«بروجيكت سينديكت»: أفول عهد «الثورة الإسلامية» وراء نجاح المفاوضات النووية

الثلاثاء 25 أغسطس 2015 10:08 ص

لقد كان الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه في يوليو/تموز الماضي بين إيران ومفاوضيها الدوليين بمثابة نقطة تحول واضحة في العلاقات بين الجمهورية الإسلامية والعالم الخارجي؛ وخاصة الولايات المتحدة. ولكن لماذا استغرق تصالح الولايات المتحدة مع ثورة آية الله الخميني في إيران وقتا أطول من ذلك الذي استغرقه التصالح مع ثورة ماو تسي تونج في الصين؟

بطبيعة الحال، فقد كان الخطاب المنحرف الذي ميز ما عهد «جورج دبليو بوش» بحماقة «الحرب العالمية على الإرهاب»، حيث اعتُبرت إيران، جنبا إلى جنب مع العراق وكوريا الشمالية، جزءا من «محور الشر» الدولي، هي أحد التفسيرات للفتور الشديد الذي غلب على العلاقة بين البلدين لفترة طويلة. ونتيجة لهذا؛ كان المسؤولون في الولايات المتحدة ينظرون إلى أي تحرك نحو التطبيع الدبلوماسي باعتباره عملية «استرضاء» غير مقبولة. 

لكن السياسة الخارجية المتزمتة أخلاقيا التي انتهجتها إدارة «بوش» لم تسفر إلا عن تعزيز الموقف الذي تبنته أمريكا منذ الثورة الإسلامية في إيران في العام 1979. ويمكننا أن نجد تفسيرا أكثر اكتمالا وإقناعا للأحداث الأخيرة في تاريخ ومسار هذه الثورة. 

فلنضع جانبا موضوع الثورة الفرنسية كنموذج: ذلك أن ما يسمى أحداث «ثيرميدور»، عندما أنهى المعتدلون عهد الإرهاب الذي ساد إبان حكم «روبسبير»، كان استثناءً لنمط الثورات الحديثة. أما النمط المعتاد الذي ساد خلال ذاكرتنا الحية، فهو أن يأتي المتشددون بعد المعتدلين. ففي الاتحاد السوفياتي على سبيل المثال، كان المتشددون بعد الحرب العالمية الثانية هم الذين جاهدوا لتصدير ثورة لينين الماركسية، وحكموا على العالم بمعايشة عقود من الحرب الباردة.

ولقد كان نفس الحال مع إيران. فبعد وفاة الخميني في العام 1989، أصبح الرجل البراجماتي، «على أكبر هاشمي رفسنجاني»، رئيسا للبلاد، ثم خلفه «محمد خاتمي» الذي اتسم بعقلية إصلاحية. ولكن المتشددين عادوا إلى السلطة. وبسبب عدم فعالية برنامج «خاتمي» الإصلاحي، تم انتخاب «محمود أحمدي نجاد»، الضابط الغامض في مليشيا الباسيج، عمدة لمدينة طهران في العام 2003 (بعد ذهاب  12 % فقط من الناخبين في المدينة إلى صناديق الاقتراع)، ثم تمكن من إلحاق الهزيمة بـ«رفسنجاني» في انتخابات العام 2005 ليصبح رئيسا للبلاد.

وكان «أحمدي نجاد»، الذي كان مخلصا متعصبا للخميني الإمام الأول للثورة، بمثابة التذكِرة للبداية الشعبية للثورة. وكان المقصود من تعزيز سياسة نووية عدوانية هو إيجاد مبرر ومسوغ لمعركة إيران ضد أمريكا الشيطان الأعظم. وعندما فقد الناخبون الصبر بسبب انعدام كفاءة «أحمدي نجاد» وانتخبوا «حسن روحاني» في العام 2013، فقد أصبح من الممكن أن نزعم أن الثورة الإسلامية قد انتهت. ولكن هل كان بوسع الولايات المتحدة أن تتجنب إهدار الفرص خلال سنوات «أحمدي نجاد»؟ لقد بذل أسلافه جهودا جادة لتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة. وبتشجيع من انتصار التحالف الذي قادته الولايات المتحدة في حرب الخليج في العام 1991 ضد العراق (العدو اللدود للجمهورية الإسلامية)، أرسل «رفسنجاني» في عام 1995 إشارات شديدة الوضوح إلى الولايات المتحدة، والتي عبرت عن رغبة إيران في إعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. وقد تجاهلت إدارة «كلينتون» رسائل «رفسنجاني»، وفي العام التالي أقر الكونجرس الأمريكي بالإجماع قانون العقوبات على إيران وليبيا.

