استراتيجية الجيش المصري في سيناء.. فشل متكرر وتداعيات خطيرة

الأحد 6 سبتمبر 2020 07:40 م

على مدار الـ15عاما الماضية، تقول مصر إنها تحارب الإرهاب والتمرد في شبه جزيرة سيناء. ولكن يبدو أنه لا بوادر على تحقيق نصر حاسم.

وبالرغم من قيام الجيش المصري بعدة عمليات عسكرية ضد من أسموهم بالمتطرفين في سيناء، لكنه لم يتمكن من القضاء عليهم أو إلحاق الهزيمة بهم.

ومن الواضح أن استراتيجية مصر لـ"مكافحة الإرهاب"، لا سيما في سيناء، معيبة وتؤدي إلى نتائج عكسية.

وبدلا من القضاء على الإرهاب واستئصاله، أوجدت الاستراتيجية أرضية خصبة للجماعات المتشددة لتزدهر وتجند أعضاء جددا وتكثف هجماتها، وقد أدى ذلك إلى خسائر في الأرواح وخلق حالة من عدم الاستقرار في سيناء.

معضلة سيناء

وتمتد شبه جزيرة سيناء على ما يقرب من 23 ألف ميل مربع، وتشكل 6% من إجمالي مساحة مصر.

ومن أصل 100 مليون نسمة هم تعداد سكان مصر، يبلغ عدد سكان سيناء 550 ألفا فقط، ويعيش معظمهم (حوالي 434 ألفا) في شمال سيناء، حيث ينشط التمرد، لا سيما في مدن العريش والشيخ زويد ورفح وبئر العبد.

ويتألف سكان شمال سيناء من مزيج معقد من القبائل والعائلات التي يمثل فيها البدو نحو 70% من إجمالي السكان.

ويشمل الباقي السكان من أصل فلسطيني، والمهاجرين من البر المصري، ومزيج من البوسنيين والأتراك وغيرهم من الأعراق الذين استقروا في العريش خلال العهد العثماني.

وعانت منطقة شمال سيناء خلال العقود الماضية من عدد من المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية، وأدت قضايا التهميش والبطالة وسوء الإدارة والفقر، ومؤخرا القمع والتهجير، إلى غضب البدو وغيرهم من سكان سيناء وزيادة مظالمهم.

وبحسب بعض التقارير، فإن منطقة سيناء بها أحد أعلى معدلات البطالة في مصر، حيث يعمل أقل من 50% من سكانها.

وبحسب الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، بلغ معدل الفقر في سيناء 38.4% عام 2018، بالإضافة إلى ذلك، فإن نحو 70% من سكان سيناء لا يحصلون على المياه. وتم تجاهل هذه المشاكل إلى حد كبير من قبل الحكومة المركزية في القاهرة.

علاوة على ذلك، لطالما نظرت الحكومة المصرية إلى سيناء على أنها تهديد أمني، وتعاملت مع السكان البدو بريبة، وعاملتهم كمواطنين من الدرجة الثانية.

وعلى مدى عقود، تم اتهام البدو بالتعاون مع (إسرائيل)، خاصة بعد احتلالها لسيناء عام 1967، وبالتالي، يُنظر إليهم على أنهم غير جديرين بالثقة.

وفي الواقع، لا يحمل معظم البدو الجنسية المصرية، ولم يتم تمثيلهم سياسيا حتى وقت قريب، وبالإضافة إلى ذلك، لا يُسمح لهم بالانضمام إلى الجيش والشرطة والأكاديميات العسكرية أو تقلد مناصب عليا في الحكومة.

وقد تحول هذا الوضع إلى معضلة أمنية وصداع لكل الحكومات المصرية، ولم يعالج أي من نظامي "حسني مبارك" أو "عبد الفتاح السيسي" الأسباب الجذرية لهذه المعضلة، بل أدت سياساتهما القاسية والوحشية ضد البدو وسكان سيناء إلى نفور هؤلاء السكان، وقد مكّن هذا الجماعات المتشددة من الازدهار وتجنيد أتباع وتوسيع أنشطتها والتأثير في جميع أنحاء منطقة شمال سيناء.

جذور التمرد في سيناء

وظلت مشكلة التمرد في سيناء قائمة منذ أعوام، وبدأت في عهد نظام "مبارك"، عندما شن متشددون سلسلة من الهجمات المميتة في طابا وشرم الشيخ ودهب ومحافظة جنوب سيناء خلال الفترة من 2004 إلى 2006، ما أسفر عن مقتل وإصابة مئات الأشخاص، خاصة من السياح الأجانب الذين كانوا يزورون هذه المدن.

ونفذت الهجمات جماعة تسمى "التوحيد والجهاد" تضم في عضويتها بدوا ورجالا من أصل فلسطيني في شمال سيناء وتحديدا في العريش.

وكانت هذه الهجمات إيذانا بعصر جديد من التمرد لم تشهده مصر من قبل، حتى في ذروة هجمات الثمانينات والتسعينات.

