«ميدل إيست بريفينج»: هل هناك تصدعات داخل «حزب الله»؟

السبت 29 أغسطس 2015 08:08 ص

لمحاولة افتراض أن أي منظمة أو كيان سياسي يمكن أن يمر فترة من فترات الاضطراب الشديد في بيئته دون أن يعاني عواقب داخلية تحرك افتراضات أن هذا التنظيم أو الكيان مصنوع من المعدن وليس من بشر أحياء ينشطون في الحياة الحقيقية. وحزب الله ليست استثناء. ومع ذلك، فإنه نظرا لسرية العمل داخل المجموعة، فإنه نادرا ما يدعم هذا الافتراض أدلة دامغة. لذلك؛ فإن الحاجة إلى فكرة عن مدى تأثير الاضطرابات المستمرة في سوريا والشرق الأوسط داخل حزب الله هو من النوع الذي يجب أن يقوم على خيوط وقطع من المعلومات والعمل التحليلي المكثف لربط النقاط.

بطبيعة الحال، فإن التنظيم يمر بفترة تحول. ويستند حماس زعيمه «حسن نصر الله» لدعم الرئيس «بشار الأسد» على الحسابات الاستراتيجية. ولكن هذا الدعم كان ثمنه باهظا. فمن الناحية العسكرية، عانت المجموعة بشكل واضح من كثرة ضحاياها في سوريا حتى الآن. ومن الناحية السياسية، فإنه من خلال المشاركة في الحرب الأهلية السورية، كان المجموعة مضطرة لإضفاء قناعها السياسي غير الطائفي في منطقة مقسمة بشكل متزايد على أسس طائفية.

وما يظهر في هذه البيئة الجديدة من الديناميكيات، مختلف تماما عن الوضع في السابق، هو مجموعة من التحديات التي تواجه حزب الله.

تحديات

التحدي الأول هو أن يكون التنظيم قادرا على الحفاظ على دعم القاعدة الشعبية له، في الوقت الذي تستقبل فيه القرى الشيعية في جنوب لبنان صناديق تحتوي على جثث أبنائهم الذين يقتلون في سوريا بشكل يومي. والثاني هو التنقل السياسي في لحظات الأهداف المتناقضة بين اثنين من الرعاة الإقليميين للتنظيم، طهران ودمشق. والثالث هو إدارة معركة فعالة في أرض غير مألوفة مع عدم وجود علاقة مباشرة مع سكانها. والرابع بناء علاقات عملية خالية من الاحتكاك مع ضباط «جيش الأسد» والقادة في الميدان، في حين أن كل طرف لديه وجهة نظر مختلفة وعلاقات مختلفة مع بيئة العمليات. أما الخامس فيتمثل في الحفاظ على جاهزية الفريق والانضباط الصارم التنظيمي، على الرغم من مشاركته في سوريا من أجل تحقيق قدرة الرد على أي هجوم إسرائيلي مفاجئ في حالة ما إذا قرر الجيش الإسرائيلي تسوية حساباته في جنوب لبنان. والأخير هو إيجاد الغطاء السياسي المناسب لاشتراكه في سوريا، في حين يحاول الحفاظ على أكبر قدر ممكن من الخط التقليدي للدعاية المعادية لإسرائيل والقومية وغير الطائفية.

وكما هو متوقع، فقد واجه حزب الله المشاكل في كل هذه الجبهات دون استثناء واحد. وكان التحدي الوحيد الذي قوبل بنجاح، وبشكل كامل هو استبدال المعدات العسكرية المستخدمة في سوريا. وقد ساهم في توجيه وقيادة ذلك «الأسد» وإيران وتوافر المعدات العسكرية لسوريا. وقوبلت كافة التحديات المذكورة الأخرى مع مزيج من النجاح والفشل بصورة متفاوتة.

النقطة المركزية هنا هي الكشف عن الاتجاه السائد في عملية التحول التي تحدث في هذا الفصيل السياسي نتيجة لهذا التحول في مهمته، والمعايير والبيئة والموقف الإقليمي.

وقد تم تأسيس حزب الله لخوض حرب العصابات في البيئة الطبيعية الخاصة به وتحت غطاء حملة إعلامية قوية ضد إسرائيل. ولا شيء من هذا يمكن العثور عليه في سوريا. ولا يمكن استخدامه حتى في توحيد المباحثات المستمرة والمعادية لإسرائيل في حرب يوجد فيها نظام عربي يقاتل شعبه والجماعات المتشددة تساعدها دول عربية أخرى. وإسرائيل ليست هناك لإعطاء الحزب فرصة للحفاظ على هذه المواضيع موحدة.

