كيان مواز.. السيسي يقلم أظافر شيخ الأزهر

الاثنين 20 يوليو 2020 02:21 م

يبدو أن مسلسل الصراع بين مؤسستي الرئاسة في مصر، ومشيخة الأزهر، لم ينته بعد، وسط توقعات باحتدام الخلاف بين الطرفين، في ظل محاولات سيادية لتقليم نفوذ شيخ الأزهر "أحمد الطيب".

ومن "تعبتني يا مولانا" إلى الهجوم الإعلامي على شخصه، ومن محاولة وضع مدة لولاية شيخ الأزهر، إلى دعوات تجديد الخطاب الديني، ومن تنامي نفوذ وزارة "الأوقاف" ومحاولة فرض "الخطبة المكتوبة" إلى ضم "الإفتاء" لرئاسة الوزراء، تتواصل المواجهة إلى أجل غير مسمى.

ويستهدف مشروع قانون تنظيم دار الإفتاء المصرية (ينتظر أخذ الرأي النهائي عليه في جلسة برلمانية عامة)، إعادة تنظيم كل ما يتعلق بالمفتى من حيث وضعه الوظيفى، وإجراءات تعيينه واختياره، ومدة شغله للمنصب، والتجديد له، وسلطاته، واختصاصاته، ومن ينوب عنه فى تسيير شؤون الدار بوجه عام فى أحوال معينة.

مواد القانون

يتضمن القانون المثير للجدل، عدة مواد، أخطرها نقل تبعية دار الإفتاء لوزارة العدل، وتطور المقترح لاحقا إلى نقل تبعيتها لمجلس الوزراء، في تجاوز للواقع القائم باعتبار دار الافتاء وكل المؤسسات الدينية تتبع الأزهر الشريف.

ووفق مشروع القانون المحال إلى مجلس الدولة لمراجعته، ستكون "دار الإفتاء المصرية هيئة تتمتع بالشخصية الاعتبارية، تتبع مجلس الوزراء، تتمتع بالاستقلال الفني والمالي والإداري، مقرها الرئيسي محافظة القاهرة، ولها أن تنشئ فروعاً بالمحافظات".

وتمنح مواد القانون، دار الإفتاء، حق القيام على شؤون الإفتاء، وإبداء الرأي الشرعي فيما يرد إليها من استفسارات، وتقديم الاستشارات الشرعية في شأن المعاملات المالية المعاصرة، وإجراء الأبحاث الشرعية المتعلقة بالفتوى والرد على الشبهات المثارة، وتسوية المنازعات بين الأفراد، وإعداد المفتين وتأهيلهم، و إصدار النشرات والكتب والمجلات وأية إصدارات ذات الصلة بنشاط دار الإفتاء.

لكن اللافت تضمين مواد القانون، البند رقم 4 في المادة الثانية، وينص على حق الإفتاء في "تقديم الاستشارات في كل ما يتعلق بالمجال الأسري"، وهو ما يطيح بالأزهر بعيدا عن قضايا الأسرة في ظل اعتراضاته على قانون الأحوال الشخصية.

ويتمسك الأزهر بأحقيته في تقديم مشروع قانون الأحوال الشخصية للبرلمان، يتعلق بحق الرؤية وحضانة الأطفال بعد انفصال الزوجين، والنفقة والطلاق وغيرها من القضايا الخلافية.

وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، قال الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي"، إنه لن يوقع على مشروع قانون الأحوال الشخصية الذي يجرى مناقشته حاليا إذا تبين أنه لا ينصف المرأة، وهو ما اعتبر رسالة وتحديا للأزهر.

وتثير المادة الرابعة الجدل، وتنص على: "في حال خلو منصب المفتي أو قيام مانع لديه يندب رئيس مجلس الوزراء بقرار منه من يقوم مقامه إلى أن يعين مفتٍ جديد، أو زوال المانع"، ما يعني سحب اختيار المفتي من هيئة كبار العلماء التابعة للأزهر، وجعل ذلك بيد رئيس الوزراء.

كذلك منح القانون، دار الإفتاء موازنة سنوية مستقلة، وموازنة تخطيطية مستقلة، وحق إنشاء حسابات خاصة بالبنك المركزي تودع فيها مواردها الذاتية، وهي كلها بنود تزيد من استقلالية الدار بعيدا عن المشيخة.

موقف الأزهر

ترى المشيخة في القانون الجديد، محاولة متعمدة لإنشاء كيان مواز يسحب من اختصاصات الأزهر، ويقضي بتهميشه لصالح كيان سيكون تحت أمر السلطة التنفيذية.

وتأمل المؤسسة الدينية، عرقلة القانون من قبل المحكمة الدستورية العليا، بدعوى عدم دستوريته، وتعارضه مع مواد أخرى في الدستور المصري، بحسب "العربي الجديد".

وطبقا لنص الفقرة الأولى من المادة 7 من الدستور المصري، فإن الأزهر هو "هيئة إسلامية علمية مستقلة، يختص دون غيره بالقيام على كافة شؤونه، وهو المرجع الأساس في العلوم الدينية والشؤون الإسلامية، ويتولى مسؤولية الدعوة، ونشر علوم الدين، واللغة العربية في مصر والعالم".

