«فورين بوليسي»: قنوات الاتصال السرية بين السعودية وسوريا لإنهاء الحرب

الثلاثاء 18 أغسطس 2015 09:08 ص

في أعقاب الاتفاق النووي الذي توصلت إليه إيران والقوى العالمية الست، طرحت بعض الدول التي لديها مصلحة في الحرب الأهلية السورية المعقدة مجموعة من المبادرات لإنهاء الصراع. وبالرغم من أنّ المفاوضات تشمل تركيا وروسيا وإيران والولايات المتحدة، إلى جانب دخول دول مجلس التعاون الخليجي سرًا منذ عدة شهور؛ إلّا أنّ رغبة موسكو وطهران في المشاركة في هذه القضية جعلت «نظام بشار الأسد» في دمشق أكثر انتباهًا للمقترحات المطروحة على الطاولة.

قام «علي مملوك»، مستشار الأمن القومي للأسد، بزيارات سرية في نهاية يوليو/تموز الماضي إلى كل من مدينة جدة السعودية ومسقط وعمان، وذلك وفقًا لمصادر سعودية وأخرى مقربة من «نظام الأسد». تمثل زيارة «مملوك» المرة الأولى التي تدعو فيها المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان مسؤولًا سوريًا رفيع المستوى إلى الخليج لبحث تسوية سياسية للصراع السوري. وعقب زيارة «مملوك»، قام وزير الخارجية السوري «وليد المعلم» بزيارة رسمية في أوائل أغسطس/آب إلى مسقط للقاء وزير الخارجية العماني، ووفقًا لوسائل الإعلام الرسمية السورية فقد ناقشا «الجهود المبذولة لوضع حد للأزمة في سوريا، والحفاظ على سيادة ووحدة وسلامة البلاد».

في محادثات مع المشتركين في زياراته، وصل «مملوك» إلى جدة ومسقط لمواصلة مناقشة مقترحاته لإنهاء الحرب الأهلية. وكانت هذه المناقشات السرية جارية خلال الأشهر القليلة الماضية. وعلى الرغم من ضغوط موسكو، لكنّ الرياض وطهران لم يهتما بشكل كامل بهذه المقترحات في هذه المرحلة وينتظران على أمل أن الأحداث على الأرض ستسمح لهما بالوصول إلى تسوية أفضل.

مفاوض «الأسد»

في بداية عام 2012، بحث «علي مملوك» عن خيارات مختلفة لوضع حد للحرب الأهلية في سوريا. وتراوحت جهوده من مبادرة محلية لوقف إطلاق النار ومقابلة سرية مع عدد محدود من أعضاء المعارضة. وقد بحث أيضًا عن مبادرات دبلوماسية مع جيران سوريا ودول مجلس التعاون الخليجي، بما في ذلك زياراته الأخيرة إلى جدة وعمان.

وفي مقابلات مع الأفراد الذين عملوا مع «مملوك» في نقاط مختلفة في دمشق، وُصف رئيس المخابرات السورية كمفكر استراتيجي ماهر في إدارة العملية الأمنية الوطنية والشبكة المعقدة من الأجهزة الأمنية المتنافسة. وعلى الرغم من التقارير الصحفية المتضاربة التي تقول بأنّ «مملوك» إما وضِع قيد الإقامة الجبرية لأنه تجاوز صلاحياته أثناء التفاوض أو فرّ إلى تركيا، لكنه لا يزال أحد المقربين من «الأسد»، ولا يزال إلى حد كبير فوق خلافات الصراعات العميقة داخل دائرة «الأسد» الداخلية.

رئيس المخابرات لديه أسباب للضغط من أجل نهاية تفاوضية للصراع تتجاوز خسائر المعركة الأخيرة للنظام. لقد أعرب «مملوك»، جنبًا إلى جنب مع غيره من مسؤولي الجيش، والأمن، والمخابرات السورية، للأشخاص الذين تمّت مقابلتهم عن قلقهم المتزايد من هيمنة إيران على الدولة السورية. وعند هذه النقطة، ليس لديهم القدرة على اتخاذ أي قرار استراتيجي أو عملي، ناهيك عن «الأسد». يشعر «مملوك» وغيره من المسؤولين بالقلق بأنّ اعتمادهم على طهران لخوض هذه الحرب قد يأتي بتكلفة عالية. لقد قلص هذا الاعتماد رأي القيادة السورية بشأن مستقبل بلادهم؛ ومن ثم فـ«الأسد» لا يمكنه تجاهل هذه المشاعر.

