فشل «التهويد»

الأحد 13 سبتمبر 2015 06:09 ص

صدرت في الآونة الأخيرة تقارير إسرائيلية تحدثت عن مؤشرات فشل مشروع «تهويد الجليل والنقب». لكن هذه ليست التقارير الأولى التي «تشكو» فشل واحد من أهم المشاريع الصهيونية الاستراتيجية في فلسطين، بجعل منطقتي الجليل (شمالا) والنقب (جنوبا) ذات أغلبية يهودية واضحة. وكان أول من طرح هذا المشروع للتنفيذ، أول رئيس وزراء، «ديفيد بن غوريون»، إلا أن كل التقارير الرسمية تؤكد على استمرار هجرة الشباب اليهود من هاتين المنطقتين، نحو ما يسمونه «دولة تل أبيب»، العلمانية الأقرب إلى الأجواء الأوروبية، بينما نسبة «فلسطينيي 48» تستمر في الارتفاع هناك.

فقد سعت الصهيونية منذ العام 1948، إلى نشر اليهود في أرجاء فلسطين كافة، من باب ضمان السيطرة الكلية، ومنع أي تواصل فلسطيني يسمح باستمرار طرح مشروع التقسيم. وجرى تكثيف الاستيطان في الجليل في المناطق التي كانت ضمن فلسطين، وفق ذلك القرار الدولي.

فجاء «بن غوريون» الى مدينة الناصرة، التي باتت عند النكبة مدينة «فلسطينيي 48» الأكبر من أصل مدينتين في حينه؛ إذ تضاعف عدد سكانها عام النكبة، من 8 آلاف نسمة إلى أكثر من 15 ألف نسمة، بفعل تدفق النازحين في وطنهم، فيما يسكنها اليوم 82 ألف فلسطيني. وقرر بن غوريون أن يزرع على أراضي الناصرة والقرى المجاورة مستوطنة لليهود سماها «نتسيرت عيليت»، وترجمتها للعربية «الناصرة العليا»، بينما هو استوطن في مستوطنة زراعية صغيرة في النقب، سموها «سديه بوكير»، كي يكون نموذجا.

إلا أنه بعد مرور ستة عقود على مشروع «بن غوريون»، فإن «فلسطينيي 48» ما يزالون يشكلون الغالبية في الجليل (54%). ومن دون حيفا ومنطقتها، ترتفع النسبة إلى 60% على الأقل. أما «درّة تاج» الصهيونية، «نتسيرت عيليت»، فقد باتت مدينة «مختلطة»، بسبب الزحف العربي إليها، نتيجة حالة التفجر السكاني في البلدات العربية التي ترفض (إسرائيل) توسيع مناطق نفوذها. وبات العرب يشكلون فعليا 20% من «نتسيرت عيليت»، وهي نسبة تتزايد سنويا، حتى إن ائتلاف «المجلس البلدي»، بات مضطرا لاستيعاب الكتلة الوحدوية لفلسطينيي 48 هناك، ونائب رئيس البلدية هو الشخصية الوطنية د.«شكري عواودة». ولن يُسعف الصهيونية قرارها بزرع حي لليهود المتزمتين في تلك المدينة، لكسر نسبة العرب فيها.

وحال النقب لا تختلف كثيرا. فالعرب هناك يشكلون نسبة 40%، وهي أيضا نسبة مستمرة في الارتفاع. وتقول الأبحاث، إن نسبة اليهود في هاتين المنطقتين، تتراجع سنويا بنسبة 0.5%، بفعل هجرة الأجيال الشابة إلى حيث الحياة العصرية، والازدهار الاقتصادي، وفرص العمل التي لا حدود لها، في منطقة تل أبيب الكبرى، أو حسب التسمية الإسرائيلية «دولة تل أبيب». فقد وعدت (إسرائيل) يهود العالم بحياة عصرية أوروبية أميركية، ولكنهم حينما حطوا في فلسطين، لم يجدوا هذه الحياة بتفاصيلها الصغيرة قبل الكبيرة، إلا في تل أبيب وجوارها.

ويقول تقرير لبنك (إسرائيل) المركزي، إن شريحة الجيل من 18 إلى 30 عاما من اليهود، تراجعت في هاتين المنطقتين في السنوات القليلة الأخيرة، بنسبة 11% بالمعدل، وهي النسبة التي ارتفع بها عدد قاطني منطقة تل أبيب من هذه الشريحة العمرية. في حين حذّر بحث أكاديمي في جامعة حيفا، صدر قبل خمس سنوات، من أن استمرار الارتفاع الحاد في نسبة المتدينين اليهود من التيارات كافة، سيدفع بالعلمانيين والأجيال الشابة أكثر نحو تل أبيب، التي تشهد حالة اكتظاظ. وفي حال استمر الخنق، فقد تكون تل أبيب المحطة الأخيرة لتلك الأجيال قبل أن تقرر سحب جواز سفرها الأوروبي أو الأميركي، والهجرة مجددا إلى البلاد المفتوحة. 

لقد رصدت (إسرائيل) على مدى عقود ميزانيات ضخمة لتنفيذ مخططات تطويرية، لتحفز اليهود على الانتشار أكثر في فلسطين، ولكن هذا لم ينفع.

وإن شئتم، فتهويد لغتنا العربية هو أيضا لم ينفع، إذ لم يدخل فقط بعض التعابير العبرية إلى حوارات «فلسطينيي 48»، بل بقدر مساوٍ ربما، دخل الكثير الكثير من التعابير العربية العاميّة الى قاموس حوارات اليهود الإسرائيليين، من أبرزها ما يناسب هنا: «كلام فاضي» (فارغ). لنقول إن مشروع «بن غوريون» لتهويد الجليل والنقب، ما هو إلا «كلام فاضي».

  كلمات مفتاحية

التهويد إسرائيل الجليل النقب تل أبيب فلسطين عرب 48 الاحتلال الناصرة

«القدس الدولية» تحذر من أكبر مخطط تهويدي بمحيط «الأقصى»

الصهيونية تجرم انتقاد عنصرية «إسرائيل»

«رائد صلاح»: لدينا وثائق تؤكد تورط جهات إماراتية في تمويل عمليات لـ«تهويد القدس»

القدس في ظل مشروع التهويد والقوانين العنصرية

تصاعد المقاومة في القدس ضد الاستيطان والتهويد ونسف المنازل

ههنا نشأ فتية القدس: الاستيطان و«إعادة التشكيل»

ضمن مخطط تهويده .. خريطة إسرائيلية جديدة تنكر وجود المسجد الأقصى