الذكرى الثانية لاغتيال خاشقجي.. حلم يتحقق وجريمة لن تدفن وعار يلاحق بن سلمان

الجمعة 2 أكتوبر 2020 08:24 ص

تحل الذكرى الثانية لاغتيال الصحفي السعودي "جمال خاشقجي" داخل قنصلية بلاده في إسطنبول على يد عملاء سعوديين عام 2018، مع اتهامات تنفيها الرياض بأن ولي العهد الأمير "محمد بن سلمان" هو من أصدر أمر اغتياله.

وفي 7 سبتمبر/أيلول الماضي، تراجعت المحكمة الجزائية بالرياض، بشكل نهائي، عن أحكام إعدام صدرت بحق مدانين في مقتل "خاشقجي"، مكتفية بسجن 8 بمدد متفاوتة بين 20 و10 و7 سنوات.

وقالت المحكمة إنه "بصدور هذه الأحكام النهائية تنقضي معها الدعوى الجزائية بشقيها العام والخاص"، في إشارة إلى غلق مسار القضية داخل البلاد.

ورغم إغلاق مسار القضية في السعودية، لكن محاكمة الجناة مازالت مستمرة في تركيا، كما أن شبح الجريمة وعارها يلاحق "بن سلمان" وسمعة المملكة.

سجل حقوقي سيء

وأعلن رئيس بلدية نيويورك "بيل دي بلازيو" انسحابه من قمة في السعودية بسبب مخاوف متعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان، وسط دعوات لمقاطعة الحدث الذي يتزامن مع ذكرى اغتيال "خاشقجي".

وانسحب "دي بلازيو" من قمة "أوربان 20" (يو 20) لرؤساء بلديات المدن الكبرى في "مجموعة العشرين" والتي تنتهي الجمعة الذي تحل فيه الذكرى الثانية لمقتل "خاشقجي".

وقال "دي بلازيو" في بيان: "لقد أظهر وباء كوفيد-19 أهمية أن تعمل مدن العالم معا في حين تدافع عما هو حق".

وأضاف: "لا يمكننا قيادة العالم بدون رفع صوتنا في انتقاد الظلم، أنا أحض زملائي في مدن عالمية أخرى على الانضمام إليّ في الانسحاب من قمة (يو 20) هذا العام".

ويأتي إعلان "دي بلازيو" بعد مناشدة مجموعة من المنظمات الدولية في رسالة مشتركة الأسبوع الماضي رؤساء بلديات 9 مدن عالمية، بما فيها نيويورك، مقاطعة المؤتمر.

وقالت الرسالة التي وقعتها أكثر من 10 منظمات بينها "منا لحقوق الإنسان" ومقرها جنيف و"القسط" ومقرها لندن، إن "حكومة السعودية غير مؤهلة ولا مناسبة لاستضافة قمة مجموعة العشرين ومؤتمر أوربان 20".

ودعت الرسالة رؤساء البلديات إلى مقاطعة الحدث في حال لم تفرج السعودية عن ناشطين مسجونين بينهم نساء، وتحاسب المسؤولين عن جريمة "خاشقجي".

وطلبت السعودية بشكل غير رسمي من إيطاليا تأجيل قمة مجموعة العشرين حتى ديسمبر/كانون الأول، حسبما نقلت وكالة "بلومبرج" عن مسؤولين كبيرين على دراية بالمباحثات الدائرة فى الرياض.

وذكرت الوكالة أن المسؤولين السعوديين، يحاولون إنقاذ الحدث الذي سيسمح لحكامها باستضافة أهم القادة السياسيين في العالم، كما يوفر فرصة لإعادة إصلاح سمعة المملكة بعد اغتيال "خاشقجي" على يد فرقة قتل داخل سفارة بلاده في إسطنبول قبل عامين.

ملاحقة "بن سلمان"

"بعد عامين من مقتله البشع، لا تزال الحقيقة التي حملها ودافع عنها الصحفي والكاتب السعودي جمال خاشقجي تحرق المملكة وتلاحق محمد بن سلمان"..

بهذه الكلمات كتب المعلق البارز بصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية "ديفيد إجناطيوس" متفاعلا مع الذكرى الثانية لمقتل "خاشقجي"، والتي تحل الجمعة.

وأكد أن "بن سلمان"، "قوي ويعاني من الرهاب.. وليس قويا وواثقا من نفسه".

وقال إن شعبية ولي العهد التي كانت لامعة مرة قد تشوهت بدون أي مجال للإصلاح.

وقال الكاتب الأمريكي، "بوب وودوارد" في كتاب جديد له تحت عنوان "غضب"، إن الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" تفاخر بأنه حمى "بن سلمان" من عملية فحص دقيق، كان سيخضع لها من قبل الكونجرس، بعد اغتيال "خاشقجي".