اعترف «الأسد» في وقت سابق من هذا الشهر بعمق تأثير التوتر الذي تحدثه هذه الحرب على الجيش السوري، وأشار إلى أنّ الجيش سيضطر للانسحاب من بعض المناطق. وكما لاحظت المصادر في دمشق في الأسابيع الأخيرة، فإنّ جهود تركيا في الآونة الأخيرة لإنشاء منطقة آمنة في شمال سوريا، ومكاسب تنظيم «الدولة الإسلامية في البلاد، وتحركات الميليشيات المتمردة تجاه معقل العلويين في البلاد، أدت إلى هذا الصراع. وفي حين أنّه لا يزال من الممكن التحكم في هذا الصراع، بحسب تقدير «الأسد»، لكنّه يمثل خطورة بالغة على النظام.

الرياض لا تزال حذرة

رغم أهمية هذه الموجة الأخيرة من النشاط الدبلوماسي؛ لكن ينبغي على المراقبين ألّا يسبقوا الأحداث بشأن توقع تأثيرها على الحرب الدائرة منذ أربع سنوات.

في لقائه في جدة، ناقش «مملوك» مع كبار المسؤولين السعوديين إمكانية بدء عملية سياسية في سوريا تنص على أن تسحب المملكة العربية السعودية دعمها للمعارضة السورية المسلحة، وفي المقابل، تلتزم دمشق بعملية مبهمة تؤدي إلى إنهاء الحرب الأهلية وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية برعاية الأمم المتحدة. ومن شأن هذا الحل أن يمهد الطريق لكلا الجانبين لتشكيل جبهة موحدة في مكافحة تنظيم «الدولة الإسلامية». وفي المقابل، طالب مسؤولون سعوديون بانسحاب إيران وميليشياتها من سوريا.

لم تتعمق المناقشات في تفاصيل بشأن الكيفية التي يمكن بها تنفيذ مثل هذا الاتفاق، ولا تزال هناك فجوات كبيرة بين الجانبين. والأهم من ذلك أنّه من غير الواضح ما هي درجة النفوذ الإيراني المقبولة لدى المملكة العربية السعودية وحلفائها، وماذا سيكون موقف «الأسد» تجاه مثل هذه التسوية.

كما تضمنت المناقشة مدى جدية الرياض في متابعة مثل هذه التسوية. أكّد وزير الخارجية السعودي «عادل الجبير»، في مؤتمر صحفي يوم الثلاثاء مع وزير الخارجية الروسي «سيرجي لافروف»، أنّ «الأسد» لا يمكن أن يكون جزءًا من الحل السياسي في سوريا.

إذن؛ دعوة «مملوك» تشير على الأرجح إلى رغبة الرياض في أن يُنظر إليها باعتبارها شريكًا فاعلًا في تجدد الجهود الدبلوماسية في موسكو. في أوائل أغسطس/آب الجاري، سافر «لافروف» إلى قطر لعقد اجتماعات مع نظيريه «جون كيري» و«عادل الجبير»، في حين عقد مبعوث روسيا الخاص للشرق الأوسط، «ميخائيل بوغدانوف»، اجتماعات في طهران. ولكن منذ زيارة وزير الدفاع السعودي «محمد بن سلمان» إلى موسكو الشهر الماضي، تمتلك الرياض بطاقات أفضل في هذه اللعبة، لاسيما مع التدخل الأمريكي التركي الأخير في شمال سوريا وزيادة الجهود المبذولة لتدريب المعارضة السورية ومكافحة تنظيم «الدولة الإسلامية».

لا ينبغي تجاهل زيارة «مملوك» لمسقط أيضًا. وفقًا لمصدر مقرب من هذه المفاوضات الجارية، التقى «مملوك» مع اثنين من كبار المسؤولين الخليجيين في الشؤون الأمنية لمناقشة التدخل السعودي الإماراتي مع كبار العشائر السُنية في سوريا. هذه المبادرة منفصلة عن المقترح الذي تمّت مناقشته في جدة، والمفاوضات التي كانت جارية لأكثر من ستة أشهر، والتي شملت ممثلين سوريين من القبائل السُنية وممثلي القبائل في دولة الإمارات العربية المتحدة، والمسؤولين السعوديين ودول مجلس التعاون الخليجي. وقد تركّزت هذه المناقشات على محاولة التوصل إلى تسوية سياسية ولكن حتى الآن لم تسفر عن أي نتائج ملموسة. كما عبّر زعماء العشائر السُنية في سوريا عن قلقهم إزاء الدور الإيراني المتزايد في شؤونهم ويفكرون في التواصل مع دول مجلس التعاون الخليجي والسُبل الممكنة لاحتواء النفوذ الإيراني داخل سوريا.

