رغم الخلافات.. البحر الأسود يجمع تركيا والناتو لمواجهة النفوذ الروسي

الخميس 18 فبراير 2021 06:19 ص

لم تقتصر التوترات بين تركيا وحلف شمال الأطلسي (الناتو) على شراء أنقرة لمنظومة دفاع الجوي الروسية "إس-400"؛ حيث أثارت الاحتكاكات في شرق البحر المتوسط شبح الصراع العسكري بين حلفاء "الناتو" عندما كانت أساطيل السفن اليونانية والتركية تتجه مباشرة نحو بعضها البعض في الصيف الماضي.

ومع ذلك، هناك منطقة واحدة يمكن لتركيا أن تدعم فيها جهود "الناتو" وهي منطقة البحر الأسود.

فمنذ ضم شبه جزيرة القرم عام 2014، أصبحت المنطقة قلعة عسكرية روسية؛ حيث عززت موسكو وجودها العسكري بشكل كبير في منطقة يعتبرها الرئيس "فلاديمير بوتين" حجر الزاوية في وصول قوات بلاده إلى البحر الأبيض المتوسط.

ولدى روسيا الآن ما يكفي من الأصول للتغلب على أي تحالف في البحر الأسود، بما تمتلكه من سفن وغواصات جديدة وأنظمة صواريخ "كاليبر".

وبالرغم من ذلك تسعى موسكو لتعزيز قوتها في هذه المنطقة، وستُنفق ثلثي الميزانية العسكرية في 2021 على شراء الأسلحة والتحديثات، بما في ذلك إنشاء أحدث نظام استراتيجي للمراقبة الأوتوماتيكية السطحية في البحر الأسود.

حضور أمريكي متزايد واستراتيجية تركية جديدة

وردا على ذلك، عززت البحرية الأمريكية وجودها العسكري في البحر الأسود. ففي الأسبوعين الماضيين، دخلت إلى البحر الأسود حاملتا الطائرات "يو إس إس دونالد كوك" و"يو إس إس بورتر"، وسفينة التزود بالوقود "يو إس إن إس لارامي"؛ فيما يعتبر أكبر انتشار بالمنطقة منذ عام 2017. وتوفر صواريخ "كروز توماهوك" قوة نيران حاسمة لواشنطن في مسرح البحر الأسود.

وحاولت الولايات المتحدة من خلال هذا الاستعراض للقوة إرسال رسالة مفادها أنها قادرة على العمل في منطقة جغرافية واسعة ودون مساعدة من الحلفاء الإقليميين، إذا لزم الأمر.

لكن الاستراتيجية الأكثر فاعلية تتطلب استجابة منسقة من الحلفاء الإقليميين للولايات المتحدة مثل تركيا. 

وبالرغم من شراكتها الدفاعية المتنامية مع موسكو، فإن أنقرة غير مرتاحة بنفس القدر بشأن الوجود العسكري الروسي المتزايد في منطقة كانت لتركيا فيها ميزة في السابق.

وفي نداء عام 2016 إلى حلفاء تركيا في "الناتو"، قال الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" إن البحر الأسود أصبح "بحيرة روسية"، ودعا إلى وجود أكبر لحلف شمال الأطلسي، فيما يعتبر نهجا مخالفا للسياسة التركية التي فضلت لعقود من الزمن إبعاد الحلف عن المنطقة.

وطورت تركيا استراتيجية متعددة الجوانب لمواجهة النفوذ الروسي في البحر الأسود.

وكانت إحدى الجوانب المهمة لهذه الاستراتيجية هي الجبهة الداخلية؛ حيث تعمل تركيا على تعزيز قواتها البحرية.

وقد تم إطلاق مشروع يسمى "ميلجم"، لتصميم وبناء السفن البحرية في البلاد، بما في ذلك طرادات فئة "أدا".

وفي عام 2018، وقعت البحرية الباكستانية عقدًا لشراء 4 من هذه السفن من شركة "ASFAT" التركية، وهي أول عملية تصدير ناجحة لهذه السفن.

كما تعمل تركيا على تطوير قدراتها لمواجهة الأصول الروسية المتنامية في البحر الأسود من خلال طلب 4 فرقاطات جديدة تعتمد على تصميم كورفيت من فئة "أدا"، لكن تم تمديدها بمقدار 14 مترًا حتى يمكن إدراج نظام إطلاق عمودي لصواريخ أرض جو عليها.

وللمرة الأولى سيتم دعم الفرقاطة بمنظومة "جوك دنيز"، وهي النسخة البحرية من منظومة الدفاع الجوي "كوركوت" منخفضة الارتفاع.

وسيتم أيضا دمج صاروخ "أتماجا" الوطني المضاد للسفن في الوحدة الأولى من الفئة "TCG Istanbul"، والتي من المتوقع أن تدخل الخدمة في وقت لاحق من هذا العام.