ووفقا لكتاب "وودوارد"، فإن "ترامب" اتصل به في 22 يناير/كانون الثاني، بعد فترة قصيرة من حضوره المنتدى الاقتصادي في دافوس بسويسرا، وخلال المحادثة ضغط الصحفي المخضرم، على الرئيس للحديث معه عن قضية "خاشقجي".

وقال "وودوارد" لـ"ترامب" خلال محادثتهما: "الناس في واشنطن مستاؤون من مقتل خاشقجي.. لقد قلت إن عملية قتل خاشقجي من أكثر الأشياء وحشية، قلتها بنفسك".

ورد "ترامب" قائلا: "لكن إيران تقتل 36 شخصا يوميا"، وهنا عاد "ووداورد" وواصل ضغطه على  "ترامب" بشأن دور "بن سلمان" المحتمل في إصدار الأمر بقتل "خاشقجي"، فعلق "ترامب" قائلا بفخر: "لقد أنقذته.. تمكنت من إقناع الكونجرس بتركه وشأنه.. ودفعتهم للتوقف عن ملاحقته".

وكانت وكالات استخبارات غربية كثيرة، بينها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، قد تحدثت بشكل مباشر عن أن "بن سلمان" يتحمل المسؤولية كاملة عن اغتيال "خاشقجي"، لكن "ترامب" لم يأخذ ذلك على محمل الجد، لاعتبارات تتعلق بعلاقته مع ولي العهد وحاجته إلى إنعاش الاقتصاد الأمريكي باستثمارات وصفقات سعودية.

محاكمة القتلة

تراجعت السعودية بشكل نهائي، عن أحكام إعدام صدرت بحق مدانين في مقتل "خاشقجي"، مكتفية بسجن 8 بمدد متفاوتة بين 20 و10 و7 سنوات.

وفي محاكمات، وصفتها منظمات دولية بأنها "عدالة مثيرة للسخرية"، حاكمت السعودية 11 شخصاً في ديسمبر/كانون الأول الماضي، وأصدرت أحكاماً على 5 منهم بالإعدام، وعلى 3 آخرين بالسجن لسنوات عديدة، بينما برأت 3 آخرين.

ورفضت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحالات القتل خارج القضاء، "أجنيس كالامارد"، قرارات المحكمة باعتبارها "نقيضاً للعدالة"، حيث إن "خاشقجي" كان "ضحية إعدام متعمد مع سبق الإصرار"، وكانت الدولة السعودية مسؤولة عنه.

وأدان الاتحاد الدولي للصحفيين تلك الأحكام، معتبراً إياها إجهاضاً للجهود الدولية الساعية إلى إنهاء الإفلات من العقاب في الجرائم والانتهاكات ضد الصحفيين، وتواجه العدالة السعودية انتقادات من منظمات دولية وجمعيات معنية بحقوق الإنسان حول العالم، لتجنبها إدانة كبار المسؤولين عن اغتيال "خاشقجي" والمسؤولين الذين أصدروا أمر اغتياله.

محاكمة غيابية

بعد إغلاق القضية من قبل السلطات السعودية، بدأ القضاء التركي في محاكمة 20 متهماً في قضية اغتيال "خاشقجي".

وتعذر إحضار المتهمين بسبب رفض الرياض تسليمهم للسلطات القضائية التركية، رغم إصدار أنقرة مذكرة توقيف حمراء دولية للقبض عليهم وإحضارهم للمحاكمة.

ويطالب الادعاء العام التركي بعقوبة السجن المؤبد على المتهمين بتهم التخطيط والتحريض والقتل بطريقة وحشية.

و أجلت محكمة العقوبات المشددة في مدينة إسطنبول التركية، أولى الجلسات الغيابية لـ20 متهما سعوديا بقتل "خاشقجي" إلى 24 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.

والمشمولون بلائحة الاتهام والمحاكمة في إسطنبول هم فريق الاغتيال السعودي الذي نفذ عملية قتل "خاشقجي" في القنصلية السعودية، وكذلك من خطط لها، وهم: "سعود القحطاني" مستشار ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان"، و"أحمد العسيري" نائب رئيس المخابرات السعودية في ذلك الوقت.

حلم يتحقق

قبل أشهر من مقتله على يد عملاء سعوديين عام 2018، كان الكاتب السعودي المعارض "جمال خاشقجي" يسعى لتحقيق حلم تأسيس منظمة في واشنطن لتعزيز الديمقراطية في العالم العربي.

وأطلق أصدقاء "خاشقجي" وزملاؤه تلك المنظمة "الديمقراطية في العالم العربي الآن"، أو "DAWN".

"DAWN" هي منظمة مراقبة حقوقية مقرها واشنطن وتخطط للتركيز على الانتهاكات التي يرتكبها أقرب الحلفاء العرب للولايات المتحدة ونشر مقالات من قبل المنفيين السياسيين من جميع أنحاء الشرق الأوسط لمواصلة إرث "خاشقجي".