وفاقمت سياسة "مبارك" الأمنية في مواجهة المسلحين في سيناء المشكلة وخلقت مظالم بين البدو والسكان المحليين، على سبيل المثال، في أعقاب هذه الهجمات، اعتقلت قوات الأمن آلاف البدو، بينهم نساء وأطفال.

واستخدم النظام نساء وأطفال القبائل كورقة مساومة لتأمين استسلام الرجال، وهو انتهاك لا يغتفر ولا يُنسى للتقاليد القبلية.

وبينما اعتقلت قوات "مبارك" وقتلت بعض قادة جماعة "التوحيد والجهاد"، نجح آخرون في الهروب وسعوا للانتقام من النظام.

وبعد انتفاضة 2011، أعاد المتشددون في سيناء تنظيم صفوفهم وأسسوا شبكات مختلفة، مثل جماعة "أنصار بيت المقدس".

وبين فبراير/شباط 2011 ويونيو/حزيران 2013، شنت "أنصار بيت المقدس" هجمات على الحدود المصرية الإسرائيلية، واستهدفت خط أنابيب الغاز بين مصر و(إسرائيل) عدة مرات.

ومع ذلك، بعد انقلاب عام 2013، بدأت "أنصار بيت المقدس" في استهداف الجيش المصري وقوات الأمن، ليس فقط في سيناء ولكن أيضا في البر المصري.

على سبيل المثال، في 24 ديسمبر/كانون الأول 2013، فجرت المجموعة مديرية أمن القاهرة، ما أسفر عن مقتل 15 شخصا على الأقل وإصابة أكثر من مئة آخرين.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2014، أعلنت الجماعة مبايعة تنظيم "الدولة الإسلامية"، وأعلنت الولاء لزعيم التنظيم السابق "أبوبكر البغدادي"، وغيرت اسمها إلى "ولاية سيناء".

ونفذت ولاية سيناء، خلال الأعوام الـ7 الماضية، عدة هجمات مميتة وواسعة النطاق ضد الجيش المصري وقوات الأمن.

على سبيل المثال، في أكتوبر/تشرين الأول 2015، أعلنت الجماعة مسؤوليتها عن إسقاط طائرة روسية، ما أدى إلى مقتل جميع من كانوا على متنها وعددهم 224 شخصا.

كما هاجمت مسجد "الروضة" في مدينة بئر العبد، ما أدى إلى مقتل أكثر من 300 شخص في نوفمبر/تشرين الثاني 2017.

كما ذكرت تقارير إعلامية أن "ولاية سيناء" تسيطر على 5 قرى في محيط بئر العبد، وهي رابعة وإقطية وقاطية والمريح والجناين.

وإذا كان هذا صحيحا، فسيكون تحولا جذريا في تكتيكات الجماعة من شأنه أن يشكل تحديا خطيرا للحكومة المصرية وحلفائها الغربيين.

ومن جانبها، قتلت القوات العسكرية والأمنية المصرية أكثر من 7 آلاف مسلح واعتقلت نحو 27 ألفا خلال العام الأخير، وفقا لبعض التقارير.

استراتيجية مصر لمكافحة الإرهاب

ومنذ أن تولى السلطة في 2014، تبنى الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" استراتيجية عسكرية شديدة في التعامل مع التمرد في سيناء.

وكان هدف هذه الاستراتيجية القضاء على أنشطة الجماعات المسلحة، ولا سيما "ولاية سيناء​​"، واجتثاث التمرد من شبه الجزيرة، ولتحقيق ذلك، نفذ الجيش المصري عمليات عسكرية في مدن رفح والشيخ زويد والعريش.

وجاءت هذه العمليات على 3 مراحل؛ بدأت الأولى في أكتوبر/تشرين الأول 2014، بعد إعلان "السيسي" حالة الطوارئ في شمال شرق سيناء، وشملت رفح والشيخ زويد والعريش والعديد من القرى على الحدود المصرية مع غزة.

وتركزت العملية في مدينتي رفح والشيخ زويد، حيث حاول الجيش المصري القضاء على نشاط المسلحين هناك من خلال إنشاء منطقة عازلة بطول ألف متر على الحدود بين غزة ورفح.

وأدت هذه العملية العسكرية إلى تدمير أكثر من 1500 منزل، وتجريف مئات الهكتارات من الأراضي الزراعية، والتهجير القسري وغير القانوني لنحو 3 آلاف و200 عائلة من البدو وسكان المدينتين.

وبدأت المرحلة الثانية في 3 سبتمبر/أيلول 2015، بعد أن شنت ولاية سيناء ​​هجوما كبيرا باستخدام صاروخ "كورنيت" على سفينة تابعة للبحرية.

وفي 7 سبتمبر/أيلول 2015، بدأ نظام "السيسي" عملية عسكرية أخرى أطلق عليها اسم "حق الشهيد"، وصفتها وسائل الإعلام المصرية بأنها "أكبر وأشمل عملية تهدف إلى اجتثاث الإرهابيين وقتلهم".

