مليارات مهدرة.. ما وراء الانهيارات المتكررة لمشروعات الجيش في مصر

الاثنين 11 مايو 2020 03:58 م

لم يكن انهيار جسر تحت الإنشاء، شرقي العاصمة المصرية القاهرة، الشهر الجاري، هو الأول من نوعه، ولكنه كان حلقة في سلسلة انهيارات، ضربت طرقا وجسورا، تشرف على إنشائها الهيئة الهندسية في الجيش المصري.

وخلال الأعوام القليلة الأخيرة، تكررت وقائع الانهيار في طرق حديثة، افتتحها الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي"، رغم إنفاق مليارات الجنيهات على تنفيذها خلال زمن قياسي.

وربما تمنح تلك الحوادث مصداقية كبيرة لاتهامات المقاول المصري "محمد علي"، المقيم في إسبانيا، والذي كشف عن وقائع فساد بمشروعات الهيئة الهندسية التابعة للقوات المسلحة، عبر مقاطع فيديو، سبتمبر/أيلول الماضي.

وقائع متكررة

بدأ مسلسل الانهيارات الحالي في فبراير/شباط 2016، من محافظة بني سويف (وسط)، حينما انهار أحد الجسور العلوية التي تشرف الهيئة الهندسية على إنشائها، بمنطقة كوم أبو راضي، التابعة لمركز الواسطي بالمحافظة، بتكلفة 800 مليون جنيه.

وفي العام ذاته، انهار جسر مشاة تحت الإنشاء على طريق (القاهرة-الإسماعيلية) الصحراوي، ما أسفر عن مصرع 4 أشخاص وإصابة 12 آخرين.

كذلك وقع انهيار جزئي بجسر الجامعة الجديد، بمحافظة "سوهاج" جنوبي البلاد، قبل مرور 6 شهور على افتتاحه.

وفي 15 يونيو/حزيران 2017، وقع هبوط أرضي في طريق "الإسكندرية الصحراوي"، الذي تشرف على عمليات إنشائه الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، المعنية بكافة مشروعات البنى التحتية في البلاد، منذ الانقلاب العسكري منتصف العام 2013.

وانهار الطريق الدائري الإقليمي (بتكلفة 7.9 مليارات جنيه) الواصل بين مدينة الفيوم (غرب) وطريق الإسكندرية الصحراوي (شمال)، إثر هبوط بطول 150 مترا، وعرض 30 مترا، عقب موجة أمطار ضربت البلاد، أكتوبر/تشرين الأول 2019.

وفي مارس/آذار الماضي، أغلقت السلطات المصرية 10 طرق صحراوية وتحويلات رئيسية تربط بين المحافظات؛ بسبب تعرضها لشروخ، وانهيارات، جراء موجة الأمطار التي شهدتها البلاد.

وشملت قائمة الطرق المغلقة "طريق شرم الشيخ - النفق الجديد، وطريق القاهرة - السويس الصحراوي، وطريق القاهرة - العين السخنة، ومحور الضبعة - مطروح، وطريق الكريمات الصحراوي، وطريق المنيا - القاهرة الصحراوي، وطريق الجيش الشرقي (القاهرة - أسيوط)، وتحويلة الطريق الدائري أعلى الجولف، وتحويلة الطريق الدائري (أبراج سما)، وتحويلة طريق الفيوم".

الأمر المباشر

دون شك، كانت التعديلات التي أقرها مجلس الوزراء المصري، في قانون المناقصات والمزايدات، ديسمبر/كانون الأول 2015، أحد البوابات الرئيسية لشرعنة الفساد في العقود الحكومية.

وتقضي التعديلات بإمكانية تنفيذ بعض المشروعات الكبرى من خلال عقود الإسناد بالأمر المباشر، بعد موافقة مجلس الوزراء.

ومنح القانون صلاحية إسناد مشروعات المقاولات بالأمر المباشر للوزراء المختصين، ما فتح الباب أمام منح جميع عقود الإنشاءات في جميع الوزارات المصرية للوحدات الهندسية في الجيش.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2018، عزز "السيسي" هذا الوضع، بالتصديق على القانون رقم 182 لسنة 2018 بشأن تنظيم التعاقدات التي تبرمها الجهات العامة.

ويمنح قانون التعاقدات الحكومية جميع أجهزة الجيش ووزارة الإنتاج الحربي والداخلية حق إبرام عقود المقاولات والخدمات والاستيراد بطريق المناقصة المحدودة أو المناقصة على مرحلتين أو الممارسة المحدودة أو الاتفاق المباشر دون اتباع المناقصات أو المزايدات العامة.

ولا تخضع المشروعات التي تشرف عليها الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، لأية رقابة إدارية أو مالية أو فنية من أية جهة، كما لا تعلن تكلفتها الحقيقية، أو عوائدها السنوية.

ووفق تسريبات المقاول "محمد علي"، فإن الهيئة الهندسية كلفته بالأمر المباشر بإنشاء فندق الشويفات بالتجمع الخامس (شرق القاهرة)، بتكلفة 2 مليار جنيه (نحو 120 مليون دولار)، وعند تحذيره من الاستعجال في العمل دون وجود دراسة جدوى، أخبره قادة عسكريون أن "السيسي لا بد أن يرى أن العمل بدأ بالفعل".