ومن المقرر إطلاق فيلمين وثائقيين رفيعي المستوى عن مقتله، "مملكة الصمت"، و"المنشق"، في الذكرى الثانية لوفاته، وأعلنت مجموعة من المعارضين السعوديين الأسبوع الماضي تشكيل حزب معارض في المنفى، حزب "التجمع الوطني" بعض أعضائه كانوا مساعدين لـ"خاشقجي".

جريمة لن تدفن

وفي الوقت الذي طوت فيه السلطات السعودية ملف القضية يرى العديد من الحقوقيين أن اغتيال "خاشقجي" جريمة لن تدفن ولن تطوى صفحاتها لأن العدالة لم تتحقق بها.

ويرى الحقوقي "أحمد مفرح"، المدير التنفيذي لمؤسسة "كوميتي فور جستس" المستقلة، أن "جريمة قتل خاشقجي تحولت من مقتل صحفي إلى قضية رأي عام دولي، لذلك لن تدفن أو تطوى صفحاتها".

واعتبر في تصريحات له مع وكالة "الأناضول"، أن "القضية جريمة نظام سياسي يحكم بلدا عربيا، يستغل سلطاته الممنوحة له في القانونين المحلي والدولي لارتكاب جرائم قتل بطرق وحشية بحق معارضيه".

وأضاف أن "ملف القضية لن يدفن، لأنه ببساطة لم يدفن"، في إشارة إلى جثة "خاشقجي" التي لم تكشف السلطات السعودية عن مصيرها.

وأكد المدير التنفيذي لـ"كوميتي فور جستس" (مقرها جنيف)، أن لذلك "اعتبارات مهمة، منها أنها جريمة قتل خارج إطار القانون لا تسقط بالتقادم، فمهما طال الوقت ستظل القضية حية"، ولفت إلى أن "القضية ستظل حية لأن المسؤولين عن قتله ما زالوا طلقاء لم تتم معاقبتهم".

وأوضح: "أقصد هنا المسؤولين عن عملية القتل والمشاركين فيها، وكذلك من أمروا بها وعلى رأسهم محمد بن سلمان".

وأكد أن "قضية خاشقجي ليست ملكاً لعائلته، وليسوا هم المعنيين بمنح البراءة أو حتى إصدار الإدانة"، في إشارة إلى إعلان أبنائه عفوهم عن قتلة والدهم "لوجه الله".

وأضاف: "جريمة مقتله منظمة، ارتكبتها قوات تابعة لنظام سياسي في بلد آخر (تركيا) ذي سيادة، وكل طرف يثبت تواصله بأنه كان على علم أو ساعد في ارتكابها، متورط فيها".

((6))

وأكد "علاء عبدالمنصف"، المتخصص في مجال حقوق الإنسان أنه "من الممكن أن تكون قضية خاشقجي توارت قليلاً، لكنها حية وأصابع الاتهام تشير إلى أشخاص لم تتم محاسبتهم"، مشيراً إلى أن "ظروف المحاكمة السرية (في الرياض) تشير إلى أن الأمر برمته سياسي بروتوكولي، لإظهار أن السعودية طبقت القانون وحاكمت المجرمين".

واعتبر أن "العامل الرئيسي المؤثر في القضية هو التدخل الصارخ للسلطات السعودية في المحاكمة، وذلك لاشتراك جهات من الأسرة الحاكمة في الجريمة"، مستنداً إلى ما تؤكده منظمات دولية بهذا الشأن، موضحاً أنه "لولا الضغط الدولي والأمم المتحدة، وشفافية المؤسسات التركية في الملف وعرضه للإعلام والمجتمع الدولي، لدفنت القضية بشكل كامل".

وفي 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018، قتل "خاشقجي" داخل قنصلية بلاده بمدينة إسطنبول، وباتت القضية من بين الأبرز والأكثر تداولا في الأجندة الدولية منذ ذلك الحين.

وعقب 18 يوما من الإنكار، قدمت خلالها الرياض تفسيرات متضاربة للحادث، أعلنت مقتل "خاشقجي" إثر "شجار مع سعوديين"، وتوقيف 18 مواطنا في إطار التحقيقات، دون الكشف عن مكان الجثة حتى الآن.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مقتل خاشقجي ملف قضية خاشقجي مقتل جمال خاشقجي مسؤولية قتل خاشقجي محاكمة قتلة خاشقجي اغتيال خاشقجي اغتيال جمال خاشقجي ذكرى اغتيال خاشقجي

تركيا: موقفنا ليس ضد السعودية بل ضد قتلة خاشقجي

مجددا.. العفو الدولية تطالب بتحقيق شفاف في اغتيال خاشقجي

مستشار أردوغان: اغتيال خاشقجي جريمة ضد تركيا

في ذكرى مقتل خاشقجي.. مطالبات بعدم المشاركة في قمة العشرين بالسعودية