تقارير الاستياء بين الشيعة في لبنان الجنوبي ليست جديدة. أمهات المقاتلين الذين قتلوا في سوريا خرجت للعيان مع موجة من الانتقادات للزعيم «حسن نصر الله» قائد حزب الله، إلى جانب التشكيك في حكمة التضحية بالحياة في الحرب التي انطلقت من منطقة شيعية في جنوب لبنان خلافا لـــ «علة وجود» المجموعة. وفي حين أن هذا الانتقاد كان محل احتواء من قبل «نصر الله» وكبار مساعديه في البداية، فقد أصبح في وقت لاحق من الصعب إسكاته نظرا لتزايد عدد الضحايا بين أعضاء الحزب. وعلاوة على ذلك؛ كان من الطبيعي أن هذا السخط في البيئة المضيفة ينعكس بدوره داخل المجموعة.

الجهاز الأمني للحزب

لقد شاهدنا الخلافات الدامية القديمة تعود إلى السطح مرة أخرى، ما عمل على زيادة الشكوك حول مستقبل المجموعة والتي طفت على السطح، وعكست بشكل جماعي سياسات «نصر الله» التي تطبق على الأرض لتصبح محل انتقاد شامل. وشجعت هذه البيئة العامة المنافسة القديمة على المناصب القيادية لتطفو على السطح، وغذت الخلافات المخفية التي لم تًرَ من قبل بين مختلف الفصائل داخل المنظمة. وأسفرت النتائج المترتبة على هذه العلامات الناشئة عن التوتر الداخلي، بالإضافة إلى أزمة إقليمية تتحرك بسرعة، ما عمل على زيادة مطالب ميادين القتال في سوريا والخوف من الخصوم السياسيين في لبنان، والذي تسبب في درجة من سوء التنظيم في القوة الداخلية، ما انعكس على جهاز الأمن الداخلي للحزب، والذي هو عمودها الفقري.

هذا الجهاز الأمني كان يظهر بوادر الطائفية لبعض الوقت. ولمخابرات «الأسد» أصول كبيرة داخل الجهاز الأمني للحزب بينما يتبع الباقي تعليمات الحرس الثوري الايراني. ويتمركز معظم الذين عملوا مع دمشق في مركز القيادة الأمنية لحزب الله الواقع في سفير، بينما كان مركز الجناح الإيراني في حارة حريك. هذا التقسيم تقريبي جدا وعام كما هو الحال في كل مجموعة هناك، فإنها تحتوي على عدد لا بأس به من الآخرين. وما زال كل مركز أمن من الاثنين لديه نهج مميز مختلف عن الآخر. في حين بدأت المنافسة أساسا بسبب الاحتكاكات بين الفصائل الشخصية، فقد مضت، كما هو الحال دائما،إلى مبررات ذاتية أكثر تماسكا لا سيما أن الضغوط من الخارج تتصاعد باطراد.

كان الفصيلان يعملان معا طالما كانت أهداف «الأسد» وطهران متطابقة تقريبا. وقد دفعت النزاعات الشخصية والخلافات خارج الصورة في بداية الحرب الأهلية في سوريا. ولكن في الوقت الراهن، ومع ظهور بعض الاختلافات بين دمشق وطهران، وفي ظل الوقوع تحت مطرقة لا هوادة فيها على بيئة التحول في سوريا، فقد زاد الاحتكاك بين المجموعتين على أسس أكثر خسة من أي وقت مضى.

القلق بشأن الأصول الرئيسية في منطقة الشرق الأوسط والاحتمالات المستقبلية للتباين بين أهدافهم وأهداف «الأسد»، فقد أرسل الحرس الثوري الايراني مجموعة من 200 فرد، تضم منظمين ومفتشين إلى جنوب لبنان في شهر فبراير / شباط الماضي. وقامت المجموعة بترتيب "التحقيقات" مع أتباعهم في حارة حريك. وبعد فترة وجيزة، بدأ انصار «الأسد» يشعرون بازدياد الأوضاع سخونة. وبدأت تقارير العديد من التحقيقات التي أجراها فريق من الحرس الثوري تطفو على السطح. وكانت هناك «أدلة» على سرقة الأموال، ومبيعات الأسلحة لتحقيق أرباح شخصية، وتأخير في دفع الرواتب والبدلات، وفشل في الحفاظ على أسرار الحزب داخل قنوات صارمة معتادة، وبدأت المحسوبية الشخصية تنتشر.

