الطريق إلى مكة: كيف يتم اختيار حجاج بيت الله الحرام؟

الجمعة 25 سبتمبر 2015 07:09 ص

هناك 1.6 مليار مسلم حول العالم يحاولون الذهاب إلى مكة مرة واحدة على الأقل في حياتهم. كيف تسيطر المملكة العربية السعودية على تدفقات الحجاج إذا؟

نحو 3 ملايين من المسلمين كانوا في طريقهم إلى مكة لأداء فريضة الحج هذا الأسبوع. بالنسبة للمسلمين، فإن الحج هو أحد أركان الإسلام الخمسة الذي يلزم أداؤه مرة واحدة في العمر، أما بالنسبة إلى الحكومة السعودية فإن الأمر يشكل تحديا لوجستيا ضخما.

ويعتبر الحج واحدا من أكبر التجمعات السنوية البشرية في أي مكان. ينفر الحجاج من كل بلاد العالم تقريبا وبعضهم يقضي حياته بأكملها في الادخار من أجل هذه الرحلة. الأنشطة المتعلقة بالحج مثل الطواف حول الكعبة في مكة والرجم الرمزي للشيطان في منة تجري على مساحة تبلغ 291 ميلا مربعا، مما يتطلب من الحكومة تنسيق خدمات الإقامة والغذاء والماء والخدمات الطبية، والنقل، والأمن، والتعامل مع أي مشاكل قد تنشأ فضلا عن حالات الطواريء. التدفقات تمثل ضغطا غير محدود على البنية التحتية السعودية. عدد 3 ملايين حاج ليسوا أكثر من قطرة في دلو. أكثر من 23 في المئة من سكان العالم هم من المسلمين (حوالي 1.6 مليار شخص كما أنهم ينمون باستمرار)، وفقا لمركز بيو للأبحاث. وجميعهم ملزمين أن يقوموا بهذه الرحلة مرة واحدة في العمر طالما كانوا قادرين. وللسيطرة على التدفق البشري تطبق الحكومة نظاما صارما للحصص. وهو يختلف من بلد إلى آخر.

نظام الحصص

تحدد الحكومة السعودية حصصا لعدد من المواطنين من كل بلد. هؤلاء هم الذين يمكنهم أن يذهبوا إلى الحج في كل عام. ولكن بعد ذلك فإن الأمر متروك لتصرف الدول نفسها لتقرر الطريقة التي يتم من خلالها شغل وتوزيع هذه الحصص. في بعض البلدان، فإن هذه العملية يستشري فيها الفساد وعدم المساواة.

أندونسيا، أكبر البلاد الإسلامية من حيث عدد السكان تحصل على الحصة الأكبر بواقع 178 ألف حاج هذا العام بانخفاض من رقم 213 ألف حاج في عام 2013 (خفضت الحكومة السعودية حصص جميع البلدان هذا العام لإفساح المجال لمشاريع البناء التي تهدف إلى زيادة القدرة الاستيعابية للأماكن المقدسة) . بشكل عام، تظهر الأرقام أن الحكومة السعودية توفر مقعدا للحج لكل ألف مسلم في كل بلد. على الرغم من أنه في إندونيسيا والعديد من البلدان الأخرى تبدو النسبة أقل من ذلك بكثير وبخاصة بعد التخفيضات الجديدة.

