تحركات سيئة: الارتداد العكسي للاستراتيجية الإسرائيلية تجاه إيران

الاثنين 17 أغسطس 2015 12:08 م

مع إعطاء اهتمام لكل من المعارضة الشرسة من قبل الحكومة الإسرائيلية ضد اتفاق تقييد البرنامج النووي الإيراني، وأيضًا قضية إطلاق إيران لأنشطة أخرى في منطقة الشرق الأوسط، ربما يلفت الانتباه إلى بعض الخلفيات التي أوردها بعض المحللين،  بما في ذلك «شبلي تلحمي» و«آرون ديفيد ميلر» اللذين أوردا: «كان هذا التحريض الإسرائيلي على البرنامج النووي الإيراني بمثابة الحافز الرئيسي للتفاوض على اتفاق حول هذا الموضوع الذي تم الانتهاء إليه في فيينا الشهر الماضي». ويذهب «ميلر» إلى حد اقتراح أن رئيس الوزراء الاسرائيلي «بنيامين نتنياهو» يجب أن يحصل على جائزة نوبل للسلام لنشاطه الذي دفع الحكومات الأخرى للتفاوض بشأن الصفقة التي يبذل ما في وسعه الآن لإسقاطها.

ويضيف «دانييل ليفي»، المدير السابق لمجلس الشرق الأوسط الأوروبية للعلاقات الخارجية، والمدير الحالي لبرنامج الشرق الأوسط في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، في مقال ثاقب يفسر المواقف حول هذه القضايا سواء من حكومة «نتنياهو» أو من القادة السياسيين الإسرائيليين الآخرين تفاصيل إضافية لهذه الخلفية. ويرى أن الحكومة الإسرائيلية التي أصرت على الأقل بقوة كأي شخص أن الملف النووي يجب التعامل معه أولا والتعامل معه بشكل منفصل، دون التحدث إلى الإيرانيين حول القضايا الإقليمية أو أي شيء آخر.

هذا الموقف الإيراني المبكر يتعارض مباشرة، بطبيعة الحال، مع الشكاوى الحالية من حكومة «نتنياهو» وغيره من المعارضين للاتفاق من حيث أنه لا يعالج القضايا والسلوك غير النووي من السياسة الإيرانية، وهو ما لم يكن الاتفاق يهدف أبدا إلى معالجته. ولكن هذا التناقض ليس أكثر من مجرد هراء لا معنى له ضمن مجموعة شاملة من مواقف الحكومة الإسرائيلية بشأن القضية النووية إذا ما تم النظر إلى تلك المواقف بمعناها الظاهري. وشملت المواقف عملة القرع المستمر لجرس الإنذار حول كيفية أن البرنامج النووي الإيراني يمكن أن يؤدي إلى سلاح، ومن ثم محاولة تدمير التدابير المصممة لضمان أن البرنامج لا يؤدي إلى سلاح بشكل تام.

وما يجعل الأمور ذات مغزى، من وجهة نظر الحكومة الإسرائيلية، هو تخليهم عن النظر إلى الأمور من ظاهرها. وهدف هذه الحكومة هو أنه بدلا من تحقيق اتفاق نووي، كان بدلا من ذلك تجنب أي اتفاقات مع إيران، بشأن المسائل النووية أو أي شيء آخر. إن العملية الحسابية التي تقول بأنه يمكن أن يكون هناك الكثير من الإثارة حول القضية النووية دون أي اتفاق ناشئ، هي بأي حال من الأحوال درب من الجنون. الدبلوماسية الأمريكية  الإيرانية كانت غير موجودة تقريبا قبل ثلاث سنوات.

وتُثار تساؤلات جدية حول ما إذا كانت هناك مساحة كافية للمساومة من أجل التوصل إلى اتفاق بشأن المسألة النووية، وذلك عندما جلست الولايات المتحدة والدبلوماسيون الإيرانيون للحديث. وحتى في الوقت الذي بدأت فيه الصفقة في الظهور، فإن الحكومة الإسرائيلية لا تزال تمتلك سلاحها الذي اعتادته وتثق به وتسعى دوما لاستعماله؛ ألا وهو اللوبي السياسي الخاص بها في الولايات المتحدة.

وفي الوقت نفسه، فإن كل ما أثير حول وجود سلاح نووي إيراني يخدم غرضا يشبه إلى حد ما تحريض المحافظين الجدد قبل عقد من الزمان ضد الأسلحة النووية العراقية غير الموجودة، ويساعد ذلك في تخويف الناس من السير على طريق تحقيق أهداف أخرى. الأسلحة النووية مخيفة بطبيعتها، وبالتالي مفيدة لهذا النوع من التخويف حتى حينما تكون غير موجودة. وفي حالة العراق كان هدف المحافظين الجدد هو الحصول على التأييد الشعبي لشن حرب هجومية.

وفي حالة إيران، فإن هدف إسرائيل هو جعل الناس يخافون بشدة من إيران، وينظرون إلى الشرق الأوسط على أنه الطريق الذي تريد إسرائيل لهم أن يشاهدوه: كمنطقة فيها إيران هي مصدر لعدم الاستقرار ومنبع الشر، وأن تكون إيران منبوذة من الجميع، ولا يقبل أحد الشراكة معها، وأن إسرائيل هي الشريك الأكثر موثوقية وفعالية لمن يريد أن يكون على جانب الخير ضد الشر، وخاصة بالنسبة للولايات المتحدة.

