المأساة الرهيبة التي وقعت في مكة المكرمة خلال موسم الحج أمس تعد تحديا كبيرا لهيبة الملك «سلمان». خاصة وأنها جاءت في أعقاب حادثة سقوط الرافعة في المسجد الحرام في مكة المكرمة في 11 سبتمبر/أيلول إثر عاصفة ترابية، وهو ما تسبب في مقتل 109 شخصا . ويثير الحادثان تساؤلات حول إذا ما كان آل سعود قادرين على أداء مسؤولياتهم والقيام بواجباتهم بكفاءة في خدمة الحرمين الشريفين. أعداء المملكة، من تنظيم القاعدة إلى إيران، سوف يسارعون في إلقاء اللوم على الرياض.
يمثل الحج تحديا إداريا هائلا في كل عام. أكثر من مليوني حاج يهبطون إلى المدن المقدسة لأداء حلم حياتهم. وقد أنفق السعوديون المليارات من الدولارات على مدار عقود عديدة لتوسيع المسجد الحرام لاستقبال الحجاج، والحفاظ على جميع المحطات على طول طريق الحج آمنة قدر المستطاع. هذا العام، حشد السعوديون مائة ألف من قوات الشرطة وأفراد الأمن و25 ألفا من أعضاء الطواقم الطبية لحفاظ على الحجاج آمنين من الحوادث والإرهاب.
السعوديون يدركون جيدا حجم مسؤولياتهم. ضربت المآسي الحج من قبل. في أعوام 2006، 1997، 1994، و 1990، وقعت تدافعات كارثية أو انهيارات لجسور وأنفاق أودت بحياة المئات من الحجاج. في عام 1987 قامت مظاهرة سياسية إيرانية خلال الحج نتج عنها اشتباكات أسفرت ن مقتل أكثر من 400 شخص. المسجد الحرام نفسه كان ساحة للمعركة في عام 1979 عندما قام الإسلاميون المتطرفون بالاستيلاء والسيطرة عليه لعدة أسابيع وقام السعوديون بإرسال آلاف من القوات المقاتلة لاستعادة السيطرة.
التداعيات السياسية
ضربت هذه المآسي المروعة قلب المطالبات الأساسية لشرعية نظام الحكم في المملكة العربية السعودية. ضمان سلامة الحجاج هي مسؤولية مركزية لأولئك الذين يحكمون مكة المكرمة والمدينة المنورة.
كان رد فعل الملك سريعا وحازما بخصوص كارثة الحرم التي وقعت في وقت سابق من هذا الشهر عن طريق الشروع في إجراء تحقيق عاجل في أسباب الحادث. وقد ركز التحقيق على مجموعة «بن لادن» السعودية وهي شركة البناء التي كانت مسؤولة عن توسعة المسجد الحرام والمرافق المرتبطة به على مدى عقود. وقد تعرض كبار المسؤولين التنفيذيين في الشركة لعقوبة المنع من السفر طوال فترة إجراء التحقيقات.
وتعد الشركة هي ثاني أكبر شركة إنشاءات على مستوى العالم. وأسسها والد «أسامة بن لادن» في الثلاثينيات. وكانت هناك شراكة وثيقة بين الأسرة الحاكمة وعائلة بن لادن على مدى عقود. وقد بنت مجموعة «بن لادن» العديد من القصور للأسرة إضافة إلى المطارات والطرق السريعة الرئيسية في البلاد، السعودية والآن تتولى مسؤولية بناء أطول ناطحة سحاب في العالم في مدينة جدة. كما تتولى مسؤولية بناء شبكة مترو في الدوحة . توقيف كبار المسؤولين التنفيذيين في الشركة هو مثار قلق سياسي محتمل.
هذه المآسي الإنسانية الكارثية مما لا شك فيه أيضا أنها تلعب دورا في السياسة الداخلية المعقدة للعائلة المالكة. حاكم مكة الأمير «خالد بن فيصل»، ابن الملك السابق، هو من يتولى المسؤولية الإدارية عن الحج. ولي العهد الأمير «محمد بن نايف»، وزير الداخلية، مسؤول أيضا عن الحج. تلقت البنية التحتية الأمنية الاتهام الأكبر والفوري بالمسؤولية عن المأساة واستعادة النظام.