كما هو الحال في العديد من البلدان ذات الكثافة السكانية الإسلامية الكبيرة، فإن هناك ارتفاعا في الطلب على الحج. وقد وضعت الحكومة الإندونيسية نظاما محكما لتحديد الأمر. لا بد أن يدفع الحجاج الطامحين لأداء فريضة الحج مبلغ 2000 دولار على الأقل وهو ما يعادل تقريبا أجر سنة كاملة وفقا للحد الأدنى للأجور في جاكرتا حيث الحد الأدنى للأجور أعلى من أي مكان آخر في البلاد. وهو يعادل أيضا أجر 3 سنوات لأكثر من 43% من الإندونيسيين الذين يعيشون على أقل من 2 دولار يوميا، وفقا لبيانات البنك الدولي من عام 2011. يضمن الدفع لصاحبه مقعدا على قائمة الانتظار والتي تختلف في الطول حسب المنطقة: 12 عاما في أحسن الأحوال، 17 في أسوأ الأحوال.  وفي الوقت نفسه، يذهب المال إلى صندوق الحج الذي تديره الحكومة ممثلة في وزارة الشؤون الدينية. في عام 2014، تورط وزير الشؤون الدينية ورئيس حزب التنمية المتحدة ذي المرجعية الإسلامية في قضية للكسب غير المشروع تتعلق بصندوق الحج.

باكستان والهند وبنجلاديش تقع في المرتبة الثانية والثالثة والرابعة على الترتيب من حيث أعداد المسلمين. ولديها أيضا أنظمتها الخاصة، وتواجه كل منها نصيبها من مشاكل الحصص. الحكومة الباكستانية تفرض رسما على الطلبات وتضع عشرات الآلاف من المتقدمين على قوائم الانتظار. لكن بعض مقدمي الطلبات يتهمون الحكومة بتوزيع أجزاء من الحصص بين مختلف الشركات السياحية الخاصة في مقابل رشاوى.

واحد من كل أربعة مسلمين هنود يرغبون في أداء فريضة الحج هذا العام قد سمح له بالذهاب على أساس نظام معقد من الحصص الفرعية والقرعات على مستوى الدولة والمناطق. في عام 2012، قضت المحكمة العليا بأن الحكومة الاتحادية عليها التخلي عن الـ5000 آلاف مقعد الخاصة بالحج التي كانت تتحكم فيها والتي كانت تخصص لكبار الشخصيات حول النظام بينما يحرم منها الهنود العاديين. وتم استبعاد 30 ألف بنغالي هذا العام رغم أن ثلث هؤلاء كان قد سدد الرسوم بالفعل بعد خطأ في موقع التسجيل الحكومي والذي سمح بتسجيل أعداد أكبر مما هو مفترض.

حتى الدول ذات الكثافة السكانية الإسلامية المنخفضة نسبيا فإنها لم تخل من الصراعات المتعلقة بالحج. بعد خفض الحكومة السعودية حصة جنوب أفريقيا من 2500 إلى 2000 حاج فقط في عام 2013، فإن فترة الانتظار للراغبين في الحج قد ارتفعت إلى 6 سنوات.

وبالتأكيد يحاول بعض الحجاج الالتفاف على هذه القيود. وفقا لوزارة الخارجية الأمريكية، فإن غير السعوديين الذي يذهبون لأداء الحج بدون ترخيص يواجهون عقوبة الترجيل الفوري والمنع من دخول المملكة العربية السعودية لمدة 10 سنوات. النساء تحت سن 45 عاما لا بد أن تسافر مع أحد أقاربها الذكور (محرم) وإلا فإنها تلقى المصير ذاته.

مخاوف

أحد الدوافع لتطبيق نظام الحصص هو القلق بشأن سقوط أعداد من القتلى في ظروف التكدس والفوضى والأجواء الحارة. أحداث التاريخ ساهمت في تضخيم هذه المخاوف: ما بين عامي 1990 و 2006، مات الآلاف في أحداث تدافع متعلقة بالحج. في عام 1990 لقي 1426 من الحجاج حتفهم معظمهم من ماليزيا، وإندونيسيا، وباكستان، وذلك بسبب التدافع في نفق المشاة. صباح أمس الخميس، أودى حادث تدافع منة بحياة ما لا يقل عن 717 حاجا إضافة إلى 863 من الإصابات وهو الحادث الأعنف منذ عام 1990.

