ناشيونال إنترست: مستقبل تركيا لن يعتمد على روسيا أو الغرب

الثلاثاء 29 ديسمبر 2020 01:38 ص

تنظر التحليلات الأخيرة للسياسة الخارجية التركية إلى أنقرة على أنها تتحرك ببطء مبتعدة عن شركائها في الناتو ومقتربة من روسيا، حيث يبدو أن الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" ينتهج استراتيجية للموازنة بين الغرب وموسكو، لكن من غير المرجح أن تنجح هذه الاستراتيجية مما يترك تركيا بدون أصدقاء أو حلفاء.

كما ينظر المحللون إلى الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على أنهما بحاجة إلى الحفاظ على توازن من خلال كبح جماح تركيا المستقلة والمتمردة، مع إبقائها تحت مظلة الناتو وخارج مدار موسكو.

وتظل عضوية تركيا المستمرة في الناتو هدفًا مهمًا لكل من بروكسل وواشنطن، على الرغم من موقف أنقرة السلبي تجاه شركائها في الناتو وأنشطتها العسكرية في سوريا والعراق وليبيا وشرق البحر الأبيض المتوسط ​​وناغورني قره باغ.

وكان استعداد بروكسل وواشنطن لتقديم تنازلات للحفاظ على مشاركة أنقرة في الناتو واضحًا في حزمتي العقوبات المزدوجة التي تم الإعلان عنها في أوائل ديسمبر/كانون الأول، حيث إن الحزمتين لم تصلا إلى المجموعة الكاملة من التدابير التي كانت قيد الدراسة في البداية في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، مما يعكس رغبتهما المستمرة في الحد من مخاطر تنفير أنقرة ودفعها بعيدًا عن حلفائها في الناتو.

ولكن، على عكس الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لا تنظر تركيا بالضرورة إلى مستقبلها على أنه محصور بين الغرب وروسيا، لأن الخيارين قد يقيدا طموحاتها بدلاً من تمكينها.

تركيا تتحدى روسيا

تسعى تركيا في ظل حكم "أردوغان إلى اتباع سياسة خارجية نشطة تهدف إلى تحقيق هدفين هما محاولة تغيير الوضع الراهن لإيجاد مكان في القيادة العالمية، وتعزيز الشرعية المحلية للنظام وضمان بقائه.

وربما تمثل أنقرة تحديا استراتيجيا أكبر لموسكو منها للغرب، ففي حين أن تركيا على خلاف حاليًا مع اليونان وشركاء آخرين في الناتو في شرق البحر الأبيض المتوسط​​، فإنها تتبع أيضًا استراتيجية مدروسة ودقيقة للمشاركة مع دول المنطقة الساحلية للبحر الأسود والقوقاز وآسيا الوسطى.

وتتيح هذه الإستراتيجية لأنقرة مجال نفوذ جديد وشراكات استراتيجية مستقلة عن حلفائها التقليديين في الناتو، في الوقت الذي تزيد فيه أيضًا من احتمالية المواجهة مع روسيا من خلال الانخراط في مناطق النفوذ والسيطرة التقليدية لموسكو.

وكان أوضح مظهر تجلت فيه هذه الاستراتيجية هو دور تركيا في الصراع في ناغورني قره باغ، فقد كانت أذربيجان عنصرًا حاسمًا في خطة أنقرة لفطم نفسها عن الاعتماد على الغاز الروسي. وبالتالي تمكنت تركيا من الاستفادة من الصراع بين أذربيجان وأرمينيا لتعزيز تحالفها المزدهر مع أذربيجان، في الوقت ذاته الذي أقحمت نفسها في الفناء الخلفي لروسيا.

والأهم من ذلك، أن أنقرة رأت الحرب الأذربيجانية الأرمينية فرصة لإضفاء الطابع الرسمي على وضعها كلاعب رئيسي في القوقاز على حساب روسيا. ويمكن القول إن دوافع تركيا للانخزاط المتزايد مع أوكرانيا يعتمد على الحسابات ذاتها. وقد عززت القمة الرئاسية التي عُقدت في منتصف أكتوبر/تشرين الأول بين البلدين شراكة تعاون دفاعي، مما أدى إلى واقع جيوسياسي جديد في منطقة البحر الأسود.