ويبدو الآن أن من أدار الحسابات بشأن كونه قادرا على التحرك من دون الوصول إلى اتفاق بشأن المسألة النووية كان مخطئا. وقد يكون منه أن كثيرين آخرين أيضا ربما كان لهم بعض الأسباب التي أدت إلى توقع سوء التقدير، بما في ذلك فوز «حسن روحاني» في الانتخابات الرئاسية الإيرانية عام 2013، والمهارة و الإصرار الذي تناول به الرئيس «أوباما» ووزير خارجيته «كيري» مهمة تحقيق اتفاق. وربما  كان أيضا سببا لبعض التحليل الخاطئ في أماكن أخرى حول عدم كفاية مساحة المساومة  كان رأيًا خاطئا أن إيران عازمة حقا على الحصول على أسلحة نووية، وبالتالي لم يتوقع أنها قدمت التنازلات اللازمة لإغلاق مسارات هذه الأسلحة. وبسبب نزوع الناس إلى تصديق خطابهم الخاص عندما يتكرر بما فيه الكفاية، فإن هذا رأي خاطئ ربما أصبح راسخا في الدوائر الحكومية الإسرائيلية.

وأيا كانت الأسباب الكامنة وراء أي خطأ في الحسابات، فإن «نتنياهو» وحكومته يواجهون الآن واقع اتفاق جاء عن طريق التفاوض. وحتى الفكر غير المريح بشكل كبير بالنسبة لهم هو أن انفعالاتهم التي لا نهاية لها بشأن القضية النووية، والمقترنة بما قد تفعله اسرائيل عسكريا ضد إيران، ساعد على تحقيق هذا الاتفاق الناشئ. وربما الانزعاج من تسجيل هدف خاص هو جزء من الأسباب التي رفعت معارضتهم للاتفاق إلى مثل هذا المستوى البالغ. إنهم يستخدمون سلاحهم المضمون، اللوبي، في محاولة أخيرة لإخراج الاتفاق عن مساره، ولكن هناك بالفعل علامات على تفكيرهم الانتقال إلى خطة بديلة تهدف إلى تخريب الاتفاق، أو على الأقل الحيلولة دون تذليل عقبات الطريق أمام تعامل أوسع مع إيران، في حالة أن الكونجرس الأمريكي لم يقتله في سبتمبر / أيلول.

وربما يكون الأمر أكثر إحراجا لحكومة «نتنياهو»، وذلك عندما تأتي استراتيجيته تجاه إيران بنتائج عكسية، ليس فقط في الشعور بأن الاتفاق النووي قد وُقع، لكن أيضا فيما يتعلق بالانتقال إلى تحالفات إقليمية، وخصوصا دور الولايات المتحدة في الاتجاهات التي لا يريدونها. وهذا ينطوي على إعادة التأهيل الجزئي ليس فقط لقبول إيران كلاعب إقليمي، ولكن أيضا العلاقات مع الولايات المتحدة؛ والذي يثير تساؤلات وشكوكا جديدة بين الأمريكيين حول العلاقة الأمريكية - الإسرائيلية غير العادية. والواقع أن هذا القلق الأخير كان نواة لكثير من انتقادات وجهت لـ«نتنياهو» من قبل خصومه السياسيين في إسرائيل، والذين اتهموه بارتكاب ما يفضي إلى سوء العلاقات مع الولايات المتحدة. وربما يكون «ليفي» محقًا، على الرغم من عدم وجود أي تغيير كبير في تلك العلاقة أو حتى أنه أمر وشيك الحدوث؛ لأن «دور المال في الضمانات السياسة الأمريكية يقف ضد ذلك، وعلى أي حال؛ فإن أوباما والديمقراطيين ملتزمون برفاهية وأمن إسرائيل».

ولكن ربما تضعف هذه الحلقة تماما، على المدى الطويل وبالاشتراك مع المخاوف والخلافات الأخرى، على الأقل بشكل هامشي الصرح المتمثل في العلاقة غير العادية والاستثنائية بين الولايات المتحدة وإسرائيل.وقد تنول «ليفي» هذه النقطة بشكل جيد:

إن العملية قيد الحركة والعمل، والنفور المتزايد بين الجاليات اليهودية في الولايات المتحدة وإسرائيل ولد الكثير من التوترات، إضافة إلى رفض إسرائيل للحريات الأساسية للفلسطينيين والانجراف الكلي نحو المزيد من التطرف والتعصب. إنها عملية تسارعت بشكل كبير بسبب كثرة صراخ «نتنياهو» وهجومه على سياسة الكونجرس. ومن غير المرجح أن يدفع «نتنياهو» الثمن السياسي الفوري في الداخل، ولكن في منحنى العلاقات الإسرائيلية الأمريكية، فإن تلك هي اللحظة التي سوف يكون لها صدى يمضي إلى وقت طويل بعد نسيان تفاصيل خطة العمل الشاملة المشتركة.

  كلمات مفتاحية

الاتفاق النووي إسرائيل إيران نتنياهو أوباما

محلل إسرائيلي: الغرب يخاف الإرهاب السني أكثر من النووي الشيعي .. وإيران هي المستقبل

«أوباما» يعرض على «نتنياهو» تحسين قدرات جيش (إسرائيل) عقب الاتفاق النووي

(إسرائيل) بدأت دفع ثمن خطاب نتنياهو في الكونجرس

نتنياهو يحذر في أمريكا من أن اتفاق مع إيران يهدد وجود إسرائيل

«كيري» يشكك بقدرة «نتنياهو» على تقدير الامور وسط تفاقم الخلاف بين الجانبين

«ستراتفور»: لماذا عطلت (إسرائيل) 3 خطط لمهاجمة منشآت إيران النووية؟

خطــة ترميـم اسـتراتيـجي