ويعني القانون الجديد، أن أمور الإفتاء وكافة الأمور المتعلقة بالشريعة، وتقديم الآراء الشرعية في القضايا المختلفة، والرد على الشبهات المثارة، وغيرها من الأمور الشرعية التي تضمنها مشروع القانون، ستصبح ضمن اختصاصات "الإفتاء" التي ستتمتع باستقلالية تمكنها من ممارسة عملها بمعزل عن الأزهر.

كذلك ترى هيئة كبار العلماء وفق خطابها لمجلس النواب المصري، فبراير/شباط الماضي، أن نص القانون رقم 103 لسنة 1961، وتعديلاته بالمرسوم بقانون رقم 13 لسنة 2012، وينص على أن الأزهر هيئة مستقلة تتمتع بشخصية اعتبارية، سيصبح حبرا على ورق.

ومن أبرز الاعتراضات التي أبداها الأزهر، تجاوز اختصاص هيئة كبار العلماء في ترشيح مفتي الجمهورية، وإسناد ذلك لرئيس مجلس الوزراء، وتخويله سلطة ندب من يحل محله عند خلو منصبه.

وانتقد الخطاب، إنشاء مركز يسمى مركز إعداد المفتين برئاسة المفتي، وإصدار شهادة دبلوم يعادلها المجلس الأعلى للجامعات، ما يعد افتئاتاً على جامعة الأزهر، التي تختص بإصدار الشهادات العلمية في العلوم الإسلامية.

ومن المقرر أن تكون مدة الدراسة 3 سنوات، ويمنح المتخرج درجة دبلوم مهني في الدراسات التمهيدية للإفتاء، وتُعتمد هذه الدرجة من المجلس الأعلى للجامعات، وفق مشروع القانون.

تقليم أظافر

تبدو المخاوف جدية من أن القانون الجديد، سيجعل من دار الإفتاء، معبرا لتمرير الفتاوي التي رفضها شيخ الأزهر من قبل، مثل الطلاق المكتوب وتكفير "الدولة الإسلامية".

وكان "السيسي" وجه عتابا علنيا لـ"الطيب"، أثناء الاحتفال بعيد الشرطة عام 2017، بقوله "تعبتني يا فضيلة الإمام"، وذلك في سياق حديثه عن ضرورة تغيير الموقف الشرعي من قضية "الطلاق الشفهي"، واعتباره كأن لم يقع إذا لم يتم توثيقه، وهو ما رفضه الأزهر.

وللخلاف بين المؤسستين الرئاسية والدينية، جذور، تعود إلى أغسطس/آب 2013، حينما أعلن شيخ الأزهر، عبر بيان متلفز، تبرؤه من الدماء التي سالت خلال فض اعتصام أنصار الرئيس الراحل "محمد مرسي" في ميداني رابعة العدوية والنهضة، عقب الانقلاب العسكري الذي قاده "السيسي" وكان وقتها يشغل منصب وزير الدفاع قبل أن يصبح رئيسا منتصف العام 2014.

واتسعت هوة الخلاف في ديسمبر/كانون الأول 2014، عندما أصدر الأزهر بيانا، رفض فيه تكفير منتسبي "الدولة الإسلامية"، وأوضح أنه "لا يستطيع أحد أن يحكم على مؤمن بالكفر مهما بلغت سيئاته".

واستمر الخلاف مع إصرار "السيسي" على ضرورة تجريم زواج من هم دون 18 عاما، مطالبا الأزهر بتحريمه، لكن شيخ الأزهر رد لاحقا بأنه لا يوجد نص صريح قاطع في القرآن أو السنة يبيح أو يمنع زواج القاصرات.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2018، شن "الطيب" هجوماً عنيفا على الداعين لاستبعاد السنة النبوية من التشريع، وهو ما اعتبر ردا على دعوات "السيسي" المطالب مرارا بتجديد الخطاب الديني.

وقبل نحو 4 سنوات، جرت محاولة لتمرير تعديل لقانون الأزهر يقضي بتحديد ولاية شيخ الأزهر، لكنها باءت بالفشل، وظل "الطيب" متمسكا بحصانته من العزل حتى بلوغ الثمانين من عمره، لكن المحاولات الرامية لتفريع الأزهر من مضمونه، تواصلت عبر تقييد صلاحياته، وسحب اختصاصات جوهرية منه.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مصر الأزهر عبدالفتاح السيسي أحمد الطيب

الإعلام المصري يهاجم الطيب لحديثه عن تجديد الخطاب الديني

مشايخ الديكتاتور.. كيف استغل السيسي المؤسسات الدينية لتحقيق مكاسب سياسية؟

كبار العلماء: اختلاف الأزهر والبرلمان ليس صراعا بين المؤسسات

تعيينات مجلس الشيوخ المصري تثير غضب الأزهر الشريف

شيخ الأزهر يحصد جائزة الشخصية الإسلامية الأولى بماليزيا 2020

السيسي: تجنبت الصدام مع الأزهر بشأن الطلاق الشفهي