام والعديد من عقوبات الإعدام.

واضطر النظام لبناء سجون جديدة لاستيعاب العدد الهائل من المعتقلين السياسيين، ويقول "فريدوم هاوس": "أدت سلسلة من المحاكمات الجماعية الجائرة إلى أحكام قاسية، شملت السجن مدى الحياة أو عقوبة الإعدام، استنادا إلى أدلة ملفقة أو أحكام مبنية على التوجه السياسي".

وفي عام 2014، هندس "السيسي" الانتخابات ليحصل على شبه إجماع، مدعيا حصوله على أكثر من 97% من الأصوات.

وقبل عامين فقط، سمح "السيسي" بخصم واحد في الانتخابات، وهو مرشح مؤيد له، قال إنه "لا يدخل الانتخابات لتحدي الرئيس".

وعندما أعلن مرشحون آخرون عزمهم على الترشح، أجبرهم "السيسي" على الخروج من السباق، عبر التهديدات تارة، وعبر الاعتقالات تارة أخرى.

وانتهى الأمر بمؤيدي المرشحين الآخرين، وأحيانا المرشحين أنفسهم، في السجن، وبالرغم من حصول "السيسي" على 97% من الأصوات بسهولة، لكن التهديدات القوية والرشاوى الصارخة لم تستطع دفع نسبة المشاركة إلى ما بعد 41%.

وكانت 7% من بطاقات الاقتراع قد تم استبعادها كأصوات باطلة. فبعد كل شيء، ما الفائدة من التصويت باستثناء إضفاء الشرعية على حكم الفرعون؟

ويسعى النظام إلى الحفاظ على قشرة الشرعية، وأضاف "فريدوم هاوس": "يوضح اضطهاد المنافسين المحتملين للسيسي في الانتخابات الرئاسية لعام 2018 تصميم النظام على القضاء على أي فرصة للتغيير السلمي من خلال السيطرة الصارمة على العملية الانتخابية، وتخويف المرشحين لدفعهم للانسحاب، وعدم منح أحزاب المعارضة ذات المصداقية مساحة كبيرة للعمل بفعالية، ما يجعل من المستحيل وصول المعارضة إلى السلطة عبر الانتخابات".

وحصلت مصر هذا العام على تصنيف "غير حرة" من "فريدوم هاوس"، الذي منح النظام 21 نقطة فقط من أصل 100، بانخفاض عن 22 نقطة في العام الماضي و26 نقطة في العام السابق.

واختصرت المنظمة السبب في حكمها وفق ما يلي: "لا توجد معارضة سياسية ذات معنى، حيث إن تعبيرات المعارضة يمكن أن تؤدي إلى الملاحقة الجنائية والسجن، كما أن الحريات المدنية، بما في ذلك حرية الصحافة وحرية التجمع، مقيدة بشدة".

واتفقت "هيومن رايتس ووتش" على أن عام 2019 كان عاما سيئا للشعب المصري، قائلة: "لجأت السلطات إلى مجموعة من الإجراءات القمعية ضد المتظاهرين والمعارضين، بما في ذلك الاختفاء القسري، والاعتقالات الجماعية، والتعذيب وغيره من صنوف المعاملة السيئة، والاستخدام المفرط للقوة وتدابير المراقبة القاسية، خاصة بعد الاحتجاجات ضد الرئيس في 20 سبتمبر/أيلول".

وبالفعل، فقد أثارت الاحتجاجات الصغيرة، التي حدثت بعد أعوام من القمع الدموي، الفرعون على ما يبدو، ما أثار أكبر حملة قمع منذ توليه السلطة، باعتقال أكثر من 3 آلاف و800 شخص.

وأفادت منظمة العفو الدولية، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أن "السلطات قامت باعتقالات هائلة لمئات المتظاهرين السلميين، بالإضافة إلى استهداف المدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين والناشطين السياسيين ورجال السياسة".

وبالرغم من آمال المسيحيين الأقباط، الذين أيد الكثير منهم الانقلاب خوفا من زيادة نفوذ "الإخوان المسلمون"، فقد فرضت السلطات قيودا على حق المسيحيين في العبادة بإغلاق 25 كنيسة على الأقل، وفشلوا في الحصول على الموافقة على بناء أو إصلاح آلاف الكنائس الأخرى.

وكما لو أن النظام لديه سلطة غير كافية، فقد غير القانون بتعديلات دستورية، من أجل توطيد الحكم الاستبدادي، وتقويض استقلال القضاء المتضائل، وتوسيع سلطة الجيش للتدخل في الحياة السياسية، وفقا لمنظمة "هيومن رايتس ووتش". وكان أحد التأثيرات هو الاستخدام الموسع للمحاكم العسكرية، والتخلي عن العدالة المدنية.

وتقوم الحكومة بشكل روتيني بنشر تهم "الإرهاب" ضد منتقديها كأداة للقمع، وأوضحت "منظمة العفو الدولية"، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أن نيابة أمن الدولة العليا متواطئة في حالات الاختفاء القسري  والتعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة.

