صدام أم التقاء مصالح.. ماذا تعني إدارة بايدن بالنسبة لتركيا؟

السبت 14 نوفمبر 2020 12:04 م

يأتي فوز المرشح الديمقراطي "جو بايدن" في الانتخابات الأمريكية مع تحديات لا حصر لها للسياسة الخارجية. ولعل النقطة المشرقة هي أن إدارة "بايدن" ستحاول جاهدة إصلاح العلاقات مع بقية دول الناتو بعد أن عانت العلاقات بشدة في ظل رئاسة "ترامب". فمن المقرر أن يتواصل "بايدن" قريبا مع العديد من المسؤولين في دول التحالف لمناقشة ما يعنيه هذا التغيير في القيادة الأمريكية للعلاقات عبر الأطلسي. وسيركز وهو ونائبة الرئيس المنتخب "كامالا هاريس" على الجهود المبذولة لاستعادة ثقة بعض الحلفاء التقليديين لواشنطن، وهو أمر صعب، ويتطلب عملا شاقا؛ نظرا لمدى تآكل مصداقية الولايات المتحدة في عهد "ترامب".

ومع ذلك، لا يرحب جميع أعضاء الناتو بالضرورة بخسارة "ترامب". فقد أرادت تركيا على وجه الخصوص إعادة انتخاب "ترامب". وكانت علاقة "ترامب" الشخصية بالرئيس "رجب طيب أردوغان" مهمة للعلاقات التركية الأمريكية في السنوات الأخيرة، خاصة خلال الفترة الزمنية التي كانت فيها مصالح واشنطن وأنقرة متضاربة فيما يتعلق بعلاقة تركيا الدفاعية مع روسيا، والدعم الأمريكي لـ"وحدات حماية الشعب" الكردية في سوريا، وقضايا حساسة أخرى.

ورغم التحديات الهائلة للعلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا، تكيفت أنقرة مع ظروف إدارة "ترامب" الجديدة وجعلت حسابات سياستها الخارجية تتماشى مع هذه الظروف. لكن قدوم إدارة جديدة للبيت الأبيض قد تعني بالنسبة لتركيا إعادة تقويم في بعض جوانب سياستها الخارجية. 

في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أثناء عمله كعضو في مجلس الشيوخ الأمريكي، كان "بايدن" يؤيد احتمال تقسيم العراق إلى 3 دول فعلية على أن تكون واحدة ذات هوية كردية. وقد أدى ذلك إلى تغذية مخاوف أنقرة بشأن امتلاك "بايدن" رؤية تهدد وحدة أراضي تركيا. وأثارت تصريحات "بايدن" في ديسمبر/كانون الأول 2019، التي عادت إلى الظهور في أغسطس/آب بشأن "أردوغان" والمعارضة التركية، غضب الأتراك الذين رأوا مثل هذه الكلمات جزءا من أجندة تهدف إلى تقويض السيادة الوطنية لتركيا.

وكان "بايدن" نائب الرئيس في يوليو/تموز 2016، عندما وقعت مؤامرة الانقلاب الفاشلة (التي يعتقد معظم الأتراك أن واشنطن ضالعة فيها). وكان أيضا نائب الرئيس عندما بدأت واشنطن في دعم "وحدات حماية الشعب" الكردية. لقد أضر كل من رد فعل إدارة "أوباما" على محاولة الانقلاب وشراكة الولايات المتحدة مع "وحدات حماية الشعب" الكردية بالعلاقات الأمريكية التركية بشدة.

وهناك العديد من المؤسسات والوكالات في واشنطن -وبالتحديد الكونجرس- التي لا تتوافق بشكل جيد مع القيادة الحالية في أنقرة. وهذا مصدر قلق كبير للأتراك الذين يرون أنه بدون وجود "ترامب" في البيت الأبيض، فإن "أردوغان" -وبالتالي كل تركيا- ستكون لديها أوقات أصعب في التعامل مع الولايات المتحدة.