ومع تضخيم الإعلام المصري للعملية والإشادة بنجاحها في القضاء على التمرد في سيناء، كثفت "ولاية سيناء" هجماتها ضد الجيش وقوات الأمن المصرية، ما أدى إلى مقتل المئات من الضباط والمدنيين خلال الأعوام التالية.

وبدأت المرحلة الثالثة في فبراير/شباط 2018، عندما شن الجيش المصري "حملة عسكرية شاملة" أطلق عليها اسم "عملية سيناء 2018" وقال إن الهدف منها "تطهير البلاد من الإرهابيين".

وفي الآونة الأخيرة، غيرت حكومة "السيسي" تكتيكاتها في محاربة التمرد في سيناء. فبالإضافة إلى العمليات العسكرية، حاولت جذب واستمالة بعض زعماء القبائل للقتال إلى جانب الجيش المصري.

وأشارت بعض التقارير الإعلامية إلى اتفاق بين الجيش المصري وبعض كبار زعماء قبائل الترابين والسواركة والرميلات.

لكن بينما تدعي الحكومة المصرية أن الحملة الحالية أضعفت وقضت على التمرد في سيناء، فإن الواقع على الأرض لا يدعم هذا الادعاء.

وعلى مدى العامين الماضيين، لم يقتصر الأمر على قيام "ولاية سيناء" بهجمات متطورة ضد قوات الجيش والشرطة، بل امتد نشاطها إلى مناطق أخرى مثل بئر العبد والقرى المحيطة.

علاوة على ذلك، فقد حصلت على معدات أكثر تقدما، وطوّرت تكتيكات حرب العصابات، وكما يقول المتخصص في الدراسات الأمنية "عمر عاشور": "نما تمرد سيناء من مجرد نشاط إرهابي حضري يعتمد على استهداف الأهداف السهلة إلى تمرد منظم يهدف في المقام الأول إلى استهداف الأهداف الصعبة".

استراتيجية فاشلة

وتحارب مصر الإرهاب في سيناء منذ أعوام عديدة دون أي بوادر على نهاية أو نجاح حاسم، لذلك، يرى بعض المحللين أن استراتيجية مصر لمكافحة الإرهاب تركز على احتواء التمرد في سيناء بدلا من القضاء عليه واجتثاثه.

وبالرغم أن مشكلة التمرد في سيناء بدأت في عهد "مبارك"، لكنها تفاقمت في ظل نظام "السيسي" لأسباب عديدة.

أولا، تبنى "السيسي" استراتيجية ذات توجهات أمنية عالية في محاربة التمرد دون الاعتراف بالجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية للوضع في سيناء. وأدت سياساته في مكافحة التمرد إلى تفاقم التحديات هناك وخلقت العديد من المشاكل الأخرى.

ثانيا، كانت هذه الاستراتيجية مدفوعة إلى حد كبير بالانتقام والعقاب الجماعي والرغبة الملحة لتحقيق نجاح سريع ضد الهجمات المتكررة لولاية سيناء، بدلا من أن تكون مبنية على رؤية طويلة المدى تسعى إلى معالجة الأسباب الجذرية لمشكلة سيناء.

ثالثا، ارتكب الجيش المصري وقوات الأمن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان بحق البدو وسكان سيناء الآخرين، وأثارت هذه السياسات غضب السكان المحليين.

وطبقا لتقرير مفصل وشامل لـ"هيومن رايتس ووتش"، فإن "الجيش والشرطة المصريين نفذا اعتقالات تعسفية ممنهجة وواسعة النطاق، بما في ذلك بحق الأطفال، كما تورطا في وقائع الإخفاء القسري والتعذيب والقتل خارج نطاق القضاء والعقاب الجماعي والإخلاء القسري".

رابعا، أدى تهجير آلاف البدو والسكان المحليين في سيناء إلى زيادة مظالمهم وجعل بعضهم يميل إلى التطرف، ما دفع الكثيرين منهم للانضمام إلى الجماعات المتشددة للانتقام من النظام.

أخيرا، أدى استخدام القبائل في القتال ضد التمرد إلى خلق العديد من المشاكل حيث تكررت حوادث خطف وتعذيب وقتل بعض أفرادها على أيدي المسلحين.

فشلت استراتيجية مصر لمكافحة الإرهاب في سيناء فشلا ذريعا في القضاء على خطر الإرهاب، بل لقد ثبت أنها تأتي بنتائج عكسية، وعمقت الوضع الخطير في سيناء بدلا من حله.

ويثير هذا العديد من التساؤلات حول كفاءة حكومة "السيسي" وقدرتها على محاربة الإرهاب بشكل فعال.

المصدر | خليل العناني | المركز العربي واشنطن دي سي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

ولاية سيناء مكافحة الإرهاب نظام السيسي

ولاية سيناء يعدم 4 مواطنين لتعاونهم مع الجيش المصري

موقع أمريكي: 4 أسباب وراء 15 عاما من تفاقم الإرهاب بسيناء

حياة أهالي شمال سيناء القاسية.. واقع مرعب بين ابتزاز العسكر وإعدامات تنظيم متطرف