«ميدل إيست آي»: لماذا تصمد العلاقات الأمريكية السعودية رغم العقبات؟

الأربعاء 7 أكتوبر 2015 10:10 ص

تتمتع المملكة العربية السعودية بمستوى مذهل من القدرة على الإفلات من أي مساءلة دولية. هذا لا يرجع فقط لكونها أكبر وأغنى العائلات المالكة في العالم مع تأثير انتشار قاص وداني، كما أن الأمر لا يتعلق أيضا بالنفط وحده، رغم كونها تمتلك ربع الاحتياطيات النفطية في العالم والتي توفر لها احتراما أكبر من قبل الاقتصاديات الحديثة التي لا تزال تعتمد على نفط وغاز الخليج.

ومع ذلك، فإن انتخاب السعودية مؤخرا ضمن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة يرجع جزئيا إلى مبادلة التصويت السري مع بريطانيا. غالبا ما ينظر الجميع إلى الجهة الأخرى حين يتعلق الأمر المملكة العربية السعودية، وبخاصة ما يثار حول السجل السعودي لحقوق الإنسان.

ويبدو أن ذلك لم يكن كافيا، فد تم اختيار السفير السعودي لدى الأمم المتحدة لرئاسة لجنة خبراء حقوق الإنسان التي تقدم قوائم ترشيحات المقررين إلى رئاسة المجلس، بما يشمل قضايا مثل حقوق المرأة، وحرية التعبير والحرية الدينية. ويقترن هذا الخبر مع اعتزام السعودية تنفيذ حكم الإعدام على المعارض الشاب «علي محمد نمر» والذي كان يبلغ من العمر 17 عاما فقط حين شارك في أول مظاهرة له ضد العائلة المالكة في 2011.

في حالة تمثيلية أخرى، حكم على المدون «رائف بدوي» بالسجن لمدة طويلة والخضوع لألف جلدة في مكان عام بسبب انتقاده للنظام الملكي. يشبه هذا السلوك مسالك التنظيمات مثل «الدولة الإسلامية» أكثر مما يؤهل لشغل المناصب العليا للأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان.

إضافة إلى ذلك، فإن الرياض متهمة بارتكاب جرائم حرب شديدة بسبب الاستهداف المتكرر للمدنيين خلال تدخلها في اليمن. وكان أسوأها حادث استهداف حفل زفاف في 29 سبتمبر/ أيلول عبر غارة جوية مما أسفر عن مقتل 131 مدنيا، من بينهم العديد من النساء والأطفال.

لا غنى عنه

منذ الحرب العالمية الثانية، مثلت المملكة العربية السعودية رصيدا استراتيجيا لا غنى عنه بالنسبة للغرب، النفط هو التفسير الأساسي لهذا التقارب، لكنه لا يكفي لتفسير القصة كلها. خلال فترة ما بعد الحرب، كان الموقف السعودي المعادي للشيوعية هاما، وهو نوع من بوليصة التأمين الصحي للغرب أن الحكومة لن يتم استدراجها إلى المدار السوفييتي أو إلى مجموعة عدم الانحياز على طريقة «عبد الناصر»، والذي كان كفيلا بتقويض أمن الطاقة لدول أوروبا الغربية.

في السنوات الأخيرة، تتشارك السعودية مع (إسرائيل) نمطا مقاربا من العداء الشديد تجاه إيران وهو ما أسعد المخططين في واشنطن الذين طالما واجهوا صعوبات بسبب الدعم غير المشروط لإسرائيل والمتزامن مع الاعتماد شبه المطلق على النفط الرخيص من دول الخليج.

وبلغ هذا التوتر ذروته في أعقاب حرب أكتوبر/تشرين الأول في عام 1973، حيث أعربت المملكة العربية السعودية عن استيائها من موالاة الغرب لـ(إسرائيل) من خلال فرض حظر نفطي تسبب بنوبة ذعر عالمي. وطالب صقور الحرب بإنهاء الحصار عبر إرسال قوات المظليين لتهبط فوق حقول النفط السعودي. تكهن «هنري كسنجر»، الذي لم يعان أبدا من سيناريوهات الحرب، أن مثل هذا التدخل قد يكون «ضروريا» للحفاظ على أمن الطاقة في الغرب. سمع الحكام السعويون تعهد الغرب أن مثل هذا الأمر لا ينبغي له أن يحدث مجددا، ومن ثم فقد كانوا حريصين جدا بشأن عدم التعدي على المصالح الغربية.

وإزاء هذه الخلفية، فإنه ليس من المستغرب أن مخاوف المنظمات غير الحكومية حول المشهد المروع لحقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية تقع على آذان صماء. الرئيس «أوباما»، الذي لم يمل من إخبار العالم أن الشخصية الوطنية للولايات المتحدة تتطلب الحرص على الالتزام بقيمها التي تركز على حقوق الإنسان والديمقراطية، بينما يصبح أميا حين يتطرق الأمر نحو المملكة العربية السعودية. إنه مشغول بطمأنة العاهل السعودي الجديد حول التزامه بتلك العلاقة الثانية في مرتبة الأهمية في الشرق الأوسط و«الخاصة» بين البلدين. العلاقة الأولى هي بالطبع مع (إسرائيل).