وتشمل اتفاقية التعاون التي وقعتها أنقرة وكييف تعاونًا صناعيًا دفاعيًا متقدمًا في محركات الفضاء والأنظمة الجوية غير المأهولة، بما في ذلك الإنتاج المشترك لطائرة مقاتلة بدون طيار. وفي تحدٍ مباشر لموسكو، وافقت تركيا أيضًا على بيع طائرتها المسلحة المسيرة من طراز "بيرقدار" إلى أوكرانيا واشترت نظام صواريخ أرض-جو (S-125 (Goa-3 الأوكراني المحدث.

تحالفات تركية

ويبدو أن أنقرة عازمة على إعادة تنشيط فكرة التضامن التركي لبناء تحالف عبر آسيا الوسطى والقوقاز، حيث كانت تركيا عضوًا مؤسسًا في مجلس التعاون للدول الناطقة بالتركية الذي تم تشكيله في عام 2009 بهدف أساسي هو تعميق التعاون بين أنقرة والدول الناطقة بالتركية في الاتحاد السوفيتي السابق.

وكان يُنظر إلى هذه المجموعة على أنها مصممة خصيصًا لتوسيع النفوذ التركي في آسيا الوسطى. ورغم أنها بدأت بداية بطيئة، إلا إنها اكتسبت أهمية وزخمًا منذ أواخر عام 2019 عندما انضمت أوزبكستان رسميًا.

وتسعى تركيا بشكل ملحوظ أيضًا إلى تنفيذ برنامج للتعاون الدفاعي مع أكبر دولتين في آسيا الوسطى، كازاخستان وأوزبكستان، فيما يمثل تحديًا مباشرًا لروسيا. وقد أبرمت كازاخستان اتفاقية تعاون عسكري مع تركيا تشمل صناعة الدفاع وتبادل المعلومات الاستخباراتية والتدريبات المشتركة وأنظمة المعلومات والدفاع السيبراني، فضلاً عن التدريب العسكري والبحث العلمي والتقني العسكري.

ووقعت أوزبكستان اتفاقية مماثلة مع تركيا في أواخر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، خلال زيارة وزير الدفاع التركي، وأثارت هذه الزيارة أيضًا نقاشًا مثيرًا للاهتمام، وإن كان خياليًا إلى حد كبير، حول إنشاء "جيش توران" وتكتل عسكري على غرار حلف الناتو يضم جميع الدول الست الناطقة بالتركية بقيادة أنقرة.

وتشير هذه المبادرات -التي يبدو أنها نُفذت جميعها في تحدٍ صارخ للمصالح الروسية نظرًا لأنها موجهة إلى دول كانت تاريخيًا في مدار موسكو - إلى أن أنقرة تتجه نحو مسار تصادمي مع موسكو وليس انفراج.

وبينما تحملت روسيا مواجهات مع تركيا في سوريا وليبيا -حيث خاضا صراع بالوكالة- فمن المحتمل أن تكون موسكو أقل تسامحًا مع مناورات أنقرة في الفناء الخلفي لروسيا.

استغلال التوجه

ينظر صناع السياسة في واشنطن وبروكسل بشكل صحيح إلى الأزمة المتنامية مع تركيا على أنها تمثل تحديًا لمستقبل الناتو، لكنهم أيضًا بحاجة إلى توخي الحذر لئلا يخلطوا بين هذه القضية والأسئلة الوجودية الأكثر ديمومة حول الهدف الأساسي لحلف الناتو وعضويته.

 من الواضح أن تركيا تصوغ محورًا جيوسياسيًا جديدًا يشهد ابتعادها بشكل متزايد عن الأهداف الأساسية لحلف الناتو، لكن الأهم من ذلك، أن هذا المحور سيعمل أيضًا كمقابل لروسيا عبر الشرق الأوسط وأوراسيا. لهذا يجب على صانعي السياسات في واشنطن وبروكسل، الذين يفكرون في كيفية إدارة مسألة أنقرة أن يظلوا مدركين لهذا الأمر.

ومن الأفضل الاستمرار في الاستفادة من طبيعة المعاملات التبادلية التي تتسم بها السياسة الخارجية التركية في ظل حكم "أردوغان" لتشجيع أنقرة على العمل مع الغرب، وليس ضده، بغض النظر عما إذا كانت تركيا ما تزال عضوًا فاعلًا في حلف الناتو.

المصدر | كونور ديلين - ناشونال انترست - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

رجب طيب أردوغان حلف الناتو اتفاقات الدفاع المشترك التركية العلاقات التركية الروسية قره باغ الاتحاد الأوروبي

فايننشال تايمز: تركيا اخترقت مجال النفوذ الروسي بعد انتصار أذربيجان

السياسة الخارجية التركية.. هل تنأى أنقرة بنفسها عن الغرب للانفصال عنه؟