مقاولو الباطن

ومع تنامي الدور الاقتصادي للجيش المصري في مجال الإنشاءات، باتت الهيئة الهندسة هي المقاول الرئيسي لكافة المشاريع الضخمة في مصر، وهو أمر يفوق قدراتها وإمكاناتها.

وقد تسبب ذلك في ظهور شريحة تعرف اليوم باسم "مقاولي الباطن"، حيث يقوم الجيش بإسناد بعض المشاريع التي يحصل عليها بالتخصيص المباشر لصالح شركات خاصة مقابل الحصول على نسبة من الأرباح.

وتسيطر على سوق المقاولات في مصر، شركات عملاقة، أبرزها "المقاولون العرب"، و"أوراسكوم" و"حسن علام" و"أملاك"، ومن الباطن يتم إسناد أعمال إنشاءات وتشطيبات للمئات من الشركات المتوسطة والصغيرة، مقابل عمولات ونسب محددة.

وتطور الأمر لاحقا، حتى بات المشروع الواحد يسند من شركة إلى أخرى، ومن مقاول إلى آخر، دون رقابة حقيقية، أو التزام بمعايير الجودة، خاصة في ظل ضغوط سيادية بسرعة التسليم؛ للتعجيل بافتتاح "السيسي" لتلك المشروعات، وتسويقها باعتبارها إنجازات لنظامه.

والأخطر أن نظام المقاولة من الباطن قد يتيح عمل أكثر من 5 مقاولين داخل المشروع ذاته، ما يترتب عليه إهدار كبير للمال العام، وتضيع المسؤولية المهنية والجنائية حال وقوع أي كارثة.

وتحصل شركات المقاولات الكبرى على نسبة 14% من الشركات الصغرى التي ستسند إليها أعمال مقاولات من الباطن، بالاضافة إلى وجود نسبة متأخرات بقيمة 10% لا تحصل عليها الشركات بعد انتهاء المشروع، وهو ما يضطر مقاولي الباطن إلى الاستعانة بعمالة غير ماهرة وخامات غير مطابقة لتحقيق هوامش ربح.

تأخير المستحقات

عقب تعويم الجنيه المصري نوفمبر/تشرين الثاني 2016، وانهياره أمام الدولار (قارب حاجز الـ20 جنيها)، برزت مشكلة أخرى تتعلق بفروقات أسعار مواد البناء، والطاقة، في المشروعات المتفق على تنفيذها، وهو ما دفع شركات المقاولات إلى المطالبة بتعديل بنود التعاقد، وتعويضها عن تداعيات التعويم.

لكن رئيس الهيئة الهندسية وقتها، الفريق "كامل الوزير" (وزير النقل الحالي)، اجتمع مع مقاولي الباطن، مهددا إياهم بالقبض عليهم وإحالتهم للقضاء العسكري، حال توقف العمل، دون النظر إلى مطالباتهم بتعويض خسائرهم المالية.

كذلك جرى تمويل تكلفة أغلب مشروعات الجيش عبر قروض بنكية بأسماء المقاولين، وهو ما ورط الكثير من المقاولين في قروض ضخمة بفائدة مرتفعة، دون تحصيل مستحقاتهم عما أنجزوه من مشروعات.

يؤكد ما سبق تسريبات "علي"، الذي برر هروبه إلى الخارج، برفض الهيئة الهندسية سداد مستحقات له بنحو 220 مليون جنيه (14 مليون دولار)، والخشية من تلفيق تهم له ومحاكمته عسكريا، بتهمة ارتكاب مخالفات وتجاوزات في المشروعات المسندة إلى شركته "أملاك".

ويمكن اعتبار تأخير المستحقات، والخلل لاحقا في التسويات المالية لعقود المقاولات والتوريدات والخدمات، سببا ثانيا ورئيسيا وراء توالي وقائع انهيار مشروعات الجيش، التي جرى تنفيذها بعمالة أقل كفاءة، وخامات أقل جودة، وعدد ساعات أقل، إضافة إلى مخالفة المواصفات الفنية المتفق عليها.

وزاد من سهولة تمرير تلك المخالفات والتجاوزات، استعانة شركات المقاولات بضباط سابقين كمديرين تنفيذيين، وأحيانا كمساهمين في رأس المال، كعنصر أمان من جانب، ومحفز للاستئثار بتعاقدات جديدة من جانب آخر.

مسلسل الجسور والطرق المنهارة، في مصر، ربما لن تنتهي حلقاته قريبا، مع خروج البلاد من تصنيف المئة دولة الأولى على مؤشر مكافحة الفساد، محتلة في العام 2018 المرتبة الـ105، بحسب منظمة الشفافية الدولية.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الجيش المصري الهيئة الهندسية الهيئة الهندسية للقوات المسلحة

مصر.. 4 تريليونات جنيه لتنفيذ 25 ألف مشروع خلال 7 سنوات

مصر تدرس بيع سلسلة محطات وقود مملوكة للجيش

تسريب صوتي لمستشاري السيسي يكشف رشاوى بالملايين في مشروعات الجيش

مفاجأة في حادث سقوط المدرج.. المشروع نفذه الجيش المصري قبل 9 شهور فقط