البدون والعمالة الوافدة.. تحديات رئيسية أمام تحول الكويت إلى دولة حديثة

الأحد 10 يناير 2021 02:21 ص

تعد الكويت العضو الأكثر ليبرالية في مجلس التعاون الخليجي مع وجود صحافة حرة وبرلمان نشط ونظام سياسي ديناميكي، لكن سمعتها كمجتمع مفتوح تخفي سجل البلاد السيئ في مجال حقوق الإنسان والتوترات الاجتماعية الكامنة.

وتتجاوز ثروة الكويت الاقتصادية بكثير مستوى التنمية الاجتماعية والسياسية، وتظهر أوجه القصور في هذا الصدد في معاملة غير المواطنين بما في ذلك العمال الأجانب وفئة "البدون" (عديمي الجنسية) الذين لديهم جذور في البلاد تمتد لقرون.

بدأ تاريخ الكويت الحديث في عام 1716 عندما هاجرت 3 قبائل من شمال وسط الجزيرة العربية - (الصباح والخليفة والجلاهمة) والتي شكلت معًا حلف العتوب - إلى منطقة الساحل الشمالي الغربي للخليج العربي.

في عام 1775، استولت سلالة "الزند" الفارسية على البصرة في جنوب العراق، وحولت ميناء الكويت إلى شريان حياة حيوي في شمال غرب الخليج العربي.

ولكن مع استمرار الاضطرابات في بلاد فارس والعراق، ساعدت الظروف المحلية والإقليمية السيئة على زيادة انقسام المجتمع الكويتي على أسس قبلية ودينية وطائفية.

وتنعكس التركيبة القبلية للبلاد في نظامها السياسي، فالبرلمان هو نسخة حديثة من "الديوانيات"، أو أماكن التقاء العشائر، حيث تجتمع كل قبيلة في ديوانية منفصلة لمناقشة القضايا السياسية واختيار ممثليها البرلمانيين.

اتفق الاتحاد القبلي ورجال الأعمال على عقد اجتماعي غير مكتوب يقوم على نظام الشورى الإسلامي.

وقد حل أفراد عائلة "الصباح" المالكة، الذين أقر حكمهم القبائل والتجار عام 1752، مجلس الشورى في عام 1896 ليتم تشكيل أول مجلس تشريعي في الكويت بعد ذلك في عام 1938 ولكنه سرعان ما انهار بسبب الخلافات بين العرب والفرس والعائلات التجارية.

في نفس العام، بدأ عصر النفط في الكويت، حيث حولت البلاد اقتصادها من الاعتماد على التجارة وجمع اللؤلؤ وصيد الأسماك إلى إنتاج النفط.

وهنا بدأ المجتمع يكتشف الأنماط الحديثة للتفاعل بين الناس والتي مهدت الطريق (بعد عام من الاستقلال في عام 1961) لعقد اجتماعي جديد ونظام سياسي ديمقراطي تنبع فيه السيادة من الشعب ظاهريًا.

ومنذ الاستقلال، عارض أفراد العائلة المالكة في الكويت تمكين المجتمع المدني بسبب مصلحتهم الراسخة في الحفاظ على الطبيعة القبلية للدولة ومنع صعود كتل برلمانية قوية.

تعتبر عائلة "الصباح" الحاكمة النخبة التجارية خصمًا تاريخيًا ومنافسًا، وهي مصممة على منعهم من استعادة نفوذهم السياسي.

وفي هذا السياق غيّر أمير الكويت في عام 2012، نظام التصويت من 4 أصوات لكل ناخب إلى نظام صوت واحد لكل ناخب، مما وجه ضربة لقوى التغيير وحال دون قدرة المعارضة على تشكيل كتل برلمانية قوية.

وقد تلاعبت الدولة بالقبائل لسنوات لتقوية قبضتها على السلطة وإضعاف البرلمان.

وفشلت الحركات السياسية التي نشأت في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي - القوميون العرب وحزب البعث والجماعات السياسية الإسلامية - في إشراك شرائح أوسع من المجتمع وبالتالي لم تشكل مجتمعًا سياسيًا متكاملًا.