وتم احتجاز "صغار السن"، وإدانة وسجن وتعذيب أطفال لا تتجاوز أعمارهم 12 عاما، وقالت "هيومن رايتس ووتش" إن صغار السن لا ذنب لهم سوى الاحتجاج على الانتهاكات الحكومية، وفي بعض الحالات كانوا ببساطة بالقرب من مظاهرات يقوم بها آخرون.

وخلصت المنظمة إلى أن رجال الشرطة وضباط أمن الدبولة اعتقلوا بشكل تعسفي مئات الأطفال وأساءوا معاملتهم وعذبوهم، وشارك المدعون والقضاة في تفاقم هذه الانتهاكات من خلال المحاكمات الجائرة وانتهاك الإجراءات القانونية الواجبة.

ويحتوي تقرير وزارة الخارجية الأمريكية حول حقوق الإنسان في مصر على 57 صفحة مؤلمة.

وفصلت وزارة الخارجية انتهاكات حقوق الإنسان التي يتجاهلها وزير الخارجية "مايك بومبيو" بشكل متعمد، وهي "عمليات القتل غير القانونية أو التعسفية، بما في ذلك عمليات القتل خارج القانون من قبل الحكومة أو وكلائها أو الجماعات الإرهابية، والاختفاء القسري، والتعذيب، والاعتقال التعسفي، وظروف السجن القاسية والمهددة للحياة، والتدخل التعسفي أو غير القانوني في الخصوصية، والقيود على حرية التعبير والصحافة والإنترنت، بما في ذلك الاعتقالات أو الملاحقات القضائية ضد الصحفيين، وحجب المواقع، والتدخل الكبير في حقوق التجمع السلمي وحرية تكوين الجمعيات، والقوانين المقيدة التي تحكم منظمات المجتمع المدني، والقيود على المشاركة السياسية".

وبالنظر إلى هذا العدد القياسي من الانتهاكات، لا ينبغي أن يكون من المستغرب أن العديد من الثوار ضد "حسني مبارك"، والذين ساعدوا في الإطاحة به في عام 2011، ينظرون الآن إلى عهده بحنين إلى الماضي، مشيرين إلى أن الفقر والقمع قد زادا.

وشعر البعض بالخطأ في دعم "السيسي" في انقلابه على "مرسي"، وقال بائع متجول يبلغ من العمر 24 عاما عن "مرسي"، لصحيفة "واشنطن بوست": "أعتقد أن الناس لديهم المزيد من التقدير له الآن".

ولا تستطيع الولايات المتحدة إجبار الفرعون الجديد على احترام حقوق الإنسان، ولا يمثل قطع المساعدات الخارجية تهديدا خطيرا؛ حيث يمكن للسعوديين تعويض خسائره المالية بسهولة.

حتى إنهم اشتروا فعليا جزرا من مصر في البحر الأحمر ما أثار سخطا شعبيا كبيرا، ومن المؤكد أن البديل عن "السيسي" قد لا يكون الديمقراطية، حيث يعود الحكم الفعلي للجيش منذ الإطاحة بالملك "فاروق" عام 1952، ولكن حتى المستبد الأقل قمعا سيكون تحسنا.

على أي حال، ليست هناك حاجة لأن تظل الولايات المتحدة متواطئة في جرائم "السيسي" العديدة، خاصة أنه ليس لديه خيار سوى العمل مع واشنطن، بالنظر إلى اعتماد جيشه على الأسلحة الأمريكية، ولن يشن "السيسي" حربا على (إسرائيل) حتى لو توقفت الإدارة الأمريكية عن دعمه.

وأخيرا، من المرجح أن يرتد قمع "السيسي" غير المحدود عليه بطريقة تؤدي في النهاية إلى ثورة أخرى، ربما أكثر عنفا وأكثر زعزعة للاستقرار من غيرها.

ومن المرجح أن يصبح المصريون متطرفين بسبب القمع الوحشي، ما يشجعهم على التطلع إلى الإسلاميين العنيفين والمتطرفين.

وعبر "فيليب كرولي"، وزير الخارجية السابق، عن قلقه من أن "بذور الثورة في مهدها في مصر الآن".

ويجب على واشنطن إنهاء المساعدة المدنية والعسكرية على حد سواء، والضغط على النظام لاحترام حرية وحقوق شعبه الذي يعيش ظروفا سيئة بما يكفي لتحمل القمع الجماعي.

المصدر | دوج باندو | ذا أمريكان كونسرفاتيف - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الانقلاب العسكري في مصر عبدالفتاح السيسي حكومات الاستبداد العلاقات المصرية الأمريكية

الصفقات العسكرية والأقباط وحقوق الإنسان بمباحثات السيسي وترامب بواشنطن

رسائل كلينتون.. كيف رأت أمريكا أوضاع مصر أيام ثورة 2011

أكاديمية إسرائيلية: السيسي ينمي هوية مصر الفرعونية لشرعنة حكمه الاستبدادي