لا أحد يستطيع أن ينكر أن «بيل كلينتون» ومستشاريه كان لديهم الكثير من الأسباب للشك. فقد كان «رفسنجاني» رهينة، ولو جزئيا على الأقل، للمعارضين المتشددين الحريصين على تخريب مبادرات السياسة الخارجية بأفعال إرهابية دقيقة التوقيت في باريس وألمانيا والأرجنتين. ولكن «كلينتون» ووزيرة خارجيته «مادلين أولبرايت» تعاملا بجدية مع الاقتراح الذي طرحه «خاتمي» خليفة «رفسنجاني» في الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2000 لإقامة «حوار بين الحضارات»، وفتح ما أسماه «صدع في جدار عدم الثقة» بين إيران والولايات المتحدة. ولكن من المؤسف أن المرشد الأعلى الإيراني «آية الله على خامنئي»، أرغم رئيس البلاد ووزير خارجيتها على تجنب المصافحة المخطط لها مسبقا مع نظيريهما الأمريكيين.

لقد كان الأسوأ في انتظار أولئك الذين يأملون في تحسين العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران. فأولا، كان هناك خطاب «محور الشر» الذي ألقاه «بوش» في عام 2002. ثم في فبراير/شباط 2005، عندما كان «أحمدي نجاد» المتشدد على وشك أن يبدأ ولايته الأولى رئيسا للبلاد، رفض «بوش» رسميا الاتفاق النووي الذي تم التفاوض عليه بعد جهود مريرة بذلها «روحاني» (ممثل خامنئي آنذاك في المجلس الأعلى للأمن القومي في إيران)، وبعد أن وقعت عليها في عام 2004 كل من فرنسا وألمانيا وبريطانيا.

ومع استكشاف إيران للأفق الاستراتيجي، بدا من الواضح أن الولايات المتحدة غزت العراق لأن «صدّام» لم يكن يملك أي أسلحة دمار شامل. وهذا ما أعطى إصرار «أحمدي نجاد» على حق إيران النووي شعبية كبيرة بين الجماهير الإيرانية وأبناء الطبقة الوسطى هناك على حد السواء. 

وعلى الرغم من الاستياء الشعبي من عهد «أحمدي نجاد»، فإن هذه المشاعر ما تزال سائدة في إيران. ولكن الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه الشهر الماضي كان نتاجا لسياق سياسي مختلف: فقد كان الرئيس «باراك أوباما» حريصا على التوصل إلى اتفاق مع إيران كجزء من إرثه، وهذه المرة كان «روحاني»، في منصب الرئيس، قادرا على التفاوض بدعم كامل من «خامنئي»، الذي عمل معه (على عكس خاتمي) بشكل وثيق.

لكن هناك سبب أعمق وراء نجاح المفاوضات النووية: فقد انتهت ثورة «الخميني» الإسلامية أخيرا، و«خامنئي» يدرك هذا. ويتعين عليه أن يعلم أيضا أن تصدير الثورة الإسلامية من إيران الشيعية فقدت جاذبيتها، حيث حل محله في العالم الإسلامي، أولا: الجهاد العالمي الذي شنه تنظيم القاعدة، وثانيا: تنظيم «الدولة الإسلامية» الآن وخلافة «أبو بكر البغدادي».

إن أكثر ما يهم إيران الآن ليس الإيديولوجية، وإنما المصالح الوطنية والواقعية السياسية. ولهذا السبب؛ تجد إيران نفسها حاليا تدعم معارضي الإسلام الثوري: «بشار الأسد» ضد الإسلاميين في سوريا، والحوثيين ضد تنظيم القاعدة في اليمن. وهي لنفس السبب توقع على اتفاق نووي مع الشيطان الأعظم، بل وتتعاون ضمنيا معه ضد تنظيم «الدولة الإسلامية»، العدو المشترك. والآن بعد أن انتهت الثورة، فإن من المرجح أن يصبح التعاون في مجالات أخرى جذابا بنفس القدر.

  كلمات مفتاحية

الاتفاق النووي الثورة الإسلامية جورج بوش روحاني أوباما الخوميني

محلل إسرائيلي: الغرب يخاف الإرهاب السني أكثر من النووي الشيعي .. وإيران هي المستقبل

«الاحتواء الجديد»: استراتيجية أمريكية للأمن الإقليمي بعد الاتفاق النووي

«بوليتيكو»: «خامنئي» أكثر المتشبثين بالاتفاق النووي رغم تصريحاته المتشددة

«رويترز»: المؤسسة الإيرانية تواجه مخاطر إذا فشل الاتفاق النووي

مرجع ديني حوثي: ”الثورة اليمنية“ استلهمت نهجها من الثورة الإسلامية الإيرانية

«خامنئي».. من الماركسية الإسلامية لـ«شريعتي» إلى أيدولوجيا العداء للشيطان الأعظم

جروح الثورة الإيرانية تنزف من جديد: أدلة جديدة على حدوث عمليات قتل جماعي

نهاية غير سارة لمشروع النهوض الشيعي!