صراع النفوذ.. استراتيجية روسيا في ليبيا بعد الترتيب السياسي الجديد

الجمعة 12 فبراير 2021 11:33 م

في 5 فبراير/شباط، صوت أعضاء ملتقى الحوار السياسي الليبي الذي تقوده الأمم المتحدة على قيادة مؤقتة للبلاد، حيث تم اختيار "محمد يونس المنفي" رئيساً للمجلس الرئاسي و"عبدالحميد محمد دبيبة" رئيساً مؤقتاً للوزراء. وجاءت نتيجة تصويت الملتقى المؤلف من 74 عضوًا بمثابة مفاجأة للأطراف الخارجية المتصلة بالصراع الليبي، بما في ذلك روسيا.

كانت موسكو تعتقد أن الفوز سيكون من نصيب القائمة التي دفعت أنقرة والقاهرة للتوافق حولها، بقيادة وزير الداخلية "فتحي باشاغا" ورئيس مجلس النواب "عقيلة صالح".

وبالرغم من ذلك، لم يتغير شيء إلى حد كبير بالنسبة لروسيا بعد التصويت. ولا تزال موسكو تتوقع أن تحتفظ الشخصيات التي تفضلها بمناصب مهمة، سواء في الحكومة المؤقتة الجديدة - ربما تتسلم حقائب وزارية هناك - أو بعد الانتخابات الوطنية المقرر إجراؤها في 24 ديسمبر/كانون الأول 2021.

ومن الجدير بالذكر أنه قبل أسبوع من التصويت، استقبلت موسكو وفودًا من الأطراف المتعارضة من غرب وشرق البلاد. ففي 29 يناير/كانون الثاني الماضي، التقى نائب رئيس الوزراء في حكومة الوفاق الوطني "أحمد معيتيق" في موسكو بوزير الخارجية الروسي "سيرجي لافروف". وفي اليوم السابق، أجرى "معيتيق" أيضًا محادثات مع وزير الصناعة والتجارة الروسي "دينيس مانتوروف".

وفي الوقت نفسه، وصل وفد من حكومة شرق ليبيا برئاسة وزير الخارجية والتعاون الدولي لحكومة الشرق "عبدالهادي خويج" إلى موسكو، وقد التقى نائب وزير الخارجية الروسي "ميخائيل بوجدانوف". وتحدث "خويج" لصحيفة "كوميرسانت" الروسية عن الشق الاقتصادي من المحادثات في موسكو، قائلا إن الجانبين ناقشا مشاريع لبناء السكك الحديدية والكهرباء والتعليم والصحة، بما في ذلك إمكانية إمداد ليبيا باللقاح الروسي لفيروس كورونا.

وفي 25 يناير/كانون الثاني، استقبل "بوجدانوف" في موسكو عضو مجلس طبرق، "عبدالناصر بن نافع".

وتعتقد موسكو أن واشنطن نظمت المرحلة الحالية من عملية السلام في ليبيا وفقا لمصالحها الخاصة بينما كانت الدبلوماسية الأمريكية "ستيفاني ويليامز" هي الرئيسة المؤقتة لبعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا. وفي الوقت نفسه، لا ترى روسيا أنه من المناسب معارضة الولايات المتحدة في هذه الخطوات علنًا، وخاصة أن هذه الخطوات قد تكون مفيدة للكرملين إلى حد ما.

ويتوقع الكرملين أن بعض الشخصيات التي تمكن الجانب الروسي من إقامة تفاعل بنّاء معه ستحتفظ بمواقعها ونفوذها في البلاد. كما أنه في حالة فشل المرحلة الحالية من التسوية السياسية في ليبيا، فإن موسكو التي تستقبل بنشاط ممثلين من كل من غرب وشرق البلاد ستكون على استعداد لدعم صيغة بديلة غير رسمية للحوار الليبي. ويمكن إجراء مثل هذا التنسيق خلال زيارة مشتركة لوفود من الشرق والغرب في موسكو.

ويعتبر "معيتيق" أحد السياسيين الرئيسيين في غرب ليبيا الذين تعمل معهم موسكو بنشاط كبير وتعتبره راعيا لمصالحها. ويحتفظ "معيتيق" ببعض فرص الحصول على حقيبة وزارية في الحكومة الجديدة، ومن المرجح أن يظل في أعلى مستويات السلطة بعد انتخابات ديسمبر/كانون الأول. ومن الجدير بالذكر أن "معيتيق" يزور العاصمة الروسية بشكل متكرر منذ عام 2017، كما زار موسكو مع وزير خارجية حكومة الوفاق الوطني "محمد سيالة" في يونيو/حزيران 2020.