وعن ذلك، تقول الزميلة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية "أصلي أيدينتاشباش": "لقد كان ترامب هو الرابط الأساسي الوحيد بين تركيا وواشنطن.. كانت العلاقات الثنائية سيئة للغاية خلال العامين الماضيين. لكن الخط الهاتفي بين أردوغان وترامب كان في الواقع الرابط الوحيد الذي حال دون حدوث قطيعة كاملة من نواحٍ عديدة".

وأشار "بايدن" أيضا إلى أنه قد يتخذ موقفا أكثر تشددا ضد الحكومة التركية عندما يتعلق الأمر بقضايا حقوق الإنسان. وهذا يتماشى مع السياسات التي ينادي بها العديد من الديمقراطيين الذين يعتقدون أن إدارة "ترامب" كانت سريعة للغاية في التخلي عن "القيم الأمريكية" المتعلقة بحقوق الإنسان. وقد يحاول "بايدن" إثبات أنه لا يشارك "ترامب" في التقارب الشخصي مع "أردوغان"، بالرغم أن الرئيس الأمريكي المنتخب يعرف أنه ليس لديه خيار سوى العمل عن كثب مع القيادة التركية في العديد من القضايا الصعبة، من سوريا والعراق إلى كاراباخ وايران.

الجانب المشرق بالنسبة لتركيا

وبالرغم من كل ما سبق، فلا يعتبر فوز "بايدن" خبرا سيئا بالكامل لأنقرة. على العكس من ذلك، مع وجود "بايدن" في البيت الأبيض، يمكن للولايات المتحدة وتركيا تعزيز التعاون وتقوية العلاقات بطرق معينة من شأنها أن تحقق مصالح كل من واشنطن وأنقرة بشكل كبير. فعندما يتعلق الأمر بسياسات الولايات المتحدة فيما يتعلق بـ5 دول في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا -السعودية وليبيا وسوريا وقطر وإيران- فمن المحتمل أن يجري "بايدن" تغييرات في السياسة الخارجية الأمريكية يمكن أن تجعل إدارته تتماشى بسهولة مع المصالح التركية.

ومع احتدام التوترات في العلاقات التركية السعودية، قد تستفيد أنقرة من إدارة أمريكية جديدة لا تمنح ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" حماية من المشرعين الأمريكيين في قضايا مثل مقتل "خاشقجي" والحرب التي تقودها السعودية في اليمن وقضايا أخرى. وكمرشح رئاسي، تحدث "بايدن" عن الحاجة إلى جعل المملكة الغنية بالنفط دولة "منبوذة". ومن المتوقع أن ترحب تركيا بأي خطوات تتخذها الإدارة الأمريكية المقبلة ضد السلوك الإقليمي للسعودية، خاصة بالنظر إلى المدى الذي أصبحت فيه أجندة السياسة الخارجية للرياض مؤخرا مناهضة لتركيا.

وقد تتلقى حكومة الوفاق الوطني الليبية المعترف بها من الأمم المتحدة والمدعومة من تركيا في طرابلس مزيدا من الدعم الأمريكي مع تولي "بايدن" السلطة. وقد تكون الإدارة المقبلة أكثر حزما من إدارة "ترامب" عندما يتعلق الأمر بتحدي النفوذ الروسي في ليبيا؛ الأمر الذي من شأنه أن يدفع واشنطن بشكل شبه حتمي إلى الاقتراب من تركيا. وإذا عمل "بايدن" مع أعضاء الناتو الآخرين لفرض حظر أسلحة على ليبيا، واتخاذ إجراءات ضد أبوظبي في حال انتهاكه؛ فستكون أنقرة في غاية السعادة. ويمكن لمثل هذا التطور أن يعزز قدرة تركيا على البقاء كـ"صانع ملوك" في الدولة الواقعة في شمال إفريقيا والتي مزقتها الحرب.

