مغالطة التنافس بين القوى العظمى في الشرق الأوسط

السبت 13 مارس 2021 05:29 ص

يبدو أن شبح التنافس بين القوى العظمى سيكون أحدث تفسير يناسب الجميع لتبرير وتوجيه السياسة الأمريكية بشأن الشرق الأوسط. وبغض النظر عن القلق بشأن شراء مصر المحتمل لطائرات مقاتلة من روسيا أو القلق من تنافس روسيا والصين على النفوذ الإقليمي على حساب المصالح الأمريكية، يبدو أن المسؤولين الحكوميين مستعدين للشروع في "لعبة كبرى" جديدة ترتكز على فخ التنافس بين القوى العظمى.

ولطالما شكلت الروايات الكبرى سياسة واشنطن تجاه الشرق الأوسط. وبعد إطلاق "الحرب العالمية على الإرهاب" تم اعتبار الالتزام الديني والمشاعر المعادية للغرب مصادر تهديد خطيرة. ونظرا للتركيز المفرط على الهوية الطائفية فقد تم النظر إلى جميع الديناميكيات الإقليمية من خلال عدسة السنة مقابل الشيعة والتنافس بين السعودية وإيران. وتعد سردية "اللعبة كبرى" مجرد تكرار لهذه الرؤى السياسية المتضخمة السابقة، الأمر الذي يأتي على حساب الديناميكيات الداخلية للمنطقة ويختزل المشهد بشكل يصور دول المنطقة على أنها مجرد بيادق بيد القوى العظمى.

وفي عام 2021، يواجه الشرق الأوسط نقطة انعطاف مهمة، حيث ألهمت الاقتصادات المتعثرة، ووباء فيروس كورونا، والافتقار إلى الحكم الرشيد، دعوات لإجراء تغييرات هيكلية في جميع أنحاء المنطقة. وتصاعدت الاحتجاجات من الجزائر والسودان إلى لبنان والعراق بشكل مطرد على مدار العامين الماضيين، فيما أطلق عليه البعض النسخة الثانية من الربيع العربي. ومع الدمار الذي أحدثه الوباء وتزايد الاستبداد في جميع أنحاء العالم، فإن المخاطر أكبر، وتكاليف الفشل أكبر.

لقد أضاعت الولايات المتحدة فرصا حاسمة خلال الإدارات الماضية للتخلي عن تحالفها المستمر منذ عقود مع الحكومات الفاسدة والاستبدادية، التي تواصل واشنطن دعم الكثير منها. ويجب على الولايات المتحدة أن تتخفف من العبء الأيديولوجي الذي أدى إلى سوء قراءة الديناميكيات الإقليمية.

وعلى سبيل المثال لا يعد اللاعبون المحليون الذين يتحدون الحكومات في العراق وبعض الدول الخليجية مجرد أتباع لإيران بسبب انتمائهم الشيعي. كما أن تلك القوات التي لها علاقات فعلية مع إيران، سواء ماليا أو عسكريا، لا تتبع أوامر إيران بشكل صارم. أما جماعات الإسلام السياسي، مثل الإخوان المسلمين، فلا تميل لقلب النظام باستخدام العنف، وعلى العكس من ذلك فإنها تميل إلى العمل في إطار الديمقراطية.

وساهم اشتراك واشنطن في مثل هذه الروايات الكبرى عن "البعبع الإيراني" و"المسلم الشرير"، من بين أمور أخرى، في قبول التدخل العسكري السعودي في البحرين خلال الربيع العربي، والدعم اللوجيستي والاستخباراتي للقصف الجنوني لليمن، وغض الطرف عن جريمة الإطاحة بأول رئيس منتخب ديمقراطيا في مصر عن طريق انقلاب عسكري.

وبدلا من صياغة استراتيجية للشرق الأوسط ترتكز على "البعبع الصيني والروسي"، يمكن للإدارة أن تتجنب أخطاء الماضي من خلال صياغة سياسات تركز على حقوق ورفاهية الأشخاص الذين يعيشون بالفعل في المنطقة.

ويجب على الولايات المتحدة أن تواجه انتهاكات حقوق الإنسان التي يرتكبها شركاؤها الإقليميون، وأن تتجاوز معادلة "الأسلحة مقابل الأمن" والتي كانت حجر الأساس نظرة الولايات المتحدة للأمن الإقليمي خلال نصف القرن الماضي، وليس فقط خلال إدارة "ترامب".

وتحتاج الولايات المتحدة إلى إعادة تقييم علاقتها "الخاصة" مع السعودية، وإعادة تقييم مبيعاتها من الأسلحة إلى مصر والإمارات، وتوبيخ الدول الثلاث على القمع الذي تمارسه في الداخل وأنشطتها المزعزعة للاستقرار في الخارج، بما في ذلك دعم القوات العسكرية في السودان و ليبيا ومحاولة تقويض الحركات الديمقراطية في شمال أفريقيا.

وبدلا من دعم الأنشطة الاستبدادية لهذه الدول وغيرها، يجب على واشنطن أن تستثمر طاقتها في إقامة شراكات مع الهيئات والجماعات المدنية. ويجب ألا تسمح لمخاوفها من أن تتدخل روسيا أو الصين لتزويد تلك الدول بالأسلحة أن تكون مبررا لمواصلة بيع الأسلحة لمنتهكي حقوق الإنسان.

وبدلا من السماح للمنافسين العالميين والشركاء الإقليميين المتورطين في صراعات بالوكالة بتقسيم المنطقة، يجب على الولايات المتحدة الاستفادة من دبلوماسييها وخبرائها لفهم مدى تعقيد وتفرد كل صراع في المنطقة.

ويعني هذا أيضا أخذ التطلعات والحركات المدنية على محمل الجد. ويجب أن تستمع واشنطن إلى الشكاوى المبررة بشأن الفساد وسوء الحكم والقمع، وأن تدرك أن الحق في حكومة تمثل شعبها مطلب مشروع.

كما يعني ذلك عدم اختزال الحركات الشعبية في الداعمين الدوليين الذين قد يمولون أو يدعمون هذه الحركات.

ولا تعد صراعات مثل اليمن وسوريا مجرد فرص للأنظمة الأكثر عسكرة في المنطقة لتأمين دعم الولايات المتحدة ضد أعدائهم المسلحين، ولكنها أيضا فرصة لكبح مطالب الشعوب بالتخلص من الحكام الفاسدين والمستبدين. ولا تؤدي الحروب المطولة التي تغذيها الجهات الخارجية إلا إلى نزيد من معاقبة الشعوب على تطلعاتها ونضالها من أجل مستقبل أكثر إنصافا.

إن الشرق الأوسط أكثر من مجرد ساحة معركة تتنافس فيها القوى العظمى على الهيمنة العالمية. بل هو منطقة ديناميكية يستحق شعبها مراعاة واحترام القوى العالمية والحصول على الحقوق والحريات التي تتمتع بها الشعوب في أماكن أخرى من العالم. ويجب ألا تقع الولايات المتحدة فريسة في فخ التنافس بين القوى العظمى على حساب دعم تطلعات الشعوب لمزيد من الاستقرار والحريات.

المصدر | كيفن شوارتز وماندي تِرك/ريسبونسيبل ستيتكرافت - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

القوى العظمى الهيمنة العالمية تطلعات الشعوب الربيع العربي الأمن الإقليمي

البنتاجون: السعودية شريك رئيسي لأمريكا وركيزة مهمة لأمن الشرق الأوسط

كيف يتأثر الشرق الأوسط في عصر تنافس القوى العظمى؟