رافعين لافتات سوداء، يهتفون بالموت لآل سعود، خرج الآلاف من الإيرانيين إلى شوارع طهران أول أمس بعد صلاة الجمعة احتجاجا على سوء الإدارة السعودية التي يزعمون أنها تسببت في التدافع القاتل يوم الخميس خارج مكة. أسفر الحادث عن مقتل أكثر من 700 شخص، بينهم 131 من الإيرانيين على الأقل، وقد وقع الحادث أثناء أداء الطقس الأخير من مراسم الحج.
والآن يدعو مسؤولون ونواب في البرلمان الإيراني السعودية إلى شرح كيف وقعت المأساة، أو التخلي عن حقهم في تنظيم هذا الحدث السنوي، الذي يجمع أكثر من مليوني مسلم في مكة المكرمة أقدس مواقع الإسلام في كل عام.
«ليست هذه المرة الأولى التي تظهر فيها الحكومة السعودية عدم الكفاءة في تنظيم موسم الحج»، وفقا لـ«علاء الدين بروجردي»، وهو عضو في اللجنة البرلمانية الإيرانية للأمن القومي، في أعقاب حادث التدافع، الذي أضاف: «لقد وقع حادثان مأساويان خلال فترة قصيرة. حكومة السعودية ليست قادرة على إدارة موسم الحج».
اتخذت الحكومة السعودية احتياطات مكثفة لتجنب الكوارث خلال موسم الحج السنوي، بما في ذلك تركيب محطات المياه لتجنب الجفاف الشامل وتوسيع المساجد للسيطرة على الحشود، ولكن حتى الاستعدادات نفسها تحولت إلى وسيلة للقتل في وقت سابق هذا الشهر حينما قتل أكثر من 100 في حادث سقوط رافعة بناء بالمسجد الحرام والتي تسببت في سحق عدد من المصلين الذين تجمعوا لصلاة الجمعة في المسجد الحرام.
هذا العام، نشرت المملكة العربية السعودية أكثر من 100 ألف من ضباط الشرطة والأمن الأخرى، فضلا عن 25 ألفا آخرين من طواقم المهن الطبية لتجنب مثل هذا النوع من الحوادث.
وقالت «سوزان مالوني» وهي زميل بارز في معهد «بروكنغز» لسياسات الشرق الأوسط أنه على الرغم من أن الحكومة الإيرانية لديها الحق في الغضب بسبب وفاة رعاياها المدنيين، إلا أن بيت القوة الشيعي ربما يرى في الحادث فرصة لتوجيه ضربة عنيفة إلى منافسها الإقليمي السني، المملكة العربية السعودية.
ويقع البلدان على طرفي نقيض من الحرب الأهلية اليمنية، حيث تستهدف الغارات الجوية السعودية المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران. وفي الوقت نفسه، تؤكد «مالوني» أن الايرانيين يدركون تماما أن «الوصول إلى الحج يتم التحكم به في نهاية المطاف من قبل السعوديين وأن التصعيد بشأن هذا الحادث قد لا يكون مفيدا»، وقد يسهم في زيادة التوترات بين البلدين.
وأعلن العاهل السعودي الملك «سلمان» فتح تحقيق رسمي في الحادثة ودعا رجل دين إيراني بارز واحد على الأقل المملكة العربية السعودية إلى تسليم مسؤولية تنظيم الحج السنوي لمنظمة التعاون الإسلامي، وهي هيئة دولية يزعمون أنها ستكون أكثر قدرة على معالجة أسباب الكوارث القاتلة في السنوات الأخيرة.
ما فرص حدوث ذلك؟ وفقا لــ«مالوني» الجواب هو صفر.
«الأمر شديد المركزية بالنسبة لشرعية النظام الحاكم». «إن الشرعية السياسية للحكومة هي شرعية دينية في المقام الأول بحكم سيطرتها على الأراضي المقدسة. هذا يجعل من المستحيل تصور أي آلية بديلة لإدارة هذا الحدث الضخم كل عام». بحسب «مالوني».
ولكن هذا لا يعني أن إيران لن تحاول. وحتى قبل قيام الثورة الإسلامية عام 1979 فإن الحجاج الإيرانيين كان يتم دفعهم من قبل حكومتهم لاستغلال الحج كفرصة لتحدي الأنظمة الملكية مثل المملكة العربية السعودية، وفقا لـ«مالوني».
جاء الرد الإيراني على هذا الحادث في الواقع أكثر اعتدالا مما كان متوقعا بالنظر إلى خطابهم في أعقاب الحوادث الأخيرة في موسم الحج. عندما قتل المئات في الثمانينيات على سبيل المثال، فقد أدى الأمر إلى تجاذبات حقيقية بين البلدين. على الأقل فإن انتقادات يومي الخميس والجمعة الماضيين كانت تحمل دوافع سياسية أقل.
وكان بعض المسؤولين الإيرانيين أكثر قلقا بخصوص بعض التقارير التي أشارت إلى منع وصول الأطقم الطبية الخاصة بهم إلى الجرحى المدنيين. وانتقد بعض القادة الأفارقة ادعاءات الأمير «خالد الفيصل» أن التدافع كان سببه «بعض الحجاج من جنسيات إفريقية».
تم الإبلاغ عن وجود 30 حاجا على الأقل من مالي إضافة إلى 5 من السنغال في قوائم القتلى. وقال «محمدو السنوسي الثاني» أمير ولاية كانو في شمال نيجريا ذات الأغلبية الإسلامية ورئيس بعثة الحج النيجيرية أن التدافع كان يمكن تجنبه وأن الحجاج الأفارقة لم يكونوا على خطأ.
وأضاف «السنوسي» في تصريحات لـ«بي بي سي»: «نحث السلطات السعودية عدم إلقاء اللوم على الحجاج لعدم التزام التعليمات».