استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

بقايا العراق وعودة الروح!

الأربعاء 30 سبتمبر 2015 06:09 ص

شبح انقراض الدول الوطنية يحوم على منطقة الشرق الاوسط منذ انتهاء الحرب الباردة التي توجت بهدم جدار برلين 1989، وكأن المعادل الحيوي لوحدة الالمانيتين يكمن في التجزئة القسرية لدول الشرق الاوسط المنبثقة اصلا عن اتفاقيات سايكس ـ بيكو 1916 والتي اطاحت حلم الدولة العربية الكبرى كبديل طبيعي عن دولة الخلافة العثمانية التي تعاملت مع البلدان والولايات العربية تعامل المحتلين.

شبح سايكس - بيكو الجديد يتجسد هذه المرة بعد ان فاضت ارباح الاستثمار في وديعة بلفور 1917 والتي من اجل عيونها يعاد رسم حدود وخرائط هذا الشرق لتتلاءم مع هدف تسييد اسرائيل وجعلها زعيمة مطلقة للمنطقة برمتها، زعيمة من اجل عملقتها يتقزم كل الشرق ومن اجل استدامتها تتفكك دوله الى كانتونات طائفية متباغضة، ليسهل سوقها جميعا سوق القطيع!

كان العراق، وباعتراف اصحاب القرار، هو نقطة الانطلاق في مشروع الشرق الاوسط الجديد، فكانت عملية احتلاله عام 2003 هي ساعة الصفر للشروع المعلن بالتنفيذ. وكان ما كان من تفكيك دولته وحل جيشه والاستثمار في تجفيف منابع وحدته الوطنية الجامعة، حيث جرى التدرج بجرعات تهشيم خلايا الوحدة الوطنية. 

ومنذ اول مجلس، تحت رئاسة بريمر، الى كل المجالس المتتالية التي افرزتها عمليته السياسية، ثبتت هوية المكون الطائفي والاثني كبديل بنيوي عن الدولة الوطنية، والتي كانت تختزل في احشائها جينات لدولة عراقية حديثة تؤسس لمشروع أمة، تكون نموذجا لشرق ما يجمع بين شعوبه اكثر مما يفرقها، شرق متصاهر المشارب بثقافة عربية اسلامية متمدنة، تجمع كل الملل والنحل تحت راية دولة العدل والمساواة وحقوق الانسان والتداول السلمي للسلطة المنبثقة من الشعب بانتخابات حرة ونزيهة وبكفالة دولية. كل هذا نحو اقامة مجتمعات منفتحة وخالية من عقد التعصب والانغلاق والتسيد، مجتمعات التنمية والاستثمار بالمعرفة، مجتمعات متماهية الابعاد تكون جسرا حداثويا يستشرف القوة والرفاه باتحاد يفوق الاتحاد الاوروبي اتساقا وعمقا واصالة وثقافة وتكاملا اقتصاديا!

لقد اسهمت كل القوى والشخصيات العراقية التي انسجمت وتخادمت مع المشروع الانكلوامريكي لاحتلال العراق وتفكيك دولته من حيث تدرك او لا تدرك في الدفع باتجاه تدمير البلاد والعباد وتقسيمها الى ثلاثة كانتونات او ثلاث دويلات لا يجمعها غير التنازع على الحصص والمغانم والمكاسب من بقايا ما تبقى من ثروات وموارد وسلطة الاعناق والارزاق. وعليه فهي تتحمل مسؤولية تاريخية عما يحصل للعراق وشعبه من كوارث ومآس تصل حد الابادة، لاسيما وانها نفسها جميعا تتشارك في تقاسم السلطة افقيا وعموديا منذ احتلال العراق وحتى الان.

وحدها القوى المدنية والعسكرية الوطنية العراقية التي رفضت مشروع الاحتلال وقاومته وعارضت عمليته السياسية مؤهلة لاعادة تأهيل العراق واعادة روحه اليه. فالفاسد لا يمكن ان يصلح، والمنخرط بمشروع أُسسه تتصادم موضوعيا مع انبثاق عراق جديد معافى لازالة ما لحق بالعراق وشعبه، لا يمكنه ان يكون طرفا قياديا نزيها في تحمل مسؤولية ازالة اثارالاحتلال الامريكي وما تبعه من تداعيات واحتلالات ايرانية وداعشية واختلالات بينية، نزولا، حتى صار واقعا معاشا وجود ثلاثة كيانات لدول تتلاطم على ارض العراق وهي لا تدخر جهدا للتمدد على حساب الاخر، دول تستجيب لمشروع الشرق الاوسط الجديد.. كل بحسب منطلقاته. 

فالاحزاب السلطوية في شمال العراق، دولة كردستان، تريدها دولة كردية كبرى لا تبارحها كركوك ولا حتى المناطق الكردية المحاذية في سوريا. والاحزاب الطائفية الشيعية تريدها دولة شيعية كبرى لتكون نواة لشرق اوسط بملامح شيعية من افغانستان وحتى لبنان مرورا بالكويت والبحرين واليمن. دولة لا تستبقي غير اتباعها من الرعية انطلاقا من البصرة الى تلعفر مرورا ببغداد وسامراء. دولة تنتقي من عملية بريمر ما يلبي طموحاتها المتعاشقة مع ايران وهلالها الشرق اوسطي. واخيرا وليس اخرا، دولة داعش العابرة للحدود والمتمددة على اكثر من ثلث مساحة العراق وعاصمتها الموصل، وهي تريده شرقا اوسطيا تتربع عليه دولة الخلافة التي تطرح نفسها بديلا قسريا عن الدولة الوطنية المفككة!

