استقطاب سياسي وأزمة اقتصادية.. هل تعبر حكومة تونس الجديدة الاختبار الصعب؟

السبت 29 أغسطس 2020 03:07 م

من غير المرجح أن تؤدي محاولة تونس الثالثة لتشكيل حكومة في أقل من عام إلى حل الخلاف الحزبي الداخلي الذي أطاح بالحكومتين الأخيرتين؛ مما يترك قادتها غير قادرين أو غير راغبين في تمرير الإصلاحات اللازمة للتخفيف من الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في البلاد.

بعد استقالة سلفه "إلياس الفخفاخ"، في 15 يوليو/تموز، أعلن رئيس الوزراء التونسي المكلف "هشام المشيشي" عن حكومة جديدة من وزراء تكنوقراط مستقلين في 24 أغسطس/آب، وستخضع هذه الحكومة للتصويت البرلماني في 1 سبتمبر/أيلول.

لكن حتى لو وافق البرلمان على حكومة "المشيشي" المقترحة، فإن المنافسات الحزبية العميقة تعرقل الحوكمة الرشيدة؛ مما يضعف قدرة تونس على تأمين التمويل الخارجي اللازم، فضلا عن المحافظة على كونها نموذجا للديمقراطية في العالم العربي.

وقد يتسبب المناخ السياسي شديد الاستقطاب في تعرض الحكومة التونسية المقبلة لخطر الانهيار؛ مما يؤدي إلى جولة أخرى من الانتخابات وفقا للدستور، إضافة إلى تعقيد المأزق السياسي.

ويعتبر الفراغ الحالي في السلطة نتيجة للانقسام في الطيف السياسي في تونس بين الأحزاب العلمانية والإسلامية، وقد انقسمت الآراء حول ما إذا كان الخيار الأفضل هو حكومة تتماشى مع الخطوط الحزبية، أو حكومة تكنوقراط تركز على الإصلاحات المالية والاقتصادية (والتي من شأنها أن تغضب بعض الأحزاب السياسية في البرلمان التي قد تشعر أنها مستبعدة من عملية صنع القرار).

وبينما يعكس النظام السياسي الديمقراطي التونسي التركيبة السكانية للبلاد، فإنه يعيق العملية السياسية؛ نتيجة الاستقطاب الحاد بين الفصائل المختلفة.

استخدم حزب "حركة النهضة" الإسلامي (صاحب الأغلبية البرلمانية) سلطته في البرلمان للإطاحة بالحكومة الأخيرة، فيما يعمل على الاحتفاظ بالقوة السياسية اللازمة لفعل ذلك مرة أخرى مع الحكومة المقبلة.

ويعمل خصوم "النهضة"، ومعظمهم من العلمانيين، على تشكيل تحالف لإضعاف قوة الحزب الإسلامي، لكنهم يختلفون حول مزايا تشكيل حكومة تكنوقراط غير حزبية.

سيستمر التضخم والبطالة المتزايدة وانخفاض النمو في إضعاف الاقتصاد التونسي؛ حيث تفشل الحكومة في دفع الإصلاحات من خلال البرلمان المنقسم. وسيتطلب تمرير وتنفيذ إصلاحات هيكلية تشمل رفع الضرائب على سبيل المثال، المشاركة والتعاون بين الفصائل السياسية المتنافسة في البلاد. ومع ذلك، فإن هذا غير مرجح إلى حد كبير؛ لأن مثل هذه الإصلاحات لا تحظى بشعبية بين الناخبين التونسيين والنقابات العمالية.

وسيؤدي استمرار الفشل في تمرير الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية إلى تقويض قدرة تونس على الحصول على تمويل مفيد من صندوق النقد الدولي.

لدى تونس أعلى فاتورة للرواتب العامة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتواصل الحكومة استخدام التوظيف في القطاع العام كوسيلة لتحقيق الاستقرار.

وقد ازدادت خطورة قضايا الدين العام في تونس إلى درجة أنها تسعى إلى إعادة جدولة ديونها مع الدائنين الرئيسيين، مثل السعودية وفرنسا.

ومن المتوقع الآن أن يصل عجز الميزانية التونسية إلى 5% من إجمالي الناتج المحلي بحلول نهاية 2020، مرتفعا من 3% قبل وباء "كورونا"، والذي كان له تأثير ضار على إيرادات السياحة والخدمات الهامة.

كانت تونس في مناقشات مع صندوق النقد بشأن صفقة تمويل جديدة قبل أن تأخذ الأزمات الاقتصادية والسياسية المزدوجة في البلاد منعطفاً نحو الأسوأ. وفي مارس/آذار، ألغى صندوق النقد اتفاقية بشأن تسهيلات التمويل. ومن المتوقع توقيع اتفاقية لاحقة بمجرد أن تنحسر أزمة "كورونا".

إن افتقار الحكومة إلى الوسائل المالية والإرادة السياسية للوفاء بوعودها بخلق المزيد من الوظائف على المستوى المحلي يعني أنه من المحتمل تكرار الاحتجاجات في المدى القريب.

في عام 2017، توصل محتجون في جنوب تونس إلى اتفاق مع الحكومة لإنهاء حصارهم لحقول النفط والغاز في المنطقة. في المقابل، تعهدت الحكومة بتوظيف المزيد من السكان المحليين في مشاريع النفط والغاز أو الوظائف الحكومية.

لكن في السنوات التي تلت ذلك، فشلت الحكومة إلى حد كبير في الوفاء بهذا الوعد، تاركة المجال مفتوحًا لاحتمال تجدد الاضطرابات بين السكان المحبطين في المناطق الجنوبية والوسطى، مثل كامور وتطاوين وقفصة ورمادة.

كان تحقيق النطاق الكامل لاتفاقية 2017 سيكلف 28 مليون دولار. لكن الحكومة تخشى أيضًا أن يؤدي ذلك إلى تكلفة دورية ومتنامية، حيث تتوقع الأجيال القادمة فرص عمل مماثلة.

المصدر | إميلي هوثورن/ستراتفور- ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الاستقطاب السياسي في تونس الاقتصاد التونسي الحكومة التونسية

البرلمان التونسي يتأرجح في ظل حكم قيس سعيد

توقف إنتاج النفط والفوسفات يغرق اقتصاد تونس في الأزمات

الغنوشي يدعو إلى حوار وطني شامل لتجاوز أزمات تونس

النقد الدولي يطالب تونس بخفض فاتورة الأجور وتقليص دعم الطاقة