عقد من الثورة.. ثغرات خطيرة حولت الربيع العربي إلى شتاء قارس

الجمعة 5 فبراير 2021 02:54 ص

كتب العديد من الخبراء والمعلقين في الأشهر الأخيرة عن الأخطاء وأوجه القصور والفشل شبه التام للثورات غير المسبوقة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والتي اندلعت قبل 10 أعوام. لكن ما كان مفقودا إلى حد كبير في هذه التحليلات هو الحديث عن كيفية خوض المعارك المستقبلية من أجل الحرية والديمقراطية بشكل أكثر نجاحا.

ومن نواح عديدة، كانت نقاط القوة في الانتفاضات هي أيضا نقاط ضعفها. وكان ثوار مصر وسوريا واليمن والبحرين وحتى تونس غير مستعدين وافتقدوا للتجهيز والإعداد السليم وكانوا بدون استراتيجية، ليس فقط لإسقاط الطغاة، ولكن لمنع الحروب الأهلية والتدخل الأجنبي التي تلت تلك الثورات، أو الحكم الرشيد إذا اكتسبوا السلطة.

وفي الواقع، لم تكن انتفاضات الربيع العربي لتحدث على الإطلاق لولا سماتها الأساسية كحركات غير مخطط لها وغير منظمة ولا مركزية. ولو كانت غير ذلك، لكانت الحكومات قد اكتشفتها وسحقتها قبل أن تتمكن من الظهور. ولم يكن افتقار الثوار إلى الاستعداد للتفاوض أو الحكم مصادفة، ولكن بسبب عقود من القمع أبقت المجتمع المدني مجزأ وضعيفا.

وعلى عكس الثورات الإقليمية السابقة في القرنين الـ 19 والـ 20، لم تكن احتجاجات عام 2011 تدور حول قوميين عرب يحاربون الإمبريالية أو الاحتلال أو أخطاء الأجانب، ولكن بدلا من ذلك كانت الثورات لمواطنين ينتفضون في وجه الحكام الفاسدين من زجل حريتهم وحقهم في حياة كريمة.

نقاط قوة الانتفاضات نقاط ضعفها

ومع دعم الحكومات الإقليمية والقوى العظمى العالمية للديكتاتوريات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لم تكن معركة شعب ما ضد حكومته كافية لضمان النصر. فلم يكن الشعب السوري يقاتل نظام "الأسد" فقط، ولم يخرج المصريون ضد "مبارك" فقط، وهكذا دواليك. وفي كل حالة، واجهت الجماهير تحالف من قوى إقليمية ودولية، مثل السعودية والإمارات وإيران وروسيا، وكلها كانت عازمة على سحق ثوراتها. نتيجة لذلك، أصبحت نقاط قوة الانتفاضات العربية كحركات وطنية نقاط ضعفها أيضا.

ولم يشكل الثوار تحالفات شعبية عابرة للحدود الوطنية كقوة موازنة لقوى النظام القديمة المضادة للثورة في الداخل والخارج. وكانت الثورات الوطنية المناهضة للإمبريالية والاستعمار في القرن الماضي ناجحة بسبب قدرتها على تشكيل تحالفات قوية عبر الحدود لدعم مقاومتها الوطنية، بما في ذلك حركة عدم الانحياز التي أصبحت، لبعض الوقت، قوة عالمية في حد ذاتها. وبحلول الربيع العربي، كانت الحركات القومية العربية قد ماتت، وتلاشت حركات التضامن في العالم الثالث منذ فترة طويلة.

وكانت مجموعات المواطنين الثوريين في كل بلد بمفردها. وربما يكونون قد ألهموا بعضهم البعض، وولدوا الأمل والإشادة في جميع أنحاء العالم. لكنهم لم يتمكنوا من العثور على دعم عابر للحدود لتطلعاتهم الديمقراطية عندما تعرضوا للهجوم، وبالتأكيد ليس من الحكومات الغربية الديمقراطية. وفي أسوأ الحالات، في مواجهة العنف الحكومي الساحق، سمح الثوار بالتدخل العسكري الأجنبي الذي حول انتفاضاتهم المدنية السلمية إلى حروب بالوكالة لا يمكن معرفة نهايتها ولا علاقة لها بالديمقراطية أو حقوق الإنسان، كما هو الحال في سوريا وليبيا.

وليس من قبيل المصادفة أن الديكتاتوريين في البلدان التي شهدت انتفاضات محدودة اعتبروا الإسلام السياسي، وحركة الإخوان المسلمين على وجه الخصوص، أخطر تهديد لأمنهم وبقائهم. وكانت جماعة الإخوان هي الحركة الوحيدة العابرة للحدود الوطنية التي تتمتع بدعم أيديولوجي وأتباع في كل بلد في المنطقة ويمكن أن تكون بمثابة قاعدة موحدة للدعم عبر الإقليمي للثوار.

وهذا هو السبب في أن المتعاطفين مع الإخوان المسلمين في جميع أنحاء المنطقة، بالرغم من أنهم لم يلعبوا دورا رائدا في ثورة أي دولة بمفردها، دفعوا وما زالوا يدفعون مثل هذا الثمن الباهظ للانتفاضات العربية. وقد وُصِفوا بأنهم "إرهابيون"، وطوردوا واضطهدوا وسجنوا وعذبوا وقتلوا بالرصاص وأعدموا، بل وحتى ارتكبت في حقهم المذابح الجماعية.