إذا نظرنا بعمق إلى كلمة «خاصة» والتي تحمل قيمة مضافة لكلمة «علاقة»، فسوف يبدو أن ذلك يعني دعما غير مشروط بما في ذلك رفض التعبير عن الانتقاد. الدعم الجيوسياسي الأمريكي يمنح الإفلات من العقاب من قبل المجتمع الدولي سواء في الأمم المتحدة أو في أي مكان آخر. هناك المزايا الأخرى التي تأتي مع هذا الوضع سوى الإفلات من العقاب، لعل أبرزها التخفي على دور بعض أعيان السعودية بشأن هجمات 11 سبتمبر/ أيلول. تذكر أن 15 من الخاطفين الـ19 للطائرة كانوا سعوديين، وأن حكومة الولايات المتحدة لا تزال لم تفرج بعد عن صفحة من الأدلة التفصيلية على الاتصالات السعودية مع القاعدة التي جمعتها لجنة التحقيق.

دعم الدولار

العلاقة الخاصة مع المملكة العربية السعودية، بخلاف العلاقة مع (إسرائيل)، ذات فائدة للطرفين. بسبب العائدات الهائلة التي تحصل عليها المملكة من بيع 10 ملايين برميل من النفط يوميا على مدى عقود، فإن دعم المملكة العربية السعودية الراسخ للدولار كعملة حساب يصب في مصلحة سعي الولايات المتحدة نحو الهيمنة على الاقتصاد العالمي. أبعد من ذلك، فإن السعودية وبعد ارتفاع سعر النفط العالمي بنسبة 400% في السبعينيات، قد سارعت إلى تدوير عائدات النفط من خلال الاستثمار في أوروبا وأمريكا الشمالية، وخصوصا عبر استثمارات بلغت مليارات الدولارات في شراء الأسلحة.

قامت الولايات المتحدة بدورها أيضا في دعم العلاقة، خاصة من خلال الاستجابة السريعة للغزو العراقي للكويت الذي شكل تهديدا بحق المملكة العربية السعودية. عن طريق نشر 400 ألف جندي في المملكة العربية السعودية وقيادة جهود ناجحة لإرغام العراق في عهد «صدام حسين» على الانسحاب من الكويت، فقد ارتفعت الموثوقية الأمريكية عند السعوديين بشكل كبير.

وعلى الرغم من المنافع الاستراتيجية المتبادلة بين كلا الطرفين، فإن الجانب الأكثر أهمية في هذه العلاقة الخاصة هو قدرتها على البقاء في مواجهة الدور السعودي في تمويل التشدد الإسلامي المناهض للغرب في جميع أنحاء العالم. يعتقد أن الدعاية الدينية السعودية مسؤولة إلى حد كبير عن ارتفاع وانتشار التنظيمات الجهادية والاضطرابات الناجمة عن ذلك.

كنت أعتقد أن الغرب، وبخاصة بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول، سوف يصر على أن المملكة العربية السعودية يجب أن توقف كل أشكل الدعم للجماعات المتطرفة في الخارج حتى لو تم التغاضي عن ممارسات القمع الداخلي. الأكثر ضررا من كونها المنقذ للإفلات السعودي من العقاب هو قبول الولايات المتحدة للتفسير الطائفي المناهض لإيران الذي يعتمد عليه السعوديون لتبرير تحركاتهم المثيرة للجدل مثل التدخلات المباشرة في البحرين واليمن، فضلا عن تقديم الدعم المادي للقوات المناهضة للأسد في سوريا.

أصبحت الانتهازية السعودية واضحة عندما ألقت المملكة دعمها الدبلوماسي وحزمة كبيرة من النقد لانقلاب مصر ضد الحكومة المنتخبة لجماعة الإخوان المسلمين. أعداء السعودية الحقيقيين هم إيران باعتبارها المنافس الإقليمي والديمقراطية باعتبارها تشكل تهديدا للاستبداد الملكي.

الإفلات من العقاب السعودي يجعلنا نقدر قيمة العلاقات العادية التي لا تحتاج إلى وعود من الإفلات من العقاب فيما يتعلق بالجرائم الدولية وانتهاكات حقوق الإنسان. وقد أصبحت هذه العلاقة مكلفة سياسيا في هذا القرن. المساءلة هي الأفضل لتحقيق الاستقرار والأمن والسلام المستدام. وسوف يكون محرجا لحكومة الولايات المتحدة أن تظل تدافع عن حقوق الإنسان في حين تتجاهل الأمر حين يتعلق بمساءلة المملكة العربية السعودية أو (إسرائيل).

  كلمات مفتاحية

السعودية الولايات المتحدة العلاقات الأمريكية السعودية

«ستراتفور»: السعودية وأمريكا وراء صفقة حاملتي الطائرات الفرنسية لمصر

«مجتهد»: السعودية وأمريكا تدعمان ”سرا“ التفاهم مع «الأسد» خوفا من ”خطر الجهاديين“

تقرير: السعودية وأمريكا وروسيا يبحثون الإطاحة بـ«الأسد»

واشنطن والرياض: المقايضة المعطلة

«واشنطن بوست»: الصداقة القوية بين السعودية وأمريكا أصبحت «في فعل الماضي»

عن النفط والسعودية وأمريكا

«مجتهد»: السعودية وأمريكا تتبادلان المعلومات واللوم حول سوريا والعراق واليمن

«فورين بوليسي»: حان وقت قلق أمريكا من انهيار النظام السعودي

«هافينغتون بوست»: تغيير محتمل في السعودية يشير إلى نهاية الهيمنة الأمريكية

مسؤول أمريكي سابق: هل آن أوان تخلي الولايات المتحدة عن السعودية؟