وقد يكون الصراع السوري المستمر منذ ما يقرب من عقد من الزمان مجالا آخر تدفع فيه إدارة "بايدن" الولايات المتحدة إلى تقارب أكبر مع أجندات أنقرة، وبالتحديد في إدلب. فقبل 6 أشهر، قال مستشار "بايدن" للسياسة الخارجية والمخضرم في إدارة "أوباما"، "أنتوني بلينكين"، إن "بايدن" سيبقي محافظة إدلب تحت سيطرة المعارضة السورية. وأوضح أيضا أن الرئيس المنتخب سيرفض التفاوض مع حكومة "بشار الأسد"، وستستخدم واشنطن نفوذها لمحاولة إحداث بعض التطورات الإيجابية.

وقد يدفع "بايدن" خصوم تركيا العرب (السعودية والإمارات ومصر) لإنهاء أو على الأقل تخفيف حصارهم على قطر. وبالرغم أن إدارة "ترامب" حاولت الوصول إلى حل ودي للأزمة الخليجية إلا أن هذه الجهود أثبتت دائما عدم جدواها. ومن المحتمل أن يضغط "بايدن" بشدة على دول الحصار لإنهاء الأزمة. ووفقا لـ"مايكل إيسنر" و"سارة ليا ويتسن" من منظمة "DAWN"، فإن "إدارة بايدن لن تتحلى بالصبر نفسه على التصرفات الغريبة، وقد تستخدم أدوات للضغط لإنهاء الحصار، بما في ذلك منع أو تأخير شحنات الأسلحة". ونظرا لأن أنقرة ألقت بثقلها للوقوف إلى جانب قطر، فإن تركيا سترحب بضغط أكبر من الولايات المتحدة على الرياض وأبوظبي والقاهرة للتصالح مع الدوحة.

وتود أنقرة أن ترى "بايدن" يتراجع عن قرار "ترامب" بالانسحاب من الاتفاق النووي وهي الخطوة التي أدانها "أردوغان" بشدة. ومن خلال مشاركة حدود وعلاقات تجارية مهمة مع إيران، يمكن أن تستفيد تركيا بشكل طبيعي من رفع العقوبات الأمريكية على طهران والتي أضرت بالاقتصاد التركي. كما أن احتمال خروج حملة "أقصى ضغط" عن نطاق السيطرة جعل المسؤولين في أنقرة متوترين طوال الوقت بسبب ما يمثله هذا السيناريو من مخاطر أمنية واقتصادية على تركيا. لذلك، فإذا قامت واشنطن بتمديد الهدوء مع الجمهورية الإسلامية بعد بدء رئاسة "بايدن"، فستجد أنقرة أن مثل هذا التطور مريح.

ورغم ما سبق، فبالنظر إلى إعادة ضبط العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا، ستحتاج أنقرة إلى إجراء تعديلات كبيرة بناء على سياسة "بايدن" الخارجية في الشرق الأوسط وأماكن أخرى. ولن يكون كل جانب من جوانب إعادة الضبط سهلًا. فلن يكون "بايدن" و"أردوغان" على نفس الصفحة في جميع القضايا المهمة؛ الأمر الذي سيتطلب تنازلات من كلا الجانبين وسط فترة إعادة تقويم.

ستتركز المناقشات الصعبة بشكل خاص على شراء تركيا لمنظومة الدفاع الجوي الروسية "إس 400" ودعم واشنطن لـ"وحدات حماية الشعب" الكردية في سوريا. ومع ذلك، يمكن أن تثبت تركيا أنها مرنة من حيث إيجاد طرق للعمل مع إدارة "بايدن" وجعل التحالف الذي دام عقودا بين أنقرة وواشنطن ذا أهمية جيوسياسية متزايدة لإدارة الرئيس الأمريكي السادس والأربعين.

المصدر | جورجيو كافيرو/إنسايد أرابيا – ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

العلاقات التركية الأمريكية إدارة بايدن رجب طيب أردوغان الناتو حصار قطر

منتقدة تصريحاته.. تركيا لبايدن: اطلب من أرمينيا إنهاء الاحتلال أولا

معهد واشنطن يضع سيناريو تعامل بايدن مع أردوغان.. ماذا قال؟

بروكينجز: هل يستطيع بايدن رأب الصدع مع تركيا؟

التهدئة الدبلوماسية التركية.. مناورة تكتيكية أم تحول استراتيجي؟