وفي سبتمبر/أيلول 2020، أجرى "معيتيق" مفاوضات مهمة في سوتشي، حيث وقع اتفاقية مع أحد أبناء الجنرال "خليفة حفتر" لإلغاء حظر صادرات النفط الليبية. وكان ذلك حدثًا تاريخيًا أكد دور موسكو في الشؤون الليبية وأظهر قدرتها على إيجاد لغة مشتركة مع الليبيين، وجلب الأطراف المتحاربة إلى طاولة المفاوضات على أراضيها.

وفي الوقت نفسه، لا يزال "عقيلة صالح"، الذي احتفظ بمنصب رئيس مجلس النواب، رغم عدم قدرته على تولي رئاسة المجلس الرئاسي، هو المفضل لدى الكرملين بين القادة السياسيين في شرق ليبيا. ويأتي ذلك بعد أن أصبح الجانب الروسي مقتنعًا بأنه لم يعد بإمكانه الوثوق سياسيا بـ"حفتر"، الذي فقد مصداقيته أمام رعاته الخارجيين على خلفية افشل الهجوم على طرابلس. ومن المهم التذكير بأن الخبراء الروس هم الذين أعدوا لـ"عقيلة صالح" مشروع إصلاح المجلس الرئاسي وحكومة الوفاق الوطني، والذي لا تزال بعض أحكامه قيد الاستخدام.

في الوقت نفسه، يحاول الجانب الروسي تطوير علاقاته مع وزير الداخلية المؤثر "فتحي باشاغا"، الذي لا تربطه علاقات وثيقة بتركيا فقط ولكن أيضًا مع الدول الغربية. ويعتزم وزير الداخلية في حكومة الوفاق الوطني زيارة موسكو لإجراء محادثات وإقامة حوار بناء. وينبغي الإشارة إلى أنه كان من المقرر ألا تقابل روسيا "معيتيق" في 28 يناير/كانون الثاني، بل "باشاغا" الذي تلقى دعوة من "بوجدانوف".

وقال مصدر روسي مطلع على الملف الليبي لـ "المونيتور" إن العمل على تنظيم زيارة "باشاغا" إلى موسكو جرى في ربيع وصيف 2020، وربما بدأ قبل ذلك، ولكن بعد ذلك تعرض الجانب الروسي الرسمي لضغوط من مختلف الهياكل غير الحكومية المؤثرة في روسيا، بما في ذلك مؤسسة "حماية القيم التقليدية" (منظمة في موسكو لها صلات بمزرعة "ترول" الروسية سيئة السمعة). ففي الوقت الذي كانت فيه زيارة "باشاغا" قيد الإعداد، كان اثنان من موظفي المؤسسة هما "مكسيم الشقلي" و"سامر سويفان" محتجزين في ليبيا بتهمة العمل مع "سيف الإسلام القذافي"، نجل الزعيم المخلوع "معمر القذافي".

وقد اتُهم وزير الداخلية في حكومة الوفاق الوطني بالمسؤولية المباشرة عن القبض على الشخصين. لذلك، لم يتم إجراء المفاوضات في ذلك الوقت، كما تم عرض "باشاغا" بشكل سلبي للغاية في فيلم روائي روسي حول مصير الرجلين المحتجزين، والذي تم بثه على قناة "NTV" الفيدرالية الروسية. وتصف العديد من وسائل الإعلام الروسية وزير الداخلية الليبي بـ"زعيم الإرهابيين". لذلك، عندما بدأت موسكو نفسها في التعبير عن اهتمامها بتطوير العلاقات مع "باشاغا"، فإن هذه الخلفية السلبية أعاقت تطوير أي حوار.

وحاول العديد من السياسيين في غرب ليبيا، بمن فيهم أولئك المرتبطون بحكومة الوفاق الوطني، التنافس مع بعضهم البعض ليصبحوا المفضلين لدى روسيا. وتأخرت عملية تحرير المواطنين الروس بسبب المنافسة بين اللاعبين الأكثر نفوذاً في حكومة الوفاق الليبي، مثل "السراج" و"معيتيق" و"باشاغا".

وتم اتخاذ قرار الإفراج عن الاثنين في نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وأيد "السراج" هذا القرار. لكن رغبة وزير الداخلية في تقديم الإفراج عنهما على أنه مبادرته الخاصة، تسببت في حدوث تأخير. ولم يرد رئيس حكومة الوفاق أن يجري الإفراج عنهما من وراء ظهره أو أن يتم تجاوزه. وخشي "السراج" أن يبدو "باشاغا" في صورة جيدة أمام "موسكو"، فأجل الإفراج لمحاولة منع أي تقارب بين "باشاغا" وروسيا، لأن ذلك من شأنه تعزيز مكانة وزير الداخلية. ولم يتم إطلاق سراح الرجلين إلا في ديسمبر/كانون الثاني 2020.