كما تمثل هذه المفاوضات القبلية محاولة أخرى من قِبل «الأسد» لاستكشاف التسوية السياسية، ولكن ليس الالتزام الكامل بهذا المسار. حتى لو كان «الأسد» على استعداد لقبول بعض شروط دول مجلس التعاون الخليجي في أي من هذه المبادرات، فإنّه ليس في وضع يسمح له بذلك دون موافقة طهران.

وجهة نظر طهران

لم تدعم طهران علنًا أيًا من المبادرات التي طرحها «مملوك». وبدلًا من ذلك، أعلنت إيران مؤخرًا عن مبادرة موازية، والتي ستقدّمها قريبًا إلى الأمم المتحدة، تقترح فيها وقف إطلاق النار تمهيدًا لقيام حكومة وحدة وطنية. يشير هذا الاقتراح إلى احتمالية استعداد طهران للنظر في اتفاق يضمن مصالحها ويقدم بعض التنازلات لدول مجلس التعاون الخليجي، ولكنها لن تلبي مطالب السعوديين التي عرضوها على «مملوك» في جدة الشهر الماضي.

الوضع الآن صعب بقدر صعوبة الموقف العسكري الحالي للأسد، لكنه ليس كارثيًا بدرجة كافية لإجبار إيران على اتخاذ الخيارات الصعبة. ما زالت القوات الحكومية تحتفظ بالسيطرة على الأراضي الرئيسة في دمشق وغرب سوريا، ويمكن أن تعتمد على استمرار الدعم العسكري من حزب الله وإيران. كما أنّ تدفق الموارد الجديدة من الاتفاق النووي الأخير من المرجح أن يسمح لطهران بمواصلة المماطلة، بغض النظر عن آمال واشنطن أو موسكو.

هدف طهران الأساسي هو الحفاظ على شكل الدولة السورية، والذي يمكن أن يسهل دعمها لحزب الله وبقية الشبكة الوكيلة التي تستهدف إسرائيل. هذا ليس مجرد زواج مصلحة؛ إنها مسألة وجودية بالنسبة إلى إيران. يمكن القول بأنّ حزب الله هو سلاح الردع الأهم لدى إيران ضد إسرائيل والغرب، ومن المستحيل أن تدعم إيران تلك المنظمة الشيعية دون الوصول إلى مطار دمشق وخطوط التوريد التي تمر عبر الحدود السورية إلى لبنان.

ولذا؛ فمن غير المرجح أن تتخلى طهران عن الجيش الشيعي الجديد متعدد الجنسيات الذي كونته من وحدات حزب الله والقوات شبه العسكرية المحلية، والميليشيات الشيعية من مختلف أنحاء المنطقة. هذه القوة ليست ضرورية فقط في نضال طهران للحفاظ على دورها في سوريا والعراق، ولكنها توفر أيضًا البديل ضد ما تعتبره سياسة خارجية إقليمية عدائية من المملكة العربية السعودية.

حتى تتوصل طهران والرياض إلى اتفاق يرضي مصالح الدولتين، فإنّ الحل الدبلوماسي للأزمة السورية لا يزال بعيد المنال. وعلى الرغم من صعود الدبلوماسية، لكنّ كلا الطرفين لم يصل إلى نقطة التحول هذه حتى الآن.

 

  كلمات مفتاحية

سوريا بشار الأسد علي مملوك الدولة الإسلامية إيران السعودية

«كيري - لافروف» في الخليج: وبدأ العد التنازلي لإنهاء اللعبة في سوريا

«مجتهد»: مخطط مصري إماراتي لإعادة تأهيل «الأسد».. و«بن سلمان» تعهد بعدم المعارضة

«لافروف» يقدم للخليج مبادرة روسية حول سوريا عقب زيارة «علي مملوك» للرياض

«صنداي تايمز»: «علي مملوك» التقى «بن سلمان» في الرياض بوساطة روسية

«فورين بوليسي»: هل انتهى «بشار الأسد» حقا هذه المرة؟

«جلوبال ريسك»: القيادة السعودية تواجه أزمات محدقة

ضباب الديبلوماسية في سوريا

«كي مون»: مجلس الأمن يعاني شللا دبلوماسيا و5 دول تملك حل الأزمة السورية

هل تنقذ السعودية أمريكا من أزمة التواجد الروسي في سوريا؟