كيف تحولت الإمارات إلى مركز عالمي لغسيل الأموال؟

الاثنين 18 مايو 2020 02:10 ص

من أنجولا إلى ماليزيا، ومن بريطانيا إلى ألمانيا، ومن تجارة المخدرات، إلى تمويل الجماعات المسلحة، تبرز دولة الإمارات، وفق تقارير دولية، بوصفها إحدى الوجهات الرئيسية في العالم لعمليات تبييض وغسل الأموال.

ويسلط اتهام منظمة الشفافية الدولية، للإمارات، حديثا، بأنها "ملاذ آمن" للمجرمين، الضوء على ارتباط الدولة الخليجية بفضائح فساد وتهريب كبرى عابرة للحدود.

وتتصدر الإمارات قائمة الدول العشر الأولى عالميا التي يتم استخدامها كمحطات لإعادة التدوير النقدي غير الشرعي، وفق تقرير حكومي بريطاني 2017.

وتحتل الإمارات المرتبة الأولى خليجياً من ناحية مخاطر تمويل الإرهاب وغسل الأموال، والمرتبة الـ72 عالمياً من أصل 146 دولة، بحسب التقرير السنوي لمعهد "بازل" الدولي لمكافحة غسل الأموال عام 2017.

تدفقات هائلة

تهدف عمليات غسل أو تبييض الأموال إلى إضفاء شرعية قانونية على أموال تم الحصول عليها من مصدر غير شرعي، لغرض حيازتها والتصرف فيها، أو إدارتها واستثمارها، وتحويلها من صورة إلى أخرى ومن بلد إلى آخر.

ويقدر إجمالي الأموال المبيضة سنويا بنحو بتريليوني دولار، أي 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، بحسب تقديرات مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، في أغسطس/آب 2018.

ويجري تبييض الأموال عبر الاستثمار في التجارة الشرعية، حيث يقوم مبيضي الأموال بعمليات شراء وبيع "شرعية" بأموال غير شرعية، بهدف إخفاء مصدر الأموال المهربة.

ومن طرق التبييض المتبعة، إجراء تحويلات مصرفية عدة للتعتيم على مسارها، وكذلك شراء عقارات باهظة الثمن وسيارات فاخرة وقوارب وطيارات خاصة، بحسب المحقق السابق بوزارة الخزانة الأمريكية "جون كسارا".

مركز لغسيل الأموال

من جانبها، ترى مجموعة العمل المالي (فاتف)، أن أبوظبي لا تفعل ما يكفي لمنع غسل الأموال، ما يشكك في قدرتها على مكافحة تمويل الإرهاب.

وتوجد ثغرات عدة في الأنظمة التجارية والقضائية التي تطبقها السلطات الإماراتية، خاصة في قطاعي العقارات والمعادن، وهو ثغرات يتم استغلالها بشكل جيد من قبل محترفي غسل الأموال.

ووفق رئيس منظمة العدالة الضريبية "جون كريستنسن"، فإن أبوظبي تحولت إلى أرض خصبة لعمليات تهريب ضخمة، وقاعدة لشبكات جريمة منظمة.

وتقدم اللوائح في الإمارات تسهيلات مقصودة وغير مقصودة لهذه الممارسات، عبر التغاضي عن تزوير الشركات وغض النظر عن تفاصيل وثائق الشحن المقدمة في المناطق الحرة؛ للتعتيم على مصدر وقيمة ونوعية البضائع، بحسب المدير المساعد السابق لوحدة مكافحة الجريمة المنظمة البريطانية "رود ستون".

وعلى الرغم من إصدار أبوظبي، قانونا جديدا لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في العام 2018، فإنها حصلت على تصنيف "منخفض" لعمليات التحقيق والمحاكمة بشأن غسل الأموال وتصنيف "متوسط" للإجراءات الوقائية والعقوبات المالية المرتبطة بمكافحة تمويل الإرهاب، بحسب "فاتف".

و"فاتف" أو مجموعة العمل المالي، هي هيئة حكومية دولية مقرها في باريس، تتولى مهمة دراسة تقنيات غسيل الأموال و"تمويل الإرهاب" وإعداد السياسات المتعلقة بمكافحة غسل الأموال محليا ودوليا.

عمليات دبي

وتبرز إمارة دبي على وجه الخصوص كوجهة مستقبلة لمليارات الدولارات الناتجة عن تجارة المخدرات وغيرها من الأنشطة غير المشروعة؛ حيث يجري إيداع هذه الأموال في مصارف إماراتية، ما يمكنها من الدخول إلى النظام المصرفي الدولي على شكل استثمارات أو تحويلات عادية.

كذلك يجري تهريب الذهب المسروق بشكل غير شرعي عبر شركات الذهب الكبرى في دبي، على يد وسطاء، قبل أن يتم تحويل الأموال من خلال شركات الصرافة الإمارتية، إلى عدة دول حول العالم في شكل تحويلات عادية، وفق ما أورده وثائقي فرنسي بثه برنامج "Cash Investigation"، العام الماضي.

ومنذ العام 2018، تجري بريطانيا تحقيقات في إخفاء 16.5 مليار جنيه إسترليني من الضرائب المستحقو، حيث قام محتالون ما بين عامي 2005 و2016، بنقل بضائعهم عبر دبي بهدف شل قدرة سلطات الضرائب على معرفة تحركات البضائع.