في غضون ذلك، فشل أفراد العائلة المالكة في تأسيس أيديولوجية للدولة تترجم المبادئ الوطنية للدستور.

وبدلا من ذلك، اختاروا استمالة القبائل كقوة موازية للتجار والأحزاب السياسية الأيديولوجية.

وبالرغم من المستويات التعليمية المتزايدة للقبائل، فقد ظلوا محرومين اقتصاديًا، وفي الآونة الأخيرة، بدأوا في الانقلاب على النخبة الحاكمة.

ولدى الكويت تاريخ طويل من التمييز ضد الفئات المهمشة.

وقد تصاعد ذلك بعد غزو العراق للكويت عام 1990، عندما فرت العائلة المالكة بأكملها إلى السعودية وتركت الكويتيين لمواجهة المجهول.

وبعد التحرير، تصاعدت المطالب بسياسة التوازن السكاني، والتي تهدف في المقام الأول إلى طرد 450 ألف فلسطيني مغترب يعيشون في الكويت بسبب دعم منظمة التحرير الفلسطينية لغزو العراق.

في تلك المرحلة، تم ترحيل الكثير من الفلسطينيين تحت حجج كثيرة. وقد تم ترحيل أكثر من 360 ألف فلسطيني لعبوا دورًا حاسمًا في تحديث البلاد إلى الأردن.

وفي عام 2013، أدخلت وزارة الصحة بروتوكول فحص جديد في المستشفيات العامة يفصل الكويتيين عن المغتربين ويمنحهم معاملة تفضيلية، بالرغم من أن الغالبية العظمى من الطاقم الطبي من الأجانب.

ومنذ تفشي وباء "كورونا"، شهدت العنصرية انتعاشًا مرة أخرى، حيث استهدفت الحملة هذه المرة العمال الآسيويين، الذين فقد الكثير منهم وظائفهم لأنه كان يُنظر إليهم على أنهم مصابون بالفيروس. كما اتهم بعض السياسيين المغتربين بنشر الفيروس وإثقال كاهل نظام الرعاية الصحية.

في الواقع، لدى العديد من الكويتيين، بغض النظر عن مكانتهم الاجتماعية، مواقف سلبية تجاه المغتربين، وعلى الأخص العمال من جنوب شرق آسيا ومصر.

وتجدر الإشارة إلى أنه يعيش في الكويت ما يقرب من 825 ألف هندي و 518 ألف مصري و 186 ألف فلبيني.

كانت إساءة معاملة الموظفين بشكل خاص مشكلة للمجتمع الفلبيني.

ففي عام 2018، أدان الرئيس الفلبيني "رودريغو دوتيرتي" سوء معاملة العمال الفلبينيين في الكويت.

وتم منع الفلبينيين من البحث عن عمل في الكويت وسط تقارير مؤكدة عن انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان من قبل أرباب العمل، بما في ذلك القتل والاغتصاب وظروف العمل غير الإنسانية.

فبين عامي 2016 و 2018، توفي أكثر من 200 عامل فلبيني في الكويت أثناء العمل، 22 منهم بالانتحار.

وطالب نائب كويتي بوقف جميع المساعدات الخارجية للفلبين ردا على انتقادات "دوتيرتي".

وبعد بضعة أشهر، رفعت الفلبين الحظر وكان ذلك على الأرجح لأن التحويلات من العمال الفلبينيين في الكويت هي مصدر دخل مهم للفلبين.

هناك العديد من الأمثلة الأخرى عن التحيز تجاه العمال الأجانب.

فقد دعت ممثلة كويتية استهزأت بالجاليات العربية التي تعيش في البلاد، إلى إلقاء المصريين في الصحراء.

وحاولت شاعرة إماراتية الدفاع عنها بالقول إنها تعني البنغاليين وليس العرب.

وفي حادثة أخرى، قام عامل طعام كويتي بضرب عامل هندي جائع كان يقف في طابور للحصول على طعام خلال شهر رمضان لأنه هندوسي.

وقد تجاهل الكويتيون في الغالب الانتقادات بشأن إساءة معاملة العمال الأجانب.

فهم غالبًا ما يجادلون بأنه يحق لهم فعل ما يريدون في بلدهم.