ولم يقتصر الخوف من جماعة الإخوان المسلمين على الطغاة بالطبع، ولكن انتقل الخوف للنخب الأكثر علمانية، التي تلاشى دعمها الأولي لمسيرة الثورة وسط الآلام المتزايدة للديمقراطية. ويبدو أن دعم هذه الشريحة المهمة من المجتمع، وكذلك حلفائهم في دوائر السياسة الخارجية في الخارج، والتزامهم بالديمقراطية، كان يعتمد على مجرد انتخابات لا تسفر عن أي انتصارات للإسلاميين. ولم يكن هذا أكثر وضوحا في أي مكان من مصر، حيث دعم أنصار الثورة المصرية العلمانيين المحبين للحرية الانقلاب العسكري ضد الرئيس "محمد مرسي" المدعوم من جماعة الإخوان المسلمين.

ولم تكن دوافع معارضة النخب العلمانية لـ"مرسي" انتهاكات حقوق الإنسان بالطبع. وبدلا من ذلك، سيطر على هذه النخب في مصر "بعبع" ما قد يفعله "مرسي" والإخوان يوما ما في المستقبل. وسيطر خوفهم المتخيل، الذي تشاركهم فيه الحكومات الغربية، مما قد يحدث من الإخوان، على عقولهم بشكل أكبر بكثير من الوحشية والقمع الفعليين لعقود من حكم الجنرالات العسكريين، وربما أكبر من واقع الكابوس العسكري الديكتاتوري الذي يحكم البلاد اليوم.

رد واشنطن

وفي هذه الأثناء، وجدت إدارة "أوباما" نفسها داعمة لقضية الثوار العرب لكن مع عدم الرغبة في الانفصال عن سياساتها التي لا تتزعزع على ما يبدو لتسليح وحماية الطغاة غير المنتخبين في المنطقة. ولم تدرك الولايات المتحدة أن وقت الوقوف إلى جانب "مبارك" قد انتهى حتى اللحظات الأخيرة الحتمية من الثورة المصرية. لكنهم لم يفعلوا شيئا لدعم حكومة "مرسي" الإسلامية المثيرة للقلق، ونظروا في الاتجاه الآخر خلال الانقلاب العسكري الذي أطاح بها. وبالرغم من تجميد صفقات الأسلحة بعد مذبحة "رابعة"، فقد استأنفوا سريعا العمل كالمعتاد، وصرح "كيري" أن "السيسي" سيعيد الديمقراطية لضمان تجديد عمليات نقل الأسلحة.

وردت واشنطن على الانتفاضات العربية بأسوأ طريقة ممكنة بتدخلات عسكرية، ظاهريا لدعم المتظاهرين، لكنها استهدفت الحكومات المعادية لواشنطن في ليبيا وسوريا. ومع ارتفاع عدد القتلى في سوريا، تحولت النقاشات الأمريكية حول المنطقة بأكملها إلى سؤال واحد، وهو ما إذا كان "أوباما" سيوسع تدخل أمريكا في سوريا من تسليح الوكلاء إلى القصف المباشر للحكومة السورية.

ولا تزال الولايات المتحدة تخوض حربا أخرى طويلة الأمد في إحدى دول الربيع العربي (اليمن) وتدعم الأنظمة الملكية في السعودية والإمارات في مهمتهما لاستعادة رئاسة "عبدربه منصور هادي" لليمن. وتم استبدال الحديث عن الديمقراطية العربية بالحديث عن تهديدات إيران والإسلاميين والتطرف.

وستكون التحديات التي يواجهها الثوار القادمون، كما ذكّرنا بها شعوب العراق ولبنان والجزائر والسودان خلال العام الماضي، أكبر مما واجهه الرجال والنساء العرب الشجعان قبل عقد من الزمن. وتجعل آليات المراقبة الجماعية (من خلال التقنيات الغربية) والتقييدات على وسائل التواصل الاجتماعي، التنظيم المرن من قبل القوى الديمقراطية الناشئة أكثر صعوبة وخطورة.

ومع عمليات التتبع والاختراق التي تقوم بها أجهزة الاستخبارات، تبدو الانتفاضات المفاجئة أو غير المتوقعة أقل احتمالا. علاوة على ذلك، فقد تعلم طغاة المنطقة الحاليين من أخطاء الماضي وحاولوا القضاء على أي أثر للمجتمع المدني، خشية ظهور حركات مقاومة شعبية جديدة.

ومع ذلك فقد تم زرع بذور الديمقراطية. وأصبح الملايين من المنفيين السياسيين من الانتفاضات هم اليوم أصوات المجتمع المدني المستقلة الوحيدة في العالم العربي، الذين قد يكونون قادرين على توفير الأساس لحركة عبر وطنية تضغط بشكل جماعي من أجل الديمقراطية في المنطقة. بل إن أكثر الحكام العرب وحشية يفهمون الآن قوة هؤلاء المنفيين ويخشونها.

ويعتبر أكبر دليل على هذا الخوف ما حدث في القنصلية السعودية في إسطنبول. وربما يفهم هؤلاء الحكام أيضا قانون الحياة الثابت الذي يقول: "حاول كما تشاء، فلن يمكنك إطفاء الربيع، سوف يعود دائما".

المصدر | سارة لين وايتسون/ريسبونسيبل ستيتكرافت - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الربيع العربي الخريف العربي مذبحة رابعة الانقلاب العسكري انقلاب عسكري نخب علمانية الإخوان المسلمون

السيسي نموذج.. الربيع العربي الزائل في مصر: كيف تقتل ثورة؟

دروس الربيع العربي.. الثورة عمل صعب لكن التنظيم السياسي أصعب

ن.تايمز: شهية التغيير قائمة بالشرق الأوسط رغم سيطرة المستبدين

كاتب أمريكي لبايدن: دفع شركاء واشنطن للإصلاح أو التأهب لربيع عربي جديد