لذلك، يمكن أيضًا اعتبار وصول "معيتيق" إلى موسكو بدلاً من "باشاغا" انعكاسًا للمنافسة الداخلية.

أيضًا، لا تستبعد موسكو إمكانية التفاوض مع شخصيات أخرى تعارض بشكل عام الشكل الحالي للحوار بين الليبيين. وإذا فشل الحوار، فقد يلعب هؤلا دورا في المرحلة اللاحقة. وفي سبتمبر/أيلول 2020، زار الرئيس السابق للمؤتمر الوطني العام ورئيس حزب "يا بلادي"، "نوري أبو سهمين" موسكو، حيث أجرى محادثات مع "بوجدانوف" وممثلي الأجهزة الأمنية الروسية.

ومن المهم أيضًا الإشارة إلى محادثات يناير/كانون الثاني في موسكو مع رئيس مكتب القائد العام للجيش الوطني الليبي "خيري التميمي". وفي إطار البعد العسكري للاتصالات، قد يلمح وجود "التميمي" إلى خطط روسيا للحفاظ على وجودها العسكري في ليبيا وإيجاد أسباب مشروعة لذلك. ويكتسب ذلك أهمية خاصة على خلفية الضغوط المتزايدة من واشنطن بعد وصول إدارة الرئيس "جو بايدن" بشأن وجود مرتزقة روس من مجموعة "فاجنر".

وتسعى روسيا إلى إنشاء قواعد عسكرية دائمة خاصة بها في ليبيا، وقد يكون ذلك عبر إنشاء قاعدة بحرية في سرت أو منشأة جوية في الجفرة. ولكن المشكلة تكمن في تسمية مدينة سرت على أنها المدينة المخطط لها لإيواء السلطات الجديدة - حكومة الوفاق الوطني والمجلس الرئاسي - ويجب أن تكون المدينة نفسها منزوعة السلاح. ويعد انسحاب المرتزقة هو المرحلة الأولى من هذه العملية.

ومع ذلك، فإن الخيار المحتمل للحفاظ على الوجود الروسي في سرت والجفرة يمكن أن يكون نشر بعثة روسية رسمية تابعة لوزارة الدفاع لمساعدة السلطات الليبية الجديدة في إنشاء قوة مسلحة موحدة، قبل انسحاب المرتزقة الروس. وللقيام بذلك، ستحتاج روسيا إلى الحصول على موافقة السلطات الجديدة المعترف بها رسميًا في ليبيا، ولهذا يمكن لموسكو استخدام "شخصياتها" في المجال الليبي.

وفي هذا السياق، تسعى أنقرة لإنشاء قاعدتين لها في ليبيا (قاعدة جوية في الوطية وقاعدة بحرية في مصراتة)، ومن المحتمل أن تتوصل روسيا وتركيا إلى تفاهم مشترك ومن المتوقع أيضًا حدوث تقارب في مواقف موسكو وأنقرة على المسار الليبي في ضوء الضغوط الأمريكية لإخراج الوجود العسكري الأجنبي (ليس فقط الروسي بل التركي والإماراتي أيضًا) والذي تجلت في تصريحات السفير الأمريكي لدى مجلس الأمن الدولي "ريتشارد ميلز".

ويتعارض هذا الموقف الأمريكي مع مصالح هذه الدول التي تسعى إلى الحصول على موطئ قدم في ليبيا. لذلك ستكون هذه الدول مستعدة لتقديم تنازلات متبادلة فيما بينها للحفاظ على وجودها العسكري في هذا البلد.

المصدر | كيريل سيمينوف/ المونيتور – ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الدور الروسي في ليبيا مستقبل ليبيا المجلس الأعلى الليبي ليبيا التنافس الروسي الأمريكي حكومة الوفاق الوطني ملتقى الحوار الوطني خليفة حفتر فايز السراج

روسيا تدعو لضرورة مشاركة أنصار القذافي في الحوار الليبي

واشنطن: سنواصل دعم قيادة ليبيا نحو المصالحة والانتخابات ووقف إطلاق النار

القائم بالأعمال الروسي يبحث مع الدبيبة إعادة فتح سفارة في طرابلس

لتفعيل العلاقات الثنائية.. الدبيبة يبدأ أول زيارة له إلى روسيا

اللعب على كل الحبال.. هل تنجح المغامرة الروسية في ليبيا؟