موازنة روسيا من خلال التعاون العسكري الإقليمي

كما تتخذ تركيا خطوات على جبهة السياسة الخارجية؛ حيث كثفت من تعاونها مع أوكرانيا وجورجيا وأذربيجان. وتعتبر أنقرة هذه الدول مفيدة في جهودها لموازنة الوجود العسكري الروسي في البحر الأسود وجنوب القوقاز.

ومنذ ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، توسعت العلاقات التركية الأوكرانية بشكل كبير.

وفي العام الماضي، كشف "أردوغان" عن حزمة مساعدات عسكرية بقيمة 36 مليون دولار لأوكرانيا.

واتفقت الدولتان على التعاون في تصميم وتصنيع محركات الطائرات ووحدات الرادار والطائرات بدون طيار وأنظمة الملاحة.

كما تم الاتفاق على دراسة التعاون في مشروعات التكنولوجيا المتقدمة مثل أنظمة الصواريخ الباليستية.

وتخطط تركيا أيضا لبيع سفنها لأوكرانيا كجزء من صفقة دفاعية أكبر يمكن أن تغير ميزان القوى في البحر الأسود.

وإلى جانب التعاون في الصناعات الدفاعية، تُجري القوات البحرية الأوكرانية والتركية تدريبات مشتركة في البحر الأسود لإظهار قدرتها على العمل وفقا لمعايير "الناتو".

واستثمرت تركيا أيضا في تعزيز دفاعات جورجيا، وهي دولة أخرى على البحر الأسود مهددة نفوذ روسيا المتزايد في المنطقة.

وخصصت تركيا ملايين الدولارات لوزارة الدفاع الجورجية لإصلاح اللوجيستيات العسكرية وتعزيز القدرات الدفاعية لجارتها الشمالية الشرقية مع دعوة "الناتو" لتجديد عضوية "جورجيا" وهي خطوة تعارضها روسيا.

كما وسعت تركيا تعاونها الدفاعي مع أذربيجان، وقد ظهر ذلك في القتال في منطقة كاراباخ المتنازع عليها أواخر العام الماضي، عندما ألقت أنقرة بدعمها العسكري الكامل وراء باكو.

وقدمت الطائرات التركية بدون طيار ميزة كبيرة لأذربيجان في الصراع الذي انتهى بسيطرة أذربيجان على مساحات كبيرة من الأراضي التي كانت تسيطر عليها القوات الأرمينية.

وارتفعت الصادرات العسكرية التركية إلى أذربيجان 6 أضعاف في عام 2020؛ حيث قفزت أذربيجان إلى قمة قائمة مشتري الأسلحة التركية في سبتمبر/أيلول.

الناتو والبحر الأسود

يجب على "الناتو" دعم هذه الجهود التركية، كما ينبغي إنشاء "مجموعة دورية بحرية للبحر الأسود" دائمة على غرار عملية "حرس البحر" الناجحة في البحر الأبيض المتوسط.

ووفقًا لمفهوم "الدولة الإطارية" لحلف الناتو، يمكن منح تركيا دور الدولة الرائدة في البحر الأسود، ويمكن للأعضاء الأصغر دمج قدراتهم الخاصة والمحدودة في الهيكل التنظيمي الذي توفره أنقرة.

وعلى غرار مهام "الناتو" الأخرى في بحر البلطيق أو البحر الأبيض المتوسط​​، يمكن لتركيا أن تلعب دورا تنسيقيا لجلب حلفاء آخرين في الناتو يرغبون في المشاركة وتقديم الدعم.

وستتطلب مثل هذه القوة تنسيق التزام الأعضاء من خارج البحر الأسود بوجود بحري منتظم ودوري في المنطقة، بما يتماشى مع اتفاقية "مونترو" لعام 1936، التي تمنع تواجد السفن الحربية من غير الدول الساحلية لأكثر من 21 يوما.

وبالرغم من أن تطوير مثل هذه الوحدة متعددة الجنسيات سيتطلب جهدا دبلوماسيا مستداما، فإنها ستكون هامة جدا لتعزيز ردع الناتو في منطقة استراتيجية أصبحت نقطة انطلاق لروسيا لاستعراض قوتها من جورجيا وصولا إلى سوريا وليبيا.

المصدر | جونول تول، يوروك إيشيك/معهد الشرق الأوسط – ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

علاقات الناتو وتركيا البحر الأسود البحرية التركية العلاقات التركية الأمريكية العلاقات التركية الروسية

تركيا: اختبارات منظومة إس-400 لا تعني ابتعادنا عن الناتو

روسيا تستبعد سعي تركيا لتحقيق فكرة طوران العظيم.. ما القصة؟

روسيا: العلاقات مع الناتو في أدنى مستوياتها وجميع الاتصالات توقفت

مناورة بحرية عسكرية مشتركة بين تركيا والناتو