ومن أشهر العمليات المثيرة للجدل التي وقعت في دبي، قيام "إيزابيل" ابنة رئيس أنجولا السابق "خوسيه دوس سانتوس"، التي تعد أغنى امرأة في أفريقيا بثروة تفوق ملياري دولار، مئات الملايين من الدولارات من الأموال المشبوهة في صورة شركات وقصور تمتلكها في دبي.

وتدور تحقيقات القضاء الأنجولي حول مدفوعات بقيمة 38 مليون دولار من شركة "Sonangol"، إلى شركة صورية في دبي، تستخدم للتهرب من الضرائب، وإخفاء الثروة غير المشروعة، وعمليات غشيل الأموال.

والعام الجاري، نشرت هيئة مكافحة الفساد الماليزية، مكالمة، تضمنت طلبا موجها من رئيس الوزراء الماليزي السابق "نجيب عبدالرزاق"، لولي عهد أبوظبي "محمد بن زايد"، بعقد صفقة وهمية للتمويه على عملية غسيل أموال.

وول ستريت

وتحتضن دبي المكتب الرئيسي لشركة "وول ستريت للصرافة"، وهي واحدة من أكبر شركات تحويل الأموال بالشرق الأوسط، وتعد مركزا رئيسيا لغسل أموال عصابات المخدرات العالمية والجماعات الإرهابية، وفقا للكثير من المصادر الصحفية.

وتتهم الشركة بغسل ما بين 14 إلى 16 مليار دولار سنويا لصالح منظمات إجرامية في أنحاء العالم، بحسب قناة "ABC" الأمريكية.

وقبل سنوات، كانت دبي منصة لعمليات المليونير الهندي "ريش كومار جين"، المتهم بنقل مئات الملايين من الدولارات لتجار المخدرات.

وفي العام 2010، كشف السفير الأمريكي السابق في أفغانستان، "أنطوني واين"، عن تهريب 10 ملايين دولار يوميا من كابول إلى دبي، معظمها تأتي من تجار الهيروين الأفغان، بحسب صحيفة "الجارديان" البريطانية.

كذلك جرى رصد قيام "خالد" نجل الرئيس اليمني الراحل "علي عبد الله صالح"، بإنشاء شركة في الإمارات تدعى "ريدان إنفستمنت ليميتد"، واستخدام حساب مصرفي في الإمارات لغسل مبلغ يقدر بنحو 84 مليون دولار، وتحويله لاحقا إلى شركته، بحسب فريق خبراء تابع للأمم المتحدة، في فبراير/شباط 2018.

وهناك شركة "هانيدان" للتجارة العامة (مقرها رأس الخيمة)، التي تقع على رأس شبكة واسعة للتهرب الضريبي وغسل الأموال، والمسؤولة عن إدارة أموال نحو 200 عميل من أباطرة المال والأعمال والسياسيين السابقين، بحسب مجلة "لونوفال أوبزيرفاتور" الفرنسية.

لكن الأخطر من ذلك، هو تحول الإمارات إلى مركز مفضل للجماعات الإرهابية، لإدارة معاملاتها المالية، بحسب التقرير السنوي للخارجية الامريكية، الصادر في 2016.

عقوبات دولية

إزاء هذا الواقع، تطالب دوائر دولية على صلة بمكافحة جرائم غسيل الأموال، أبوظبي، بملاحقة شبكات غسل الأموال الدولية، وتعزيز التعاون الرسمي عبر الحدود، ومراقبة قطاعات تحويل الأموال، لكن تلك المطالبات لم تجد الاستجابة المطلوبة من أبوظبي.

ومع إعلان "فاتف"، الشهر الماضي، أن الحكومة الإمارتية، لا تفعل ما يكفي لمنع غسل الأموال، فإنه من المقرر وضع البلاد تحت المراقبة لمدة عام.

وحال إخفاق أبوظبي في إدخال تحسينات على أدائها في مجال منع غسل الأموال وتمويل الإرهاب، سيجري تصنيفها ضمن الدول التي تعاني من "مواطن قصور استراتيجية"، مثل سوريا واليمن وباكستان.

وقد يجري مستقبلا فرض قيود مصرفية دولية على عمليات تحويل الأموال التي تجريها مصارف إماراتية، على صلة بعمليات مشبوهة لتبييض وتهريب الأموال، وسط مخاوف دولية من تنامي حجم السيولة غير المشروعة في البلاد، ما قد يجعل الدولة الخليجية أشبه بـ"مافيا مالية" عالمية.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الإمارات غسيل الأموال

مليار دولار.. كشف غسيل أموال لصالح إيران عبر الإمارات

الإمارات تسلم النيجيري هاشبوبي المتهم بغسيل الأموال إلى إف بي آي

دبي ترفض تسليم الدنمارك رجل أعمال متهربا من الضرائب

مصادر رسمية: الإمارات بوابة تهريب أموال اليمن إلى الخارج

هآرتس: لا تنخدعوا بالمظاهر البراقة في الإمارات.. القطاع المالي مكبل بالفساد

الإمارات.. إدانة 4 فلبينيين بغسيل أموال والاحتيال على 4 آلاف شخص

الإدراج بالقائمة الرمادية لغسيل الأموال.. عقوبة دولية وشيكة تواجه الإمارات

جنة غسيل الأموال.. كيف تساهم الإمارات في دعم الجرائم المالية؟