سوء إدارة الأموال والتراخي في الأمن لم يفهم في سياق التحول نحو الجماعة وإحداث تغيير عميق في مهمتها (بعض منهم كان من كبار السن). لقد اعتادوا على الفور تصفية الحسابات الشخصية والسياسية.

اتهامات متبادلة

وفي المناقشات التي جرت مؤخرا داخل الجهاز الأمني ​​لحزب الله، فإن رئيس هذا الجهاز الشامل، «وفيق صفا» قد وجهت إليه انتقادات للتهاون في تطبيق البروتوكولات التنظيمية والفشل في الكشف عن التآكل التراكمي في الانضباط الداخلي. وجاء الانتقاد وسط موجة من اللوم الموجهة ضد سوء إدارة «الأسد» للأزمة في بلاده، فضلا عن سوء إدارة قواته العسكرية، ما كلف حزب الله عددا كبير من الضحايا، ووضع مستقبل المجموعة في خطر شديد.

وجار رد الفصائل الموالية للأسد عن طريق إلقاء اللوم على طهران لاستفزاز الدول العربية إلى حد أن العرب عازمون اعلى مقاومة الرئيس السوري، ليس بسببه، ولكن بسبب علاقاته مع إيران.

الجبهة السياسية

وعلى الجبهة السياسية داخل حزب الله، فإن هناك الآن ما يقرب من ثلاثة فصائل: «فصيل إيراني» و «فصيل سوري» و «الفصيل المعتدل». الفجوة بين المجموعات الثلاث آخذة في الاتساع مع الضغط المتزايد من تطور الحالة. الفصيل المعتدل هو الذي يعتقد أن الشيعة في لبنان يجب أن يقيدوا دورهم بشكل صارم في جنوب لبنان، ويتجنبوا أي تورط في معركة ضد أهل السنة في سوريا، لأن ذلك يهدد التعايش مع السنة اللبنانية، ويركز فقط على حماية مناطقهم داخل لبنان.

ويتعارض ذلك الرأي «المعتدل» مع رأي الحرس الثوري؛ نظرًا لأن ذلك يعكس طريقة مختلفة للنظر إلى هدف حزب الله. وفي حين أن الشيعة اللبنانيين يرون المنظمة بمثابة درع ضد كل من إسرائيل وأي ظلم طائفي، فإن طهران تنظر دائما إلى كونها أداة استراتيجية خاصة في لعبة إقليمية أكبر. وكان هذا الاختلاف في النظر إلى حزب الله، ولا يزال، جليا في جنوب لبنان. وفي الواقع، يمثل ذلك تحديا كبيرا لـ«نصر الله» في الوقت الحاضر.

ويُنظر إلى «نصر الله» على أنه يحاول تحقيق التوازن بين موقفه والمكان الذي وضع نفسه فيه حتى لا يسيء علنا إلى أي مجموعة من المجموعات الثلاث داخل الحزب. ولكن نظرا لشدة الأزمة السورية وتحركها بوتيرة سريعة، وأيضا إلى الاختلافات الناشئة بين «الأسد» الضعيف وإيران المهيمنة، فقد أصبح من الصعب على زعيم أن يحكم قبضته على التناقضات التي تختمر داخل أعضاء الحزب والبيئة الاجتماعية.

وعلى سبيل المثال، تجنب «نصر الله» في خطبه العامة الأخيرة ما اعتاد عليه من تكرار الدعم المطلق للأسد. وعلى خلفية هذا التجنب غير العادي للابتذال، فقد زاد حدة الطائفية الداخلية كما تزايد الاحتكاك الداخلي. ويرى «الأسد» أن طهران لا تركز إلا على إبقاء سوريا مجزأة كأولوية لها. بقاء النظام في مكانه أو وجود أمة موحدة لا يعني الحرس الثوري في شيء طالما لم يتم يتعلق ذلك مباشرة بجدوله الاستراتيجي.