عادة ما يكون الرد الرسمي أن هذه أحداث فردية لا تمثل القيم الكويتية. 

ولا تقتصر المعاملة السيئة على العمال الأجانب فقط، بل تمتد أيضًا إلى أولئك الذين تربط أسلافهم صلات بالبلد.

يعتبر أقل من 30% من سكان الكويت البالغ عددهم 4.5 مليون شخص من المواطنين. أما الباقين فهم إما مغتربون يقيمون في الدولة أو من "البدون"، أي الأشخاص عديمي الجنسية.

عندما حصلت الكويت على استقلالها عن بريطانيا عام 1961، بلغ عدد السكان المحليين 310 آلاف نسمة وقد حصل ثلثهم على الجنسية باعتبارهم من نسل مؤسسي دولة "العتوب" الكونفدرالية، كما حصل ثلثهم الآخر على الجنسية فيما تم تسمية البقية بالبدون، بالرغم من حقيقة أن أسلافهم عاشوا في البلاد لعدة قرون.

ووفقًا للإحصاءات الرسمية، تضاعف عدد السكان الأصليين 6 أضعاف منذ الاستقلال، لكن عدد البدون ظل مستقرًا عند حوالي 110 آلاف شخص.

يعتبر "البدون" من البدو الذين جاءوا في الغالب من جنوب العراق في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.

وتعتبر خلفيتهم الشيعية السبب الرئيسي لحرمانهم من الجنسية الكويتية.

وقد تم رفض طلبات التجنيس الخاصة بهم من قبل وزارة الداخلية عندما حصلت الكويت على الاستقلال.

وقبل الحرب الإيرانية العراقية في الثمانينيات، حصلوا على مزايا سخية من الدولة، لكن منذ ذلك الحين، عوملوا على أنهم غير قانونيين وحُرموا من حقوق الإنسان الأساسية مثل التعليم العام والوصول إلى المستشفيات.

يعيش الكثير من "البدون" في فقر مدقع وينظر إليهم الجمهور على أنهم خونة، بالرغم من حقيقة أن العديد منهم قاتلوا وماتوا من أجل الكويت عندما احتل الجيش العراقي البلاد في عام 1990.

وتعد قضية "البدون" في الأساس مسألة حقوق إنسان، لكن الحكومة تعاملت معها كمسألة سياسية تهدد بإضعاف التوازن الاجتماعي الهش في الكويت.

أضاعت الكويت فرصة لتعلم دروس من ماضيها فيما يتعلق بالتوازن السكاني فبدلاً من بناء قوة عاملة محلية، استبدلت الكويت الفلسطينيين في الغالب بمصريين وتعاقدت مع مئات الآلاف من العمال الآسيويين. وتواجه البلاد تحديات خطيرة تتطلب إصلاحات جذرية سواء كانت سياسية أواقتصادية.

يعد النفط مصدر الدخل الوحيد في الكويت، ولكنه يفقد بريقه مع انخفاض الأسعار كما تعاني منطقة الخليج من عدم استقرار أكثر من أي وقت مضى، ويغادر المغتربون الكويت بأعداد متزايدة.

سيستمر الضغط على العائلة المالكة للانتقال إلى دستورية حقيقية، وعلى الكويتيين ليصبحوا منتجين اقتصاديًا. ومن خلال هذه التغييرات الجوهرية فقط يمكن للكويت التحول إلى دولة حديثة.

المصدر | هلال خاشان/جيوبولتيكال فيوتشرز – ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الكويت البرلمان الكويتي حقوق الإنسان في الكويت الدستور الكويتي الاقتصاد الكويتي البدون العمالة الوافدة

تحرك كويتي لتوطين وظائف وزارتي العدل والخارجية

خلال أسبوعين.. أكثر من 3600 وافد يغادرون الكويت

انتحار طفل بدون بالكويت يفجر غضبا على مواقع التواصل ومطالبات بالمساءلة

مطالبات بالسماح لمطرب قطري بدخول الكويت لتشييع والدته

الخارجية الأمريكية: لواء كويتي تلقى 169 مليون دولار رشاوى من البدون