السماء لن تنفخ الروح بالدولة الوطنية العراقية، ولن تخرج الارض نبتا يحفز حاصديه على استعادة دولتهم الوطنية المفقودة. الناس وحدهم من سيستدرك المآلات وبالتالي من سيحكم على الواقع حكما لا استئناف فيه ومن ثم سيغيرون اتجاه الدفة. فلو تلمس العراقيون خيرا حقيقيا من الوضع الذي خلفه الامريكان لتقبلوا الواقع بكل ما فيه من انشطارات وضحايا وتحاصص وتغانم. لكن الاغلبية المطلقة منهم لا تجد بالوضع الجديد غير رجوع للوراء. وبالمقارنة فإن الحاضر هو الجحيم بعينه والماضي هو الافضل وهو الاقدر من الحاضر، والحنين اليه سمة يتعاظم طغيانها بين الباحثين عن النجاة.

النظام الوطني بنى دولة بنظام سياسي غير تعددي، لكنه كان ناجحا في تحجيم الفساد وفي التنمية وفي الخدمات. فالطرف والجسور والمستشفيات والمدارس والجامعات والمصانع والمزارع ومشروعات الري الكبرى بناها هو. اما من استخلفهم الامريكان ودعمهم الايرانيون فلم يبنوا شيئا، بل هدموا وسرقوا وتشاطروا في ترويع الاهالي بالفتن والحروب الاهلية.

النظام الوطني كان محاصرا وكان عليه تكالب دولي. لكنه حقق منجزات وبكل المجالات يشار لها بالبنان. يكفيه فخرا انه كان يساعد البلدان الاخرى وان قادته لم يهربوا امولا للخارج وانهم لم يكونوا عبيدا لدول اخرى!

النظام الوطني أمم النفط وجعل هناك شركة وطنية كبرى للتنقيب والاستخراج والتصدير وبكفاءات عراقية اصبحت مراجع في الاستثمارات بمجال النفط وسياساته، النظام اللاوطني الحالي رهن النفط العراقي بيد الاحتكارات النفطية العالمية تهافتا على اكبر قدر ممكن من الموارد النقدية لتصريف اعمالهم ونفقاتهم الفاسدة، وهكذا ينسحب الانهيار الوطني على كافة المجالات الصحية والتعليمية والخدمية والصناعية والزراعية والعسكرية. 

وهنا نورد مثال التصنيع العسكري الذي كان مفخرة وطنية في انتاج اغلب المستلزمات العسكرية، نجده اليوم منهارا. والعراق يهدر اليوم مليارات الدولارات لاستيراد ما كانت تنتجه تلك المؤسسة. والطاقة الكهربائية مثال فاقع اخر. فالنظام الوطني وبرغم الحصار الشامل المفروض عليه كان يوفر تيارا بانقطاعات اقل مما هي عليه الان، بالرغم من رفع الحصار وتخصيص 40 مليار دولار لقطاع الكهرباء منذ 2003 وحتى الان!

ملايين من المهجرين والمهاجرين والنازحين، اكثر من مليون قتيل ومعوق، 30٪ تحت خط الفقر، 50 ٪ بطالة اسمية ومقنعة، 1000 مليار دولار حجم الاموال التي دخلت البلاد وشبح الافلاس يحوم حولها باعتراف القائمين على الامر. بلاد محتلة ومختلة، بلاد بلا مستقبل وبلا ملامح واضحة، هذه هي حصيلة الحكم اللاوطني في العراق منذ 2003 وحتى الان!

كيف اذن لا يثور العراقي ومن اي مدينة او طائفة كانت لاسيما وان الخراب عام ولا تمييز فيه؟ فالبصرة اكثر خرابا من الموصل وبغداد اكثر اهمالا من كركوك.

كيف لا يقاوم الحاضر الذي يريد ان يلغي فيه روح الانتماء للدولة الوطنية لحساب الانتماءات الاخرى التي ترجع به لمجتمعات ما قبل الدولة المدنية الحديثة؟

الكارثة كبيرة والمكبلات والكوابح اكبر. لكن اليأس سيدفع بالناس الى اجتراح ما لم يخطر على بال. التظاهرات المتواصلة التي انطلقت شرارتها من البصرة وعمت كل مدن العراق هي بروفات لحراك شعبي اكبر، وسيضطر شباب العراق للخوض فيه دفاعا عن مستقبلهم المجهول. 

وإذا كان النظام القائم يحتمي بالميليشيات الطائفية التي تقف ايران خلف معظمها، فإن شباب العراق سيجد المعادل الذي يردعها عن لعب اي دور يعيق ثورته القادمة.. وبذلك سيعيد هؤلاء الشباب بعضا من الروح للعراق المفقود.

 

٭ جمال محمد تقي كاتب عراقي

  كلمات مفتاحية

العراق الثورة شباب العراق الميليشيات الطائفية إيران الفساد النهب

«معصوم» و«العبادي» و«الجبوري» يتفقون على تمرير الإصلاحات والقوانين

خط التوتر العالي: من البصرة إلى بيروت

«البنتاغون»: إصلاحات «العبادي» تعزز مكافحة «الدولة الإسلامية»

جوهر الأزمة العراقية

العراق وشعار الدولة المدنية