مات المئات من الحجاج في أنواع أخرى من الحوادث: اشتباكات بين حجاج إيرانيين تظاهروا ضد الولايات المتحدة في موسم الحج وبين قوات الأمن في عام 1987 وأسفرت عن مقتل 402 شخصا. تفجير إرهابي في عام 1989 أسفر عن مقتل شخص واحد وإصابة 16 آخرين (الحكومة السعودية قامت لاحقا بتطبيق عقوبة الإعدام بقطع الرأس على 16 من الشيعة الكويتيين اتهموا بتنفيذ الهجوم بدعم من إيران التي نفت صلتها بالأمر)، كما قتلت حريق عام 1997 أكثر من 340 شخصا. وفي هذا الشهر، حظرت الحكومة السعودية على مجموعة «بن لادن» للبناء أخذ أي مشاريع جديدة بعد سقوط إحدى رافعاتها أثناء العمل على تنفيذ مشروع لتوسيع مواقع الحج لاحتواء المزيد من حجاج بيت الله الحرام، ما أسفر عن سحق أكثر من مائة شخص. ناهيك عن المخاوف الصحية العامة: المئات يصابون في كل عام بضربات الشمس إضافة إلى القلق العام في السعودية بشأن مرض متلازمة الجهاز التنفسي الشرق الأوسطية  المعروف باسم ميرسا (MERS). وهو مرض قاتل أودى بحياة المئات في المملكة منذ عام 2012.

وبتنحية حادثة الرافعة ومتلازمة الجهاز التنفسي جانبا، أصبحت الظروف أكثر أمنا بشكل عام في السنوات الأخيرة. ولكن الحكومة السعودية سوف تواجه المزيد من التحديات اللوجستية وتحديات السلامة. خصوصا مع كونها تخطط لتوسيع أعداد الحج بشكل كبير في السنوات القادمة.

قامت السعودية بنشر 100 ألف من رجال الأمن لتأمين موسم الحج 2015 بالإضافة إلى 17 مستشفى و 129 مركزا للرعاية الصحية الأولية في المنطقة، و106 فريقا طبيا ينتشر بين الحجاج على مدار أيام الحج.

في عام 1927، كان هناك مائة ألف شخص فقط يؤدون طقوس الحج ويستكملون الرحلة الشاقة من البر والبحر. نما هذا العدد الآن ثلاثين ضعفا مع زيادة النمو السكاني وبعدما صار السفر أكثر سهولة وأمنا وأكثر اقتصادية أيضا« الحج يجمع بين التاريخ القديم مع العالم المعاصر كما أنه يضم تنوعا فريدا من نوعه في تاريخ العالم» وفق ما كتب المؤرخ «إريك تاجلياكوزو» في كتابه (الرحلة الأطول: سكان جنوب شرق آسيا والحج إلى مكة). حث وصف الحج بأنه «حزام هائل ناقل للبشر» . سوف تستمر هذه الأعداد في النمو، بينما تخطط الحكومة السعودية لإصدار حصص لاستيعاب خمسة ملايين حاج في العام المقبل، وفقا لوزير الحج السعودي «بندر الحجار». في السنوات الخمس المقبلة، تأمل المملكة في زيادة هذا العدد سنويا إلى 30 مليون حاج سنويا.

  كلمات مفتاحية

السعودية موسم الحج حادثة تداع منى حادثة الرافعة

«أردوغان»: السعودية لا تتحمل مسؤولية حادث منى

«فورين بوليسي»: ثورة البناء في مكة تدمر المدينة المقدسة

خط زمني للمآسي الكبرى التي وقت خلال الحج في مكة المكرمة منذ عام 1975

وفاة 717 حجاج على الأقل وإصابة أكثر من 800 في تدافع بمشعر منى

«حادثة الرافعة» تطور نوعي في الاستجابة السعودية تجاه حوادث الحرم

تداعيات حادث تدافع الحجاج في منى على الدوائر الحاكمة في السعودية

«نيوزويك»: كيف وقعت كارثة الحج المأساوية؟

السعودية تحصد 12 مليار دولار سنويا من الحج والعمرة