منافسة داخلية

وفي ذروة اندفاع طهران للحصول على ما يهم الاستراتيجية الإقليمية الخاصة بها، إلا أنها مازالت تدفع النائب الشيخ «نعيم قاسم» كمنافس رئيسي لـ«نصر الله». إن "الخطيئة" الرئيسية لـ«نصر الله»، من وجهة نظر قائد الحرس الثوري الإيراني «قاسم سليماني»، هي التشكيك في صلاحية إجبار حزب الله على لعب دور طائفي أكثر وضوحا.

واندفع «قاسم» مؤخرا للترويج الذاتي عندما قام بنشر الكتاب الذي فيه وصف الراحل آية الله الخميني باسم «القائد التاريخي الذي أنقذ الإسلام من الزوال». وقد بارك الحرس الثوري الايراني الكتاب بشكل كبير. ومن ناحية أخرى، فإن «نصر الله» لا يشعر بالراحة مع فكرة تقسيم سوريا ويتساءل عن حسابات طهران تلك عن طريق تجزئتها، الخطط الإقليمية لطهران يمكنها أن تفيد. ويعتقد زعيم الحزب أن أي هوية طائفية علنية لحزب الله ستؤثر سلبا على الحزب والطائفة الشيعية في لبنان وتحد من دورها هناك.

ظهرت مشاكل إضافية بين «نصر الله» و«قاسم» حول قائمة التعيينات الداخلية للحزب. ويسرب الإيرانيون أسماء قيل أنها تشارك في الفساد من أجل التلاعب في مسار النقاش الداخلي، وتقوم بتعيين الرجال الموالين لهم، وتمهد الطريق لصعود «قاسم».

وفي حين أن الطائفية سوف تكشف عن نفسها في نهاية المطاف في العديد من القصص الصغيرة والخلافات الشخصية، وينبغي دائما أن ينظر إلى جوهر المشكلة داخل حزب الله الآن في السياق السياسي السليم لها. وبعد الاتفاق النووي الإيراني، كان الموالون للحرس الثوري الذين يعملون في الشرق الأوسط قلقين من أن الولايات المتحدة سوف تنجح في نهاية المطاف في تشكيل سياسات طهران الإقليمية على نفقتهم. من ناحية أخرى، كان أتباع «الأسد» قلقين من أن طهران سوف تبادل رئاسة «الأسد» مقابل قبضة أكثر حزما في جنوب لبنان والمناطق المجاورة لها في سوريا.

أوجه التشابه بين العراق وسوريا، من حيث دور الحرس الثوري الإيراني في البلدين، واضحة. الحرس الثوري لديه تفويض محدد في تورطه في الشرق الأوسط. ويعطي هذا التفويض المركز الثاني حتى الآن في أولوياته للحساسيات والحسابات المحلية الأصلية. وتعطى الأولوية الأولى المطلقة في تحقيق الأهداف الاستراتيجية لطهران.

والحجة التي يكثر استخدامها من قبل عناصر الحرس الثوري الإيراني الإقليمي هي أن الثورة الإسلامية في إيران معرضة للخطر. وتواجه تهديدا وجوديا على أيدي الأعداء في كل مكان. ليس هناك مجال للمعادلات السياسية الطيبة في مثل هذه المعركة الوجودية.

وينظر «نصر الله» إلى المسألة من زاوية مستقبل حزب الله ووضعه على الساحة اللبنانية. ومن الواضح الآن، على سبيل المثال أن الجماعات السياسية الشيعية الأخرى عادت للظهور في لبنان، مثل حركة أمل، بوصفهم "مصححين" لأخطاء حزب الله.

ومع ذلك، فإن زعيم حزب الله لديه مقود قصير جدا.

  كلمات مفتاحية

حزب الله سوريا بشار الأسد حسن نصر الله

«ميدل إيست بريفينج»: خلية «حزب الله» في الكويت جرس إنذار لما بعد الاتفاق النووي

مصادر: الحرس الثوري درب خلية «حزب الله بالكويت» في جزيرة يمنية

«ذا ديلي بيست»: في عمق مؤامرات «حزب الله» بالقارة الأوروبية

250 قتيلا لـ«حزب الله» في القلمون بينهم 9 قادة و«نصر الله» طلب تدخل الجيش اللبناني

النظام السوري يقصف الزبداني بالبراميل المتفجرة و150 قتيلا لـ«حزب الله» خلال شهرين

بالإجماع.. مجلس الشيوخ الأمريكي يقر تشريعات صارمة ضد «حزب الله»